شكرًا لعمدة البنوك!
ابن حارتنا العزيز محمود السعدني الكاتب اللَّوذعي
تحية طيبة وبعد:
يعلم الكل أن القادرين على مقارعتكم قليل، أما الأسلوب المتمكن بسخرية، فهو تَفرُّدُكم بلا مُنازِع، وأين أنا من كل ذلك … تعلم يا صديقي وعمدة حارتي … أنه سبق لنا منذ سنوات قليلة حديث مماثل تم بالمصادَفة في أحد مطاعم لندن بحضور وزير خارجيتنا الألمعي وسفيرنا هناك، عن موضوع قروض البنوك نفسه، والمبالَغة الصحفية في التهويل في تناوُل هذا الأمر حتى ظن القارئ أن أموال البنوك سداح مداح، وحَقٌّ مُباح لكل من يمر على البنك، والهبر أساس العمل المصرفي — وأعتذر عن الاقتباس عنكم — وأصابَنا هذا في الصميم، وانتعش العمل الأدبي والفني على حساب هذا الجهاز السيئ الحظ، ولا أدَّعِي لنفسي أي حق إلا ما دعوتني لتوضيحه، وأصدقكم القول إن ما قام به الجهاز المصرفي من جهد وعمل يَندُر أن تقوم به بنوك دول أخرى بالمنطقة في مرحلة للإصلاح الاقتصادي. بدأت منذ ثماني سنوات فقط من نظام اقتصادي مركزي إلى اقتصاد السوق، بكل تَحدِّيَات التحول ومشاكله، وقطاع خاص أسند إليه غالب النشاط الاقتصادي، وعُمْر هذا القطاع وتاريخه وتكوينه لا يخفى على أحد، إن القرار المصرفي إذا تم بعد أخذ عناصره في الحسبان، وتم بلا غرض أو هوى أو منفعة شخصية فلا تثريب ولا مسئولية على من اتخذه، والبنوك جزء من كيان المجتمع تحمل كل صفاته وأخلاقياته، ولا بُدَّ أن هناك نسبة اختلال أو ضعف أو حتى انحراف ولكن ما هي النسبة؟ وكيف؟ ولماذا؟ … إلخ.
أسئلة كثيرة إجابتها في اختصار أنَّ الخلل والتَّعثُّر نسبته أكثر من مقبولة أخذًا في الاعتبار … كيف؟ … ولماذا؟ أما الانحراف والفساد — ونحن كمصريين نتفق تمامًا مع الجميع على ضرورة التصدي له بحسم وقوة — فبنسبة لا تُقاس بما يحدث في العالم كله أثناء مراحل التحوُّل الاقتصادي. أين نحن مما يحدث في صديقتكم روسيا وغيرها؟! بل قام القطاع الخاص المصري بدور عظيم — رغم حداثته — في هذه المرحلة من تعاظُم دوره حتى بلغ نحو ٦٥٪ من النشاط الاقتصادي.
أخي الكبير العزيز:
إن ما جاء بمقالك من تعميم ظالِم بأن جميع فروع البنوك في كل أنحاء مصر مُتورِّطة في هذا النهب والنزيف، ولا شك أنك لا تقصده يقينًا. بل وإن الشرفاء من رجال بنوك مصر فَخُورون بأعراف وتقاليد مصرفية وُضِعَت بمصر منذ أكثر من قرن من الزمان، وصديقك الإنجليزي إياه مخطئ تمامًا كمصرفي، فالعِبرة بقوة الضمان، وليس بضرورة كونه خارج الحدود ولو من «تشيس مانهاتن».
يا صديقي العزيز … ارحمونا يرحمكم الله فنحن نحتاج تَفهُّمَكم، ونحن نعمل في ظروف بالِغة الصعوبة، ورياح المنافَسة والتغيير قادِمة من الخارج بلا ريب، ولدينا رقيب قَوي لا يقبل أي خلَل وليس انحرافًا، وقضاؤنا العادل هو أَملُنا في الإنصاف، فالبنوك هي القلب المُحرِّك للنشاط الاقتصادي لمجتمع يطمح إلى كَسْر حلقة الكساد والانتعاش والنمو.
يا ابن حارتي العزيز … لن يستطيع مثلك أن يحصل على أي قرض بأي مبلغ إلا إذا كان لغرض مُحدَّد مشروع، وقُدرَتك على سداده بادية من التَّدفُّقات أو الجدوى، أو قدرتك على إدارته بدون ضمان من خالتك بهانة.
والمساحة لا تكفي يا عزيزي … ولو دعوتني إلى فنجان شاي سأوضح لك ما بقي من غموض.
الأخ والصديق البنكير محمود عبد العزيز، رئيس البنك الأهلي المصري ورئيس اتحاد البنوك العربية، وهو قبل ذلك وبعد ذلك ابن حارتنا، وهو شرف كبير أن يكون عمدة المصارف العربية من أبناء حارتنا. وواجب عليه الدفاع بشدة عن جميع المصارف في العالَم العربي عمومًا، وعن المصارف المصرية على وجه الخصوص، وإذا كان يعتب علينا لأننا نُبالِغ أحيانًا في اتهاماتنا للجهاز المصرفي … وله حق في هذا العتاب … فنحن نعتب عليه أيضًا مبالغته في الدفاع عن جميع البنوك المصرية. وإذا كان العبد لله يعترف بأن معلوماتي عن الأعمال المصرفية هي الخالق الناطق كمعلومات خالتي بهانة عن اللغة الكمبودية. إلا أن ما نقرؤُه في صفحة الحوادث عن بنوك نُهِبَت وأموال سُرِقَت تجعل أمثالي من الهواة يَتصوَّرون أن هناك خللًا ما لا نستطيع إدراك حقيقته، وحبذا لو تكرَّم عمنا محمود عبد العزيز وشرح لأمثالنا من الذين لا يعرفون حقيقة المسألة وكيف يسمح بنك ما بإقراض رجل من أمثالنا عدة ملايين بدون ضمانات حقيقية. كيف حصلت السيدة علية العيوطي على هذه القروض؟! وما هي الضمانات التي قدَّمَتها حتى يحتفظ البنك بحقه إذا ضربت السيدة أو غيرها بمبة وهات يا فكيك؟!
بالطبع لا شك في أن هناك شرفاء بين رجال البنوك وهناك كثيرون حريصون على المال العام، ولكن لا شك أيضًا أن هناك أناسًا آخَرين من بتوع الثلاث ورقات، ويصبح الجو بديع والدنيا ربيع لو قَضينا على هذا الصنف من بتوع الفريكيكو. والعبد لله يوافق السيد رئيس البنك الأهلي في أن هناك من بين الذين اقترضوا ولم يُسدِّدوا مواطنين شرفاء عجزوا عن السداد لظروف قهرية، وهؤلاء لا ملام عليهم؛ لأن ظروف السوق تحكم أحيانًا، كما أن غدر الزمان وارد في أمور التجارة وفي مصير التجار. ولكن واضح من الحوادث التي نقرأ تفاصيلها أن بعضهم اقترض وهرب مع سبق الإصرار والترصد وأن بعض الذين ارتكبوا هذه الجرائم استغلوا بعض الثغرات، كما استعلوا بعض ضِعاف النفوس وهذا بالضبط هو ما نطالب بمواجهته بقوة وبحزم حتى نمنع عملية نَهْب مصر من جانب بعض من لا ضمير لهم ولا شرف، وأعتقد أنه لا يوجد أقدر من محمود عبد العزيز لوضع الخطط اللازمة لمواجهة مثل هذه التصرفات التي تصيب مصر في الصميم.
إن قصص بعض الذين نهبوا وهربوا هي مأساة تصيب القلب وتُدميه. فالذي يهبر مائة مليون دولار يترك خلفه مائة ألف عاطل ومائة ألف مُتسوِّل ومائة ألف مريض لا يجد لمرضه علاجًا على الإطلاق، وضَرْب هؤلاء واجب وطني وينبغي أن يشمل الضرب هؤلاء المتواطئين معهم من رجال البنوك ولا يضير الجهاز المصرفي أن يكون من بين رجاله بعض الفاسدين ولكن الذي يضيره حقًّا أن يفلت هؤلاء الفاسدون من العقاب.
والعبد لله شخصيًّا يعرف بعض رجال البنوك معرفة شخصية ويعرف كم عانى هؤلاء الشرفاء من الفَلس وضيق ذات اليد مع أنه كان من السهل عليهم أن يعيشوا عيشة الحباكين وغيرهم من كبار الهابرين. والكورة الآن في مَلعب الأستاذ محمود عبد العزيز ابن حارتي التي تَتشرَّف بانتسابه إليها، ويستطيع بخبرته الطويلة وعلمه الغزير وتجربته الواسعة أن يُقدِّم لنا حلًّا لوقف هذا النزيف الذي تَسبَّب في ضرب اقتصاد مصر حيث تَسرَّبت ملايين الدولارات والجنيهات إلى من لا يستحق بمساعدة بعض الذين لا يملكون.
شكرًا للأخ الكبير محمود عبد العزيز، رئيس اتحاد البنوك العربية على خطابه الرقيق، وشكرًا له مرة أخرى على جهوده القادمة لمنع هذه الجريمة في المستقبل القريب.