لائحة قانون الكنيسة الحرة
حصلت إيطالية على فنيسيه إلا أن ثمنها كان باهظًا؛ إذ كانت الحرب نكبة عليها في البر والبحر، ولم يغسل عار الهزيمة فوزُ المتطوعين اليسير، ولم يُجْدِ التفوُّقُ العددي شيئًا؛ لأن سوءَ التنظيم وعدم كفاية القادة ذهبَا بقيمة التفوق، وقد أذعنت النمسة؛ لأن بروسية لا إيطالية قد تغلبتْ عليها وفلتت منها ترنتينة وإيسترية بعد ما كانتا في متناول اليد، أما فنيسيه فكانتْ هدية قدمها الأجنبي إليها، وقد غدر بإيطاليا حليفٌ لا ضمير له، ولا ننسى أن الهزيمة في ميدان القتال قد جرحت كرامتها، أضف إلى ذلك أن ماليتها كانت لا تزال مرتبكة وأن سياستها كثيرًا ما مُنيت بالخذلان، وها هي تصبح منعزلة من دون صديق، وها هي الآن تنتقل من حلم الانتصار إلى صحوةٍ زلزلت اعتقادها في الناس وفي المؤسسات القائمة، وعم فيها السخط على الزعماء والحنق على الموظفين العاجزين الذين سببوا الهزيمة.
وبينما كانت فنيسيه تغتبط بخلاصها ساد القسمَ الباقيَ من إيطالية شعورٌ قوي بأن في كيان الدولة فسادًا يستطيع في كل حين أن يكون مصدر الفرقة، ومنه يسهُلُ نزولُ الكارثة، ولم يكن أحدٌ يفكر في إعادة الأسرات المالكة الساقطة إلى عروشها وخسرت الحكومة سمعتها حتى كادت تفقد الأمل في استرجاعها، وعاد المتطوعون من ميدان القتال فأصبحوا قوة مستقلة، وفي خلال المفاوضات التي انتهتْ بالصلح كان ثمة خطرٌ حقيقيٌّ ينذرها باحتمال هجوم المتطوعين على النمسويين بمحض رغبتهم، وكان مازيني يصطاد في الماء العكر، وقد دل الاستمرار على انتخابه في مسينة على الرغم من تأجيل البرلمان إجراء هذا الانتخاب في كل مرة وتقديم استدعاء يحمل أربعين ألف إمضاء بالتماس العفو عنه؛ على بوادر الاستياء السياسي بين الناس، وكان كثيرون من الناس يعتقدون اعتقاد مازيني: «الملكية هي التي كانت سبب الفساد.»
وكان هذا التشخيصُ للداء لا شك سطحيًّا، وقد نسي الشعب ما لقيتْه إيطالية من مصاعبَ في الوصول إلى ما وصلت إليه، وأخذت طبقاتُ العمال تتذمر وتقول ها إن الوحدة لم تأتِ بالعهد الذهبي الموعود، وعم السخط على الضرائب التي أخذتْ تزداد، وانتقد الناس كون التقدُّم التجاري لم يحقق الآمال المفرطة التي عُقدت عليه مضافًا إلى ذلك كله أن جروح الجنوب الاجتماعية الدامية لَمَّا تضمد.
ووجهت للحكومة حملاتٌ؛ لأنها أصبحت خاضعة للبورقراطية تقتفي في الأغلب أثر الاستبداد، ولا تنجو من فساد الطريقة القديمة، ولا ننسى في هذا المجال عناصر الشعب القديمة التي ظلت صامتة حينما طغت الحماسة القومية فأخذت الآن ترفع صوتها، ولا بد لإخماد هذا الشعور الصاخب من أنْ يَمُرَّ جيلٌ تتولى الأمورَ فيه حكوماتٌ صالحة حازمة.