معركة غير متوقعة!
سأل «كريج»: إنه هو … كيف عرفت؟!
تنفس «أحمد» بعمق، فقال «كريج» مبتسمًا: لا بأس، دَعْنا من هذا الآن، وأكمِلْ عشاءك؛ فسوف أدعوك إلى سهرة طيبة، نستطيع خلالها أن نُكملَ حديثنا.
ثم صمت لحظة، وأضاف: لكن صدِّقني إنها مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لي.
فقال «أحمد»: لقد كنت أنتظر الوصول إلى هذا الاسم وتأكيده بعد أن سمعته في الطائرة!
ابتسم «كريج» وهو يقول: أرجو ألَّا تضيعَ مني متعة سماع تفاصيل الحكاية؛ فهذا يعني أنك وضعت يدك على مفتاح المغامرة!
ابتسم «أحمد» وهو يضع قطعة صغيرة من اللحم في فمه. وبعد أن انتهى من مضغها، قال: لقد كانت مفاجأة لي أنا الآخر!
ثم صمتَا الاثنان لفترة من الزمن، واستغرق كلٌّ منهما خلالها في طعامه. غير أن «أحمد» كان يفكر: لقد توقعت هذا، وهو شيء غريب. إن إحساسي أخذني إلى حقيقة المغامرة. توقَّف لحظة ثم قال لنفسه من جديد: مَن يدري، لعل هناك شيئًا آخر!
انتهى الطعام وقال «كريج»: ما رأيك في سهرة فنية؟
ابتسم «أحمد» وقال: لا بأس.
خرجَا من المطعم إلى سيارة «كريج»، وعندما انطلقَت بهما قال العميل: الآن، أتمنَّى أن أسمع تفاصيل حكاية الطائرة!
ابتسم «أحمد» لحظة، ثم أخذ يحكي له لقاءَه ﺑ «مروان»، والحديث الذي دار بينهما … وكيف أنه توقَّع أن يكون «شداد» هو الهدف. قال «كريج»: إنك ذكي بما فيه الكفاية، ويبدو أن حواسك يقظة إلى هذه الدرجة التي تتوقع فيها أشياء تقترب من الحقيقة!
ثم أضاف: مع ذلك فما زال الغموض يحيط بهذه الفيلا الغريبة!
قال «أحمد»: أعتقد أنها مسألة ضرورية!
ثم فجأة قال: يبدو أن هناك مَن يراقبنا ويسير خلفنا!
ظهرَت الدهشة على وجه «كريج» وقال: ما الذي جعلك تظن ذلك؟!
أجاب «أحمد» مبتسمًا: إنه الرادار الداخلي، أو قوة الحدس كما تقول!
نظر «كريج» في مرآة السيارة، ثم قال: إن السيارات التي تأتي خلفنا تسير بشكل عادي.
ابتسم «أحمد» وقال: هذه مسألة طبيعية، لكني لاحظت زاوية الإضاءة في المرآة الجانبية، فهي مستمرة معنا في كل اتجاه!
قال «كريج»: ملاحظة ذكية، وإن كان من الممكن أن تكون عادية؛ فربما تكون السيارة التي خلفنا تأخذ نفس الطريق!
مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: ربما!
ظهرَت أمامهما واجهةٌ مضاءة باللون الأحمر مكتوب عليها: ملهى «بالميرا». نظر «كريج» إلى «أحمد» وابتسم قائلًا: أريد فقط أن أُنعشكَ قليلًا قبل أن تغرق في دوامة المغامرة!
ابتسم «أحمد» وقال شاردًا: قد لا تصدق يا سيد «كريج» أن أكثر ما يُنعشني ويشحذ تفكيري وقواي، المغامرة!
هزَّ «كريج» رأسه وهو يقول: شيء بديع!
ثم أضاف: من الطبيعي أن يكون شابٌّ مثلك له هذه الرؤية، فأنت ما زلتَ في أول الطريق!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: أراك أكثر شبابًا يا سيد «كريج»!
ضحك «كريج» ضحكةً عريضة وهو يغادر السيارة قائلًا: هيَّا بنا، وأشكرك لهذه التحية!
غادرَا السيارة، وأخذَا طريقهما إلى ملهى «بالميرا». كانت واجهة الملهى الحمراء تضيء … وتنطفئ، فتنعكس الإضاءة على الشارع، فتبعث حالة من النشاط لمن يراها.
عند الباب انحنى الحارس وهو يقول: مرحبًا يا سيد «كريج»!
ردَّ «كريج» بابتسامة، وقال «أحمد»: السيد «كريج» مشهور في كل الأماكن!
مال كريج ناحية «أحمد» وهو يقول: طبيعة عملنا تحتاج إلى هذه العلاقات المتسعة، وإلا فمن أين تحصل على المعلومات؟!
كانَا قد قطعَا الممرَّ الطويل إلى داخل الملهى، حيث كان الضجيج يغطِّي المكان. وعندما دخلَا الصالة، كان المنظر مثيرًا. كان كلُّ مَن في الصالة يرقصون على إيقاعات سريعة صاخبة …
ابتسم «أحمد» ونظر إلى «كريج» الذي هزَّ رأسَه مبتسمًا.
اقترب أحد الجرسونات وهو يرسم ابتسامة واسعة على وجهه واقترب من «كريج» وهو ينحني أمامه. وضربَه «كريج» ضربةً رقيقة على كتفه، كأنها تحية، فاعتدل الجرسون. أشار «كريج» إلى منضدة بعيدة نوعًا …
فلم يكن الكلام يُفيد وسط هذه الضجة. تقدمهما الجرسون، حيث جلسَا في منطقة مظلمة في الصالة. انحنى «كريج» وهو يقول ﻟ «أحمد»: هذه منطقة جيدة، فمن هنا تستطيع أن تراقب الملهى كلَّه.
فجأة؛ ظهر الاهتمام على وجه «أحمد». لفت ذلك نظر «كريج» فسأل هامسًا: ماذا هناك؟!
مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: السيد «جلاكس»!
تغيَّرَت ملامح «كريج» وظهر عليه الاهتمام هو الآخر، وسأل: مَن هو السيد «جلاكس»؟!
ثم أجاب هو نفسه بسرعة: تقصد الشخص الذي انتظر العزيز «مروان»؟!
قال «أحمد»: نعم، إنه هو!
ألقى «كريج» نظرةً فاحصة، وشرد قليلًا ثم قال: هل تظن أنه كان يتابعنا؟!
أجاب «أحمد»: مَن يدري؟ لعله هو، ولعل آخرين كانوا يتبعونَنا ثم أبلغوه!
نظر «كريج» إلى «أحمد» في إعجاب وهمس: إنك رائع التفكير!
ثم تساءل بسرعة: هل هي مصادفة، أو أنها مسألة مقصودة؟!
لم يُجِب «أحمد» مباشرة؛ فقد مرَّت لحظةٌ كان يفكر فيها، ثم قال: الموقف يحتمل الحالتَين، وإن كنت أرجح أنها مسألة مقصودة!
ثم أضاف بعد لحظة: دَعْنا نكشف الأمر!
ظهرَت الدهشة على وجه «كريج» وهو يتساءَل: ماذا تعني؟!
ردَّ «أحمد» بسرعة: سوف ترى.
ثم أضاف: سوف أنصرف الآن، وابقَ أنت هنا، وسوف أعود بعد قليل!
ظهرَت الدهشة على وجه «كريج» وكاد ينطق بكلمة، إلا أن «أحمد» كان قد انصرف فعلًا. أخذ طريقه إلى الخارج، واتجه مباشرة إلى حيث تقف سيارة العميل. أخرج الجهاز الخاص بالسيارات، ثم ضغط زرًّا فيه، فدار محرك السيارة، اتجه إليها وركبها، وانطلق ثم نظر في مرآة السيارة، فرأى سيارة خلفه. قال في نفسه: هل هي سيارة عادية، أو أنها كانت تتبعهم؟! وعند أول دخول إلى اليمين دخل بالسيارة في سرعة عالية، ثم فجأة داس الفرامل، فتوقفت السيارة، وما هي إلا لحظة، حتى كانت السيارة الأخرى تصطدم به في عنف. اهتز بشدة، لكنه تأكد الآن أن السيارة تتبع «جلاكس» ومَن يعمل معهم. تهشَّمَت مقدمةُ السيارة الأخرى. نزل في هدوء واتجه إلى رجلَين كانَا قد نزلَا من السيارة. ونظر في مؤخرة سيارته، ولم تكن قد أُصيبَت بأذى. قال في نفسه إنها سيارة مجهزة تمامًا! ثم نظر إلى الرجلين، وقال: أظن أنكما أخطأتما.
ما كاد ينطق بجملته حتى كان أحدهما قد وجَّه إليه ضربة قوية في نفس الوقت الذي قفز الآخر عليه، إلا أن «أحمد» كان يتوقع ذلك وتفادى الضربة، فطاشَت في الهواء، ثم في نفس الوقت ضرب الآخر ضربة قوية، جعلَته يئنُّ، ويسقط على الأرض، وقبل أن يستعيدَ الأولُ توازنَه وجَّه إليه ضربة مستقيمة فأحدث به إصابة مباشرة. إلا أن الرجل كان قويًّا، فتلقَّى الضربة العنيفة دون أن يهتزَّ، ووجَّه يسارًا سريعة إلى «أحمد» الذي تراجع، فلم تُصبْه بأذًى كبيرٍ. دار «أحمد» حول نفسه، ثم وجَّه ضربة سريعة إلى الرجل، ثم أعقبها بعدة ضربات متتالية، جعلَت الرجل لا يعرف ماذا يفعل. وقبل أن يُفيقَ من سرعة الضربات، طار «أحمد» في الهواء، ثم ضربه بشدة ضربتَين متواليتَين، فدار الرجل حول نفسه، ثم اصطدم بسيارته، وسقط على الأرض. كان الآخر يتحامل على نفسه، ويكاد يقف، إلا أن «أحمد» كان قد قفز إليه، ثم ضربه بقوة وهو يوجِّهه إلى سيارته، فاندفع إليها صارخًا ثم سقط هو الآخر على الأرض. في هدوء نظر إليهما «أحمد» ثم نظَّم ملابسه وأخذ طريقه إلى سيارته. انطلق بها بسرعة في طريقه إلى ملهى «بالميرا». وعندما وصل إليه غادر السيارة بسرعة. عندما أصبحت الصالة أمامه، ألقى نظرَه إلى حيث يجلس «كريج» الذي رفع يده. ألقى «أحمد» نظرة أخرى بحثًا عن «جلاكس»، فوجده يجلس في الاتجاه المقابل. ركَّز نظرَه عليه، فوجد وجهَه يبدو مشدوهًا، وابتسم «أحمد» وأخذ طريقَه إلى حيث يجلس «كريج»، وعندما انضمَّ إليه همس «كريج»: ماذا حدث؟
قال «أحمد»: أعتقد أننا يجب أن نغادر هذا المكان الآن.
تساءل «كريج»: لماذا؟!
أجاب «أحمد»: إننا مستهدفان!
شرد «كريج» لحظة ثم قال: أعتقد أننا ينبغي أن نظلَّ هنا؛ فالخروج الآن سوف يجعلنا نتعرض لمخاطر لا داعيَ لها!
نظر له «أحمد» لحظة، فقال «كريج»: هل تأكدت؟!
أجاب «أحمد»: نعم؛ فقد كانت هناك معركة سريعة!
لمعَت عينَا «كريج» في دهشة، فقال «أحمد»: أرجو ألَّا تتوقعَ دائمًا شيئًا آخر!
همس «كريج» بنفس دهشته: إنه لا يبدو أنك تشاجرت!
ضحك «أحمد» ضحكة صغيرة، ثم قال: هذه دائمًا نتائجنا!
فجأة؛ وقف «جلاكس»، وكانت عينَا «أحمد» في اتجاهه، فهمس: إنهم ينصرفون الآن، وأظن أننا مقبلان على معركة جديدة!
عندما غادر «كريج» ملهى «بالميرا»، كانت الساعة تُعلن الثانية صباحًا، كانت الشوارع هادئة، وكان الهدوء نفسه يعطي معانيَ كثيرةً. فهو يُوحي بالغموض، والمفاجأة؛ ولذلك فقد كانَا يسيران على مهل، وفي حذر. ورغم أنهما كانَا يقطعان الصمت ببعض الكلمات، إلا أن وقْعَ أقدامهما على الأسفلت كان يعطي مزيدًا من الوحشة. وحتى رَكِبَا سيارة «توماس كريج» لم يكن شيء قد حدث. ظل الصمت والغموض والوحشة. لم يُسرع «كريج» وهو يقود السيارة؛ فقد كان ينتظر حدوثَ شيء ما. ظلَّت السيارة تمشي متمهلة، حتى ابتعدَت عن ملهى «بالميرا». قال «كريج»: هل تظن أنهم سوف يبدءون هجومًا ما؟!
ردَّ «أحمد»: إن ذلك لا يشغلني الآن، إن ما يشغلني شيء آخر!
تساءل «كريج»: وما هو؟!
قال «أحمد»: إننا انكشفنا أمامهم، فهم يعرفونك، ويعرفونني الآن!
صمت «كريج» وإن كان قد قال بعد لحظة: هذا صحيح، وهذه مسألة خطيرة!
مرَّت لحظاتٌ صامتة، ثم قال «أحمد»: أظن أنهم لن يفعلوا شيئًا الآن.
ثم أضاف بعد قليل: ما لم تكن السيارة معرَّضة لحادث من أي نوع!
امتلأ وجهُ «كريج» بالاهتمام، وقال: ماذا تعني؟! هل تعني أنهم سوف يهاجمون السيارة؟!
قال «أحمد»: لا أعتقد ذلك، لكن ربما تظهر سيارة أخرى، وتدهمنا!
انتظر لحظة ثم قال: أو تكون السيارة نفسها قد تعرَّضَت لعملية ما!
ابتسم «كريج» وهو يقول: لا أظن ذلك؛ فالسيارة مجهزة تمامًا، ولا يستطيع الصدام معها إلا بدبابة مثلًا! فجأة، لمعَت لمبة حمراء في تابلوه السيارة، فظهر الانزعاج على وجه «كريج»، وقال: يبدو أن عندك حقًّا، وأن توقعك كان سليمًا!
ثم أضاف بسرعة: يجب أن نغادر السيارة بسرعة؛ فهذه العلامة تعني أن هناك خللًا ما فيها!
أوقف «كريج» السيارة، فاختفَت اللمبة الحمراء. قال: هذا لغز، لقد انطفأت اللمبة!
قال «أحمد»: يبدو أنها تعمل مع تحرُّك السيارة!
تقدَّم «كريج» بها، فأضاءَت اللمبة مرة أخرى. فقال بسرعة: إذن علينا أن نغادرها وهي سائرة لنرى ماذا هناك!
وبينما السيارة تمشي متمهلة، قفز «أحمد» و«كريج» في وقت واحد، ولم تمضِ دقائق، حتى انفجرَت السيارة، واشتعلَت فيها النيران، محدثةً دويًّا هائلًا. قال «أحمد»: يجب أن نختفيَ بسرعة!
وفي أقرب شارع جانبي، اندفعَا فيه، وتركَا السيارة تلتهمها النيران. ومن خلال الضوء الخافت أسرعَا بسرعة، وهما يلتصقان بجدران المباني. وعندما ابتعدَا بمسافة كافية …
قال «أحمد»: يجب أن تغيِّر مكانك الليلة!
قال «كريج» متسائلًا: وأنت؟!
ردَّ «أحمد»: أعتقد أنني في أمان في فندق «أوستريا»، فهو في النهاية فندق!
قال «كريج»: مَن يدري؟ قد يكون أحدهم في انتظارك!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: لا بأس، فسوف أعرف كيف أتعامل معهم …!
ثم أضاف بسرعة: سأتصل بك عندما أَصِل إلى هناك، وسوف يكون الاتصال على الموجة «ص» ١١.
وافترقَا بسرعة. استقل «أحمد» تاكسيًا إلى فندق «أوستريا»، وعندما دخل مسحَت عيناه المكان بسرعة. ثم أخذ طريقَه إلى غرفته. عندما وصل إلى الغرفة رقم «٨» لم يدخل مباشرة. فقد أخرج جهازًا صغيرًا معلَّقًا في سلسلة مفاتيح، وضغط زرًّا فيه، ووجَّهَه للباب لم يُصدر الجهازُ أيَّ صوت، فعرف أنه ليست هناك خدعة جديدة. فتح الباب ودخل. وقف في منتصف الغرفة يفكر قليلًا. قال في نفسه: إن الموقف يحتاج لتصرف جديد.
بسرعة خلع ثيابه، ثم وضع جهاز إنذار دقيق على باب الغرفة، يمكن أن يكشف مَن يريد دخولها. ثم قال لنفسه: أما النافذة والبلكونة، فإن أحدًا لم يستطع الدخول منهما. أما الباب فيمكن عن طريق المفتاح الرئيسي للفندق، ثم استغرق في التفكير. قال لنفسه: الآن اكتشفَت العصابة وجودي، وذلك عن طريق «جلاكس»، لكن ماذا يعرفون عني؟ توقف لحظة، ثم أجاب على تساؤله: لا بد أن ذلك تم عن طريق «مروان» بالتأكيد، قد تحدَّث إلى «شداد»، وسجَّلَت العصابة حديثهما. تنفَّس بعمق ثم قال لنفسه: لا بأس، غدًا سوف نرى!
تمدَّد على السرير، ثم غَرِق في النوم … إن لحظاتِ الخطر لا تجعل «أحمد» يفقد قدرتَه على النوم؛ فما دام قد اطمأنَّ بتأمين المكان، فإنه لا يخشى شيئًا، ولهذا نام سريعًا. لكن حتى في حالة النوم، فإنه يمكن أن يستيقظ في أية لحظة … ومرت الليلة.
وفي الصباح، كان يستيقظ نشيطًا جدًّا. جلس لحظة على السرير، ثم فكر، وظهرَت الدهشة على وجهه، لقد نسيَ أن يتصل بالسيد «توماس كريج»! بسرعة، أخرج جهاز الإرسال، ثم ضبط الموجة على «ص» وتحدَّث إليه. قال «أحمد»: أعتذر بشدة؛ فقد كانت أحداث الأمس مزعجة تمامًا!
جاء صوت «كريج» متعبًا: لقد نمتُ نومًا قلقًا، لأنك لم تتصل بي!
ظهرَت علامات الأسف على وجه «أحمد» وهو يقول: إنني أكرر اعتذاري!
قال «كريج»: لا بأس، وماذا في خطتك اليوم؟!
قال «أحمد»: إنني ما زلت لم أُفِق بعدُ من النوم. لكن بعد نصف ساعة سوف أتصل بك.
أسرع «أحمد» بإجراء بعض التمارين الرياضية، ثم أخذ دشًّا دافئًا، فشعر أنه قادر على التفكير الآن! لكن فجأة، أعطى جهاز الاستقبال إشارة. نظر له لحظة وفكر: هل تكون رسالة من رقم «صفر»؟! أسرع إلى الجهاز فجاءه صوت «كريج»: لقد تمت المفاجأة التي كنت أُعدُّ لها والتي لم أخبرك بها!
سأل «أحمد» بسرعة: وما هي؟!
قال «كريج»: استمع لهذا العنوان، وأنتظرك فيه بعد ساعة!
ردَّ «أحمد»: لا بأس، وإن كنت قد دفعَتني إلى التفكير في احتمالات متعددة!
جاء صوت «كريج» يضحك: لا بأس، ومع ذلك لا داعي لأن تُشغل بالك. إنها مفاجأة رائعة سوف تكشف لنا كلَّ شيء!
صمت لحظة ثم أضاف: أرجو ألَّا تُقدمَ على شيء حتى نلتقيَ!
أجاب «أحمد»: لا بأس، أعطني العنوان!
أعطاه «كريج» العنوان، وحدَّد موعد اللقاء مرة أخرى. ولم ينسَ أن يؤكد: أرجو ألَّا تُقدمَ على شيء حتى نلتقيَ!
عندما انتهى حديثُهما، جلس «أحمد» شاردًا. كان يفكر في المفاجأة التي أعدَّها «كريج» والتي تكشف سرَّ الفيلَّا الغامضة. لكنه قال لنفسه: لا بأس، لا داعي للتفكير الآن، ويجب أن أستعدَّ.
وقف ينظر حوله، ثم فكَّر: الآن قد أصبحتُ معروفًا للعصابة، ويجب أن أجد طريقة حتى لا يعرفني أحد. أسرع إلى حقيبته السرية، وأخرج أدوات الماكياج، ثم وقف أمام المرآة وأخذ يرسم خطوطًا، ويضع ألوانًا على وجهه. حتى تحوَّل إلى رجل في الخمسين. نظر إلى وجهه مبتسمًا، ثم قال لنفسه: الآن، أتحدَّى العصابة إن عرفَت مَن أنا!
ثم بسرعة ارتدى ثيابه، وخلع جهاز الإنذار من على باب الغرفة، ثم خرج. وبهدوء نزل إلى المطعم، وطلب إفطارًا. لم يكن منظرُه يلفت نظرَ أحد. عندما انتهى من تناول الإفطار دفع فاتورة الحساب وكأنه فردٌ عادي وليس نزيلًا في الفندق. وحتى عندما خرج إلى الشارع لم يتجه إلى السيارة فقد استقل تاكسيًا. وعندما فتح باب التاكسي أخفى ابتسامة، فقد شاهد رجلَين يقفان قريبًا من الفندق، وقد انهمكَا في الحديث. قال لنفسه: إنهما من العصابة، لكن أحدًا لا يستطيع التعرف عليَّ.
حدَّد الشارع للسائق. وعندما وصل قريبًا من العنوان غادر التاكسي. نظر في ساعة يده، فعرف أنه لا تزال هناك ربع ساعة على الموعد. أخذ يتنقَّل بين واجهات المحلات يشاهد المعروضات، حتى جاء الموعد تمامًا. وفي هدوء، دخل المحل الذي حدده العنوان. كان محلًّا لبيع الملابس الجاهزة. ألقى نظرة على المحل، فاقترب منه أحدُ الباعة يسأله عن طلبه. فجأة، جاء صوتُ «كريج» يقول: عندي ما تبحث عنه!
ثم اصطحبه إلى داخل المحل، ثم مرَّا بين مجموعة من الملابس المعلَّقة إلى طرقة طويلة، في نهايتها فُتح باب، ودخل «كريج» وخلفه «أحمد» الذي وجد نفسه في غرفة مكتب … كانت هناك لوحة لمنظر طبيعي تمتدُّ من السقف إلى الأرض. لفتَت نظرَ «أحمد»، فقال «كريج» ضاحكًا: إنها ليست لوحة بالمعنى المفهوم، إنها تفتح على محل آخر، واجهته من الناحية الأخرى!
ثم أضاف: ليس هذا هو المهم.
ثم ضحك مرة أخرى، وقال: لقد أجدتَ وضْعَ الماكياج، لكني اكتشفتُكَ من طول قامتك!
ابتسم «أحمد»، فقال «كريج»: استمع إلى المفاجأة.
صمت لحظة، كان «أحمد» قد ركز انتباهه ليعرف. قال «كريج»: الليلة … سوف يَصِل إليَّ طباخ الفيلَّا الغامضة!
اتسعَت عينَا «أحمد» دهشةً، وقال: كيف؟!
قال «كريج» سعيدًا: منذ شهور ونحن نحاول أن نجده ليعمل معنا، وفي النهاية، تم الاتفاق أمس!
سأل «أحمد»: كيف؟!
أجاب «كريج»: هذه ليست مسألة صعبة؛ فالنقود تفعل الكثير!
ثم أضاف: ليست هذه هي القضية، ولكن القضية هي مَن يدخل مكانه!
سأل «أحمد» بسرعة: ماذا تعني؟!
قال «كريج»: سوف يختفي «مونتي» وهو زنجي، أقصد الطباخ. وعلينا عن طريق الماكياج أن نضع مكانه «مونتي» آخر!
ردَّ «أحمد» بسرعة: هذه ليست مسألة صعبة، وسوف نحققها حالًا، والليلة أيضًا!
فكر لحظة: أن «عثمان» يمكن أن يقوم بالمهمة، ويجب أن يَصِل فورًا. فحتى يدخل الفيلا، سوف يستطيع كشفَ التفاصيل، وبسرعة أخرج جهاز الإرسال وأرسل رسالة شفرية إلى رقم «صفر»، يطلب فيها حضورَ مجموعة من الشياطين من بينهم «عثمان»، فهذه هل الخطوة القادمة لتنفيذِ المهمةِ كلِّها. وكانت هذه هي المغامرة القادمة؛ «سرقة العقول العربية».