مقدمة
بقلم: محمود السعدني
«على باب الله» هو أول عنوان اخترتُه ليكون بروازًا على مقالي في الصفحة الأخيرة ﺑ «المصور»، ولم يكن لي علاقة ﺑ «المصور»، أو بأي مجلة تصدرها «دار الهلال»، صحيح أنني عملت ﺑ «دار الهلال»، فترة انقطعَتْ عام ١٩٥٣م، وكانت فترة قصيرة لم تَزِد على ثلاثة أشهر، خلالها اكتشفوا أن العبد لله لا يصلح للمهنة، واكتشفتُ أنا أيضًا أنني لا أصلح للمهنة معهم، وقد تركتُ العمل في صحف «دار الهلال»، وعملتُ فترة في جريدة «القاهرة»، ثم تركتُ «القاهرة»، وانتقلتُ للعمل بجريدة الجمهورية، وعندما تم فصلي من «الجمهورية»، عملتُ ﺑ «روز اليوسف» عام ١٩٥٨م سكرتيرًا لتحريرها وكان فتحي غانم يعمل مديرًا للتحرير، وإحسان عبد القدوس يعمل رئيسًا للتحرير، ثم تركتُ «روز اليوسف»، بعد خروجي من سجن الواحات وفضَّلتُ العمل في مجلة «صباح الخير» حيث كان فتحي غانم قد أصبح رئيسًا لتحريرها، وبقيتُ في «صباح الخير» حتى تولَّيتُ رئاسة تحريرها لمدة ٤ سنوات، ولم أتركها إلا إلى سجن القلعة، وبعد خروجي من السجن اكتشفتُ أنني مفصول من دار «روز اليوسف» بقرار جمهوري، وممنوع من العمل في مجال الإعلام أنا وأقاربي حتى الدرجة الرابعة باستفتاء شعبي حصل على أغلبية ٩٩٫٩٩٩ وأشرف على الاستفتاء نائب رئيس الوزراء النبوي إسماعيل وهو في الوقت نفسه وزير الداخلية الذي أدَّت سياسته الأمنية الرشيدة إلى حادِث المنصة، وهو الحادث الذي كان السبب في حل مشكلتي فعدتُ إلى وطني بعد عشر سنوات في المنفى الاختياري، وكان من الطبيعي أن أعود إلى مؤسَّسة «روز اليوسف» وإلى مجلة «صباح الخير» بالذات، ولكن رئيس مجلس الإدارة وقتئذٍ تفرَّغ لمراقبة مقالات العبد لله، فاضطررتُ إلى التوقف عن الكتابة بعد أن قام برفع مقال للعبد لله كان يحمل نقدًا لوزير الإعلام، وبعد أن أقام المدعي العام الاشتراكي الأسبق دعوى ضد العبد لله أمام محكمة الجنايات بالإسكندرية، والتي حصلتُ على البراءة أمام المحكمة، ولكن حُكم البراءة لم يُقنع رئيس مجلس الإدارة، فظل مُصِرًّا على أنني مُذنب وأستحقُّ الفصل، ودخلتُ فاصل تَحدٍّ مع رئيس مجلس الإدارة، وقمتُ بزيارة مكرم محمد أحمد رئيس تحرير المصور، ولم أكن قد تعرَّفتُ عليه قبل تلك الزيارة، مع أنه من الجيل الذي جاء بعد جيل العبد لله، وعرضتُ عليه المقال الذي انتقدتُ فيه وزير الإعلام، وقلتُ له: سأكتب ﻟ «المصور»، إذا نشرت هذا المقال، وفي الأسبوع التالي نَشَر مكرم محمد أحمد المقال، وقال لي: لقد خصَّصتُ لك الصفحة الأخيرة فاختر لها عنوانًا ثابتًا، فكان عنوان «على باب الله»، ومنذ أكثر من ١٥ عامًا، وأنا أكتب «على باب الله» في «المصور»، ولم يحدث في أي وقت أن حُذِف لي جملة أو عبارة أو حرف، ولم يُرْفَع لي مقال، وشعرتُ بالطمأنينة فانطلقتُ بجرأة أنقد الحكومات المتعاقبة، والوزراء الهمبكة من أمثال الدكتور حسن خضر وزير التموين، ولم أدخل أي مَحكمة خلال مشواري في مجلة «المصور»، وكانت النتيجة أن الصِّلة توطَّدَت بيني وبين مكرم محمد أحمد.
لقد تعرَّفتُ عليه وأصبح صديقي … وتَشرَّفت … وهذا الكتاب يضم لوحات من «على باب الله»، أرجو أن تُنعِش ذاكرتك وأن تُدخِل على قلبك السرور والانشكاح!