ترجمة النص
ظل تاريخ الفلسفة العربية لأمدٍ طويل محصورًا في تاريخ فلسفة الفلاسفة. ولهذا ساد الميدان زُمرتان من المشاكل، إحداهما، الفلسفية بطبيعتها، كانت معنية، بطريقة أو بأخرى، بالتوفيق بين المعرفة الفلسفية والمعرفة المستمَدَّة من الوحي الإلهي، أي التوفيق بين الفلسفة والدين. أما الزُّمرة الأخرى من المشاكل، والأكثر ارتباطًا بالتاريخ، فقد كانت معنية على الأخص باستبقاء وتطوير المذاهب والمسائل التقليدية للفلسفة الإغريقية في سياق الفلسفة الإسلامية المستجَدَّة. والحق، أن بعض المؤرخين كانوا على وعي بالنواحي المبتكَرة لهذه الفلسفة في الأنطولوجيا أو علم النفس أو المنطق، بيد أن تاريخ الفلسفة بالنسبة لأولئك المؤرخين، كما هو بالنسبة لسواهم، كان متمركزًا حول بضعة أسماء عظمى: الكِندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن باجه … إلى آخرهم.
وعلى أية حال، فإن منظور المؤرخ أخذ يتَّسع تدريجيًّا لأسباب منتمية للفلسفة ولعلم الاجتماع على السواء، فقد بدأ يَضوي تحت لوائه فلسفةَ المتكلمين العقلانيين والمتصوفين «الوجوديين»، بل وحتى الفقهاء-المناطقة. وبهذا المنوال تم الترحيب، منذ ما يقرب من نصف قرن خلا، بمتكلمٍ كالنَّظَّام، أو متصوف كابن عربي، أو فقهاء مناطقة كابن تيمية أو ابن حزم القرطبي، في قلب رحاب الفلسفة، وبالتالي، في قلب تاريخها.
ومثل هذا الانضواء بدأ في تصويب الصورة الشائهة التي رُسِمَت لتلك الفلسفة، وهذا عن طريق إرجاع فعالية أولئك الفلاسفة إلى سياقهم الفكري. ومع ذلك، فعلى الرغم من أن المتكلمين والمتصوفة والفقهاء-المناطقة قد حق القول إنهم نالوا أخيرًا الاعتراف الكامل بهم مرة أخرى، فإن العلماء، والرياضيين منهم على وجه الخصوص، لا زالوا باقين خارج مجال تاريخ الفلسفة، والحق أنه باستثناء بضعة إسهامات في الفلسفة الطبيعية يتبدَّى جليًّا أن الفكر الفلسفي لأولئك العلماء لم يتلقَّ الاهتمام الذي يستحقه، وبلا ريب يعود هذا القصور إلى الفصم الواقعي الذي يعزل مؤرخي العلم عن مؤرخي الفلسفة، علاوة على هذا يُعزِّز ذلك الفصم صميم طبيعة الفلسفة الخاصة بالعلماء، وبقدر ما تواترت هذه الفلسفة بفكرة رئيسية غير مترابطة وغير نسقية وبِنية بدائية غير متطورة، فإنها في واقع الأمر لم تعرض إلا قليلًا من مواطن الجذب لمؤرخ الفلسفة إذا ما قورنت بالأنساق الميتافيزيقية للفلاسفة.
ومؤرخو العلم العربي من جانبهم ركزوا على المشاكل التقنية التي عالجها العلماء وظلوا غير آبهين، إن قليلًا وإن كثيرًا، بالمسائل الفلسفية التي برزت على نحو غير متوقَّع في سياق تحليلهم، نادرًا ما حفزتهم الصعوبة الكبرى النحوية والاشتقاقية على أن يفعلوا غير هذا، وعلى أية حال، فإن هذا الحيود لم يقتصر فقط على تشويه نظرتنا للعلاقة بين العلم والفلسفة في ذلك العصر — وهي علاقة ليست موضوعنا الآن — ولكن أيضًا يحول بيننا وبين وسيلة فعَّالة لكشف عقبات وقفت كحَجَر عَثْرة أمام العلماء. والواقع أن الإسهام الفلسفي لعلماء ذلك العصر جوهري لفهم ابتكارات علمية مُعيَّنة، بالإضافة إلى أنه جوهري للإحاطة بنشأة مشكلات فلسفية جديدة. وعلى هذا يشكل إسهامهم الفلسفي جزءًا تكميليًّا لتاريخ العلم ولتاريخ الفلسفة.
ونحن نعتزم أن نضطلع بسلسلة من الدراسات في تاريخ فلسفة الرياضيات، تاريخ العلماء الذين تفكَّروا مليًّا في الكيفية التي يعملون بها، ولكن نادرًا ما واتتهم الجرأة على أن يعتبروا أنفسهم فلاسفة. في هذه الحالة سوف نحصر أنفسنا ها هنا في مثال ابتدائي مُركزين الأبصار على مسألة واحدة — إنها مسألة الخط المقارب — وفقط على مؤلِّفَيْن اثنين، هما: السِّجزي، وموسى بن ميمون.
ومن الواضح أن هذه القضية تحتكم إلى المفهوم المهيب عن اللاتناهي. في مستهل البدء طُرح اللامتناهي بوصفه موضوعًا من موضوعات المعرفة، بقدر ما هو تساؤل عن الكيانات التي يتضمن وجودها عمليات لا متناهية، وهذه العمليات في واقع الأمر سمة مميزة لكل مسالك الخط المقارب. بيد أن فكرة اللامتناهي فعَّالة أيضًا بوصفها وسيلة من وسائل المعرفة، وسيلة تتطلَّبها التركيبات الرياضية اللامتناهية، من قبيل التركيب اللامتناهي، لمتتابعات المسافات بين المنحنى وخطه المقارب، أنها تزودنا ببِينة ضرورية على أن نفس التركيب يمكن تكراره.
وعلى أية حال، لا يصعب إدراك أن هذا المفهوم للَّامتناهي، كما تضمنته معالجة أبلونيوس، كان خليقًا بأن يعرض صعوبات جمَّة لعلماء الرياضة وللفلاسفة على السواء. والواقع، إذا كان الأولون — علماء الرياضة — ما استطاعوا أن يظلوا غير آبهين بصعوبة جليَّة للبرهنة، تعود بصفة مبدئية إلى استخدام مفهوم لم يوضَع له أبدًا تعريفٌ واضح، فإن الآخرين — الفلاسفة — من جانبهم، كان عليهم أن يعُوا مشكلة جديدة انبثقت على وجه الدقة من هذه النقطة، استدامت آثارها بكل ما في الكلمة من معنًى إلى ما بعد القرن الثامن عشر. وقد تمركزت تلك المشكلة حول الفجوة بين استعدادنا لتصورِ خاصةٍ ما أو قضية ما، وبين قدرتنا على تأسيسها تأسيسًا مُحكَمًا. فهل نستطيع تأسيس خاصة رياضية، نحن غير قادرين على أن نتصورها تصورًا واضحَ المعالم؟ إننا في حاجة إلى العودة قليلًا للوراء كيما نُعيِّن نقطة البداية لهذا التساؤل الفلسفي.
ولا يعلق برقلس على عبارة جمينوس، ولا هو يقوم بإيضاح «طبيعتها الاستشكالية» ومع ذلك يبدو — وفقًا للنص — أن هذا يشير إلى صميم منزلة اللاتناهي الرياضي.
•••
ومع هذا، فلكي نؤسس قضية أبلونيوس بصورة مُحكَمة، نحن نعرف وجوب استخدام مفاهيم لم تكن قد أُتِيحَت بعد للعالم الرياضي السجزي، إنها مسألة مفاهيم التحليل ووسائله. ومهما يكن الأمر، فإن التوضيح الفلسفي في هذه الحالة يمكن العالم الرياضي من أن يستكشف سلفًا طريقًا من السبل الرياضية اللاحقة. وعلى هذا النحو، إذا خلقت الصعوبات الرياضية مباحث فلسفية، فإن التفسير الفلسفي بدوره يعرض نفسه على العالم الرياضي كوسيلة من وسائل التدبر. وهاتان المهمتان المتشابكتان تُعينان خصائص منهج السجزي بصورة كافية.
-
(١)
القضايا التي يمكن تصورها من المبادئ الفلسفية مباشرة.
-
(٢)
القضايا التي يمكن تصورها قبل أن يكتمل برهانها.
-
(٣)
القضايا التي يمكن تصورها حينما تتشكل فكرة برهانها.
-
(٤)
القضايا التي يمكن تصورها فقط بعد البرهنة عليها.
-
(٥)
القضايا يصعب تصورها حتى بعد البرهنة عليها.
ومن أجل تمييز أفضل للنظام الضمني الذي يحكم هذه الأنماط الخمسة، وبالتالي من أجل فَهم أفضل للمبدأ الذي يحكم تصنيف السجزي، لا بد من فحص الأمثلة التي استخدمها لتوضيح كل حالة من تلك الحالات الخمس.
لقد كان السجزي جيد الاطلاع على كتاب «الأصول» وأفضل من أي شخص آخر في عصره، وبالتالي ألمَّ جيدًا بالقضية الأولى من الكتاب العاشر، فيندهش المرء لماذا يفضل السجزي المعالجة الفلسفية بدلًا من الإشارة إلى إقليدس، حيثما كان لا يعني «بالشيء» أي شيء أكثر من الفكرة الإقليدية عن المقدار، واختياره على أية حال كان اختيارًا مقصودًا، أملاه الهدف، الذي كان يتعقبه: أن نستوعب، بعون الإيضاح الفلسفي، تصور قابلية أي مقدار للقسمة اللامتناهية، وأن نبرر صدق هذا التصور، وبإنجاز هذه المهمة فإن قابلية أي مقدار للقسمة اللامتناهية ستصبح بعدئذٍ حقيقة أولى في الرياضيات، وبناءً على ذلك، في متناول التفكير الاستنباطي. ومن ثم استنبط السجزي توًّا قابلية الخط، الذي هو شيء متصل، للقسمة اللامتناهية. وعلى هذا يبدو منهجه، وقد أُقيمَ على فكرة أن الدراسة الفلسفية التمهيدية هي فقط التي تجعل من الممكن تصور أول إيجاب في الرياضيات وتبرير صدقه.
- المأخوذة: إذا كانت (أو ) تقترب من اللانهاية فإن (أو ) تقترب من 0. وإذا تحركت على السطح المستوي بتلك الطريقة التي تظل تحقق الشرط (2-1)، فإن ترسم فرعًا من القطع الزائد الذي خَطَّاه المقاربان هما الخطان المستقيمان و. ويطبق السجزي هذه المأخوذة من أجل إقامة البرهان على المبرهَنة.
- المبرهنة: حينما تتحرك بصورة لا متناهية على طول الخط ، فإن يقترب من ، دون أن تبلغ النقطة الخط المقارب .
وفحص المنطوقات المعلَنة آنفًا، فضلًا عن فحص براهين السجزي، يُتيح لنا أن نُعيِّن كل نقطة من النقاط التالية على حدة.
-
(١)
من أجل تأسيس العبور من المنفصل إلى المتصِل، يأخذ السجزي في الاعتبار متتابعة ما () من النقاط بحيث إن المتتابعة () المناظرة لها تقترب من اللانهاية، وعلى هذا، إذا افترضنا أن ، فإن ما فعله السجزي يرتد إلى البرهنة على أن .
يسير كل شيء كما لو كان العالم الرياضي قد عرف بصورة حَدسية الخطة التي تعبر عنها المبرهنة:
لتكن ؛ حينئذٍ تقترب من حينما تقترب من اللانهاية. إذا، وفقط إذا، كان بالنسبة لكل متتابعة () تقترب من اللانهاية، المتتابعة تقترب من . -
(٢)
هذه الترجمة للمشكلة تُصوِّب الانتباه إلى العقبات التي واجهها السجزي، وهي العقبات التي تجعل خاصةً ما يصعب تصورها، مهما كانت جودة البرهان عليها، والآن يعرف السجزي أنه ليس بالضرورة يتم الوصول إلى «نهاية» Limit متتابعةٍ ما حينما توجد هذه النهاية. وعلى هذا فحين يبرهن على أن تقترب من الصفر ، فإنه يبرهن بالمثل على أن لن تبلغ أبدًا الخطَّ المقارب ، الذي يعني أنه ليس هناك حد من المتتابعة يساوي الصفر، وبالتالي يساوي نهاية المتتابعة. والآن نقول إنه ها هنا، وعلى وجه الدقة، نجد أول سبب لكون النتيجة يصعب تصورها بالنسبة لعلماء الرياضة في القرن العاشر.
وينتج عن هذا الصعوبة التي يمكنها هي فقط، بالنسبة للسجزي، أن تكون متأصِّلة وجوهرية: كيف يمكننا أن نُكوِّن تصورًا عن خاصة من هذا القبيل، حتى ولو كانت قد أُقيمَ عليها البرهان بطريقة صحيحة؟
ومن الواضح أن أسباب هذه الصعوبة، في عُرف السجزي، ليست لها علاقة بالقدرة الذاتية على تمثُّل الموضوع الرياضي، بل تتعلق بمنهج تركيب الموضوع. وإذا كان على العالم الرياضي ألا يتكلم فحسب عن اللاتناهي، بل وأيضًا أن يصِف هذا النمط من مسلك الخط المقارب، فيجب أن يبدأ بإبراز هذا المنهج المطمور. ووظيفة المأخوذة هي العرض المضبوط لمنهج التركيب هذا، ونستطيع إذن أن نفهم لماذا اعتقد السجزي، على خلاف كل الدلائل التاريخية المستمدَّة من النصوص، أن أبلونيوس كان لا بد وأن يعرف هذه المأخوذة قبل أن يُقيم هذه المبرهنة.
•••
ولم يحُطَّ السجزي رحاله لا بعد المأخوذة ولا بعد المبرهنة؛ إنه واصل التزامه بوصفه عالمًا رياضيًّا عن طريق النظر في حالةٍ أعم؛ إنها حالة مُنحَنَيَي خطَّين مُقارِبَين. ومهما كانت أهمية النتائج الرياضية، وفوق كل شيء مهما كانت أهمية الوسيلة التي أدت إلى اكتشافها، فإنها لا ينبغي أن تَحُول بيننا وبين ملاحظة التغير في المنزلة الفلسفية لمُبرهَنة أبلونيوس وفي المسائل التي أثارتها. والواقع أن السجزي لم يتعرف البتة على «السمة الاستشكالية» لهذه المبرهنة، والتي أكد عليها جمينوس ومن بعده برقلس. وهو أمر لم يعُد خطرًا أو محيرًا، بل أصبح أمر توضيح مبسِّط لنمط العلاقة بين القابل للتصور، بمعنى القابل للتعقُّل، وبين القابل للبرهنة. لذلك اضطلع السجزي ببحثٍ منطقي من أجل إحكام طوبولوجية وتصنيف القضايا التي تم بالفعل تحليلها. ويصدق القول إنه لاحظ انفصالًا بينها، وهو انفصال، كما يمكن أن نفهم، يبدو في نقطةٍ ما راجعًا إلى التمييز بين مَلَكَتَين للرُّوح، بيد أن العالِم الرياضي موجِزٌ في قوله، حتى إن عرضه لا يسمح لنا بوصف تلك العلاقة بالتفصيل، مهما كان من الضروري تعيين هُوِيتها.
وبناء على هذا يتضح، بصرف النظر عن الاستبدال، أن هذه الحجة كعَين حجة السجزي، على الرغم من أن ابن ميمون لا يُعيد تصنيف القضايا الرياضية الذي قام سلفُه برسم خطوطه، ومن أجل إيضاح هذه النقطة دعنا نعود باقتضاب إلى ما كان ابن ميمون يعنيه «بالخيال».
وليس من الضروري أن نواصل السير لكي نتحقق من أن مشكلة السجزي لم تعمر بعده فحسب، بل وأيضًا تم تحويلها على يد الفلاسفة. وهذا هو السبب في أن التقابل بين التصور والبرهان قد حلت محله رابطةُ الخيال-البرهان، القائمة كما يجب أن نلاحظ على أساس علم النفس. والمنزلة الأولية التي تعمد إليها دراسات علم النفس صرفت الانتباه عن بحث السجزي في المنطق. والواقع أن ابن ميمون لم يستبقِ إلا النمط الأخير من الأنماط الخمسة: الأشياء التي لا يمكن تخيلها ولكن وجودها يُقيمه البرهان. وعلى هذا لن يندهش المرء، بعد دراسته هذه الأمثلة، من أن هذا النمط يعني دائمًا «الأشياء اللامتناهية».
وقد تتلمذ جمينوس على بوزيدونيوس، فيلسوف الرواقية الكبير، وبوزيدونيوس سوري الأصل، عاش بين ١٥٣، و٥١ق.م. وسخط على تقاليد سوريا آنذاك، فغادرها وجاب أقطار عديدة، واستقر زمانًا في رودس — موطن جمينوس — حيث نعِم بنفوذ كبير حتى أصبح رئيس مدرسة فلسفية، يبدو أن جمينوس تعلَّم فيها. وكان بوزيدونيوس — كما قال عنه صديقه شيشرون — صديقًا لكل المستنيرين في عصره، واشتهر بسَعة معارفه؛ فهو مؤرخ وعالم جغرافي وفيلسوف ولاهوتي وعالم طبيعي، ثم هو رياضي مرموق. لكن مصنفاته ضاعت ولا نعرف عنه إلا ما رواه الآخرون في تلك الميادين. وفيما يختص بالرياضيات، فإن برقلس أورد في تعليقاته على إقليدس الكثير من نظريات بوزيدونيوس الرياضية (د. عثمان أمين، الفلسفة الرواقية، الأنجلو المصرية، القاهرة، ط٣، ١٩٧١م، ص٧٨-٧٩). (المترجمة)
أما سلفه الطوسي المذكور في النص فهو شرف الدين المظفَّر بن محمد بن المظفَّر الطوسي (ت١٢١٣م)، فغير معروف جيدًا، على الرغم من أن الجبريين العرب دأبوا على الإشارة إليه. وذكر جورج سارتون في كتابه (Introduction to the History of Science) أن الرسالة التي ألفها شرف الدين الطوسي في الجبر ذات أهمية جوهرية للجبر وللهندسة على السواء، ويقول عنه ابن خلكان أنه مبتكِرُ الأسلوب الخطي المعروف باسم العصا. ونسب إليه الرياضي شمس الدين بن إبراهيم المارديني ابتكاره «طريقة الجداول» أي الحل العددي للمعادلات التكعيبية.
وقد عاش شرف الدين الطوسي في القرن الثاني عشر الميلادي (السادس الهجري)، وعلم الرياضيات في دمشق ثم الموصل ثم بغداد ثم خراسان.
ومن مؤلفاته: رسالة في صنع الأسطرلاب المسطح، جواب على سؤال هندسي مطروح من الصديق شمس الدين، رسالة في الخطَّين اللذَين يقربان ولا يلتقيان، وهذا هو موضوع الدراسة المطروحة. (المترجمة)
Sharaf Al-Din Al-Tusi, Oeuvres mathematiques. Algebre et geometrie au xlleme siècle.
تحقيق وترجمة وتعليق: د. راشد.
(Paris: Les Belles Lettres, 1986), Vol. I, pp. cxx iii–cxxi, 7–10 and 126, vol. 2, p. 130 et seq.
والمخطوطة رقم ٢٤٥٧ في المجموعة العربية بالمكتبة الأهلية بباريس بها نص مجهول المؤلِّف عنوانه: أي متصل يمكن أن ينقسم إلى أشياء قابلة للقسمة اللامتناهية. وهذا النص يستنسخ ترجمةً لعدة قضايا في النص اليوناني، لبرقلس، كما انحدر إلينا بتقليد المخطوطة اليونانية (وهي ليست بالضرورة نفس المصدر الذي أُقيمَت عليه الترجمة العربية، ونحن بصدد نشر طبعة لهذا النص مرفقة بترجمة في دراسة منفصلة سوف نناقش فيها كل المشاكل التاريخية والعلمية التي يثيرها هذا العمل. انظر ترجمتنا للشذرات الإغريقية في «السجزي وابن ميمون».
وقد أتت خطورتها من أن جميع الرياضيين تقريبًا تشككوا في أنها مسلَّمة، فحاولوا إثباتها. ومن أشهر الرياضيين العرب الذين انشغلوا بهذا ثابت بن قُرة في عمله «كتاب مقدمات إقليدس»، وابن الهيثم في «كتاب حل شكوك إقليدس»، وثمة أيضًا الجوهري في القرن الثالث الهجري، وعمر الخيام (ت٥١٧ﻫ/١١٢٣م) وشمس الدين السمرقندي (ت٦٧٤ﻫ/١٢٧٦م).
بصفة عامة أعربت البراهين المباشرة عن فشلها، فلم يبقَ إلا برهان الخلف. ولكي يفترضوا العكس، أي إمكانية التقاء المتوازيَين، افترضوا أن السطح غير مستوٍ، هكذا أدت المسلمة الخامسة إلى الهندسات اللاإقليدية، وهي الهندسات التي لا تفترض أن السطح مستوٍ، فلا تسلم بمسلَّمات إقليدس.
ويمكن اعتبار نصير الدين الطوسي (ت٦٧٢ﻫ/١٢٧٤م) بكتابه «تحرير أصول إقليدس» رائد هذا الطريق. وقد ذهب كروثر إلى أن الخاصة التحليلية للغة العربية ساعدت على جعل نقده لهندسة إقليدس نقطة البدء الحقيقية للهندسات اللاإقليدية. إنه رائد شق الطريق، ثم سار فيه جيرولا موساكشيري وجاوس … إلخ حتى وصلنا في النهاية إلى نسق لهندسة السطح المقعَّر مع نيكولاي لوباتشيفسكي (١٧٩٢–١٨٥٦م)، ونسق لهندسة السطح المحدَّب مع ريمن (١٨٢٦–١٨٦٦م) والتي جعلها أينشتين هندسة للواقع الفيزيائي، فاتضح أن هندسة إقليدس ليست كشفًا مطلقًا، بل فقط بناء عقلي معجز ومتكامل، وأُميط اللثام عن حقيقة الرياضيات من حيث كونها نسقًا استنباطيَّا يكفيه اتساق النتائج مع المقدمات بصرف النظر عن الواقع التجريبي (انظر في تفصيل هذا كتابنا: العلم والاغتراب والحرية: مقال في فلسفة العلم من الحتمية إلى اللاحتمية، ص٣٥٩–٣٦٧). (المترجمة)
وقد هاجر مع أسرته إلى شمال أفريقيا واستقر في القاهرة سنة ١١٦٥م؛ حيث ارتفع نجمه كطبيب، وأصبح الطبيب الخاص لصلاح الدين الأيوبي وابنه، ترأَّس عام ١١٧٧م الطائفة اليهودية في مصر. وباستثناء كتاب واحد، كتب جميع أعماله تقريبًا — وهي في اللاهوت والفلسفة والمنطق والطب — باللغة العربية.
يُعَد ابن ميمون أكبر فيلسوف في زمانه، بعد ابن رشد. على أن أثر ابن رشد كان واسع النطاق، حتى ساهم في تشكيل الفِكر اللاتيني، أما ابن ميمون فقد اقتصر تأثيره على المِلَّة اليهودية.
ولعل أهم أعماله «رسالة في صناعة المنطق» وهو كتاب من أربعة عشر فصلًا قصيرًا، كتبه بعد عام ١١٥١م، وأصبح — في ترجمته العبرية — النصَّ المنطقي النموذجي في الدوائر اليهودية إبان العصور الوسطى. وله أبحاث منطقية أخرى أقل أهمية منها:
اصطلاحات ابن ميمون المنطقية، المنطق، رسالة في المنطق …
على العموم لم تُقدِّم رسالة ابن ميمون المنطقية جديدًا على الإطلاق. فهي ملخص قياسي للاصطلاحات المنطقية العربية، وتعود أهميتها الرئيسية إلى دورها في نقل هذا التقليد إلى اليهود.
(نيقولا ريشر، تطور المنطق العربي، ترجمة ودراسة وتعليق: د. محمد مهران، دار المعارف، القاهرة، ١٩٨٥م، ص٤٠٦ وما بعدها). (المترجمة)
وكان ابن ميمون أيضًا على معرفة بكتاب أبلونيوس «القطوع المخروطية» كما تُبين الهوامش التي كتبها على قضايا معينة في هذا العمل. انظر: حواشٍ على بعض أشكال كتاب المخروطات، مخطوطة مانيزا، جينيل ١٧٠٦١٦، الصفحات ٢٦–٣٣ من المخطوطة العربية.
Clagett, Archimedes, pp. 335 et seq.