شكرًا … دكتور الجنزوري!
العبد لله أحد الناس الذين استبدَّ بهم الفرح لخروج الدكتور كمال الجنزوري من الوزارة، ولكني لسبب يختلف عن أسباب فرح الآخَرين. ففي الشهور الأخيرة كان الدكتور الجنزوري لا يعيش معنا وإن كان حيًّا يُرْزَق. كان يوجد في مكتبه منذ السابعة صباحًا ليغرق في بحر من الأضابير والدوسيهات، ومع أنه يزحف نحو الخامسة والستين إلا أن ذاكرته كانت أشبه بكمبيوتر حديث. يحيط بكل التفاصيل في كل مشروع يشرف عليه. وكانت همومه كثيرة من أول كرة القدم إلى المشروعات الكبرى التي هي حجر الأساس لمستقبل البلاد. ومع ذلك … ربما أخطأ الجنزوري، وربما حمل على أكتافه من المسئوليات أكثر مما يستطيع، ربما أمسك بين أصابعه خيوطًا ما كان أغناه عن الإمساك بها. ولكن هذا كله لا ينفي أنه كان نظيف اليد شريف القصد، تفرَّغ تمامًا لخدمة مصر أو في محاولة جادَّة لخدمتها. ولذلك كان واجبًا علينا نحن أبناء مصر أن نشكر الدكتور الجنزوري على الجهد الذي بذله أثناء فترة توليه منصبه.
وهو شكر يستحقه؛ لأن نظرة واحدة على ما كان يوم توليه المنصب وما صار عليه الحال يوم تركه، سيجد أن صورة مصر تَغيَّرت بشدة، وأن حجم الإنجازات التي تَمَّت خلال الفترة التي تفصل بين البداية والنهاية، لا بُدَّ أن يكون وراءه جهد يستحق الشكر ويستحق ما هو أكثر. قد تكون حدثت أخطاء أثناء العمل وهو خطأ مغفور؛ لأنه خطأ في الممارَسة؛ لأن الذين يعملون هم الذين يخطئون. ولا داعي لكشف هذه الأخطاء الآن، ولكننا سنعود إليها في مناسبة أخرى لنضع أصبعنا على المُتَّهم الحقيقي الذي أشاع الفُرقة والخلاف بين الوزراء، وهو مع الأسف الشديد أحد أعضاء المجلس نفسه … ولكن ليس هذا وقته على أية حال.
«لأول مرة في حياتي أجد نفسي بدون شيء أفعله.» وهي محنة بالنسبة لكل مسئول عندما يغرق في العمل فيُهمِل حياته الاجتماعية تمامًا، ثم يستيقظ ذات صباح ليكتشف أنه «بدون شيء يفعله.»
من ناحية أخرى فنحن أيضًا مَدينون بالشكر للوزير الدكتور أحمد جويلي، الرجل الذي رفع شعار الطهارة والشفافية في كل موقع من المواقع التي شغلها، محافظًا لدمياط، ثم محافظًا للإسماعيلية، ثم وزيرًا للتموين. وإذا كان من واجب غيري أن يشكره، فمن واجب العبد لله أن يفعل ما هو أكثر من الشكر؛ لأنه قبل هذا وبعد هذا هو لسان حال دائرة العبد الله في مجلس الشعب. ولعلَّه الوزير الوحيد الذي نجح في انتخابات الجيزة ولم يقطع الصلة بأبناء الدائرة فهو مُثابِر على أداء صلاة الجمعة في مساجدها، وهو حريص على تقديم واجب العزاء في موتاهم، وعقد الجلسات لحل مشاكلهم.
ويجب تقديم شكرنا أيضًا للوزير المهندس ماهر أباظة، نموذج مُشرِّف للعمل الطيب الطاهر. وقد نجح في إشاعة النور في كل أنحاء مصر بفضل المشروعات الكهربائية التي نفَّذها، وأشرف عليها، وأنفق في سبيلها عشرات المليارات. دون أن يجرؤ أحد من هواة اللَّت والعَجن على أن يهمس باسمه في حدوتة من حواديت الفساد. والسبب أن شعبنا الطيب بطبيعته يستطيع أن يفرق بين الفاسد والشريف. وبين المسئول الذي يحب مصر والآخر الذي يحب الفلوس، تحية للوزير المهندس ماهر أباظة، نموذج يُحتذى وقدوة حسنة للأجيال الجديدة من الوزراء.
وإذا كنا قد تعرضنا للوزراء الذين تركوا مناصبهم، فلا بأس من التعرض لبعض الذين جاء بهم التغيير الوزاري. على رأس هؤلاء الدكتور عَلِي الدين هلال، وهو نموذج جيد للكادر المثقَّف الواعي الملتزم بقضايا أمته، وفي اعتقادي أن مجال الشباب كان شديد الحاجة إلى هذا الطراز من السياسيين المثقَّفين من جيل الوسط.
هناك أيضًا الوزير سامح سمير فهمي، وكان العبد لله يعرف والده يرحمه الله … ولكنني لم أتشرَّف بمعرفة الوزير الشاب. ولذلك استفسرتُ عنه، وسألتُ أساتذة صناعة البترول المصري، الوزير السابق علي والي، والمهندس عبد الحميد أبو بكر، وقد اتفق الاثنان على أنه نموذج جيِّد للغاية، كما اتَّفقَا على أنه بالرغم من شبابه إلا أنه يُعتَبر خبير بترول بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف. مع رجاء من العبد لله بأن يتخلَّى الوزير الجديد عن الأسلوب الذي كان متبعًا في عهد الوزير السابق، وهو الإعلان كل صباح عن كشف بترولي جديد، حتى تصوَّر الناس في بلدنا أن حجم البترول المصري صار في حجم بترول السعودية والكويت معًا. وأن يكتفي الوزير الجديد بذكر الحقائق فقط، حتى يدرك شعبنا الطيب أين نحن بالضبط، وما هو حجمنا بالضبط وسط حقل البترول العالمي.
هناك أيضًا بين كتيبة الوزراء الجدد اللواء مصطفى عبد القادر محافظ المنيا، ومصطفى عبد القادر على علاقة وثيقة بالإعلام، على أساس أن والده يرحمه الله كان زميلًا من زملاء المهنة، وكان يعمل معلقًا سياسيًّا للإذاعة المصرية خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات. وفي اعتقاد العبد لله أن اللواء مصطفى عبد القادر الذي تَمرَّس في العمل السياسي والتنفيذي لديه ما يقدمه لخدمة مصر من خلال منصبه الجديد.
على كل حال شكرًا لحكومة الدكتور الجنزوري على إطلاقها، شكرًا لها على إنجازاتها، وشكرًا لها على أخطائها أيضًا، فالأعمال الكبرى فقط هي التي تَتعرَّض لصنوف من الخطأ وألوان من الصواب. ودعاء من القلب للدكتور عاطف عبيد بالتوفيق في المهمة الملقاة على عاتقه. ومرحبًا بجميع الوزراء الجدد الذين نعرفهم والذين لم نتشرَّف بمعرفتهم، ولا أقصد معرفتهم معرفة شخصية، ولكني أقصد التعرف عليهم من خلال الممارَسة الصحيحة في خدمة بلادهم وشعبهم، وإن كنتُ أشفق عليهم وعلى كل من يتولى منصب الوزارة في فترة التحولات الكبرى. ولكن الأمر المَطمئِن أننا عَبَرنا معظم الحواجز التي كانت تعترض الطريق، عَبَرناها برجال أمناء مثل الجنزوري، وعاطف صدقي، وكل من اشترك معهما في تمهيد ولو شبر واحد من الطريق.