مينتانة
تقلَّد رتازي رئاسة الوزارة في ١١ نيسان مستندًا إلى أحزاب المركز، وكان يرجو أن يؤلف الوزراة بالاتفاق مع اليسار ومع الحزب الدائم إذا أمكن إلا أنه لم يوفق إلى ذلك؛ إما لأن رتازي وكريسبي كان لا يعتمد أحدهما على الآخر، وإما لأن كريسبي أدرك أن وقوع نزاع بين الحكومة وبين غاريبالدي لا بد منه، أو لأنه اشترط على رتازي شروطًا يتعذر قبولها؛ ولذلك انقطعت المذاكرات بينهما فاستند رتازي إلى أنصاره فقط وألف وزارة من رجال ثانويين، وكان موقفُهُ تجاه البرلمان أشد حراجة من موقفه سنة ١٨٦٢، ومع أنه وجد متكأً له وعضدًا في الرغبة التي كانت تسود جميعَ الأحزاب في اجتناب إحداث أزمة جديدة إلا أنه لا اليمين ولا اليسار كانا على استعدادٍ لمظاهرته مظاهرةً جدية يذهبون فيها إلى أبعدَ من التساهُل الذي اقتضتْه الظروف.
وعليه فإن رتازي رأى أن سلامته في السير على سياسته اللبقة القديمة التي تستند إلى التوازُن بين الأحزاب، فطلب معاضدة ريكاسولي ولَوَّحَ لليسار بما يغريه على الاشتراك في الحكم، وأخذ على عاتقه بعض التعهُّدات لكريسبي، بَيْدَ أن كريسبي ذاته على الرغم من نفوذه لم يستطعْ إقناعَ اليسار بالاشتراك مع رجل إسبزومونتة عن طيبة خاطر، أما الجماعة المتطرفة التي كان يرأسها برتاني فجاهرتْ بمعارضتها إياه، وكانت هناك حزازات ترجع إلى عهدٍ قديم تَحُول دون الاتفاق مع اليمين، وبمجيء رتازي للحكم انتعشت الآمال التي استيقظت قبل خمسة سنوات، أما القوميون الذين عِيلَ صبرُهُم فرَجَوا أن يفسح لهم مجال الذهاب إلى روما، آملين أن يتواطأ معهم، أما المتحمسون الذين يريدون روما فكانوا ككل المتحمسين أقلية في المجلس إلا أنها أقليةٌ قوية تتمتع بعطف الأكثرية.
وندد بالميثاق رجالٌ سياسيون؛ كانوا ينشدون إكمال وحدة الأمة وعلمانيون يعتبرون البابا وريث «تروكويمادا أولويولا» وعدو الرقي الأزلي، مستندين في شوقهم هذا إلى القرار المكرَّر الذي أَعلن فيه البرلمانُ أن روما عاصمة إيطالية.
وطبيعي أن يعتمد المتحمسون على غاريبالدي؛ ليقودهم نحو روما، وكان غاريبالدي قد انسحب إلى كاربيره مُقتنعًا بأن سياسة التريُّث هي السياسة المثلى لإنقاذ روما، وقد استُدعي في شهر شباط من عزلته لاستغلال نفوذه في الانتخابات ضد مشروع الكنيسة الحرة؛ حيث أخذ يبشر بدينٍ غامض «باسم الله وعيسى الحر»، وكان يؤكد بأن على الطليان أن يقتحموا روما بالقوة إذا كانت الوسائطُ المشروعة لا تجدي للاستيلاء عليها، وكان موقنًا بأن فرنسة لن تتدخل وأن بروسية ستُقدِّم المساعدة، وكان يحسب أن القضية ستحسم من دون سفك دماء.
ولقد لَقَّنَه أصدقاءُ كريسبي فكرة الوسائط المشروعة وحالوا دون التأليف بينه وبين رتازي وكانت معرفة حقيقة سياسة رتازي أمرًا صعبًا، ومع أن آراءه بشأن القضية الرومانية يحتمل أن تكون قد تطورتْ منذ وصوله إلى فلورنسة إلا أنه ربما كان يود لو تظل راقدة في سياستها فيستفيد من هذا التأجيل لإنقاذ البلاد من الإفلاس.
وكان قد حمل على الامتيازات التي منحها ريكاسولي للكنيسة إلا أنه لم يشأْ أن يُخاطر بقطع الحبل مع فرنسة؛ لذلك وعد بأن يراعي الاتفاق نصًّا وروحًا آملًا أن تمل أوروبا من القضية البابوية فتسمح لإيطالية بأن تسلك طريقها بلا عرقلة، ولم يكن يستطيع أن يبقى في الحكم إذا لم يعاضده اليسار وما كان اليسار يأمن جانبه إلا إذا قطع وعودًا علنيةً سرية بأن يأخذ بالسياسة المتطرفة، وكان رتازي على اتصال بأحرار روما حتى ظن كريسبي بأنَّ رتازي وغاريبالدي يضعان خطةً للعمل مشتركة، أما التصريحات التي فَاهَ بها رتازي في البرلمان فاعتُبرت تحريضًا للرومانيين على الثورة، ولعل رتازي توقع أن تُمنى مشاريعُ غاريبالدي بالفشل فعمل على أن يجعل حزب العمل في قبضته فيستطيع أن يستخدمه كما يشاء، فإما أن يقضي عليه وإما أن يرمي به عرض الحائط كما تقتضيه الظروف، وكان يتوقع أن تُثير قضية لوكمسبورج الحرب بين بروسية وفرنسة فتساعد الصدف على المسير نحو روما.
وكان هناك حل يرضى عنه جميع الأحزاب ما عدا اليسار المتطرف ومازيني، وذلك أنْ يثور الرومانيون ثورة تؤدي إلى قلب البابا وهو الحل الوحيد المشروع الذي يسوغ إهمال الاتفاقية، وعلى الرغم من حركة الارتجاع في فرنسة ومن تهديد الحكومة الإفرنسية؛ فإنه لن يتصور أبدًا أن الإمبراطور يستطيعُ أن يعترض على استفتاءٍ عام يقرر انضمام روما إلى إيطالية، وكان كثيرون من الوطنيين يعتقدون — كل الاعتقاد — بأن الرومانيين هم الذين سيتولون إنقاذ أنفسهم.
وكانت اللجنةُ القوميةُ في روما ترقص على عزف تورينو وفلورنسة وتأخذ المساعدات المالية من الحكومة الإيطالية، وكان بعض رؤسائها يتصلون بأنتونللي، وكانت هناك لجنةٌ أخرى هي لجنةُ العمل المنبثقة عن اللجنة التي أَلَّفَها مازيني بعد سقوط الجمهورية، والتي حال نفوذُ مازيني دون اندماجها في أَيِّ تنظيم غير جمهوري، وكانت هذه اللجنة — حسبما يظهر — على استعدادٍ للتخلِّي عن آرائها الجمهورية والتعاوُن مع أَيِّ تنظيم لا يكون كثيرَ الولاء للمعتدلين كاللجنة القومية، وقد حث ذهاب الإفرنسيين اللجنتين على مضاعفة نشاطهما، غير أنه بينما كانت سياسة اللجنة القومية ترمي الآن إلى ترك روما للأقدار وتخليص الحدود؛ كانت لجنة العمل تُعِدُّ العدةَ للثورة في المدينة نفسها، وتنوي طلب مساعدة أوروبا؛ لتكون الحكم بعد أن تنال روما حريتها ثم يجري الاستفتاء العام لمصلحة الوحدة، وقد ألغيت هذه اللجنة قبل تعيين رتازي بمدةٍ قصيرة لبلوغ غايتها جميع الفروع القومية الرومانية باستثناء اللجنة القومية، وتطوع غاريبالدي لقيادة هذه الحركة الجديدة، وكان ينوي إرسال عصابات المتطوعين ليعيثوا في الحدود وليشغلوا جنود البابوية، ولما وردت رسالةٌ من روما تفيد بأن القوميين أصبحوا على أُهبة العصيان؛ سارع غاريبالدي إلى إيفاد قوة إلى جوار تيرني، والواقع أنه لم تتم أية استعدادات لا في تيرني ولا في روما؛ فلذلك استطاع الجنود الإيطاليون — بسهولة — أن يطوقوا المائة شخص الذين لبوا نداء غاريبالدي قبل أن يجتازوا الحدود، وأن يقبضوا عليهم في ١٨ حزيران.
أما غاريبالدي فلم يثن عزمَه شيءٌ وأسلم نفسه إلى تهورٍ خاطئ ولربما بالغ في تقديره جزعُ الشعب وظن أنه يستطيع أن يجر البلاد وراءه فيتحدى الحكومة، وجهر بعزمه على الذهاب إلى روما وأرسل السلاح إلى الحدود؛ ليجس نبض رتازي ولعله أراد بأن يتعاون مع الجمهوريين، وأخذ في أوائل شهر آب يجند المتطوعين من جميع الإيالات المتاخمة بالحدود، وحين تَجَوَّلَ في جنوب طوسكانه لم يتردد في الجهر بنِيَّاتِهِ قائلًا: «نريد أن نذهب إلى روما على الرغم من بونابرت، فينبغي لنا أن نُحرق الميثاق فوق الكابيتول.»
ولقد نجح في تهييج البلاد، وحدث أنْ قامت في عيد القديس بطرس السنوي مظاهرة بابوية صاخبة أثارت الشتائم التي وجهت فيها للقوميين سخطًا شديدًا في إيطالية، وأثبتتْ تصريحات الجنرال الإفرنسي «دومون» صحةَ ما كان الطليان يظنون منذ مدة طويلة، وهو أن بعض القوة البابوية في آنيتب تتألف من جُند المشاة الإفرنسيين المتنكرين بلباس المتطوعين، وأحدث ذلك سخطًا شديدًا على أسلوب الختل الذي استعمله الإمبراطورُ ليتجنب الميثاق، وقد عقدت اجتماعاتٌ عامةٌ في المدن الكبيرة طالبتْ باحتلال روما والاستيلاء على الأملاك الكنيسية، حتى إن عددًا كبيرًا من المعتدلين انضمُّوا إلى القائلين بضرورة إحداثِ ثورةٍ في روما، وأخذ بعضُ الجنود والضباط والموظفين يحيون غاريبالدي وحسب الناس جميعهم أنه على تفاهمٍ مع رتازي بواسطة كريسبي، وأن الحكومة لن تُعارضه.
أما رتازي فصَرَّحَ بأنه سيعارض — بكل قوته — أية حركة نحو الأمام إذا أدرك بأن سياسته المبهمة المتوسطة عادتْ لا تَصلح، وأن عليه أن يتخذ مع غاريبالدي سياسة صريحة، فإما معه وإما عليه، فإذا اختار أن يؤيد غاريبالدي فإن روما ستقع في قبضة يده وإليه سيرجع فضل الاستيلاء على العاصمة الإيطالية، بَيْدَ أن الأخطار التي قد تنجم عن هذا وقد يؤدي ذلك العمل إلى قطع الصلات مع فرنسة وربما إلى حربٍ هائلة تنتهي باحتلال الإفرنسيين لبيمونته، أما إذا هو ألغى المتطوعين بالقوة فقد تتكرر بذلك حادثة إسبرمونتة فضلًا عن احتمال نشوب الحرب الأهلية ونشاط الحركة الجمهورية التي قد تجر إلى قلب العرش، وقد كان شغف غاريبالدي بإثارة الثورة ينذر بمضاعفة الصعوبات المالية أكثر من قبل، بينما كان معظم الناس — باستثناء المتحمسين — المندفعين يرون بأن مهمة الاستيلاء على روما تأتي بعد واجب تخفيف الأعباء التي تَرْزَح تحتها البلاد في الأهمية، وكان رتازي قد أصدر في ٢٨ تموز قانونًا عن أراضي الكنيسة استهدف به تخفيفَ أعباء الخزينة على الرغم مِنْ أن الحصة التي خصصها للدولة كانت أقل مما جاء في مشروع ريكاسولي.
وأخذت الأسابيعُ تمر والصلات مع فرنسة تتوتر حتى أصبح اجتناب قطع الصلات صعبًا جدًّا، ولو كان الإمبراطور لا يزال قويًّا يستطيع بها أن يسلك السياسة التي يريدها؛ لَمَا كان ثمة محذور من موقف فرنسة، إلا أن الكاثوليك كانوا أقوياء في البلاط وكانت الحكومة لا تجرؤ على إغضابهم، وكان الإفرنسيون يكرهون إيطالية لأنها عدوة للبابا وحليفةٌ لبروسية، وكانوا يحسون في قرارة نفوسهم بالألم لأن البلاد التي حاربتْ فرنسة من أجلها قد تخلت عن فرنسة، وقد نسوا أن فرنسة حين أعطت لمبارديه لإيطالية قد أخذت منها لقاءها صافويه ونيس، وأن إيطالية قد سفكت دماء أولادها سنة بعد أُخرى في سبيل نابليون الأول، وكان وزير خارجية فرنسة قبل سقوط ريكاسولي قد أنذر بتدخُّل جديد إذا اضطر البابا إلى الهروب وبالقيام بهجومٍ من الداخل أو من الخارج، ومع أن رئيس وزراء فرنسة كان من الأحرار وكان يُعارض سياسة التدخُّل إلا أنه كان يَخشى فيما إذا وقعت ثورة أن يحول ضغط الرأي العام دون وقوف فرنسة موقف المتفرج وعلى الحياد، وقد دل إنذار وزير الخارجية الإفرنسية على أن الحكومة الإفرنسية قد أطلقت مواد الميثاق الخفية واعترضت بتواطؤها في قضية قوة انتب.
وبلغ السخط في إيطالية من جراء ذلك أشُدَّه، ولعل رتازي حاول أن يشهر بأحكام الميثاق، إلا أن سياسته كانت تقضي بأنْ لا يعطي فرنسة أية فرصة للتدخل.
وكان قد تعهد مرات عديدة بالاهتمام على محافظة الحدود بقدر ما تساعده على ذلك منابع الحكومة بالمحافظة على الحدود باهتمامٍ تساعده عليه قدرةُ الحكومة، حتى إنه ذهب إلى أَبْعَدَ من ذلك بقبوله استشارة السلطات البابوية بشأن التدابير التي يجب اتخاذُها للمحافظة على الحدود، بَيْدَ أن وعده باستخدام القوة عند الحاجة كان يُناقِضُ الأوامر التي أوعز بها لسلطات الحدود في السعي لاجتناب سفك الدماء، فضلًا عن أنه رفض أن يمنع تجنيد المتطوعين وتدريبهم.
ولعل رتازي وافق على أن يُخاطر حزب العمل في حركة ترمي إلى إنقاذ روما ما دامت فرنسة منهمكةً في قضية لوكمسمبورج، إلا أنه اشترط بألا تتحمل الحكومة تبعة المباشرة بالعمل، ولما انقشعت الغيوم عن الرين وظهر أن فرنسة حشدت أربعين ألفًا في طولون كانوا على أُهْبة الإبحار نحو جيفيتافيكيا؛ تراجع رتازي على أعقابه أمام هذا الخطر، ومع ذلك فإنه لم يجرؤ على الجهر بمعارضته حزب العمل رغم إنذاره لغاريبالدي بالقبض عليه إذا ما اجتاز الحدود، وقد كان كريسبي وأنصارُهُ مستعدين للتعاوُن معه؛ لأنهم كانوا لا يعتمدون كثيرًا على بصيرة غاريبالدي، حتى إن بعض المتهوسين من أعضاء الحزب حملوا على غاريبالدي على تأجيل الحركة إلى وقتٍ آخرَ؛ فوافق مكرَهًا على تأجيلها شهرًا واحدًا على الأقل، وكان مؤتمر السلم على وشك الانعقاد في جنيف، وكان أصدقاء غاريبالدي البرلمانيون قد وعدوه بالمساعدة؛ آملين أن تفتر حماسة المتطوعين حين غيابه، وكانت اتهاماتُهُ الشديدة ضد البابا قد وقعت كالصاعقة حين المذاكرات في المؤتمر، ولعله استاء من الاستقبال الذي استُقبل به في جنوة فقفل راجعًا إلى فلورنسة في ١٧ آب.
ولم يكن الرومانيون — وقد كانوا مشلولين بسبب انشقاقهم — على استعدادٍ لأن يأخذوا على عاتقهم تبعة الحركة، وكان السبيل الوحيد لتشجعيهم على العصيان اجتياز الحدود فعاد كريسبي وأصدقاؤه مجددًا يضغطون على غاريبالدي لتأجيل الحركة، بَيْدَ أنه رفض تأجيل حركته إلى أكثرَ مِن نهاية أيلول، زاعمًا في اغترار بأن وراءه مائة ألف طلياني، وبعد أن أصدر أوامره للعصابات لتجتمع على الحدود سافر في ٢٣ أيلول ليلتحق بها، وبعد عودة غاريبالدي من جنوة تجددت المفاوضات بين رتازي وحزب اليسار فوعد الحزب على ما يظهر بأن يساعده على أن يعود غاريبالدي إلى كاربيره ويبقى فيها مدة من الزمن، فأدرك غاريبالدي أنها مصيدةٌ له، وكان قد نشط كثيرًا في إكمال استعداداته، وعلم رتازي بأن قطعاتٍ من القوات الإفرنسية في طولون كانت على أُهْبَة الحركة، وحَثَّهُ الملك على الأخذ بسياسة الحزم فصرف النظر بغتة عن سعيه للتفاهُم وأصدر بيانًا في ٢١ أيلول ينذر فيه ويتوعد كما أنه لم يكفَّ عن دسائسه، فحاول شل حركة المتطوعين ببذر بذور الشقاق بينهم.
وكان جليًّا أنه إذا كان لا بد من الحركة فيجب أن تجرى حالًا، وعزم الرؤساء الغاريبالديون على الحركة بعد تردُّدٍ كبير ولكن بعد فوات الأوان؛ لأن الحكومة أوقفتْ غاريبالدي في طريقه إلى الحدود وساقتْه إلى قلعة ألكسندرية، ولكنه كان قد وجه نداء حارًّا إلى الرومانيين والطليان؛ داعيًا الأولين للعصيان وطالبًا إلى الآخرين بَذْل المعونة لهم، وقد قبض على عددٍ كبير من المتطوعين كما قبضت الحكومة على بعض اللاجئين وسلمتْهم إلى السلطات البابوية، الأمر الذي ينافي الكرامةَ والمروءة، وسِيق غاريبالدي بعد مرور ثلاثة أيام إلى كاربيره، فانتشر خبر توقيف غاريبالدي غير القانوني في البلاد انتشار الكهرباء، ولولا احتلال الجنود لجنوة لَحدث فيها اصطدامٌ دامٍ، أما في فلورنسة فلقي رتازي الأمرَّين في خروجه منها سالمًا معافًى، وكان الجنودُ أنفسُهُم يهتفون تحت نوافذ سجن غاريبالدي: «إلى روما.»
وأراد نواب حزب اليسار التريُّث أيضًا آملين أن يؤدي تأخيرُ الاستيلاء حتى عصيان الرومانيين إلى انضمام الحكومة إلى جانبهم، بَيْدَ أن الرءوس الفائرة التي كان يقودها مينوتي بن غاريبالدي رفضت الانتظار واكتظت منطقة سابينة وإيالة فيتربه في الأسبوع الأول لشهر تشرين الأول بالجُند، بينما كان مينوتي غاريبالدي في «باسو كوريزه» أقرب نقطة من روما وأخذ مئاتُ المتطوعين بثيابٍ رثة قد قتلهم الجوع وبللهم المطر يتحملون ما هم فيه بلا تَذَمُّر ويُقاتلون بشجاعة، يذهبون إلى هنا وهناك مِن دون غاية مرسومة، يقودهم رؤساء لا خبرة لهم ولا يلقون من القرويين المنقادين لرهبانهم شيئًا من العطف.
ولم يحاولْ حزب اليسار أن يوقف الحركة ولم يجرؤ رتازي على الاعتراض، حتى إن أهدأ المحافظين ارتئوا بأن الضرورة أخذت تقضي بالذهاب إلى روما للمحافظة على الأمن وإنقاذ المتطوعين الطليان من هزيمةٍ يكبدها إياهم جنودُ البابا المرتزقة، فلم يبق لدى رتازي سوى اختيار أحد الأمرين: فإما أن يخلف وعده، أو أن يقمع القوميين، فاختار الأمرَ الأول، وكان الملك ذاتُهُ بعد أن رغب رغبة صادقة في الوفاء للميثاق؛ قد رأى أن شخصه وأسرته كانتا معرضتَين للخطر إن هو لم يأخذ بهذا الرأي، وأدرك بأن كرامة الأُمَّة إذا أُهينتْ أيضًا من قِبَل فرنسة فإن سمعة الملكية ستهوي بحيث يصبح انتشالها من وهدتها متعذرًا، وقال رتازي: «هنالك ساعات لا تفكر الأمة فيها بالخطر بل تفكر في حقوقها.»
وقد وافق على حشد المتطوعين بصورةٍ علنية ساعيًا في الوقت نفسه بواسطة كريسبي في تثبيط همتهم، وقد قَدَّمَ لهم الحرس القوميُّ سلاحَه، وكثيرًا ما ساعدهم الجنودُ على اجتياز الحدود حينما كانت القطعات البابوية تطاردُهُم وأرسل رتازي إلى اللجنة القومية يلح عليها بأنْ تثور مهما كلف الأمر، وقد أرسل إليها المال والسلاح وربما بتحريضٍ منه وَقَّعَ اثنا عشر ألف روماني على استدعاء بطلب التدخُّل الإيطالي لصيانة الأمن؛ ولكي يُحافظ على طابع الحركة الرومانية المفاجئة عمد إلى تشكيل لجيونا «فرقة رومانية» مؤلفًا من اللاجئين الرومانيين.
وكان رتازي لا يزال يأمل أن يتجنب الاختلاف مع فرنسة، ويغلب على الظن أنه كان يوافق على احتلالٍ مشترك إذا قضت الضرورة بذلك، بَيْدَ أنه في تلك اللحظة اعتزم أن يُقاوم أي احتلال تقومُ به فرنسة وحدها مهما كَلَّفَه الأمر، ولو أدت الحربُ إلى الفشل فإن أقل ما في ذلك أنْ تعودَ إلى الملكية هيبتُها وحرمتُها وإلى توحيد الأمة، فجس نبض بروسية لمعرفة فيما إذا كان يوجد أملٌ في الحصول على مساعدتها، ويظهر أنه أوفد «بريم» إلى إسبانية للتحريض على ثورة عسكرية يُلهي بها أنصار البابوية المتطرفين الإسبانيين، وكان الإمبراطور لا يزال يقف موقف الصديق ولا يرغب في أن يتورط مرة أُخرى بإرسال قوة عسكرية إلى روما، وخشي أن يجر ذهاب القوات الإفرنسية إلى روما إلى الحرب مع إيطالية وربما مع بروسية أيضًا، وأسهب الأحرارُ في وزراته في بيان محاذير التدخُّل، وأما رئيس وزرائه فأصر على أن يجري التدخُّل من قبل الدولتين إفرنسة وإسبانية معًا.
وحينما أرسل رتازي سفيره في باريس إلى بياريج؛ حيث كان الإمبراطور في ٤ تشرين الأول ليخبر الإمبراطور بالمحاذير التي قد تنجم عن ثورة جمهورية في روما تضطر الحكومة إلى التدخُّل، وقد عده الإمبراطور بأنه لن يتخذ أي تدابيرَ من دون أن يستشير إيطالية وأخذ الكاثوليك يطالبون بالتدخُّل صاخبين، ومع أن البابا كان يعتبر الإمبراطور خائنًا فقد كتب مذكرة بسابق وعده بالمساعدة حينما يهدده الخطر، وعلم الإمبراطور بمساعي رتازي للحصول على مساعدةٍ بروسية فغضب وأرسل رسالة يُنذر فيها الحكومةَ بالحركة فيما إذا هي لا تستطيع أن تُحافظ على الحدود، فأجابه فيكتور عمانوئيل بشجاعةٍ قائلًا بأن إيطالية ستحتل فورًا جزءًا آخر من أراضي البابا إذا خرقت فرنسة أحكام الميثاق وأرسلت جندها إلى روما، ويظهر أن متانة الملك كانت قد أوهنت عزم الإمبراطور فلم يعقد النية على التدخُّل إلا بعد أن ضغطتْ عليه الوزارة ضغطًا شديدًا، فأرسل رسالةً أُخرى يقول فيها إذا لم يقمع رتازي حركة المتطوعين بشدة فإن فرنسة ستجبر إيطالية على احترام الميثاق، ولكن رتازي وأكثرية زملائه رفضوا الإذعان للقوة وشجعوا الطليان على احتلال روما مهما كلف الأمر، ثار الرومانيون أم لم يثوروا بَيْدَ أن رفض الملك لهذا الرأي أوقف الوزارة وصرح في اجتماعٍ عقده مجلس الوزراء في ١٩ تشرين الأول بأنه يعارض في التدخُّل، ومع ذلك أبرق في اليوم نفسه إلى الإمبراطور يقول بأنه إذا أخرج الإفرنسيون قواتهم إلى جيفتا فيكيا فإنه؛ أي الملك، يجتاز الحدود حالًا.
ويظهر أن الأمر باجتياز الحدود كان قد صدر ثم سُحب بسرعة، فما كان في وسع رتازي إلا أن يقدم استقالته، وظهر غاريبالدي في فلورنسة في ٢٢ تشرين الأول فجأة، وبينما كانت تسع بواخر حربية تحاصر جزيرة كاربيره استطاع أن يُفلت منها على قاربٍ صغير، ولما وصل إلى فلورنسة لم يكن في البلاد حكومةٌ مسئولة؛ إذ كان جيالديني الذي كلف بتأليف الوزارة لا يزال يفتش عن زملاء يشتركون معه في الحكم، وكان جيالديني عازمًا على القتال فيما إذا خرج الإفرنسيون إلى جيفتا فيكيا إلا أنه كان لا يزال يرجو إمكانَ التفاهُم، فسعى بواسطة كريسبي إلى إقناع غاريبالدي بأنْ يبقى في الخط الثاني ولما رفض غاريبالدي ذلك لم يجرؤ جيالديني على توقيفه، فذهب هذا إلى الحدود يتواطأ مع رتازي واجتاز الحدود في باسو كوريزه في اليوم التالي؛ أي في ٢٣ تشرين الأول.
وكانت الثورة قد نشبتْ في روما في مساء اليوم الفائت، فهب الرومانيون من سُباتهم وأخذ المتآمرون يدبرون الخطط بأناة ويستهدفون للأخطار، فقد كان ألف فتًى ونيف يتشوقون إلى القتال، ويتمتعون بعطف كثيرين من الناس وكانت الطبقات الفقيرة في جانب القوميين، وكانت الحامية البابوية ضعيفةً، قليلة الشجاعة، وكان فيها متواطئون مع المتآمرين يُخبرونهم عن خطط حكومة البابا ولم يكن ينقص المتآمرين سوى السلاح، وقد فشلت عدة محاولات لتهريب السلاح إليهم، وما أمكن الحصول عليه عثرت عليه الشرطة.
وقد حدث أن استولى رجالٌ من العُصاة المسلحين بالمسدسات والقنابل اليدوية على أحد الأبواب، وتقدموا نحو الكابتول، إلا أنهم رُدُّوا على أعقابهم قبل حلول الظلام تاركين الباب لأعدائهم، على أن الشعب رفع رأسه وتحرك وحدث قتال عنيف في «ترنس نيفيرة» ولكن تلك المحاولات كانت كلها مجهودات يائسة؛ إذ أحبطت الثورة أخيرًا في روما.
وجعلت مجازفة غاريبالدي وثورة روما تدخل الإفرنسيين أمرًا لا مناص به، وقد تملك أنصار البابا الذعر رغم انتصارها المهيمن وكانوا يَشُكُّون في مقدرتهم على مقاومة غاريبالدي مقاومة فعلية، ويعلمون أن مقاومتهم للجيش الإيطالي إذا تقدم لن تُجدي غير سفك الدماء، وأخذ الكاثوليك الإفرنسيون يطالبون بالتدخُّل منذرين مرعدين ولكن الإمبراطور ظل نهبًا للحيرة والتردد حتى قيل إن الأوامر التي أُصدرت للأسطول في طولون بُدلت ثلاث مرات في أربعة وعشرين ساعة، ثم أذعن أخيرًا للضغط في ٢٦ تشرين الأول وانطلق اثنان وعشرون ألف جندي في طولون نحو جيفتا فيكيا.
وقد عدل جيالديني عن تأليف الوزارة فألفها «مينه بريه» في ٢٧ تشرين الأول من رجال اليمين وأقصى اليمين، وكانت عبارة عن وزارة إنقاذ مهمتها إنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذه الأزمة المخيفة التي سادتْ إيطالية، وضاعف وجود غاريبالدي في المقدمة عزم لجنة العمل على الكفاح وجعل خروج القطعات الإفرنسية إلى جيفتا فيكيا الاصطدام على وشْك الوقوع، وكان على الحكومة إذا قهر الإفرنسيون غاريبالدي إما أن تحمي انسحابَه باشتباكها في الحرب مع فرنسة وإما أن تتركه يحتمل مخاطرَ الثورة ونتائجها، وكانت الصعوبات قد ازدادتْ لتعذُّر حشد قوة كافية وقد خفض ملاك الجيش بحيث تعذر حشدُ اثني عشر ألف جندي إلا بمشقةٍ كبيرة.
وأصدر مينه بريه الرئيس الجديد بيانًا ندد فيه المتطوعين قائلًا فيه بأن على إيطالية أنْ تتمسك بتعهُّداتها وأن تتجنب حربًا أخوية مع فرنسة، وحيث إن خروج القطعات الإفرنسية قد أيقظ روح السخط العنيف؛ فقد اعتبر بيان الحكومة ضد المتطوعين تواطؤًا مع الإمبراطور فحدثتْ حوادثُ عنيفة خطيرة في ميلانو وفلورنسة وتورينو ذات صبغة شبه جمهورية، حتى إن المعتدلين أنفسهم أجابوا على بيان الوزارة بأن الحرب ضد فرنسة أقل أخوة من مقاتلة المتطوعين الطليان، ثم اضطرت الحكومة إلى أن تنجرف مع التيار شاءتْ أم أبت، وفي ٣٠ تشرين الأول؛ أي في اليوم الذي دخل فيه الإفرنسيون روما اجتازتْ القطعات الإيطالية الحدود.
وأصبح الوضع موقوفًا على الطالع الذي سيرافق غاريبالدي، ولَمَّا وصل غاريبالدي إلى الحدود في «تيريني» وجد الأُمُور مرتبكة وأن عزيمة المتطوعين قد وهنتْ ومعنوياتهم قد خفت بسبب الأخطاء التي ارتكبها قادتُهُم، وقد غامر بعضهم فحاول إدخال السلاح إلى روما ولكنه هُوجِمَ حين اقترب من المدينة ورُدَّ على أعقابه فانسحب، ومع أن المدن البابوية كانت قومية النزعة متحمسة للقضية؛ فإن القرى ظلت إلى جانب البابا ولم تساعد المتطوعين، وبعد أنْ حشد غاريبالدي سبعة آلاف رجل في باسوكويزة في سرعةٍ عظيمة هاجم قصر «مونته روتوندو» القديم، وهو موضعٌ منيعٌ يبعد عن روما تسعة عشر كيلو مترًا ونصف كيلو متر ويسيطر على طريق السكة الحديدية وكانت حامية القصر ثلاثمائة جندي، وقد استطاع غاريبالدي بعد عشر ساعات من القتال العنيف أن يحتل القصر فنشر احتلال القصر الذعر في روما، ولما كان الناس حينذاك لا يعلمون فيما إذا كان الإفرنسيون سيأتون فقد أسرع أنصار البابا إلى إخلاء البلاد من حدود المدينة، وبذلك مكنوا المتطوعين من احتلال فيتربه وفيلليتري ثم تقدم غاريبالدي نحو روما إلا أن الأمطار عاقتْ حركته وأنهكت رجاله، ومع ذلك فقد أوشك أنْ يصل إلى أسوار المدينة واتصل به خبرٌ كاذبٌ عن نشوب ثورة في المدينة فعزم على مهاجمة موضع الستار الحصين في مونته ماريو، ثم تبين كذب الخبر وأدرك خطورة موقفه، ولم يبق أمامه سوى حركة واحدة، وهي الرجوع إلى مونته روتونده وحشد باقي المتطوعين، وأحدث عزمه على الانسحاب تمردًا بين المتطوعين وتضاعف التمرُّدُ بسبب ضعف الأمل في بلوغ الهدف والخوف من أن يُصبحوا بين نارين بعد صدور بيان الملك، وربما فعلتْ دسائسُ الجمهوريين فِعْلَها وبلغ فقد الانضباط بينهم أنْ فَرَّ منهم ألفان في يومين.
وأخيرًا وصل الإفرنسيون وكانت الحكومة الإيطالية قد أوقفت في الحدود النجدات والذخيرة، وكان منع المتطوعين من الفرار أمرًا صعبًا فعَزَمَ غاريبالدي على السير نحو ميتفولي؛ حيث يجد فيها النجدات ويترقب سُنُوح الفرصة المناسبة مستندًا إلى جبال الأبنيين حيث يستطيع أن يدبر حرب عصابات، على أن هذه الخطة خطرة؛ لأنها تعرض جانبه للعدو المتقدم، ولو أسرع غاريبالدي لَوصل إلى متفولي سالمًا غير أن ضباطه لم ينفذوا التعليمات التي بَلَّغَهم إياها واستمع إلى آراء ابنه، فنشأ عن ذلك أنْ تأخر السيرُ بضع ساعات، وأرسل إليه القوميون في روما تفاصيلَ خُطة هجوم الإفرنسيين إلا أنه أبى أن يصدقهم، وهكذا وقع في الفخ في قرية «منتانة» الصغيرة وبوغت خمسة آلاف من المتطوعين في موقع غير ملائم ومن دون قادة فدافعوا دفاعًا صحيحًا أمام قوة تُعادل قوتهم من جند البابا إلى أن لَمَّ صفوفَهم غاريبالدي وقام بهجومٍ بالحراب، وبينما كان يكبد العدو خسارة ويُنزل به الضربات ظهر الإفرنسيون في الخط الثاني، وظل المتطوعون يقاتلون ببسالة ولكن قوة العدو أصبحتْ تفوقُ قوتهم بنسبة الضعف، وأخذت نيران بندقية الشاسبو تحصدهم فخسروا المعركة في الساعة الرابعة من عصر ذلك اليوم، وانسحب في اليوم نفسه معظمُ المتطوعين نحو الحدود.
لقد كانت منتانة ضربة أليمة لمعنويات إيطالية وقد رفعت منزلة البابوية ومستْ كرامة إيطالية وخلقتْ بُذُور الفتنة في الداخل والارتباك السياسي في الخارج، وسادَ البلادَ في تلك اللحظة سخطٌ شديدٌ على فرنسة، وهتف الناس في ميلانو للحرب ضد فرنسة، وسارت في فيرونه مظاهراتٌ صاخبة ضد الرُّهبان وتنادى بمقاطعة البضائع الإفرنسية، تلك هي بعض أعراض الحمى التي انتابت البلاد.
أما الحكومةُ فرأتْ أن السياسة الوحيدة الممكنة هي اجتناب الاصطدام مع فرنسة وعدم إعطاء أية حجة لبقاء الإفرنسيين، وعليه فإنها أبتْ أن تعترف بنتائجِ الاستفتاء من فيتربه وفيللتري؛ لأن فرنسة أنذرتها بأن الاعتراف بالاستفتاء سيؤدي إلى إشهار الحرب، وأسرعتْ فسحبتْ القطعات الإيطالية من أراضي البابا وألقت القبضَ على غاريبالدي وأرسلتْه إلى كاربيره وطالبتْ فرنسة بأن تتمسك بوعدها في سحب جندها.
وكان نصر منتانة قد أنعش آمال الكاثوليك وراح الإكليريكيون يطلبون من فرنسة في صرخاتٍ دواية بأنْ تسترد بولونيه وإنكونه، وأمل الإمبراطور أن يتملص من كل تبعاته بدعوة الدول المعظمة إلى مؤتمر يكون الحكم بين روما وإيطالية، ولكن الدول كلها لم تقبل هذه المهمة المكروهة ما عدا إسبانية واغتبطت بروسية بهذا الارتباك واعتبرتْه ضمانًا لسلامتها، أما إيطالية فبذلت جهدها لإحباط المؤتمر، وبينما كانت المفاوضات تطول كان المجلس النيابي الإفرنسي يتذاكر حول الحملة الأخيرة، فرأى تيرس المجال واسعًا لإظهار سخطه على إيطالية وخشي رئيس الوزراء سوء العاقبة فأسرع إلى القول: «بأن فرنسة لن تساعد إيطالية على أخذها روما.» وحصل رئيس الوزراء على ثقة المجلس بعد ذلك إلا أنه ساعد على حفر هوة بين إيطالية وفرنسة، هوة ستكلف فرنسة دموعًا وبكاء ولم يجرؤ الإمبراطور على إغضاب الكاثوليك بالتنصُّل من حمايته للبابا، وإذا كانت قطعاته قد تركت روما قبل نهاية السنة إلا أنها لم تنسحب من جيفتا فيكيا.