حواديت شركة بوينج
شركة بوينج الأمريكية شركة عملاقة بإنتاجها وبرأسمالها وبحجم العمالة فيها، ويكفي أن تعلم أن أكثر من ٦٠ في المائة من حجم الأسطول التجاري الجوي الذي يحلق في فضاء الكرة الأرضية هو من إنتاج الشركة العملاقة، لكن … «يا ميت ندامة على اللي حب ولا طلشي» تصرفات بوينج تجعلها عملاقة من نوع اتحاد شركات الحاج فتحي الريان والحاج السعد، إنها مسئولة عن إنتاج الطائرات فقط، ولكن سقوط الطائرات أو تفجيرها في الجو فليس لها علاقة به، فلا بُدَّ أن يكون وراء هذه الحوادث مؤامرة، أو عمل تخريبي، أو عمل إرهابي، أو أي عمل حد عامله ورابطه على رأس قرموط يسبح في مياه ترعة المريوطية، آخِر تفانين الشركة العملاقة هو موقفها من سقوط الطائرة المصرية في مياه المحيط الأطلنطي، وآخِر تفانين الشركة الأمريكية العملاقة هو الزعم بأن الطائرة سقطت بسبب مشاجرة حامية نشبت بين الطيار ومساعده داخل «قمرة» القيادة، وهناك شواهد كثيرة تُؤكِّد هذا الظن، فما أكثر نشوب المشاجَرات بين سائق الأوتوبيس والكمساري في شوارع القاهرة، وهي مشاجرات تؤدِّي غالبًا إلى سقوط الأوتوبيس في نهر النيل أحيانًا وفي ترعة الإسماعيلية أحيانًا، وزعمَت الشركة العملاقة أيضًا أنه ربما لم تنشب خناقة بين الطيار ومساعده، ولكن الأكيد أن مشاجرة ما نشبَت داخل قمرة القيادة، وربما اقتحم أحد الركاب حُجرة القيادة وانهال ضربًا بأحد الكراسي على نافوخ الكابتن الطيار، وربما كان السبب هو غضب الراكب من الطيار؛ لأنه أمر بمنع التدخين ساعة الإقلاع، وربما بسبب أنه لم ينطق بالكلمات المناسبة لتحية الزبائن الجالسين في الخلف فيقول لهم مرحبًا بهم … «مسا التماسي يا ورد قاعد على الكراسي» وتهمس الشركة عن طريق وكلائها أن لديها تقريرًا دفعَت للحصول عليه دم قلبها يُثبِت أن مثل هذه المشاجرات منتشرة في أغلب قهاوي مصر، وأن قهوة واحدة شهدَت في عام ۱۹۹۸م «۳۰۰ خناقة» بما يقترب من خناقة واحدة كل يوم تقريبًا، وبالرغم من تكذيب التسجيلات في الصندوق الأسود لمزاعم شركة بوينج، إلا أنها ما زالت تُردِّد مزاعمها وأكاذيبها، تمامًا كما ظل الحاج السعد يُردِّد حتى بعد انكشاف أمره أن شركته العملاقة وحدها هي التي يتوقَّف على نشاطها أمن مصر الغذائي والسياسي والاجتماعي، وإذا كانت مزاعم الحاج السعد مُدبَّرة؛ لأن انكشاف أمره سيؤدي به إلى العودة مرة أخرى إلى عالَم الصياعة والضياع، فما هو عذر شركة بوينج العملاقة التي تبيع طائرات كل عام بالشيء الفلاني، وتكسب كل عام كبشة مليارات؟ الحقيقة أن ما يدعو شركة بوينج إلى الكذب هو السبب نفسه الذي يدعو الحاج السعد، فالمنافسة في سوق الطيران رهيبة وخطيرة ومتوحشة أيضًا، وربما هي أكثر وحشية من المنافسة التي كانت قائمة بين الحاج الريان والحاج سامي علي حسن في سوق الإتجار بالعملة، وهناك منافَسة قاسية داخل أمريكا نفسها من شركات تنتج طائرات مختلفة، ولكن المنافس الرئيسي هو الشركة الأوربية التي تنتج طائرات «إيرباص» وحوادث طائراتها أقل بكثير من حوادث طائرات البوينج، وهي تلقى الاضطهاد في أمريكا بالذات، وقد تمثَّل هذا الاضطهاد في منع طائرة الكونكورد من الهبوط في مطارات الولايات المتحدة بحجة أن صوتها يصيب الناس بالإزعاج. مع أن الطائرة أُنتِجَت خِصِّيصى للسفر إلى الولايات المتحدة عبر الأطلنطي، لسرعتها ولأنها تختصر المسافة إلى نصف المدة التي تستغرقها الطائرات النفاثة العادية، مما اضطر الشركة الأوربية إلى وقف إنتاج هذا النوع من الطائرات، خصوصًا بعد إحجام شركات الطيران عن شراء هذا الطراز بالذات، ولكن لحسن الحظ فإن أعضاء هيئة الخبراء التي تتولَّى التحقيق في مأساة الطائرة المصرية ليسوا موظفين في شركة البوينج، كما أنهم بالتأكيد ليسوا مرتشين من الصنف المؤمن بالحكمة الخالدة … «يا بخت من نفع واستنفع!»، ولذلك اضطر كبير المحققين إلى أن يصرخ في وجه المسئولين عن شركة بوينج ناصحًا إياهم بالكف عن هذا الهراء الذي يُكرِّرُونه ويعيدونه بالرغم من الأدلة الواضحة التي ظهرت من خلال الصندوق الأسود.
والعبد لله ينصح اللواء الريان رئيس شركة مصر للطيران إذا ثبت أن مأساة الطائرة كانت بسبب خَلل فَنِّي من صُنع الشركة، وإذا ثبتت هذه الحقيقة فالواجب يقتضينا أن نعامل شركة الطيران المُنتجة معاملة شركات السجائر. صحيح أن المدخن يُقبِل على التدخين بمزاجه، وراكب الطائرة يركبها براحته، ولكن المحاكم الأمريكية حكمت لبعض المدخنين الذين أصيبوا بالسرطان بمبالغ على سبيل التعويض تجاوز بعضها المليار دولار.
أقول هذا القول وأنا مقتنع تمام الاقتناع بأن الطائرة المصرية هوت في المحيط بسبب عمل تخريبي نذل وحقير، وستكشف لنا الأيام أن وراء سقوط الطائرة عمل نذل وجبان ووسخ … ولكن … وبالرغم من أنني متأكِّد من هذا الأمر، إلا أنني أقول بأننا مسئولون أيضًا، مسئولون بتراخينا وإهمالنا وعدم انضباطنا وعدم أخذ الحيطة والحذر، بالرغم من معرفتنا بأن عدوَّنا كلب وخنزير ولا يتورع عن القيام بأي عمل.
رضوان الله على شهدائنا، وغفر الله لنا جميعًا!