الخطر الخفي …
إلى أعماق الصحراء سار الشياطين كلٌّ في اتجاه … يبحثون عن مصدر الصفير الذي سمعوه يتكرر أكثر من مرة …
وفجأة ومن أعماق الصحراء …
سمعوا طنينًا خافتًا استمر للحظات … ثم أخذ يعلو تدريجيًّا حتى كاد أن يصُمَّ آذانهم … وتوقَّفوا جميعًا عن الحركة … وجلس بعضُهم القرفصاء وهو يضع كفَّيه على أُذُنَيه من شدة الصوت … حتى عاد إلى الخفوت مرةً أخرى ثم اختفى تمامًا.
وتملَّكَتهم جميعًا الحيرةُ وقاموا بالاتصال فيما بينهم … غير أن اتصالهم لم يتمَّ.
ورغم المحاولات المتكررة … لم يتمكنوا من الاتصال. ولم يبقَ أمامهم غير أن يعاودوا السيرَ مرةً أخرى.
غير أن «أحمد» لم ييأس … وواصل المحاولةَ حتى استطاع أخيرًا التقاطَ صوتِ «عثمان» يقول له: أين أنت يا «أحمد»؟
أحمد: لقد توغلتُ بعضَ الشيء شمالَ شرق نقطة الانطلاق.
عثمان: وهل عثرتَ على شيء؟
أحمد: لا … ولكن هل سمعت هذا الطنين المخيف؟
عثمان: نعم … ولم أعرف مصدرَه.
أحمد: ولا أنا … وأُفكر في التراجع.
عثمان: أهناك خطرٌ يُحدق بنا؟
أحمد: لا … ولكن يجب أن نُكملَ طريقَنا إلى المقرِّ السريِّ.
عثمان: الطائرة؟
أحمد: إنها لن تأتيَ في ميعادها … وغير مطلوب منَّا أن نبحث عنها.
عثمان: سأتصل ﺑ «قيس» … ليقوم هو بالاتصال ببقية المجموعة … ليُخبرَهم بأمر العودة.
وبعد ساعتين من قرار العودة … كان الشياطين قد غادروا مهبطَ الطائرة.
وعادوا إلى الطريق الرئيسي … في طريقهم إلى الممرِّ.
ومرةً أخرى سمعوا طنينًا عاليًا يصمُّ الآذان … يأتي من أعماق الصحراء … أعقبه صفيرٌ متقطعٌ، تعطَّلَت معه كلُّ أجهزة الاتصال وأجهزة التوجيه الإلكترونية.
وفجأة … مرقَت بجوارهم في سرعة رهيبة … سيارةٌ رياضية فاخرة، فصاح «عثمان» قائلًا: لماذا لم تتأثر أجهزةُ هذه السيارة؟!
ريما: لأنها كانت على نفس سرعتها وقتَ انطلاق هذا الطنين.
عثمان: هذا احتمال؟
ريما: نعم.
عثمان: والاحتمال الآخر أن تكون هذه السيارة مُجهزةً لذلك … وأثار «أحمد» ما يقوله فعلَّق قائلًا: مجهزةٌ لماذا؟
عثمان: لئلَّا يؤثر فيها هذا الطنين وما يُطلقه من موجات.
أحمد: لا علاقة لهذه السيارة بهذا الطنين.
عثمان: أنا أرى أن هناك علاقةً.
قال هذا وقفز داخل سيارته … فربط حزام الأمان … وأشار لهم بيده … ثم انطلق في أثرها … وسط دهشة زملائه.
ورأى «أحمد» أن الأمر يحتاج لأن يلحق به … فلا يمكن أن يتركَه يُطارد هذه السيارة وحده.
فطلب من الشياطين أن يُكملوا طريقَهم إلى المقرِّ … وبأقصى ما بالسيارة من سرعة … انطلق … لا يشغله إلا أن يلحق ﺑ «عثمان» الذي كان في قمة ثورته … وهو يرى السيارة الرياضية … تتحرك على الطريق كنقطة زرقاء … تقفز في مهارة … وشعر أنه تمكَّن منها … وهناك أملٌ أن يلحق بها.
غير أن الحظَّ خانه … وانفجر إطارُ سيارته الأمامي … وبصعوبةٍ استطاع أن يسيطر على السيارة … ويمنعها من أن تنقلب.
وعندما لحق به «أحمد» رآه يُشير له عن بُعد بأن يُكملَ طريقَه ولا يلتفت له.
وطلب «أحمد» من «إلهام» أن تتصل به، وعندما انطلقَت الموسيقى من تليفونه … أجاب في لهفة قائلًا: أهلًا ﺑ «إلهام».
إلهام: ما الذي أثارك ودفعك للانطلاق بهذه السرعة؟
عثمان: الإنسان الآلي!
إلهام: ماذا تقول؟!
عثمان: السيارة الرياضية الفاخرة، هل رأيتها؟
إلهام: التي مرقَت بجوارنا؟
عثمان: لقد كان قائدها إنسانًا آليًّا.
إلهام: وكيف عرفت؟
عثمان: لم يكن له أنفٌ.
إلهام: كيف رأيته، لقد كان مُسرعًا للغاية؟
عثمان: وجهُه جامدٌ … وليس له أنفٌ … صدِّقيني لقد رأيته.
إلهام: ولماذا نُطارده؟
عثمان: هل ترَين أن الأمر لا يستحق؟
تردَّدَت «إلهام» قليلًا قبل أن تُجيبَه قائلةً: لا … إنه يستحق.
ولحقه «أحمد» بسؤاله قائلًا: مَن الذي يستحقُّ … ويستحقُّ ماذا؟
فقامَت بإخباره بما عرفَته من «عثمان»، فقال لها: إنه موضوعٌ يستحق الاهتمام.
وعن بُعد … بدَت السيارة الرياضية كنقطة زرقاء … تتحرك على الطريق يمينًا ويسارًا، وتظهر مرةً … وتختفي أخرى … مما أشعل حماسَ «أحمد»، فأطلق لسيارته العنانَ مُتشبثًا بعجلة القيادة بعد أن ربط هو و«إلهام» حزامَي الأمان.
وتحوَّلَت سيارتُه أيضًا إلى نقطة على الطريق تُشبه كرةَ الزئبق الصغيرة وهي تتدحرج يمينًا ويسارًا.
وبدأت النقطة الزرقاء تكبر شيئًا فشيئًا كلما اقترب منها … وشعر بحماسه يزداد فنسيَ كلَّ قوانين المرور … وكل مخاطر المجازفة … وداس على بدَّال السرعة بلا حذرٍ … وصرخ الهواء حول السيارة من هول سرعتها.
وصاحَت «إلهام» تُحذِّره قائلة: احذر يا «أحمد» … إنها ليست السيارة الصاروخ … «أحمد» … ستُعرِّضنا لحادث مروع.