مقدمة
اليوم أقدِّم لبني وطني خلاصةَ رحلاتي في مشارق الأرض ومغاربها، تلك التي سلخت من وقتي ثلاث عشرة سنة متتالية، تطلَّبَتْ مني جهدًا ممضًّا لازمني زهاء أربعة أشهر ونصف من صيف كل عام من هاتيك، وكان متوسط ما كلَّفَتْه إياي من مال ثلاثمائة جنيه كل عام، أعني نيفًا وأربعة آلاف جنيه، رغم التقتير والحرمان والحرص على الاقتصاد ما جهدت، وقد قطعت خلال كل أولئك نيفًا ومائتي ألف كيلومتر، أي مدى الطواف حول الكرة الأرضية مرات خمس.
وقد دوَّنْتُ مشاهداتي كلها مفصَّلَة في عشرة مؤلَّفات، كان لها في أبناء الجيل الحاضر الأثر المحمود الذي كنتُ أرمي إليه وأضعه نصب عيني، والآن أبيت قرير العين؛ إذ أرى الكثير من أبنائي قد أثَّر فيهم ما كتبت، فأخذوا يغامرون بالنزوح والارتحال ليروا العالم على حقيقته وليتسع أفق تفكيرهم، وها قد أصبح هذا العصر خير عون لهم على ذلك، وقد تعدَّدَتْ وسائل النقل ورخصت أجورها وضوعفت سرعتها مما لم يكن يتاح لأمثالي بالأمس.
ولعلهم يجدون في هذا الكتاب الذي يُطوِّف بهم في بلاد الدنيا قاصيها ودانيها خير مشوق وأجدى دليل.
وها قد بدأَتْ في بلادنا نهضةٌ أدبيةٌ موفَّقَة، فقامت الهيئات تشكِّل وتعمل على التأليف والنشر وتيسِّر لذوي الفكر رسالتهم في خدمة هذا البلد الأمين الذي أضحى بحقٍّ زعيمَ الحركة الفكرية والثقافية في العالم العربي خاصةً، وبلاد الشرق عامة. وفي طليعة تلك الهيئات «دار الفكر العربي» التي تساهِم في هذا العمل الوطني بأكبر نصيب، والتي قامت بنشر كتابي هذا.
وفَّقَها الله وإيانا إلى خدمة هذا الوطن المفدى في ظل مليكنا الوثَّاب فاروق الأول، أعز الله به البلاد.