العميل يداعب «أحمد»!
عندما هبطَت الطائرة في مطار بروكسل، أخذ الركابُ طريقَهم إلى باب الخروج … وعن طريق الممر المعلَّق اتجهوا إلى صالة المطار الداخلية … كان «مروان» يتبع «أحمد» وكأنه تابعه. وعندما أصبحَا في الصالة، وقفَا معًا. كان «مروان» لا يعرف ماذا يفعل. أما «أحمد» فقد كانت عيناه تمسحان المكان بحثًا عمن سوف يقترب منهما. فجأة ظهر أحد الرجال وقدَّم نفسه: أُدعَى «جلاكس» مبعوث من طرف السيد «شداد»!
ابتسم «أحمد»، بينما تردَّد «مروان»، وقال «أحمد»: أهلًا «جلاكس» ها هو الصديق «مروان».
شدَّ «جلاكس» على يد «مروان» الذي نظر إلى «أحمد»، ثم ابتسم «أحمد»، وقال: أرجو أن نلتقيَ مرة أخرى عزيزي «مروان»، وإن كنت لا أعرف كيف يمكن الاتصال بك!
نظر «مروان» إلى «جلاكس»، وسأل: ألَا يوجد رقم تليفون يمكن أن يتصل عن طريقه صديقي!
ابتسم «جلاكس» ومدَّ يدَه في جيب الجاكت، وأخرج كارتًا قدَّمه ﻟ «أحمد» قائلًا: تستطيع أن تتصل به على هذا الرقم!
شدَّ «مروان» على يد «أحمد» وهو يقول: لقد سعدتُ بصحبتك يا عزيزي «كريم»، وأرجو أن نلتقيَ قريبًا!
ثم صَحِب «جلاكس» وانصرفَا، أما «أحمد» فقد ظل يراقبهما حتى اختفيَا. ثم قال في نفسه: خسارة أن نفقد هذه الطاقات العظيمة!
ثم أخذ طريقَه إلى خارج الصالة. كانت سيارة بيضاء صغيرة تقف على جانب من الطريق. أخرج «أحمد» من حقيبته جهازًا صغيرًا ثم ضغط على زرٍّ فيه فسمع صوت موتور السيارة يدور، عرف أنها سيارة الشياطين. أخذ طريقَه إليها … فجأةً تردَّد من خلال راديو السيارة صوتٌ يقول: أهلًا بك في «بروكسل»!
ابتسم «أحمد»؛ فقد عرَف أنه صوتُ عميل رقم «صفر». قال العميل: سوف تنزل في فندق «أوستريا» وهو يقع داخل المدينة، غرفة رقم «٨»، وسوف تدلُّك البوصلة عليه، بعد ساعة سوف أنتظرك في مطعم «فيلا» القريب من الفندق، والذي لا يحتاج إلى مواصلات. سوف أُمسك في يدي كتابًا وأجلس في آخر المطعم، إلى اللقاء!
نظر «أحمد» إلى البوصلة الموجودة في تابلوه السيارة، وتبع اتجاه السهم. عندما دخل المدينة كان الليل قد هبط، وغرقَت الشوارع في الضوء، تغيَّر اتجاهُ السهم، فغيَّر اتجاهَ السيارة، ولم يمضِ وقتٌ طويل، حتى ظهر مبنًى قديمٌ من ثلاثة طوابق، وفوقه لافتة مضاءة مكتوب عليها: «أوستريا» اتجه إليه، ودخل بالسيارة إلى مكان الانتظار.
ثم غادرها إلى داخل الفندق. اتجه إلى استعلامات الفندق وتسلَّم مفتاح غرفته واتجه إليها مباشرة. كانت في الطابق الثاني، بينما كان وهو يصعد السلالم داهمه شعورٌ بأن هناك مَن يراقبه، أبطأ من خطواته، فلم يسمع شيئًا. قال في نفسه: لعله الشعور ببداية المغامرة، خصوصًا بعد لقاء «جلاكس». صَعِد بسرعة ثم اتجه إلى الغرفة.
وقف أمام رقم «٧» ثم تجاوزه إلى رقم «٨» فلم يجده. وجد الرقم «٧» أيضًا. ابتسم وقال في نفسه: لعلها البداية فعلًا! فكر لحظة، ثم دفع المفتاح في الباب فدخل. أدار المفتاح فانفتحَت الغرفة. قال في نفسه: لعل الرقم قد اهتز؛ فلو أنها عملية مقصودة، فما كانوا يقعون في هذا الخطأ، لأن رقم «٨» لا يمكن أن يسبق رقم «٧» أبدًا. خطَا في الداخل ثم أغلق الباب في هدوء.
وقف يرقب الغرفة التي كانت منظمةً ونظيفة تمامًا، وقعَت عيناه على الدولاب، كان يبدو أنه ليس مغلقًا جيدًا. قال في نفسه: من الضروري أن يكون أحدٌ قد شغل الغرفة قبلي، مع ذلك خطَا إلى الدولاب وفتحه. فجأة، وجد بدلة سماوية اللون، ظهرَت الدهشة على وجهه، لمَن تكون هذه البدلة! تردَّدَت هذه الجملة في خاطره. فكر قليلًا: هل يكون العميل هو الذي تركها! فتح ضلفة أخرى في الدولاب، فوجد قميصًا أبيض، وربطة عنق زرقاء اللون، ابتسم «أحمد» وقال: إنه طقم جيد … عاد إلى ضلفة الدولاب التي بها البدلة من جديد. مدَّ يدَه يتحسَّسُها، ثم وضع يدَه في جيبها الصغير الخارجي. فأحسَّ بورقة تحت إصبعه، جذب الورقة. كانت ورقة صغيرة مطوية بعناية، فتحها، ثم قرأ، وغَرِق في الضحك. لقد كانت كما فكَّر تمامًا. كان عميل رقم «صفر» قد كتب على الورقة: «لعلك تحتاجها في سهرة أدعوك إليها.»
ضحك مرة أخرى وقال لنفسه: إنها مفاجأة فعلًا! ولذلك فهي تحتاج إلى حمام دافئ بسرعة. قفز إلى الحمام وأخذ دشًّا دافئًا. استعاد به نشاطه، ثم أسرع إلى البدلة يلبسها. فظهر أنيقًا تمامًا. ابتسم وقال لنفسه: إنها تكفي ليتعرَّف على العميل … نظر في ساعة يده وهمس لنفسه: هناك ربع ساعة فقط على الموعد. تجوَّلَت عيناه في الغرفة من جديد، وخطَا إلى النافذة الوحيدة في الغرفة فتأكد أنها مغلقة جيدًا. ثم اتجه إلى باب البلكونة، فوجده مغلقًا أيضًا. قال لنفسه: رائع؛ كل شيء كما ينبغي!
ألقى نظرةً أخيرة على نفسه في المرآة، ثم أخذ طريقَه إلى الخارج مباشرة. عندما خطَا أول خطوة خارج الفندق، كانت هناك نسمةُ بردٍ خفيفة جعلَته أكثرَ نشاطًا. قال لنفسه: إنه جو المغامرات! كان يمشي على مهلٍ في طريقه إلى مطعم «فيلا». ولا يدري «أحمد» بالضبط لماذا يشعر بالسعادة، وبالرغبة في المرح. قال هامسًا: أين أعزائي الشياطين؟! إنني أحتاجهم الليلة في هذا الجو المنعش.
ظهرَت لافتة مطعم «فيلا»، كان عبارة عن بناء قديم، وكأنه متحفٌ للآثار. وقد أعجبه نموذج البناء، وتساءل بينه وبين نفسه: هل يعرف السيد «كريج» أنني أحب هذه الأبنية القديمة، حتى يختار لي فندقًا قديمًا، ومطعمًا قديمًا أيضًا. فتح الحارس الباب العتيق، فدخل، ووقف يرقب المكان … وألقى بنظرة عليه عند نهاية صالة المطعم. كان هناك شخص يجلس وحده، لكنه لم يكن يُمسك كتابًا، تردَّد قليلًا. وتجوَّل بعينَيه في بقية المكان، لكنه أيضًا لم يرَ مَن يُمسك كتابًا. فكر: هل يجلس إلى أيِّ منضدة. لكنه لم ينفذ هذه الفكرة. نظر في ساعة يده، وكانت تُشير إلى الموعد تمامًا. اقترب منه أحد العاملين في المطعم، وانحنى في أدب وسأل: هل يبحث سيدي عن أحد؟
لم يُجِب «أحمد» مباشرة؛ فقد كان يفكر: هل يذكر اسم «توماس كريج»؛ فقد يكون معروفًا ما دام قد حدَّد هذا المطعم! لكنه أبعد هذه الفكرة عن ذهنه أيضًا، وقال: موعد مع صديق!
قال العامل: لعله في الطريق.
ثم ابتسم وأضاف: هل تأذن لي باختيار منضدة لك؟
نظر له «أحمد» لحظة، ثم قال: لا بأس، أريدها في نهاية المطعم.
تقدَّم العامل يسبقه إلى حيث توجد منضدة خالية، ثم انحنى في أدب قائلًا: هل تصلح هذه يا سيدي؟
شكره «أحمد»، فقال: هل تطلب شيئًا حتى يَصِل الصديق؟
أجاب «أحمد» بسرعة: أُفضِّل أن أنتظرَه قليلًا.
انحنى العامل وانصرف. كان «أحمد» يشعر بالحرج، فماذا يمكن أن يحدث. هل تعرَّض السيد «كريج» لمأزق، أو أن شيئًا جديدًا قد ظهر فجأة في المغامرة؟! ساوره الشكُّ. لكن فجأة سَمِع مَن يقول: «توماس كريج».
نظر ناحية الصوت، فرأى الرجل الجالس وحده يبتسم. شعر بالحيرة، ماذا يفعل؟! وهل يكون هذا الرجل قد اكتشف شيئًا؟! هل يكون أحد أفراد المنظمة، ووقع «كريج» في يدها؟! فجأة؛ وقف الرجل. كان وسيمًا جدًّا، يقترب عمرُه من الخمسين، مبتسمَ الوجه. اقترب من «أحمد» وقال ضاحكًا: «توماس كريج».
ظل «أحمد» حائرًا، فضحك الرجل مرة أخرى، وقال: أنا «توماس كريج»، وهذه هي البدلة التي تركتُها لك في الدولاب!
وقف «أحمد» وهو يحاول أن يبتسم وإن كان الشك لا يزال يتردَّد في أعماقه، إلا أن «كريج» ضحك هذه المرة بعنف وهو يقول: أعرف أنك متردد.
ثم أخرج من جيبه كتابًا متوسط الحجم، وهو يقول: هذا هو الدليل!
ثم ضحك وهو يُضيف: لقد أردتُ أن أداعبَك، عندما ظهرتَ بهذا المظهر الأنيق، فأخفيتُ الكتاب منذ دخولك المطعم!
ابتسم «أحمد»، لكن «كريج» كان يعرف أنه لا يزال يشك، فقال: هل شاهدت الفيلم؟
تأكد «أحمد» لحظتَها أنه «توماس كريج» فعلًا، فلا أحدَ يعرف قصة الفيلم سواه، و«كريج» ورقم «صفر». مدَّ يدَه وشدَّ على يد «كريج» قائلًا: معذرة، إن التجربة علَّمتني أن أكون حذرًا!
ضحك «كريج» وهو يقول: هذه حقيقة؛ ففي هذا العالم المزدحم المخيف ينبغي أن يتأكد الإنسان من كل شيء حوله!
ثم دعاه إلى منضدته، وعندما جلس أشار إلى الجرسون، ثم حدَّد الأطعمة التي سوف يتناولانها. وعندما اختفى الجرسون، قال «كريج» مباشرة: حتى لا نضيعَ وقتًا، لقد اكتشفنا هذه الفيلا الغامضة، وفشلَت كلُّ المحاولات التي قمنا بها لكشف ما بداخلها. لكننا مؤخرًا استطعنا أن نسجل اسمًا، يبدو أنه اسم عربي.
صمت «كريج» وظهر الاهتمام على وجه «أحمد» حتى إن «كريج» ابتسم ابتسامةً عريضة وهو يقول: هل ستقول إنك تعرفه!
تجمَّدَت نظرةُ «أحمد»، فقال «كريج»: ماذا هناك!
قال «أحمد» بنفس الجمود: لا شيء. فقط لا تخبرني الآن.
ظهرَت الدهشة على وجه «كريج»، وتساءل: لماذا؟!
تنفَّس «أحمد» بعمق في نفس اللحظة التي وصل فيها الطعام. فصمت الاثنان. وضع الجرسون أطباقًا كثيرة أمامهما، حتى إن «أحمد» ابتسم، وقال: هل هي آخر مرة سوف نأكل فيها؟!
استغرق «كريج» في الضحك وابتسم الجرسون، وهو يقول: يبدو أن السيد «كريج» يريد أن يحتفل بك!
أخفى «أحمد» دهشته؛ فالجرسون يعرف «كريج» أيضًا. قال «كريج» ضاحكًا: إنني لا أفعل ذلك كثيرًا، لكني فقط أعرف أن رحلتك كانت طويلة، وتحتاج لطعام كثير.
انصرف الجرسون، فأضاف «كريج»: وأيضًا حتى تستعدَّ لمغامرتك الغامضة!
قال «أحمد» مبتسمًا: إن ذلك كرم زائد يا سيد «كريج»!
ضحك «كريج» وهو يقول: حتى أضمن دعوة مماثلة منك!
ثم وضع ﻟ «أحمد» قطعًا صغيرة من اللحم المشوي وهو يقول: هذا لفتح الشهية!
ثم نظر إليه لحظة، فنظر إليه «أحمد». عندئذٍ سأل «كريج»: والآن ما الاسم الذي طلبتَ ألَّا أذكرَه لك؟!
انتظر «أحمد» لحظة، ثم قال: «شداد»!
ظهرَت الدهشة على وجه «كريج»! ثم فجأة غَرِق في الضحك.