مغامرةٌ سرية جدًّا!
بينما كان «أحمد» يجلس وحده في غرفته منهمكًا في قراءة مجموعة من الأبحاث التي أرسلها له رقم «صفر». فجأة، وقف وأخذ يروح ويجيء في الغرفة. كان يبدو عليه الغضب، حتى إنه وقف للحظة أمام باب الغرفة، ثم ضربه بقبضته، وكأنه يُفرغ كلَّ غضبه في هذه الضربة.
ظل صامتًا برهةً ثم همس محدِّثًا نفسه: من غير المعقول أن يحدث هذا! كيف نترك هذه الثروة العظيمة في أيدي هؤلاء الذين يمثلون أعداء لبلدنا؟!
ثم عاد من جديد إلى مكتبه الصغير واستغرق في قراءة مجموعة الأبحاث … فجأة رنَّ جرس التليفون. لكنه ظل مستغرقًا في القراءة، واستمر الرنين متواصلًا، حتى مدَّ يدَه وضغط زرًّا في جهاز التليفون فانقطع الرنين في نفس الوقت الذي جاء فيه صوتُ «إلهام» تقول متسائلة: أين أنت؟
ردَّ في هدوء: مشغول قليلًا في مهمة!
قالت «إلهام»: إذن، أنت تُخفي عن الشياطين بعضَ المهام؟!
تنفَّس بعمق ثم قال: بالعكس لا، إنني أستعدُّ لعملية، سوف تعرفونها في اللقاء القادم!
جاء صوت «إلهام» يقول: هل هي عملية سرية؟!
أجاب «أحمد»: ليس هناك سرٌّ بين الشياطين.
قالت «إلهام»: إذن، لماذا أنت وحدك الذي يعرف المهمة؟!
تنهَّد «أحمد»، فقالت «إلهام»: يبدو أنك غاضب من شيء ما!
أجاب «أحمد»: نعم، غاضب جدًّا!
سألَته «إلهام»: هل أستطيع أن أعرف السبب؟!
ردَّ «أحمد»: لا أظن الآن؛ فالزعيم هو الذي سوف يُخبركم بالتفاصيل!
ثم أضاف بسرعة: إنها مجرد دراسة أقرؤها، أظن أنها سوف تُفيدنا في مغامرتنا القادمة!
ابتسمَت وهي تقول بصوت هادئ: إذن هناك مغامرة جديدة في الطريق!
ابتسم وهو يردُّ: أعتقد أن هذه مهمة الشياطين!
مرَّت لحظة قبل أن تقول «إلهام»: يبدو أنك في حاجة إلى الوقت والهدوء بعيدًا عن ضجة الشياطين!
أجاب «أحمد»: هذا صحيح!
قالت: إذن، إلى اللقاء، بعد أن تفرغَ من قراءتك!
ثم اختفى صوتُها. نظر «أحمد» حوله حائرًا، وقال في نفسه: ينبغي أن أبحث عن مكان لا يعرفه الشياطين حتى أستطيعَ الانتهاء من قراءة هذه الأبحاث!
ثم استغرق في التفكير لحظة، لكن استغراقه لم يستمر؛ فقد جاء صوت رقم «صفر» ليقول: ينبغي أن تذهب إلى الغرفة السرية؛ فهناك لن يُزعجَك أحد!
ابتسم «أحمد»؛ فقد جاءت كلماتُ رقم «صفر» لتُنهيَ حيرتَه، لكن صوت رقم «صفر» لم يتوقف … فقد أضاف: لاحِظْ أن المهمة عاجلةٌ وهامة، وخطيرة في نفس الوقت.
ثم أضاف الزعيم: إن موعد الاجتماع القادم سوف يكون في الساعة الثامنة مساء في القاعة الكبرى.
وأنهى كلماتِه قائلًا: هيَّا، تحرَّك الآن إلى الغرفة السرية.
وبسرعة جمع «أحمد» الأبحاث التي أمامه، وكانت عبارة عن مجموعة أوراق داخل دوسيه كبير، ثم خرج مباشرة من الغرفة قائلًا: إن الغرفة السرية يعرفها الشياطين أيضًا، لكن عندما تكون مضاءة، فإن أحدًا لا يقترب منها؛ فالجميع يعرفون أنها غرفة خاصة بعمليات محددة، وهي تقع في طرف المقر السري، والطريق إليها يحتاج إلى دراية خاصة بها، فهو طريق يبدو وكأنه أحد الألغاز، فهناك ممرات متعددة تتقاطع مع بعضها، حتى يبدوَ لمن يَصِل إليها أنه تائهٌ لا محالة. عندما دخل «أحمد» الغرفة السرية، أضاء نورها، الذي يلمع خلف زجاج بابها …
والغرفة السرية ليست كبيرة، وهي تضمُّ مكتبًا صغيرًا، وأريكة مريحة، ومقعدًا واحدًا. وهي تُطلُّ على حديقة صغيرة، يُفتَح عليها بابٌ سريٌّ. فتح «أحمد» الباب، فوقعَت عيناه على مجموعة من الزهور النادرة التي تضمُّها الحديقة. ملأ صدره بالهواء، ثم أدَّى بعضَ تمرينات التنشيط وعاد إلى المكتب، ثم جلس بسرعة واستمر في قراءة الأبحاث. في نفس الوقت كانت «إلهام» قد نقلت إلى الشياطين مضمونَ محادثتها التليفونية مع «أحمد». وعندما انتهَت من كلامها قال «عثمان»: الدلائل كلُّها تشير إلى أنها مهمة خطيرة للغاية!
أضاف «بو عمير»: إذن، علينا أن نستعدَّ من الآن حتى نكون جاهزين للانطلاق!
وتساءلَت «زبيدة»: ما هي طبيعة هذه المغامرة؟
ابتسم «قيس» وهو يُجيب: لا أظن أننا نستطيع التكهن بطبيعتها؛ فما دامت المهمة سرية لهذه الدرجة، فلا بد أنها جديدة علينا!
قال «خالد»: ومع ذلك، نستطيع أن نخمِّنَ نوعيتَها، ونحن إذا ألقَينا نظرة على منطقتنا نستطيع أن نضعَ أيديَنا على أبرز مشاكلنا، وهي بالتالي أساس مهامنا التي نقوم بها!
لم ينطق أحد منهم، ونظروا إليه في انتظار أن يستمرَّ في كلامه، ويشرح وجهة نظره.
مرَّت دقيقة قبل أن يقول: إن أول مشاكلنا في المنطقة أننا نملك ثروة ضخمة موزَّعة في شتى البلاد؛ فإذا كان البترول هو أهمَّ هذه الثروات، فإنه يتركز في منطقة «الخليج»، و«ليبيا»، و«الجزائر»!
توقَّف «خالد» لحظةً عن الكلام، فابتسمَت «إلهام»، فأسرع يقول: أعرف أن هذا ليس جديدًا، لكن فقط أنني أعدِّد أهمَّ مشاكلنا!
ثم أضاف: هناك أيضًا موقعنا الجغرافي؛ فنحن نقع في منطقة متوسطة تربط الشرق بالغرب، ولدينا في هذه القضية «قناة السويس» كأهمِّ معبر مائي، وعندنا «البحر الأحمر» أيضًا.
قال «مصباح» بسرعة: واسمح لي أن أشاركَكَ وأُضيف أن لدينا ثروات معدنية هائلة، بجوار أننا سوق استهلاكي كبير، تحرص كلُّ الدول على التعامل معه.
علَّق «خالد»: هذا صحيح.
صمت لحظة ثم أضاف: إننا نستطيع أن نضع أيديَنا على طبيعة المغامرة إذن!
مرَّت لحظات من الصمت قطعَها «قيس» قائلًا: أعتقد أنكم لم تضعوا أيديَكم على أهم قضية ونحن دائمًا لا نعطيها ما تستحقه من اهتمام مع أنها قضية في منتهى الأهمية!
سكت لحظة فتركزَت أنظار الشياطين عليه، وبدَا عليهم الاهتمام الشديد، وقبل أن ينطق، سارع «باسم» بالقول: كلُّنا نعرف أن الدكتور «فاروق الباز» يُعدُّ واحدًا من علماء العرب المشهورين والمهمِّين عالميًّا!
ظهرَت الدهشة على وجوه بقية الشياطين إلا «قيس» الذي ابتسم، فنظر له «باسم» قائلًا: هذا ما تقصده، أليس كذلك؟!
قال «قيس» وقد غطَّت وجهَه ابتسامةٌ عريضة: نعم، هذا ما قصدته بالضبط، وإن كان الدكتور «فاروق الباز» عالم الفضاء المصري، نموذجًا للعلماء العرب لما أعنيه!
قال «باسم»: وهذا ما قصدته أنا أيضًا.
أضاف «قيس»: لهذا لوحظ في الآونة الأخيرة اغتيال عدد كبير من علماء الذرة العرب في الخارج!
ظهر الاهتمامُ على وجوه الشياطين، وأسرعَت «إلهام» تقول: لقد تعرَّضنا في إحدى مغامراتنا لهذه القضية!
ردَّ «قيس»: نعم، ولكنها قضية لا تنتهي أبدًا؛ فنحن في عصر يقف فيه العلماء في المقدمة. في نفس الوقت، فإن دول العالم المتقدم تريد أن تستحوذ على هذه العبقريات النادرة!
قال «باسم»: أريد أن أُضيفَ إلى أننا في منطقتنا العربية لا نهتمُّ كثيرًا بالبحث العلمي، والدول التي تهتم به لا تملك تكاليف أبحاثه؛ لأنها تكاليف باهظة جدًّا.
تساءلَت «ريما»: وما الجديد في هذه القضية؟!
أجاب «قيس»: إنها قضية جديدة دائمًا؛ لأنها تتعلق بمستقبل المنطقة، وما دامت تتعلق بالمستقبل فسوف تظل جديدة دائمًا.
قال «عثمان»: إذن، لقد أضفنا قضية هامة لقضايانا!
قال «خالد»: نحن لم نحصر قضايانا كلَّها، فعندنا قضية الأراضي الزراعية مثلًا، و«السودان» يمتلك أرضًا عظيمة للزراعة، وكذلك «العراق»، لكن هل استثمرنا ذلك كلَّه؟
قالت «إلهام»: لا طبعًا، بدليل أننا ما زلنا نستورد معظم الحبوب من الغرب.
قال «قيس»: إذن، هناك قضايا كثيرة في منطقتنا العربية، بجوار قضايانا الأفريقية، وهي كثيرة هي الأخرى!
قالت «ريما»: إذن، هل تظنون أن المغامرة الجديدة سوف تكون حول واحدة من هذه القضايا!
أجاب «قيس»: بالتأكيد.
فجأة، قطع حوارَهم صوتُ رقم «صفر» يقول: لقد اقتربتم فعلًا من موضوع القضية، وطبيعة المغامرة أيضًا. وقد أسعدَتني مناقشاتُكم ووعيُكم بقضايا بلادكم!
صمت لحظة ثم أضاف: إن اجتماع الساعة الثامنة مساء يحدِّد لكم بالضبط طبيعة المغامرة!