والجنسية … إرهابي!
صحيح … بَطَّلوا ده واسمعوا ده … بعد أن صدَّعوا أدمغتنا بالإنترنت، والسموات المفتوحة، وثورة المعلومات فجأة ألْغَوا مرحلة من مراحل سباق داكار - القاهرة؛ لأن مجموعة من الإرهابيين العرب رصدَتْهم الأقمار الصناعية وأجهزة طائرات التجسس، وأكَّدَت المعلومات الوثيقة التي جاءت عَبْر آخِر صيحة في أجهزة التجسس، أن الإرهابيين يتجولون في شمال النيجر بِحُرِّية بَالغة، ويستخدمون في تَنقُّلهم سيارات حديثة وقوية، وأن الهدف من العملية الإرهابية التي جاءوا إلى النيجر من أَجْلِها هو خطف أو قتل الأبطال المشتركين في سباق داكار - القاهرة، وطبعا لأن أجهزة التجسس الحديث لا تكذب، وأنباء الأقمار الصناعية لا تخر الميه، فقد اتخذت جميع الإجراءات لحماية نجوم سباق داكار - القاهرة، وتَقرَّر إلغاء مرحلة النيجر من السباق، وحطت الطائرات الضخمة على أرض مطار النيجر حمَلَت سيارات المتسابقين، وسيارات الحكام وأمتعتهم وفنادقهم المتنقلة، وحطت الطائرات بكل شيء على أرض مطار ليبيا حيث تقرر استئناف السباق في مرحلته الأخيرة من حدود ليبيا إلى مدينة القاهرة.
والحق أقول: إن الإنجاز الطيب الرائع الذي قامت به بعض الدول الكبرى في إفشال المخطط الإرهابي نال إعجاب الكثيرين، فهذا العمل هو مثَل طيب للنظام العالمي الجديد وأجهزته الفعالة، ومن يدري؟ لولا طائرات التجسس، ولولا الأقمار الصناعية لنجح الإرهابيون في تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة ولخسر العالم عشرات من أبطال سباق السيارات الدولي، ولكن الله سَلَّم، وبعد أيام قليلة استأنف المتسابقون سباقهم ووصلوا جميعًا إلى خط النهاية بجوار الأهرام.
وفي القاهرة أقامَوا الأفراح والليالي المِلاح، ووزعوا الجوائز والشيكات، ووضَعوا الدَّرَجات، وانفض المولد على خير، ولكن لم تكد تمضي أيام قليلة حتى أعلن بأن أخبار أجهزة التجسس اتضح أنها فشنك، وأن الأقمار الصناعية أصابتها الشيخوخة، وأن الإرهابيين الذين رصدتهم هذه الأجهزة في شمال النيجر وحذَّرَت من ممارَساتهم وأفعالهم الإجرامية ما هم في الحقيقة إلا مجموعة من السُّيَّاح العرب يقومون بالصيد في شمال النيجر، وهي منطقة مشهورة بوجود الكثير من الحيوانات البرية.
غريبة … ليس في المسألة إرهاب ولا إرهابيين، ولكن ما سجَّلَته الأقمار الصناعية وأجهزة التجسس لم يكن إلا نوعًا من أنواع الرياضات، ربما أقدم رياضة عرفها تاريخ الإنسان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف أخطأت هذه الأجهزة الحديثة التي تكلَّفَت المليارات؟ وهل هناك احتمال أن تقع في خطأ آخَر قاتِل فتُنذِر الإدارة الأمريكية بأن الصواريخ الروسية انطلقَت وفي طريقها الآن إلى الأراضي الأمريكية، أو تفعل العكس فتُنذِر الأجهزة الروسية بأن أمريكا فتحَت أبواب جهنم، وأطلقت جميع أسلحتها النووية، وهدفها إبادة روسيا وشَطْبها من على الخريطة؟ وهو سؤال وجيه ولكن العبد لله يستبعد وقوع مثل هذا الخطأ القاتل، أما الخطأ الذي وقعَت فيه الأجهزة في عملية النيجر، فهو خطأ وارد ومنطقي ومعقول، فهؤلاء العلماء الذين صنعوا هذه الأجهزة عندهم حساسية شديدة من العرب ووجود أي عربي في أي مكان معناه وجود إرهابي في الجوار، وقصة الطيار الأمريكي الذي هبط بطائرته اضطراريًّا ولم يكن هناك أي داعٍ لهذا العمل إلا وجود بعض الركاب العرب على ظهر الطائرة.
طيب … ركاب عرَب وفهمنا … هل قاموا بتهديد أحد؟! هل صوَّبوا فوهة المسدس إلى رأس الطيار؟ … لا لم يحدث شيء من هذا ولكن كونهم مُجرَّد عرب هو دليل كافٍ على أنهم إرهابيون، وأجهزة التجسس معذورة بكل تأكيد فَهُم ليسوا عربًا فقط، ولكنهم يرتدون الزِّي العربي أيضًا علامة التحدي وعدم المبالاة، وليس ببعيد أن يأتي يوم تُكتَب فيه في خانة الجنسية صفة إرهابي بدل عربي، وتصبح أسماء الدول في الواقع وفي نظر الغرب الجمهورية الإرهابية المتحدة، الجمهورية الإرهابية، الإرهابية على وزن الجماهيرية فالغرب المُسلَّح من رأسه إلى ساسه على رأي ستي هدية يشعر بالذُّعر من أي عربي لدرجة أن زعيمة العالم الغربي تعيش حالة من الرعب الدائم، وتعتبر كل عربي هو قنبلة موقوتة على وشك الانفجار … وأبلغ دليل على الرعب القاتل الذي تعيش فيه هو ما حدث منذ أيام عندما ألقت القبض على مواطن عربي من شمال أفريقيا قادم من كندا ووضعوه في السجن تمهيدًا لمحاكمته، وقالت في بيان رسمي: إنه سيقدم للمحاكمة بتهمة الإرهاب وكشريك لعربي آخَر أُلْقِي القبض عليه في فترة أعياد الميلاد وكان على وشك القيام بعملية إرهابية داخل الولايات المتحدة، ولكن الشيء المضحك حقًّا أن البيان الأمريكي اعترف بكل صدق أنه لم يثبت أن هذا العربي الذي ألقي القبض عليه عند الحدود الكندية على علاقة من أي نوع بالعربي الآخَر الذي ألقوا القبض عليه في فترة أعياد الميلاد … الله … طيب ما دام ثبت لديكم أنه لا علاقة له بالمتهم الأول فلماذا القبض والاعتقال والمحاكمة؟ ولكن الحذر واجب طبعًا فهناك تهمة مشتركة بينهما وهي أن كليهما عربي، والعربي للعربي كالبنيان المرصوص، كما أنه في فترة العولمة والخَصْخَصة وآليات السوق تَبرُز الجنسية العربية كتهمة مُستقِلَّة لا تحتاج إلى أدلة أو براهين فأنت عربي … إذن فأنت إرهابي … وعلى جميع الجهات الرسمية والشعبية أن تعامله بما يليق.
وا عروبتاه … ولكن لا سميع ولا مجيب!
•••
أثبت الولد العجوز عادل إمام أن الدهن في العتاقي، وليس معنى الدهن في العتاقي أن أكل البدارة سيِّئ الطعم، أو أن الكتاكيت الشمورت مُرَّة المذاق، ولكن معناه أن عادل إمام موجود بقوة لأن وجوده ضروري، وفي الفن الخبرة لها دور، وعادل إمام خبرته بلا حدود، ورؤيته السياسية مطلوبة خصوصًا في عالمنا الجديد، وأنت لا تستطيع أن تضحك الناس عدة سنين طويلة بهز الكرش أو تلعيب الحواجب، ولكن أضمن لك أن تظل مُضحِكًا على طول الخط إذا تَصدَّيت بالكوميديا لكل مَتاعب الناس وسلَّطتَ الأضواء على كل الأسباب التي تكون حياتهم بالسواد؛ لأن الكوميديا الحقيقية تنبع من مأساة حقيقية، وهذا الشرط ينطبق على مسرحية عادل إمام الأخيرة بودي جارد … والعبد لله أشفق على عادل إمام عندما قرأتُ في الصحف أخبار اعتزامه القيام بدور البودي جارد، وتذكَّرْت على الفور الدور نفسه في الفيلم الأمريكي الذي يحمل الاسم نفسه، فكيف سيقوم عادل إمام بأداء دور البودي جارد كما جاء في الفيلم الأمريكي وهو نفسه محتاج إلى بودي جارد، ولكني بعد مشاهدة المسرحية اكتشفتُ أنهم عالَجوا الموضوع بطريقة مصرية ممتازة فهو ليس بودي جارد طولًا وعرضًا وعضلات ووسامة وخبرة بلا حدود في ضرب المسدسات والكلاشنكوفات، ولكنه بودي جارد غلاسة، وقلة دم، وقلة أصل، ورذالة بلا حدود، ثم بودي جارد عادل إمام تصدَّت لحرامية البنوك وهي قضية الساعة الآن في مصر هؤلاء الذين انتحلوا صفة المستثمرين ومارَسوا الاستثمار بفلوس غيرهم، وليتهم استثمروها بالشكل السليم، ولكنهم استثمروها بشكل يحقق مصلحتهم الخاصة، أما مصالح الوطن، ومصالح الشعب، ومصالح الفقراء، ومصالح أصحاب الدخل المحدود إلى آخِر هذه الأكليشيهات التي سئمناها ومللناها فهي لا تعني شيئًا عند السادة المستثمرين الجدد، وقد نجح عادل إمام في معالجة هذه القضية، وجاءت مسرحيته بمثابة صرخة احتجاج في وجه كل الحرامية.
والبنت رغدة قامَت بدور حرَم الاستثماري الحرامي بشكل يدعو للإعجاب فهي تختلف مع الحرامي وتتمرَّد عليه، وقد تذهب في تَمرُّدها إلى حد الخيانة، ولكن عندما تصل المسألة إلى حد ضياع المستثمر وضياع الثروة فهي تقف بحزم إلى جانبه، ولمع إلى جانب عادل إمام ورغدة الممثل الممتاز عزت أبو عوف في دور المستثمر الحرامي، كما لمع أيضًا سعيد عبد الغني في دور الصديق الصدوق للمستثمر الحرامي، كما أعجبتني المرأة الحيزبون الظريفة التي لا أعرف اسمها ولم أرها قبل ذلك في أي عمل فني، أما الولد رامي بن عادل إمام فقد بَرْهَن على أحقِّيَّته وجدارته، واستطاع أن يكتب شهادة ميلاده كمخرج واعد وفنان.