الانفجار!
إنَّ كلَّ أجهزةِ توجيهِ السيارة تعمل إلكترونيًّا … ولن يصيبَها عطبٌ إلا فيضٌ موجيٌّ … كالذي فكر «أحمد» في مهاجمة المركبة الفضائية به.
هذا ما فَهِمه … وما فهمَته «إلهام» أيضًا التي قالت له: لقد فكروا بنفس طريقتك!
أحمد: ماذا تقصدين؟
إلهام: لقد هاجموك بمولد موجات.
أحمد: إنهم لم يشعروا بوجودنا بعد.
إلهام: وما أدراك؟
أحمد: إننا بعيدون عنهم … وهم الآن مشغولون ﺑ «عثمان».
إلهام: إننا قريبون منهم جدًّا …
أحمد: ألم أقُل لك إنهم لا يقصدوننا؟
إلهام: كيف عرفت؟
أحمد: إن المركبة محاطةٌ بفيض من الموجات … تصنع حولها درعًا إلكترونيًّا لا تخترقه موجاتُ الرادار … بل يقوم بامتصاصها.
إلهام: ألهذا لم يكتشفها القمر الصناعي؟
أحمد: نعم … ولم تكتشفها أيضًا كلُّ أجهزة الرادار التي تحمي سماءَنا.
إلهام: ألم تستطع إيقافَ السيارة بعدُ …
أحمد: ليس أمامنا إلا القفز منها …
إلهام: لماذا لا تُعطل أجهزة التوجيه؟
أحمد: إنها فكرةٌ تستحق التأمل، ولكن كيف؟
إلهام: اقطع عنها مصدر الطاقة.
أحمد: عليك أنتِ بفعل هذا … حتى لا أنشغلَ عن عجلة القيادة …
وأخرجَت «إلهام» أحدَ أسلحتها الخاصة … وفقدَت السيارةُ فجأةً سرعتَها على الطريق … وأخذَت في التوقف تدريجيًّا … حتى توقَّفَت تمامًا.
لم يمضِ وقتٌ طويل … إلا وظهرَت عن بُعد سياراتُ بقية المجموعة.
وفي الوقت نفسه ارتفع صوتُ انفجارٍ رهيب … ملأ أرجاء الصحراء.
وشاهد الجميعُ عن بُعد المركبةَ الفضية تصعد لأعلى وتغادر المكان.
وتوقَّفَت كلُّ السيارات خلف سيارة «أحمد» … وغادرها الشياطين … والتفُّوا حوله يسألونه عما حدث.
وبعد عقدِ اجتماعٍ قصير … عاونه الجميعُ في إصلاح سيارته … وانطلقوا إلى موقع الانفجار ليعرفوا نتيجةَ ما حدث … وبداخلِ كلٍّ منهم أمنيةٌ … هي أن يجدوا «عثمان» بخير … وألَّا تكون السيارة التي انفجرَت هي سيارته.
وقبل موقع الانفجار بمسافة … وجدوا بعضَ شظايا جسم السيارة متناثرةً على الطريق … وعلى بُعد أمتار منها وجدوا عجلةَ القيادة … وتليفون «عثمان» المحمول متفحمًا تمامًا …
وبدأ القلق يتملَّكُهم … فغادر بعضُهم السيارات … وجروا يبحثون يمينًا ويسارًا عمَّا يدلُّهم على حقيقة موقف «عثمان» الآن.
إن حالة السيارة لا تدلُّ على أن مَن كان بها قد نجا … أو أنه على قيد الحياة ومجروح … لا … إن حالتها لا تُبشِّر بخير.
ولم يَعُد لديهم أملٌ إلا في أن يكون قد غادر السيارة … قبل أن تنفجر.
واستبعد «أحمد» هذا الاحتمال … فمَن فجروا السيارة … لن يتركوه يهرب؛ فلو كان حقًّا قد غادرها … فمن المؤكد أنهم قتلوه … أو وقع في أيديهم …
وكلا الاحتمالَين قاسٍ جدًّا …
وليس أمامهم إلا أن يُثبتوا ذلك أو عكسه.
وتحوَّلَت الصحراء إلى خلية عمل … فكلٌّ منهم يحمل كشافًا يضيء به جنباتِ الطريق بحثًا عن آثارِ دمٍ أو شظايا جسمٍ بشريٍّ … إلا أنهم — ولحسن حظِّهم — لم يجدوا دليلًا على ذلك في كلِّ حطام السيارة الذي جمعوه على مدى ساعتين … وقد استنفد منهم ذلك كثيرًا من الطاقة … وأوشك الليل على الرحيل … وكأنما الأفكار السوداء التي انتابَتهم … هي التي أوشكَت على الرحيل.
فقد زال أسوأ الاحتمالات … ولم يبقَ غيرُ احتمال اختطافه، فهل يمكنهم إثباته أو إثبات عكسه.
كان الإجهاد قد تمكَّن منهم … فاتفقوا على أن يتناوبوا النومَ لمدة ساعة لكل مجموعة، على أن يُقسموا أنفسَهم إلى مجموعتَين.
ولم يُلاقِ هذا الاتفاقُ استحسانَ البعض … فقد كان الجوعُ قد تمكَّن منهم وطلبوا قبل النوم العشاء … فما كان من «ريما» إلا أن قالت: أتعرفون لو كان «عثمان» هنا … ماذا سيكون رأيه؟
زبيدة: أنا أعرف … هل أقول؟
ريما: نعم.
زبيدة: كان سيقول … مَن يريد النوم ينام … ومَن يريد العشاء فلينتظر.
إلهام: إنها طريقة «عثمان» في التفكير بالفعل.
أحمد: ترى هل هو بخير؟
ورسم هذا السؤالُ على وجوه الشياطين انطباعَ التساؤل والرجاء والقلق، ورأَت «إلهام» أنها لا ترغب في النوم … كذلك «أحمد» فقامَا إلى سيارتهما يُحضران ما بثلاجتها … كذلك «مصباح» و«قيس» … ونام بقيتُهم بين السيارات.
وعلى مقدمة إحداها … استند أحمد وبجواره «إلهام» وعلى مؤخرة سيارة أخرى استند «مصباح» و«قيس» … وفيما بينهما وضعت أكواب الشاي وبجوارها ما أعدَّه لهم المقرُّ من ساندويتشات.
وانتظر «أحمد» حتى فرغوا من طعامهم … ثم قال لهم: ما الذي حدث لنا منذ أن غادرنا المقرَّ حتى الآن؟
انتظرَت «إلهام» أن يتكلم أحدهم … فلم يحدث … فقد كانوا يحبُّون أن يسمعوها وهي تحكي … فقالت لهم: لقد دعانا المقرُّ المركزي لزيارته في الصحراء الغربية.
فعقَّب «أحمد» قائلًا: وقد وافق رقم «صفر» على ذلك.
إلهام: وقد كانت الدعوة لنا جميعًا.
وهنا عقَّب «قيس» قائلًا: وهذا ما يحدث لأول مرة.
وبصوت ملأه التأمل قال «أحمد»: إن الدعوة لم يكن الغرض منها الزيارة.
وهنا صاح الجميع في صوت واحد: فما كان الغرض منها إذن؟