يا مهلبية … يا!
للمرة العاشرة على الأقل أُريد أن أقول للسيد صفوت الشريف وزير الإعلام: إن هدفنا الوحيد هو تطوير العمل الإعلامي لكي يصبح في المقدِّمة، وليكون لائقًا بمصر الدولة ومصر الشعب؛ لأنه عيب جدًّا أن يتقهقر إعلامنا بينما يتقدَّم الآخَرون … وسأضرب لسيادة الوزير صفوت الشريف مثلًا ببرنامج «صباح الخير يا مصر» وهو برنامج مُعلَّب ويشبه الأطعمة المحفوظة، نشرة أخبار في البداية، نَشرَة مرَّت على السيد المدير، والسيد الوكيل، والسيد المراقب، والسيد رئيس الوردية، ثم فقرة زراعية، والنشيد الخالد «عاوزينها تصبح خضرة» ثم فقرة المرور في القاهرة حيث «الكثافات» المرورية، ثم الفقرة الطبية إلى آخر فقرات البرنامج التي أصبحت مثل النُّكت القديمة التي لا تجد من يضحك لها.
وأقول لسيادة الوزير وللسادة الذين معه، الفقرات كلها حلوة وممتازة ولكنها ليست في مكانها الصحيح، خصوصًا وبرنامج صباح الخير يا مصر يُذاع على القناة الفضائية، والفقرة الزراعية تصبح مفيدة جدًّا لو أذيعت في قناة طنطا، أو قناة الصعيد، ولكن ما ذنب المشاهدِين في لندن وروما لمشاهدة برنامج عن زراعة العنب؟ أو معرفة أحسن الطُّرق لزراعة الكوسة؟ ثم … برنامج المرور في القاهرة، برنامج مفيد ومطلوب ولكن في الإذاعة، ومكانه الوحيد إذاعة القاهرة الكبرى، وفائدته الوحيدة أن يصل إلى سائقي السيارات في الصباح الباكر، ليعرفوا حالة المرور والنقط التي تعاني من «الكثافات»، والنقط الأخرى التي تنعم بالسيولة، أما إذاعته عن طريق التليفزيون فليس له أي معنًى، خصوصًا إذا علمنا أنه يذاع عَبْر القناة الفضائية، وماذا يهم المُشاهد في روما أو باريس؟ إذا كانت هناك كثافات في مِحور شارع الأزهر، وسيولة مرور تحت نفق شُبرا، إن إذاعة مثل هذا البرنامج سيكون في مُتناوَل ست البيت وأرباب المعاشات وبعض الأطفال الذين لم يَصلوا بعدُ إلى سن الدراسة، والذين لن يُغادروا بيوتهم في هذه الساعة إلا بسبب حادثة، أو كارثة، أو وقوع زلزال من نوع زلزال تركيا.
ثم هذه الفقرة التي تستضيف الدكتور ماهر مهران الذي كان وزيرًا للسكان، ثم تحول بعد ذلك إلى وزارة أصحاب المساكن، الفقرة ممتازة ولكنها تصلح لبرنامج المرأة، أما إذاعتها الصبح بدري فهو عمل غير لائق؛ لأن الحديث في الحلقة يدور ويلف في محيط الحَمْل والوَحَم، والحبل السُّري والمشيمة، والكلام بالتفاصيل حول هذه الأشياء قد يصيب المشاهد بالقرف.
الفقرة الوحيدة التي تناسب برنامج صباح الخير يا مصر هي الفقرة الرياضية … و… لأن الحلو ما يكملش فقد ظهرت الفتيات في البرنامج في زِي غريب يجعلك تتصور أنه برنامج من وضْع حكومة طالبان، وتعطيك انطباعًا بأن المُشرِفين على هذا البرنامج هم من أعضاء «جماعة الناجون من النار»، مع أن هذا البرنامج يُذاع مثله في جميع تليفزيونات العالَم، في دول أوروبا يذاع البرنامج بواسطة فتيات زلط ملط، وفي بلاد أخرى يظهرن في ملابس رياضية نظيفة ولائقة، ولكن في تليفزيون بلدنا فقط تظهر فتيات الرياضة في ملابس أشبه بالأشولة أو الجونيات باللهجة العراقية.
إن البرنامج كله في حاجة إلى إعادة نظر، وأرجو ألا يَغترَّ المسئولون عن التليفزيون بقصائد المديح التي ينظمها بعض المتعاملين مع البرنامج؛ لأن أغلبها غير صادق وغير حقيقي، والغريب أن قصائد المديح تأتي أحيانًا من رجال محترمين مثل الدكتور ميلاد حنا الذي صرح ذات صباح، ومن خلال فقرات البرنامج قائلًا: «برنامج صباح الخير يا مصر أفضل عشرات المرات من البرنامج الذي حمل الاسم نفسه في تليفزيون لندن وتليفزيون نيويورك»، وهو كلام غير دقيق بالمرة، وخطوة مباركة التي أقدم عليها صفوت الشريف بتقديم وجوه جديدة من بين المذيعين والمذيعات، ولكني أقول للسيد الوزير … إن تغيير الوجوه الجديدة لا يعني التغيير في الملامح، ولكن يجب أن يشمل التغيير سلوك هذه النماذج من الأجيال الجديدة، ولكنني فُوجئتُ بالمذيع الجديد يرتدي البدلة والكرافتة ويتحدَّث بالطريقة نفسها التي يتحدث بها الآخَرون، كنتُ أتصوَّر أنني سأرى مذيعًا جديدًا يرتدي القميص والبنطلون مع بلوفر صوف مثلًا، وأن تكون أسئلتُه للضيوف أكثر حِدَّة أو أكثر تحدِّيًا، أن تكون أسئلة المذيعة الشابة أقصر وأذكى، ولكن الذي حدث بالفعل أن الفَرق الوحيد كان في السن، البنت أصغر سنًّا والولد أكثر شبابًا، ولكن الأسلوب واحد، والسؤال يندرج تحت يافطة «اللت والعجن» وهناك حاجة أيضًا إلى تغيير شامل في برامج القناة الفضائية، وسأضرب للوزير نموذجًا لبرنامج واحد اسمه «إبداع» وربما اسمه «لحظة إبداع» ذات مساء في الصيف الماضي انتظرتُ البرنامج لكي أرى كيف يفكر فلاسفة التليفزيون وعباقرته، وجاءت اللحظة ويا داهية دقي، مندوب إعلانات لا يُجيد كتابة سطرين اثنين في أي مجال من مجالات الكتابة، كان مندوب الإعلانات إياه هو المُبدِع الذي اختاره التليفزيون ليقدمه لجمهور المشاهدين على القناة الفضائية، والكارثة الكبرى أن السيد مندوب الإعلانات راح يتكلم ويُثرثِر حول لحظات الإبداع، وكيف أنه يحب سماع الموسيقى لحظة هبوط الوحي عليه، ويُفضِّل الجلوس في حديقة غَنَّاء حيث تغريد الطيور وتفتيح الزهور، وفي النهاية سألَتْه السِّت المذيعة النشيطة، هل ننتظر منك عملًا إبداعيًّا في المستقبل القريب؟ وضحك مندوب الإعلانات النشيط وأجاب في تواضُع: إن شاء الله، فيه فكرة قدامي ولسه أنا باجري وراها، وربما تصوَّر الأستاذ إياه أن الأفكار من صنف الحرامية وأن على المبدِع أن يجري وراها لتسليمها إلى الشرطة! وأقول لسيادة الوزير: هذا البرنامج خطير جدًّا على الأمن القومي؛ لأن مصر فيها خمسة آلاف مبدع على الأقل، من بينهم شُبَّان ظهروا حديثًا، ويحتاج كل منهم إلى من يشجعه ويأخذ بيده، فإذا شاهد برنامجًا من هذا النوع، شعر المبدع الشابُّ بالإحباط وبأنه مهما أبدع، ومهما اجتهد فستكون الأولوية والأفضلية للسيد مندوب الإعلانات، وأسأل من باب الجهل بالأشياء … كم يدفع مندوب الإعلانات من تحت الترابيزة لكي يظهر في برنامج إبداع؟ رأسه برأس نجيب محفوظ، وأنيس منصور، وأحمد رجب، وعاصم حنفي، وغيرهم من المبدعين! وهل ما أفكر فيه صحيح؟ أم أن الجهل والعمى الحيسي وعدم التقدير وعدم الفهم هو الذي جعل حضرات المسئولين عن برنامج «إبداع» لا يعرفون الفرق بين المبدع ومندوب الإعلانات. إذا كانت هذه هي الحقيقة، وإذا كان كله عند بتوع التليفزيون صابون، فَالْطُم على خدك بشقافة وقول معايا وبالصوت الحياني … يا مهلبية يا … يا برامج يا!