تَمْهِيد
يَسُرُّنِي أَنْ أُهْدِيَ إِلَيْكَ — أَيُّهَا الْقَارِئُ الصَّغِيرُ — طَائِفَةً مِنَ الْخَوَاطِرِ الْمُبْدَعَةِ الَّتِي خَلَّفَتْهَا لَكَ مُنْشِئَةُ هَذِهِ الْقِصَّةِ.
وَهِيَ — فِيمَا حَدَّثَنَا الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ (الْأُمَنَاءُ الْمَوْثُوقُ بِهِمْ) مِنَ الرُّوَاةِ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهَا تِلْكَ الْخَوَاطِرَ الشَّائِقَةَ — فَرَسٌ مِنْ أَذْكَى الْأَفْرَاسِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي يَعْتَزُّ عَالَمُ الْإِصْطَبْلِ كُلُّهُ بِنَجَابَتِهَا وَأَصَالَتِهَا، وَتَفْخَرُ الدَّوَابُّ جَمِيعًا بِطِيبِ عُنْصُرِهَا، وَشَرَفِ أَرُومَتِهَا (كَرَمِ أَصْلِهَا، وَطَهَارَةِ مَنْبتِهَا).
•••
وَإِنَّ «أَعْوَجَ» أَبَا الْأَفْرَاسِ الْكَرِيمَةِ، لَيَفْخَرُ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْفَرَسِ النَّجِيبَةِ، كَمَا يَفْخَرُ أَبُونَا «آدَمُ» بِالنُّجَبَاءِ مِنْ أَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ.
وَقَدْ نَشَأَتْ «أُمُّ سَوَادَةَ» بَطَلَةُ قِصَّتِنَا — وَاسْمُهَا: «قَسَامَةُ» — فِي بَعْضِ بِلَادِ الرِّيفِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ خَوَاطِرُهَا الْمُعْجِبَةُ.
حَدَّثَهَا صَدِيقُهَا «أَبُو زِيَادٍ» بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، وَعُنْوَانُهُ: «مَسْلَاةٌ (كُومِدْيَا) فِي الْإِصْطَبْلِ»، كَمَا حَدَّثَهَا بِالْكَثِيرِ مِنْ طَرَائِفِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَعُنْوَانُهُ: «عَالَمُ الْإِصْطَبْلِ».
ثُمَّ أَبْدَعَ زَمِيلُهَا: «دَهْمَانُ» فِيمَا رَوَاهُ لَهَا مِنْ أَخْبَارِ صَاحِبِهِ؛ «أَبِي تَوْلَبَ» الَّتِي خَتَمَتْ بِهَا «قَسَامَةُ» هَذِهِ الْفُصُولَ.
وَلَسْتُ أُذِيعُ (أُظْهِرُ) سِرًّا إِذَا قُلْتُ لَكَ: إِنَّ قَسَامَةَ — وَكُنْيَتُهَا «أُمُّ سَوَادَةَ» كَمَا عَرَفْتَ — قَدْ أَوْصَتْنِي بِإِهْدَاءِ هَذِهِ الْخَوَاطِرِ إِلَيْكَ، لِمَا رَأَتْهُ فِيكَ مِنْ حُبِّ الْقِرَاءَةِ، وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الِاطِّلَاعِ، وَالْمُثَابَرَةِ عَلَى التَّحْصِيلِ. فَلَمْ أَتَرَدَّدْ فِي تَلْبِيَةِ إِشَارَتِهَا، وَإِنْجَازِ وَصِيَّتِهَا.
وَلَا عَجَبَ أَنْ تَعْهَدَ إِلَيَّ «قَسَامَةُ» بِذَلِكَ، بَعْدَ مَا عَرَفَتْهُ — أَيُّهَا الصَّدِيقُ الْعَزِيزُ — مِنْ مَزَايَاكَ النَّادِرَةِ، وَخِلَالِكَ النَّبِيلَةِ الَّتِي حَبَّبَتْكَ إِلَى نَفْسِهَا.
فَأَنْتَ — فِيمَا تَعْلَمُ «قَسَامَةُ»، وَفِيمَا أَعْلَمُ أَنَا — جَدِيرٌ بِكُلِّ خَيْرٍ. وَقَدْ مَيَّزَكَ اللهُ — بَيْنَ أَتْرَابِكَ وَلِدَاتِكَ (بَيْنَ أَقْرَانِكَ الَّذِينَ هُمْ فِي مِثْلِ عُمْرِكَ) — بِمِثْلِ مَا مَيَّزَ بِهِ «قَسَامَةَ»، بَيْنَ أَتْرَابِهَا وَلِدَاتِهَا، مِنْ كَرِيمِ الْخِصَالِ، وَنَبِيلِ الْمَزَايَا، وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ.
•••
وَلَا شَكَّ عِنْدِي فِي أَنَّكَ شَاكِرٌ لِهَذِهِ الْفَرَسِ الْفَتِيَّةِ (الشَّابَّةِ الْقَوِيَّةِ) هَدِيَّتَهَا النَّفِيسَةَ، قَادِرٌ (مُقَدِّرٌ) لَهَا ثِقَتَهَا فِيكَ، وَإِعْجَابَهَا بِكَ، مُنْتَفِعٌ بِمَا قَدَّمَتْهُ إِلَيْكَ مُبْدِعَةُ هَذِهِ الْخَوَاطِرِ مِنْ سَدِيدِ الرَّأْي، وَبَارِعِ الْمُلَاحَظَةِ، وَصَادِقِ التَّوْجِيهِ، وَعَمِيقِ التَّفْكِيرِ.
•••
وَسَتَكُونُ فِي قَابِلِ أَيَّامِكَ — إِنْ شَاءَ اللهُ — عَظِيمًا بَيْنَ الرِّجَالِ، مَا دُمْتَ فِي حَاضِرِكَ عَظِيمًا بَيْنَ الْأَطْفَالِ.