علامة استفهام كبيرة …
كان قرارًا جماعيًّا … قرار السفر إلى الصحراء الغربية … حيث المقرُّ السريُّ الكبيرُ … وكانت الرغبة جماعية … لم يتخلَّف عنها أحدٌ من الشياطين …
وعندما أبلغوا رقم «صفر» بها … رحَّب كثيرًا … فمنذ وقتٍ طويل لم يلتقِ أعضاءُ الجماعة بقادة المنظمة … ولم يطَّلعوا على ما سيحدث في معاملِ المقرِّ ولا في إدارته المختلفة من أحدث ما أنتجَته أكبرُ مراكز البحث العلمي في العالم.
وفي تمام الساعة الثامنة مساءً بتوقيت «القاهرة» … انطلقَت سياراتهم عبرَ بوابةِ المقرِّ الفرعوني بميدان الرماية … إلى طريق «الإسكندرية» الصحراوي … الذي لم يَعُد صحراويًّا … فعلى جانبَيه اصطفَّت المزارع والأبنية السكنية والصناعية …
انطلقَت السيارات «اللاندكروزر» البيضاء الحديثة … وعلى سطحها اللامع انعكسَت أنوارُ الكشافات العالية … وبداخلها انطلقَت أجهزةُ الكاسيت الرقمية … بموسيقى خفيفة ناعمة … امتزجَت بأحاديث جادة وأخرى مرحة.
في الوقت الذي كانت فيه أجهزةُ الاتصال الحديثة تنقل ما يحدث في كل سيارة إلى السيارات الأخرى.
وبذا شعر الشياطين أنهم يجلسون معًا … ولم تُفرِّقهم السيارات.
فقد تبادلوا عن طريقها النكات … والآراء بلذات فيما طرحه عليهم «عثمان» من أنه يشمُّ رائحةَ عمليةٍ جديدة.
فليس من عادة القادة في المقرِّ المركزي أن يدعوهم لزيارته … بل كانت تصدر منهم الأوامرُ للتوجُّه إليه لأغراضٍ كثيرة … كلها كانت تخصُّ العمل.
وكان «أحمد» أيضًا يساوره نفسُ الشعور … غير أنه كان حذرًا في التصريح بما شعر به.
إلا أنه اضطرَّ للكلام عندما وجد كلَّ الزملاء يتفقون على نفس الرأي … وهو أنهم في طريقهم إلى المقرِّ المركزي … من أجل تكليفهم بمهمة جديدة.
ولكن كان عليه أن يُناقشَهم أولًا … في سبب هذا التصور.
فقال لهم متسائلًا: أولًا لماذا ننتقل إلى المقر السري المركزي لتلقِّي الأوامر بشأن المهمة الجديدة، وفي كل مهمة يتم تكليفنا من مكان تواجدنا.
ريما: نعم … فعند وجودنا في مقرِّ الهرم … يُعقد الاجتماع فيه … ويتم تكليفنا وننطلق منه إلى موقع العملية.
وتساءل «عثمان» أيضًا قائلًا: ألم نتعلم أن كلَّ مكان نكون موجودين فيه … هو قاعدة انطلاق لأيِّ عملية نُكلَّف بها؟
وشعرَت «إلهام» بالمأزق الذي وقع فيه زملاؤها … فقد توقَّعوا وصدَّقوا توقعاتِهم … فقالت لهم: لقد أصدرتم أحكامكم قبل أن تعرفوا الحقيقة!
وشعرَت «ريما» أنها على حقٍّ … فسألَتها قائلة: ماذا تقصدين؟
واندفع «عثمان» يعرض وجهةَ نظرِ «إلهام» دون إذنٍ منها … و«إلهام» تنظر له مندهشةً وهو يقول: تقصد «إلهام» أن كلَّ ما نقوله يحتمل الخطأ أكثر مما يحتمل الصواب …
وحاولَت «إلهام» أن تظلَّ هادئة وهي تردُّ عليه قائلة: المهم أن هناك احتمالًا لخطأ وجهة نظرنا … هذا من ناحية.
وكان «مصباح» منتظرًا أن يسمع أكثرَ من وجهةِ نظرٍ … فقال لها يستحثُّها على الكلام: ومن الناحية الأخرى؟
إلهام: ماذا يضيرنا من أن يكون المقصود بدعوتنا … هو تكليفنا بمهمة؟!
عثمان: لا … لا … هذا يضيرنا … فقد كان من المفروض.
وهنا احتدَّت «إلهام» وهي تُقاطعه قائلةً: مفروض ماذا يا «عثمان» … ومَن الذي يُحدِّد المفروض هذا؟
وشعر «أحمد» أن النقاش بينهم لن يصلَ إلى نتيجة فقاطعهم قائلًا: أولًا … «إلهام» على حقٍّ في أن المفروض أن يحدث ألَّا نحدده نحن … بل القيادة هي التي تُحدده.
عثمان: إننا نعمل تحت قيادة رقم «صفر».
أحمد: ورقم «صفر» يعمل تحت قيادتهم.
ساد الهدوءُ فجأة … قبل أن يُعلِّق «عثمان» في هدوء قائلًا: هل ما تقوله صحيح؟
أحمد: بالطبع … فنحن أعضاء في منظمةٍ ذات شأنٍ كبير.
كان الشياطين قد وصلوا إلى «الإسكندرية» وغادروها في طريقهم إلى «مطروح»؛ فطريقهم إلى الصحراء الغربية يمرُّ بمرسى مطروح.
وقبل الكيلو ٢٨ اتصلَت إدارةُ المقرِّ وأخبرَتهم أن طائرةً حربية سوف تنتظرهم في نقطة داخل الصحراء الغربية … مسقطها عمودي على الطريق عند الكيلو ٢٨ والتوجه إلى هذه النقطة وانتظار باقي الأوامر.
وعند الكيلو ٢٨ انحرفَت سيارة «أحمد» ومن خلفها باقي السيارات عن الطريق وتوغَّلت داخل الصحراء في طريقٍ ضيقٍ يكاد يسعُ سيارةً واحدة.
ولم يكن ممهدًا … لذا فقد سارَت السيارات خلف بعضها ببطء شديد.
ورغم إضاءةِ كشافاتِ كلِّ السيارات … إلا أنها لم تكشف غيرَ أمتار قليلة أمامها، واستغرق قطعُ الخمسة كيلومترات من الطريق أكثرَ من ربع الساعة.
وأن المفروض في النهاية أن يجدوا الطائرة … أن يروا كشافاتها تُغيِّر هذه الظلمة.
كان المنتظر أن يسمعوا صوتَ محركاتها … وهدير مروحتها العملاقة تقطع صمت الليل.
إلا أنهم لم يجدوا شيئًا من هذا … مع أنهم وصلوا قبل ميعادهم بدقائقَ محدودةٍ … فهل يعني هذا أن الطائرة لم تَصِل بعدُ … وماذا تُخبئ لهم هذه الطائرة؟
والتفتَ الشياطين بسياراتهم حول نقطة واحدة ثم أضاءوا كشافاتِها … وأطفئوا محركاتِها وغادروها … وقاموا بالجلوس على مقدماتها في حلقة … انتظارًا لقدومها، ومرَّ الوقت ولم تأتِ … والتفت الجميع إلى «أحمد» … في انتظار ما سيُقرره في هذه الحالة … للخروج من هذا الموقف … إلا أنه لزم الصمت … وقرَّر الجميع احترامًا لصمتِه أن يصمتوا هم أيضًا.
وكأنما الطبيعة حولهم … كانت هي الأخرى في انتظارٍ وترقُّبٍ … لما سيُسفر عنه هذا الانتظارُ الجماعيُّ … فقد ساد الصمتُ أرجاءَ الصحراء … ولم يقطعه غيرُ صفير الريح من بعيد … وإن ظلَّ هذا الصفير يقترب شيئًا فشيئًا … غير أنهم لاحظوا أن الهواءَ مستقرٌّ.
فمن أين يأتي هذا الصفير؟