أبو الهنود سلمت يداك
هو عذر أقبح من ذنب، هذا البيان الذي أذاعته إسرائيل بعد المعركة التي نشبت بين الفرقة اليهودية الخاصة المُدرَّبة تدريبًا عاليًا على حرب الشوارع، وبين الفدائي العربي أبو قلب ميت المدعو «أبو الهنود»، وكانت نتيجة المعركة سقوط ثلاثة قتلى من عساكر الفرقة الخاصة، ونجاة أبو الهنود من القتل، ومن الأسر، وفراره من قبضة الفرقة المدربة على أعلى مستوى، ولجوءه إلى السُّلْطة الفلسطينية.
أما العذر الذي هو أقبح من الذنب فهو الادعاء اليهودي بأن الجنود الإسرائيليين الثلاثة سقطوا قتلى برصاص زملائهم من الفرقة الخاصة، ولو صح هذا الزَّعم فهو يكشف مدى الخيبة التي هي بالويبة التي أصابت جنود الفرقة الخاصة فأطلقوا النار على بعضهم البعض، وإذا كانت هذه الخيبة قد أصابت الفرقة الخاصة، فماذا يكون الحال مع الفرقة العامَّة؟ والفرقة الخاصة شأنها شأن فرق الصاعقة، تدريب عنيف وممتاز على كل فنون القتال بالذخيرة الحية وبالسلاح الأبيض وبالجودو وبالكاراتيه وبالملاكمة وبالمُصارعة، وإذا كان هذا النوع من الجنود يحتاج إلى طاسة الخضة في معركة مع شخص واحد هو أبو الهنود، فماذا يكون عليه الحال إذا واجهوا في معركة قادمة أبو الهنود وعم الهنود وخال الهنود، وجَد الهنود، إذا كان رجل واحد من طراز أبو الهنود قد بَثَّ الذُّعر في قلوب جنود الفرقة الخاصة فلم يدركوا من شدة الذُّعر في أي اتجاه يطلقون النار، وفي أي جانب يقف العدو، وفي أي جانب يوجد الصديق؟ ومنذ فرار الجنود الإسرائيليين ليلًا من جنوب لبنان تحت ضربات أعضاء حزب الله الأبطال، ومعدن الجيش الإسرائيلي تظهر حقيقته يومًا بعد يوم، إلى أن وقعت معركة الفرقة الخاصة مع البطل أبو الهنود، إنها بُشرة خير بإذن الله، وهي ترجمة أمينة لقول الشاعر:
وقد وصلت إسرائيل إلى تمام عافيتها في حرب ١٩٦٧م، ثم بدأت في النقصان خلال حرب الاستنزاف، ثم خابت خيبة يني في حرب أكتوبر، لقد ولَّى الوقت الذي كان الزمن مصدر السرور والحبور لإسرائيل، وجاء الزمن الذي سيكون خميرة العكننة لإسرائيل وفِرَقها الخاصة، وللعبد لله أمنية أرجو أن يحققها الرئيس ياسر عرفات، فالبطل أبو الهنود لا يستحق السجن، فهو لم يهاجم أحدًا، ولم يقطع الطريق على أحد. ولكن اليهود هم الذين حاصروه، وهم الذين أطلقوا النار عليه، أما قتلاهم فقد شهدوا هم أنفسهم بأنهم قُتلوا برصاص زملائهم، فلماذا السجن؟ ولماذا العقاب؟ أما أنت يا أبو الهنود فأنت في الحقيقة أبو الرعود، وأبو الحدود، وأبو الحشود، وأبو الجنود، نسأل الله أن يكثر من أمثالك، وسَلِمَت يداك، وألف قبلة على جبينك يا بطل!
•••
وهكذا جاء الدكتور نعمان جمعة عَبْر انتخابات حزب الوفد ليجلس على المقعد نفسه الذي جلس عليه سعد زغلول، ومصطفى النحاس، وفؤاد سراج الدين، والدكتور نعمان جمعة يستحق الجلوس على مقعد رئيس الوفد، فهو سياسي بارز ويعرف قيمة نفسه ويعرف أيضًا قيمة الآخَرِين، كما أن به إنصافًا وتُؤَدة وبإمكانه أن يدخل التاريخ من أوسع الأبواب لو استطاع أن يضع الوفد على الطريق الصحيح، فليس من المعقول أن يظل حزب الوفد حتى الآن مُصرًّا على إنكار ثورة ٢٣ يوليو، مُتشبِّثًا بأنها حركة الجيش، وأحيانًا يصفها بالانقلاب، مُنكرًا أي إنجاز للثورة، فالسدُّ العالي منع الطمي وتسبَّب في تخريب الأرض الزراعية، وحال بين السردين والشواطئ المصرية، وتأميم القناة كان بمثابة طلقة في الظلام؛ لأنها كانت ستعود لمصر بعد عام واحد من التأميم، ومنح حق تقرير المصير لشعب السودان، سمح للسودان بالانفصال عن مصر، وصفقة الأسلحة التشيكية لم تجلب على مصر إلا الحصار والدمار والحرب، والاشتراك في حرب اليمن كانت السبب في خراب مصر واستنزاف الخزينة المصرية ودفن الألوف من شباب مصر في تراب اليمن، وعيب أن يكون هذا هو موقف الوفد من ثورة ٢٣ يوليو، خصوصًا وهو أعظم أحزاب مصر في فترة ما قبل الثورة، وكل ما أنجزته الثورة كان من أحلام الوفد القديم، كان النحاس باشا يسعى بكل قواه لتحجيم هيمنة سراي عابدين، والحد من نفوذ السفارة البريطانية، وحاوَل مصطفى النحاس وضْع نهاية للاحتلال البريطاني وانتهى في أكتوبر عام ١٩٥١م إلى إلغاء المعاهدة المصرية - البريطانية، وإعلان الحرب الشعبية على جنود الاحتلال في منطقة القناة، وكان النحاس يحلم بتنمية مصر لصالح شعبها، وقد نجح عبد الناصر في تحقيق هذه الأحلام، أي إن الثورة المصرية كانت امتدادًا لحكم الوفد الذي لم يهنأ بحكم مصر إلا فترات قليلة متباعدة بينما تربعت أحزاب الأقلية على دكة الحكم.
صحيح أنه في ظل ثورة ٢٣ يوليو كانت هناك مُعتقَلات، وسجن حربي، ومحاكم عسكرية، ومُطاردة للمعارضين، وكل هذا صحيح ولا يستطيع أحد أن ينكره.
مبروك للدكتور نعمان جمعة رئاسة حزب الوفد، ومبروك لحزب الوفد رئيسه الجديد نعمان جمعة، خليفة سعد زغلول، ومصطفى النحاس، وفؤاد سراج الدين.