شخصية القرن العشرين
في ستين ألف سلامة حضرة جَناب القرن العشرين، قرن الحوادث والكوارث، قرن الحروب والدمار والخراب المستعجل.
في البداية اندلعت نار الحرب العالمية الأولى، ولم تكد تمضي عشرون عامًا حتى شَبَّت نار الحرب العالمية الثانية. وفي الحربين أكلَت النار من أجساد البشر حتى شَبِعت، وشَربَت من دمائهم حتى ارتوت. مجازر لم يشهد التاريخ لها مثيلًا. عشرات الملايين دُفِنوا تحت الأنقاض، ومثلهم دُفِنوا في الخنادق، وناموا نومتهم الأبدية تحت الثلوج.
وقيل: إن جيشًا ألمانيًّا من ثلاثة ملايين جندي انطلقوا ذات صباح من ألمانيا، ووجِهَتُهم موسكو، ومن بين هؤلاء الملايين الثلاثة لم يُكتَب إلا لعشرين جنديًّا رؤية ألمانيا مرة أخرى!
وبالرغم من الخراب والدمار اللذين أحدثَتْهما الحربان العالميتان، إلا أن الكرة الأرضية لم تهدأ ولم تستقر. جاءت حرب كوريا، ثم حرب فيتنام. واندلعت عدة حروب في الشرق الأوسط، وشَبَّت نار الحرب في جزيرة فوكلاند، وفي أفريقيا أكلَت الحروب الأهلية قبائل بأَسْرها. وشهدت القارة الهندية حربين بين الهند وباكستان، وأخيرًا كانت حرب البوسنة، ثم حرب كوسوفا، ثم حرب الشيشان.
ولم تكن الحرب فقط هي التي أكَلَت أرواح الناس، ولكن هناك عدة جبهات للقتال، أمراض لم يكن للبشر عَهْد بها من قبل، أخطرها مرض نقص المناعة الذي يكاد يمحو كل أثر للحياة على أرض أفريقيا.
وإذا كان القرن العشرون يلملم أذياله الآن ليفسح الطريق أمام القرن الحادي والعشرين، فلا أظن أن أحدًا سيأسف لفراقه أو يَذرف دمعة في وداعه. فما أكثر المصائب والنوائب التي شهدَتْها سنواته. وما أغزَرَ نهر الدموع التي ذرفها البشر تحت أقدامه. لم يبقَ لنا إلا أن نهتف في وداعه. في ستين ألف سلامة يا أيها القرن العشرون، لعل القرن القادم يكون أفضل، وأسلم، وأكثر أمنًا وأمانًا لصنف البشر الذين ذاقوا الويلات خلال القرن العشرين. وبمناسبة انتهاء القرن العشرين واستقبال قرن جديد، لماذا لا نُجري استفتاء لاختيار شخصية تكون تعويذة للقرن الذي يستعد للانسحاب الآن. وهي لن تكون عملية سهلة ولن تكون بسيطة، ومع ذلك فلنَخُض التجربة ونتوكل على الله.
والسؤال: ما هي الشخصية التي تصلح علامة على القرن العشرين؟ هل هي شخصية القائد الذي قاد الجيوش ودكَّ العروش وهزم الأعداء ورفع رايته وترك بصمته على وجه التاريخ؟
ولكنَّ القادة المنتصرِين كثيرون. هل نختار روميل أوسع قادة الحرب العالمية الثانية شهرة؟ هل يقع اختيارنا على مونتجمري صاحب الفضل في إحراز نصر العلمين؟ هل يكون اختيارنا من نصيب الجنرال أيزنهاور قائد جيوش الحلفاء في معركة تحرير أوروبا من براثن الجيش الألماني؟
إذا كان لا بُدَّ من اختيار قائد عسكري، فالعبد لله يختار الجنرال جياب قائد الجيش الفيتنامي ضد الجيش الفرنسي، ثم ضد الجيش الأمريكي، وأختار القائد الشيشاني شامل باسييف قائد مجاهدي الشيشان ضد جيوش الإمبراطورية الروسية.
وإذا كنا سنختار شخصية القرن من بين القادة الذين قادوا شعوبهم إلى النصر الكامل بدون أسلحة أو جيوش، فاختيار العبد لله سيقع على المهاتما غاندي زعيم القارة الهندية، وسيكون في مُقدِّمة المرشَّحِين لعملية الاختيار الزعيم الأفريقي نِلسون مانديلا. أما إذا كانت شخصية القرن العشرين ستأتي من صفوف العلماء. فسيكون اختياري للعلامَّة العبقري أينشتاين الذي حطَّم الذَّرَّة. ونجح في إخراج المارد من القُمقم. أما إذا كانت شخصية القرن سيجري اختيارها من بين الزعماء الذين أحدَثوا تغييرًا جذريًّا في مسيرة الحياة، فسيكون الاختيار من نصيب السياسي الفيلسوف جورباتشوف الذي قاد أخطر انقلاب في تاريخ البشرية، وكانت نتيجته زوال المعسكر الاشتراكي، وانفراد أمريكا بزعامة المعسكر الرأسمالي وقيادة العالم كله.
وإذا كانت عملية اختيار شخصية القرن العشرين من بين المفكِّرين والأدباء فسيكون اختياري للأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، والذي نجح في تقديم حرافيش القاهرة إلى المجتمع الدولي، وجعَلَهم موضع الاحترام والتقدير.
أما إذا كان اختيار شخصية القرن من بين نجوم الفن وأبطال السينما، فسيكون اختياري للفنان شارلي شابلن الذي استخدم السينما كسلاح، والذي استطاع أن يُضحِك العالَم ببدلة مهرولة وعصا ملوية وحذاء ضخم لا يستقر في أقدام صاحبه.
إما إذا كان اختيار الشخصية من بين كباتن كُرة القدم فسيكون اختياري للكابتن محمود الجوهري الذي نجح في الحصول على بطولة أفريقيا بالنجوم والكباتن أنفسهم الذين فشلوا في الحصول على كأس جزيرة بدران، وهي معجزة بكل تأكيد ترشحه ليكون نموذجًا وعلامة على القرن العشرين.
أما إذا كان الاختيار سيكون وقفًا على رجال المال والأعمال والمستثمرين من رجال الاقتصاد فسيكون اختياري للحاج فتحي الريان؛ لأنه استثمر بدون رأسمال، وصار من رجال الأعمال بدون حاجة إلى وجود أية أعمال. وما قام به الحاج فتحي هو معجزة من معجزات هذا القرن يستحق صاحبها مكانًا في الصدارة، ودورًا في قيادة هذا الزمان.
تُرى هل نَسينا طائفة من الطوائف أو مِهنة من المهن فلم نُرشِّحها في هذا الاستفتاء؟
أعتقد أننا نَسينا طائفة مؤلِّفي المُسلسَلات التليفزيونية، وأُرشِّح من بينهم مؤلِّف حارة المحروسة، لأنه كالدنيا يؤلِّف ولا يؤلفان!