ورطة كوفي عنان
أغرب ما سمعتُ هذا الأسبوع هو الخبر الذي أذاعته جميع وكالات الأنباء عن اختطاف ۱۱ جنديًّا بريطانيًّا ضمن القوات البريطانية التي تعمل في سيراليون لتدريب الجيش في الدولة الأفريقية على قتال قوات الثُّوار التي يقودها الجنرال سنكوح، ولم أفهم كيف يتم خطف ١١ جنديًّا حضروا إلى سيراليون لتدريب جيشها، مع أن هؤلاء الجنود بالطبع مُسلَّحون بأحدث أسلحة العصر، كما أنهم ليسوا في مهمة تدريب فقط، ولكنهم في مهمة تدريب وتأمين للنظام القائم في سيراليون، فكيف بالله عليكم يتم اختطاف مثل هؤلاء الجنود؟ هل هم أطفال؟ هل هم جماعة من السُّياح جاءوا إلى سيراليون لاصطياد الأفيال فَضلُّوا طريقهم في الغابة؟ ووقعوا لسوء الحظ في طريق طرزان فاختطفهم بمساعدة شيتا، ثم ربطهم في حَبْل وجرَّهم خلفه إلى مكمنه في قلب الغابة ليشوي بعضهم على جمر النار، ويسلق البعض الآخر في البرميل لزوم الشوربة قبل وجبة العشاء.
هل يصدق أحدكم هذا الخبر الذي أذاعته وكالات الأنباء العالمية وكل القنوات الفضائية؟ الأكيد أن الخبر مُفبرَك، وبالرغم من ذلك ورَّطوا سكرتير عام الأمم المتحدة كوفي عنان فأصدر بيانًا ناشد فيه ثُوار سيراليون إطلاق سراح الجنود المختطفين، ولا ينقص الآن إلا استئجار منادٍ يقوم بالطواف على كل المدن السيراليونية يزعق بالصوت الحياني «يا ولاد الحلال … ۱۱ عسكري تايه، واللي يردهم سالمين له الأجر والثواب من الله».
وأعتقد وأمري لله أن المسألة فيها ملعوب، ووراء إذاعة هذا الخبر مؤامرة يتم نسج خيوطها الآن في الخفاء، ويبدو لي أن أساليب الاستعمار لم يطرأ عليها أي تغيير بالرغم من العولمة، وشبكة الإنترنت والكمبيوتر، وكلنا نعرف أن الإنجليز زعموا قبل غزو مصر أن الجيش المصري يقوم بترميم وتجديد الطوابي على امتداد شاطئ الإسكندرية تمهيدًا لقصف الأسطول البريطاني الراسي في البحر! ثم زعموا أن مصريًّا يعرض عددًا من الحمير للإيجار قام بالاعتداء على أحد المالطيين الذين يتمتعون بحمل الجنسية البريطانية، وعلى الفور وبناءً على هذا الزَّعم اجتاحوا مدينة الإسكندرية، ثم قاموا بغزو مصر كلها بعد ذلك.
هذه التماحيك لا تزال هي العلامة المسجلة على ملاعيب الاستعمار … خصوصًا البريطاني؛ لأنها دولة عتيقة وتحترم التقاليد والعادات القديمة … ولذلك يتوقع العبد لله أن تكشف الأيام القادمة عن النيات التي تَختفي وراء خبر اختطاف الجنود البريطانيين الأحد عشر الذين خطفتهم النَّدَّاهة في أحراش سيراليون، ولكني كنتُ أتمنى ألا يَزُج الأفريقي الطيب كوفي عنان بنفسه وبالأمم المتحدة في هذا الملعوب المُريب، وهي الغلطة الثانية لأمين عام الأمم المتحدة، وكانت الغلطة الأولى حين أبدى إعجابه الشديد بالمجحوم نتنياهو ووصفه بأنه شاب ولديه أفكار عظيمة، صحيح أنه لم يفصح عن هذه الأفكار العظيمة، ولكني أسأله الآن: هل إبادة الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه وتدنيس مُقدَّساته ضمن الأفكار العظيمة؟ أم ماذا؟ يبدو أنه ماذا!
•••
هذه شكوى من العبد لله مرفوعة إلى السيد صفوت الشريف وزير الإعلام، في بداية هذا الأسبوع شاهدتُ برنامجًا دينيًّا على شاشة القناة الفضائية اشترك فيه عدد من المُمثِّلين، وعدد آخَر من الدعاة والوُعَّاظ على رأسهم المرحوم الشيخ إسماعيل العدوي، ولكن الأمر الذي جعلني أهتز غضبًا هو ظهور شخص متهم بالنصب والاحتيال في البرنامج وقضى وقتًا طويلًا يعظ الناس، ويَهدي الضالين، ويُثبِّت إيمان الحائرين.
ولم أفهم كيف حدث هذا مع أن الشخص إياه سبق القبض عليه منذ فترة واتهمته النيابة بالنصب والاحتيال، وثبت من تحقيقات النيابة أن هذا الشخص غير مُؤهَّل لمهنة الوعظ، كما تَضمَّنَت التهم التي وجَّهتْها إليه النيابة أنه كان يسب الخلفاء الراشدين وينسب إليهم أقبح الرذائل، كما اتهمته النيابة بالاحتيال على أرمل وابتزاز أموال كبيرة منها بحجة بناء دار رعاية للأيتام في قريته، ثم ثبت من التحقيق أنه أقام بالمبلغ طابقًا آخَر فوق منزله لزوم قضاء فصل الصيف فيه، وخلال وجود الشيخ المزعوم في الحبس الاحتياطي خاضَت جميع أجهزة الإعلام في موضوع القضية وتفاصيلها، والعبد الله لا يفتري على النَّصَّاب ولا يبالغ، وكل الاتهامات التي ذكرتُها لها أصل في الأوراق، ولا أدري كيف انتهَت القضية ولكن الشيء المؤكَّد أنه بعد الإفراج عنه مُنع من إلقاء خطبة الجمعة في المسجد الذي كان يمارس فيه هذه المهمة، ولقد تَصوَّرتُ أن أمر هذا المحتال قد انتهى، ولكني فوجئتُ أوائل هذا الأسبوع بالنَّصَّاب يجلس متربعًا على شاشة القناة الفضائية، وهات يا وعظ في مخاليق ربنا، وهات يا شرح في صفة قادر ومقتدر.
ماذا يقول الناس الذين تابعوا قضية النصاب إياه وعرفوا تفاصيلها؟ وهل كانت السلطات تمزح عندما ألقت القبض عليه؟ وهل كانت النيابة تمزح عندما أمرت بحبسه احتياطيًّا وجدَّدتْ حبسه عدة مرات؟ وهل كانت وزارة الأوقاف مُتجنِّية وظالمة عندما منعَت النَّصَّاب من إلقاء خطبة الجمعة في المسجد الكائن بالجيزة، والذي كان يمارس فيه هذا العمل؟
أعرف أن المسئولين عن القناة الفضائية سيقولون إن البرنامج قديم … وهذا صحيح ولكن لماذا لم يسارع هؤلاء المسئولون بمسح هذا الشريط بعد إلقاء القبض على النَّصَّاب ومنعه من إلقاء خطبة الجمعة؟
والسؤال الآن … هل السماح بإذاعة هذا البرنامج كان من باب السهو؟ أو كان نتيجة اتفاقات جانبية تَمَّت تحت الترابيزة وبعيدًا عن أنظار المسئولين؟
وأيًّا كان السبب الذي سمح بإذاعة هذا البرنامج، فالأمر يحتاج إلى تحقيق وإلى تفسير، أما إذا كان هناك إصرار على إذاعة هذه الحلقات التي اشترك فيها هذا النَّصَّاب، فليكن عنوانها «الشيطان يعظ».