أرجوكم … فضوها سيرة!
حضرات المحترَمين من النواب الذين انتهزوا فرصة غياب الدكتور كمال الجنزوري من على مسرح الأحداث، وشمَّروا عن سواعدهم وهات يا تقطيع في لحمه، مع أنهم يعلمون أن الجنزوري أصبح رئيس وزراء سابقًا … أي إنه صار جزءًا من التاريخ. في الوقت الذي تدور فيه على مسرح الأحداث ممارَسات خاطئة لمسئولين يتربعون على المناصب، وتنشر الصحف اتهامات لهم لو صحَّت لوجب بَتْرُهم على الفور، ومع ذلك لا حس ولا خبر للسادة المحترمين من النواب، وكأنهم اكتفوا بدورهم كفتوات للمقابر وفرسان للجبانات.
أقول قولي هذا وعيناي تلتهمان سطور حديث منشور على صفحات جريدة حزبية هي جريدة «الحقيقة» من صحف حزب الأحرار، الحديث لرجل كان مسئولًا حتى الأمس القريب وهو السيد سمير الشقنقيري نائب رئيس هيئة السلع التموينية والذي استقال من منصبه أخيرًا بعد أن دبَّ الخلاف بينه وبين وزير التموين المستجد الدكتور حسن خضر، ولكن … ماذا يقول سمير الشقنقيري؟
يقول بالحرف الواحد: «ليس صحيحًا أنني تَقدَّمت باستقالتي بعد إعلانه لوجود مخالَفات في صفقة مُعيَّنة؛ لأن تاريخ الاستقالة التي تقدمتُ بها كانت بتاريخ ٢٦ / ١ / ٢٠٠٠م ولكنه عرض أن أبقى بجانبه في منصب مستشار، ولكنني رفضتُ فشعر بالإهانة؛ لأن رفضي كان يعني أنني أرفض العمل معه وأرفض السياسة التي يتبعها والتي يريد مني تغيير نظام شراء صفقات القمح التي وافق عليها جميع الوزراء السابقين. كما أثنى عليها خبراء أمريكا وفرنسا. وكان هذا هو جوهر الخلاف … لقد رفضتُ الأفكار الغريبة التي طرحها والتي تؤكد عدم درايته، بعد أن تلقَّى عرضًا لأحد مُستورِدي القمح وصاحب شركة خاصة بأن تقوم الشركة المذكورة باستيراد ما تحتاجه الوزارة من القمح تسليم الموانئ المصرية بدلًا من تَسلُّمه في الخارج، إلا أنني رأيتُ أن هذا العرض يضع الوزارة في موقف الشُّبهات كما أنه يفتح باب الرشاوى والعمولات، بالإضافة إلى أن قبول هذا العرض سيرفع سعر القمح مما يُؤثِّر على سعر رغيف العيش.» وعقد الشقنقيري مقارَنة بين الوزير المستجد حسن خضر والوزير السابق أحمد الجويلي. وقال الرجل بالحرف الواحد: «عيب أن نضع الدكتور جويلي موضع مقارنة مع الوزير الحالي حسن خضر؛ لأن شتَّان الفارق بين رجل عالِم يرفض التدخُّل في اختصاصات من يعملون معه رغم أنه يعلم كل كبيرة وصغيرة عن كل من حوله في العمل، ورجل آخر يسعى للتخلُّص من جميع الكفاءات وذوي الخبرة في الوزارة؛ لأن شبح الوزير السابق يطارده في كل مكان، حيث ساعد ذلك على ظهور الأزمات الواحدة تلو الأخرى والتي كان آخرها أزمة البوتاجاز وكان لها أثرها الضار على المستهلك المصري.»
هذه هي الاتهامات التي وجَّهَها رجل مشهود له بالكفاءة والأمانة لرجل آخَر هو وزير التموين، وهي منشورة بالبنط العريض على صفحات جريدة حزبية. ومع ذلك لم يتحرك واحد من حضرات السادة المحترمين أعضاء مجلس الشعب ويتقدم بسؤال لاستطلاع الأمر ومعرفة الحقيقة، خصوصًا أن الخلاف بين الرجلين حول سلعة استراتيجية وهي القمح وأسلوب استيراده. ولكن يبدو أن حضرات السادة المحترمين من النواب يرون أن غاية مهمتهم … فتح الدفاتر القديمة ومحاسبة السادة المسئولين السابقين؛ أمثال: الدكتور الجنزوري، وإسماعيل باشا صدقي، وأحمد باشا ماهر. أما محاسبة وزير التموين الحالي المتربع على كرسي الوزارة في الوقت الراهن على هيئة … مسا التماسي يا ورد قاعد على الكراسي، فمعاذ الله من أن يجرؤ أحدهم على مَس طرفه. ويا خَفِي الألطاف نَجِّنَا مما نخاف، فمهمة النائب المحترم هي البحث في الملفات القديمة، والغوص في أعماق الممارَسات الخاطئة التي حدثت في عهد بني أمية مرورًا بعهد بني العباس، وقوفًا عند أخطاء الحاكم بأمر الله، والواثق بالله، ثم دولة الأيوبيين، ثم المماليك البحرية والبرجية، ثم العثمانيين، ثم محمد علي باشا الكبير، ولا بأس من البحث في دفاتر النحاس باشا وعلي ماهر باشا، ثم إلقاء نظرة على دوسيهات صدقي سليمان، وأخيرًا الدكتور كمال الجنزوري؛ لأن مهمة مجلس الشعب الحقيقية هي محاسبة المسئولين الذين انتقلوا إلى رحمة الله أو الذين انتقلوا من تحت الأضواء إلى الظل. أما المسئولون الحاليون فيَا ألف مرحب ويا ألف سهلا، وهذا الموقف ليس هروبًا من مواجهة الأقوياء ولكن هيروحوا فين من حضرات المحترمين من النواب. سيذهب هؤلاء المسئولون الحاليون في القازوزة يومًا ما، وعندئذٍ سيتم محاسبتهم وستفتح ملفاتهم.
ونعود الآن إلى الاتهامات الخطيرة التي وجَّهَها أحد النواب لرئيس الوزراء السابق الدكتور الجنزوري، قالوا إنه قام بإلغاء ديون السكة الحديد إرضاء لصديقه وزير النقل. طيب وفيها إيه دي؟
هل حصل الجنزوري على رشوة مقابل إسقاط هذا الدَّين؟ هل كان وزير النقل سيدفع هذه الديون من جيبه وإكرامًا لصديقه وزير النقل قام رئيس الوزراء بشطب هذه الديون؟! لم نجد نائبًا محترمًا يسأل عن قضية المحافظ ماهر الجندي وإلى أين مجراها ومرساها؟ بعد أن لفَّها الظلام والغموض ولم يبقَ منها إلا استمرار حبس الولد الغلبان المدعو محمد فودة الذي تعاوَن تعاونًا كاملًا مع جهات التحقيق. وأسأل حضرات المحترمين من السادة نواب الشعب. هل قرأ أحدكم حديث السيد الشقنقيري نائب رئيس هيئة السلع التموينية سابقًا، المنشور على الصفحة الثالثة من جريدة «الحقيقة» عدد ١٥ أبريل الحالي؟ وإذا كان لم يقرأه أحد منكم فالعبد لله يلفت نظركم إليه، وفيه اتهامات مُحدَّدة وخطيرة إلى السيد الوزير الحالي.
وأقول للسادة نواب الشعب … إن الشعب قد سئم الاستماع إلى الأسطوانة المشروخة التي تتهم الجنزوري بالفساد وتتهمه بالديكتاتورية. والعبد لله كان على استعداد للتصفيق للنائب الذي يواجه الجنزوري بهذه الاتهامات وهو جالس على مقعده في رئاسة مجلس الوزراء، وكنتُ على استعداد لحمل هذا النائب على أكتافي والهتاف بحياته، ولكن … يا ميت خسارة على اللي حب ولا طالشي.
حضرات المحترمين من النواب لا يهاجمون إلا السابقين ولا يبحثون إلا في الدفاتر القديمة، وأقول للوزير ابن البلد الشهم بلدياتي السيد كمال الشاذلي: ليس من الشهامة تسديد الفواتير القديمة بهذه الطريقة التي سئمها الناس. واستخدام مجلس الشعب في خلافات شخصية، لا يفيد مصر كما أنه يفقد مجلس الشعب مصداقيته. والحمد لله لأن مجلس الشعب على وشك المغيب، ونرجو أن يكون مجلس الشعب القادم مختلفًا تمام الاختلاف عن هذا المجلس الذي يوشك على الرحيل. نريد مجلسًا يحاسب الحكومة الموجودة حاليًّا وليس الحكومة السابقة. ويكشف مخالفات رئيس الوزراء الحالي وليس رئيس الوزراء الذي ترَك منصبه. نريد مجلس شعب يسأل ويستجوب في أمور تهم الناس وتمس حياتهم. نريد مجلسًا تخشاه الحكومة ولا نريد مجلسًا يخاف من الحكومة ويرتعد منها، مجلسًا يشفي غليل الناس، ولا يشفي غليل السيد كمال الشاذلي فقط، خصوصًا والدنيا غدَّارة ويوم فوق ويوم تحت، وهي لا تَدعُ الراكب راكبًا ولا تدع الماشي ماشيًا، وتاريخنا الحديث حافِل بالعظات والعبر، وكل ما أرجوه أن نطوي صفحة الماضي، وأن نتفرغ للحاضر، وننظر للمستقبل فالدنيا تجري من حولنا والعالم يتغير. بينما نحن ما زلنا مشغولين بالأخطاء التي ارتكبها الجنزوري، والمخالَفات التي وقع فيها الوزير طلعت حماد. إذا كانت هناك مخالَفات تمس أمن الوطن فحاكِموا الذين ارتكبوها وضعوهم خلف جدران السجون لننتهي منها مرة واحدة وإلى الأبد. وإذا كانت المخالَفات من نوع شطب ديون هيئة السكة الحديد، ومضاعفة ميزانية تجديد مقر رئاسة الوزارة، فنصيحة العبد لله لكم أن تفضوها سيرة لنتفرغ لما هو أهم. هذا هو الطريق السليم، ونسأل الله التوفيق لنا ولكم … حكومة ومعارضة، حكامًا ومحكومين، نوابًا وناخبين، والله من وراء القصد.