الفرحة الغامرة الأولى
هكذا فكر «ريتشارد بيرتون» حينما رأى لأول مرة صاحبةَ التسعة عشر ربيعًا «إليزابيث تايلور» لماذا يمشي رجل إلى غرفة مملوءة بنساء جذابات، يتحدث إلى الكثيرات، ثم يقع (زرع بصل) في حب واحدة، ولماذا امرأة لها خطَّاب كثيرون، ترى رجلًا لدقائق معدودة، قبل أن تشتعل دوائر مخها بعاطفة رومانسية؟ لماذا يشعل شخص واحد هذه الدوائر البدائية بالمخ، بينما أحد آخر يعتبر نموذجًا لإنسان حبوب، لا يحرك شعرة فينا.
لماذا هو؟ ولماذا هي؟
(١) التوقيت
سأل «يسيت»: «كيف لنا أن نعرف الراقص من الرقصة؟» ربما اكتُسِحت بشخص ما في حفلة، أو بالمكتب، أو على الشاطئ، ثم تساءلت أخيرًا، هل قبضت على اللحظة المثيرة؟ رغبتك الجامحة لأن تُحِب وأن تُحَب أفقدَتك رؤيتك، حوَّلت الضفدع إلى أمير أو أميرة. وسيختلط الراقص بالرقصة.
سيقدح زناد الحب في وقت لا تتوقعه، بمحض الصدفة البحتة. والشريك المثالي قد يجلس بجوارك في إحدى الحفلات، وربما لم تُعِره/تُعِرها اهتمامًا، إذا كنت مشغولًا بشكل غير طبيعي بالعمل أو الدراسة، أو مستغرقًا في علاقة أخرى، أو بشكل أو بآخر مشغولًا عاطفيًّا.
لقد استنتجت ذلك؛ لأن كل حالات الانفعال للعقل تكون متصاحبة مع إثارة الميكانزمات بالمخ، ومن ثَم زيادة إفراز مستويات هرمونات الضغوط.
وكلا الجهازين يرفعان مستوى الدوبامين، الذي بدوره يُهيِّئ كيمياء الغرام الرومانسي.
(٢) القرب
«عزيزتي دكتورة فيشر، في السنوات التي كنت أواعد فيها الأخريات، كان لديَّ توقعات للمرأة التي سوف أتزوجها، يجب أن تكون كذا وكذا … ما كنت أبحث عنه كان الجمال، والرعاية، امرأة ليست أنانية، ولها أهداف رائعة، ووجدتها بعد ذلك بالنص تعيش خلف منزلي، لم تكن صفاتها ما كنت «أتوقعه»، لكن بدأنا التعارف واللقاءات، وعشنا معا، امتلأنا بالحب وتزوجنا بعدها بعام. إنه الآن العام الخامس عشر وعلاقتنا تنمو بشكل رائع، ولا تزال تنمو كل يوم. أعتقد أنني أريد أن أقول، خذ خطوة للخلف وانظر حولك، لا تغفل أيَّ تفصيلة، ربما تكون توءم روحك أقرب مما تعتقد.»
هنالك العديد من القوى الخفية، تلعب دورًا فيمن تختار، من بين هؤلاء: الغموض.
(٣) الغموض
غالبًا ما ينجذب كلا الجنسين لهؤلاء الغامضين. وكما كتب بودلير: «إننا نحب المرأة التي تتناسب مع درجة غرابتها عنَّا.»
إن الشعور بأن الشخص يُمسك بقبضة زلقة على شيء مراوغ، والشعور بأنها مغامرة بعيدة الاحتمال من شأن هذا أن يُشعل الغرام الرومانسي، والعكس صحيح؛ فإن معرفة الشخص يمكن لها أن تُخمدَ أفكار الحب الرومانسي.
مثال: كما أظهرت الحياة في الكيبوتزات الإسرائيلية، فإن الأطفال الذين نموا معًا في منزل مشترك، حيث يعيشون، ينامون، ويستحمون معًا، ومع الشباب الآخرين من كل الأعمار. تلامس الأولاد والبنات ولعبوا معًا، ومع بلوغ سن الثانية عشرة، على الرغم من ذلك، صاروا عصبيِّين مع بعضهم البعض. ثم مع سنِّ البلوغ نمَت بينهم علاقة أخوة قوية (بين الأولاد والبنات). ولكن لا أحد من هؤلاء بدأ حياته في هذا المهد، تزوج من الآخر الذي نشأ معه في الكيبوتز.
لهذا فإن العلماء يعتقدون الآن بأنه في سنٍّ حرجة من الطفولة (أحيانًا من سن الثالثة إلى السادسة)، فإن الأولاد والبنات الذين يعيشون في قرب شديد، وأصبحوا يعرفون بعضهم جيدًا، يفقدون القدرة — فيما بعد — على الوقوع في حب بعضهم البعض.
هذا المقت أو الاشمئزاز من مواعدة الأقرباء، شائعٌ في الثدييات؛ فتقريبًا معظم الأفراد من كل الأنواع المسجلة لديها هذه الكراهية، لا تتزاوج من الآخرين المقربين منهم جدًّا، ويفضلون مواعدة الأغراب.
لهذا فإن الذكور (أو الإناث)، غالبًا ما تهجر المنزل وقت البلوغ، حتى تجد الشريك الجنسي في مجموعات أخرى.
لقد ورث كلٌّ منَّا هذه الكراهية للتزاوج مع أعضاء الأسرة المقربين، وبعض الأفراد الذين نعرفهم جيدًا، هذا النفور تطوَّر بلا شك ليُثنيَنا عن الفعل الهدام لاختلاط «دي إن إيه – أو الأمشاج الجينية» مع أقرباء ملاصقين لنا، ونتيجة لهذا فنحن أقرب لأن ننجذب لشخص آخر من خارج محيط العائلة، أو المجموعة التي نشأنا بها، شخص لديه لمسة السحر والغموض.
حَبَتنا الطبيعة بتوصيلات بالمخ كي نجدَ إثارة مع الغرباء. الأشخاص الغامضون جدد، والجدة تتصاحب مع زيادة مستويات الدوبامين، الناقل العصبي للرومانسية.
(٤) هل المتناقضات تتجاذب؟
على الرغم من هذا، فإن الحب الرومانسي، الذي أطلق عليه «روبرت براونينج»: «أول نشوة طائشة جميلة»، تتوجه عامة نحو شخص يُشبه ذواتنا كثيرًا. معظم الناس حول العالم يشعرون بكيمياء الحب والغرام، مع شخص غير معروف، ومن خلفية العرق نفسها، المستوى الاجتماعي، الديانة، المستوى التعليمي والاقتصادي.
على سبيل المثال، إذا نعمت امرأة بدعم مالي موثوق، فإنها تبحث عن آخر من الطبقة الأعلى، والرجال الوِسام يبحثون عن امرأة جميلة، وهؤلاء المتفرغون للأسرة والإخلاص الجنسي يختارون أشخاصًا بهذه الصفات. كأن المرآة تتكلم.
يُطلق الأنثروبولوجيون (دارسو علوم الإنسان) على هذا الميل الإنساني للانجذاب لشخص ما يُشبهنا «التزاوج اللائق الإيجابي، أو اللياقة المتطابقة».
على الرغم من ذلك إنْ نتشابه بدرجة كبيرة، فليس شيئًا ذا ميزة. ويبدو أن الإنسان قد طوَّر ميكانزما عقليًّا واحدًا على الأقل، كي يطمئنَّ أننا اخترنا الشريك المختلف قليلًا، كيميائيًّا على الأقل.
إذن المتناقضون ينجذبون، في حدود دوائر العِرق، والمجتمع، والتفكير المميزة لنا.
(٥) التماثل: «المتوسط الذهبي»
تذوُّق بيولوجي آخر توارثناه من المملكة الحيوانية، ألا وهو ميلُنا لاختيار الرفيق المتناسب. التناسق الجسدي يساعد في إشعال الحب الرومانسي.
كما سنَّ الإغريق القدامى هذه النظرية، غالبًا قبل ألف وخمسمائة عام مضَت، فإن «أرسطو طاليس» ذكر أن هناك مقاييسَ عالميةً للجمال الجسدي. أحدها، كما اعتقد أرسطو، هي التوازن الجسدي، بما فيها التناسق والتماثل، هذا يتفق مع احترامه الفائق لما أسماه «المتوسط الذهبي»، أو الوسطية بين الشيئين المتطرفين.
أنثى العقرب تطير بحثًا عن شريك للتزاوج بأجنحة موحدة. طيور السنونو تفضِّل الشريك ذا الذيل المتناسب، القردة تتفق جزئيًّا على تناسق الأسنان.
«الجمال حقيقة، والحقيقة جمال.» هكذا كتب كيتس في قصيدة «أغنية في جرة يونانية»، وكلمات كيتس تحمل الكثير من الالتباس، لكن يثبت في النهاية أن الجمال والتماثل حقيقة أساسية.
الكائنات ذات التوازن، وبنِسَب متناسقة في الآذان، والعيون، والأسنان، والفكَّين، مع تماثل المرفقين، الركبتين، والثديَين، لديهم القدرة على صدِّ البكتيريا والفيروسات، والمفترسات الأخرى الدقيقة، التي تغزونا، والتي تسبِّب تشوُّهَ الجسم وعدمَ تناسقه.
وحيث يحسن التماثل، اختيارات الشخص في لعبة التزاوج، تلجأ المرأة إلى الأحوال اللاعادية، كي تحقق ذلك أو على الأقل تُشبه ذلك. بالمساحيق يتمكَّن من جعل جانبَي الوجه أكثر تماثلًا، وعن طريق الماسكرا، وتحديد العيون بالقلم، يجعل عيونهن تظهر أكثر تساويًا، وبملمع الشفاة يحسنَّ إحدى الشفتين، لتلائم الأخرى، وبجراحات التجميل، والرياضة، والأحزمة، حمالات الصدر، الجينز الضيق، والقمصان، يحسنَّ من هيأتهن، ويخلقنَ المقاسات المتناسبة، التي يُفضلها الرجال.
(٦) نسبة الوسط إلى الحوض
لقد أعيدت هذه التجربة في بريطانيا، ألمانيا، أستراليا، الهند، وأوغندا، وكذلك العديد من الدول الأخرى. واختلفت الاستجابات، ولكن كثيرًا من الرجال، فضلوا النسبة العامة نفسها لمحيط الخصر والحوض.
وحينما قاس «سينج» نسبةَ الوسط إلى الحوض ﻟ ٢٨٦ تمثالًا قديمًا من عدة قبائل أفريقية، وكذلك من الهند القديمة، ومصر، واليونان، وروما، وجد أن جميعهم فضَّلوا نسبة كانت أصغر في المرأة عنها في الرجل.
ومن المثير للاهتمام أن مجلة بلاي بوي الشهيرة، عرضَت الأبعاد نفسها أيضًا. وحتى «تويجي»، الموديل النحيفة الأكثر شهرة لعام ١٩٦٠م، كان لديها نسبة الخصر نفسها إلى الحوض تمامًا، وهي ٧٠٪.
إن نسبة الخصر/الحوض للنساء، تُورث بشكل كبير، فهي نتيجة الجينات، علاوة على ذلك، وبالرغم من أنها تتباين من امرأة إلى أخرى، فإن هذه النسبة تتعدل في أثناء التبويض، لتصبح أكثرَ قربًا من ٧٠٪.
لماذا تلجأ الطبيعة إلى هذه الأبعاد المدهشة لتبرز انحناءات المرأة؟ ولماذا يعجب الرجال حول العالم بهذه النسب المحددة للخصر/الحوض في المرأة؟
أغلب الظن أن الغرض تطوري، إن المرأة ذات هذه النسب أكثر استعدادًا لأن تحمل أطفالًا. حيث قرر «سينج» أنهن يقتنين القدرَ المناسب من الدهون، وبالأماكن الصحيحة لذلك، نتيجة النسب المرتفعة لهرمون الإستروجين، بالنسبة لهرمون التيستيستيرون بالجسم.
والمرأة التي تختلف نسبُها اختلافًا كبيرًا عن هذه النسب، تجد صعوبةً كي تحمل، وهي تُخفي ذلك لاحقًا في الحياة، كما نجد أنها معرَّضةٌ للإجهاض بدرجة أكبر.
لهذا نجد أن «سينج» وضع نظرية أن انجذاب الرجل لنسب محددة، للخصر/ الحوض، هو تفضيل طبيعي لوالدين أصحاء ومثمرين في الواقع؛ لأن هذا التفضيل عميق جدًّا متغلغل في الذكور أنفسهم؛ حيث يعبر الرجال من كل الأعمار عن هذا التذوق. حتى وإن لم يكن لديهم اهتمامٌ لأن يكونوا آباءً لصغار، أو إقامة علاقة جنسية مع امرأة، تعدَّت السنَّ الطبيعية لقدرتها على الإنجاب، وبالطبع فإن الرجال يفضِّلون أشياء أخرى في النساء.
(٧) الرجال … مَن يختارون
كلا الجنسين ذكر أنهم سيختارون شخصًا ما عطوفًا، ذكيًّا، متعلمًا، اجتماعيًّا، بصحة جيدة، ومهتمًّا بالمنزل والأسرة.
ولكن أظهرَت هذه الدراسة فرقًا جنسيًّا، واضحًا في تذوُّق الرومانسية. فحين وصل كلا الجنسين إلى تكوين الرأي حول خاصية الرومانسية في الشركاء المحتملين، اختار الرجال في أغلب الأحوال، النساءَ اللاتي يكشفن عن دلالات واضحة للشباب والجمال.
وحين سألوا لماذا يرغب الناس في جمال الجسد، أجاب «أرسطو طاليس»: «لا أحد غير الضرير، يسأل هذا السؤال.»
بلا منازع يجد الرجال أن المرأة التي تبدو جميلة، تدعوهم لأن يتذوقوا هذا الجمال بالنظر إليها. كما يفضل الرجل أن يتأثر أصدقاؤه وزملاؤه بفتاته التي تخطف الأنظار، أو الزوجة التي اغتنمها.
إن المرأة الشابة ذات الجلد الناعم، والأسنان البيضاء كالثلج، والعيون البرَّاقة، والشعر الوامض، والعضلات المشدودة، والجسم الرشيق، والشخصية الحية، تبدو أكثر صحة وطاقة. وهي خصائص جيدة للحمل والولادة للأطفال. كما أن الجلد الناعم والرائق، وملامح الوجه الطفولية، هي أيضًا علامات لارتفاع مستوى هرمون الإستروجين الذي يساعد في الإنجاب.
(٨) دماغ الرجل في الحب
«لماذا يجب على المرأة أن تكون جميلة بدلًا من أن تكون ذكية؟»
«لأن الرجال يرَون بشكل أفضل من قدرتهم على التفكير.»
نكتة قديمة، فأنا أعرف الكثير من الرجال، الذين يفكرون جيدًا جدًّا، ولكن لا تحمل هذه الملاحظة اللاذعة بذرة من الحقيقة.
علاوة على ذلك، فإن هذه الاختلافات والتباينات، قد تكون غير شائعة لكل النساء أو الرجال. لكن وُجدت فروق إحصائية فارقة بين كلا الجنسين، لكني سأتكهن عن الرجال في التوِّ، وأنظر إلى المرأة لاحقًا.
في العينة التي اخترناها في البحث، يميل الرجال إلى إظهار نشاط زائد أكثر من المرأة، في مناطق المخ المصاحبة للعمليات البصرية، خاصة في الوجه.
حين يأتي الوقت المناسب، ويرى الرجل امرأة جذابة، فإنه مسلح تشريحيًّا، لكي تتصاحب الملامح البصرية الجذابة، سريعًا مع مشاعر الحب الرومانسي، والوسيلة الفعالة للمغازلة.
لقد وجدنا بالضرورة فرقًا جنسيًّا آخر، الذي ربما تطور ليساعد الرجال على المغازلة الفعالة في سالف الدهر. فحين نظر أفرادُ عينتنا البحثية لمحبوبهم، وُجِد أن الذكور يميلون لإظهار نشاط إيجابي زائد بمناطق المخ المصاحبة لانتصاب القضيب الذكري، وهو ما يشير إلى لمسة داروينية.
«إذا لم تقنعيه إلبخيه» هكذا يقول الرئيس الأمريكي الأسبق «هاري ترومان»، لقد وافقت النساء بدون رحمة. فاستغلت النساء ميزةَ ولع الرجال — واستجابات أمخاخهم — للإثارة البصرية.
(٩) مجهود المواعدة الذكوري
لا شك أن ملايين السنين من حماية المرأة، قد ولَّدَت في مخ الرجل هذا الميل؛ حيث يختار الرجل المرأة التي يشعر أنها تحتاج للإنقاذ.
نجد أيضًا أن الرجال أكثر أحادية في الفكر من النساء حين يقعون في الحب، فقط ٤٠٪ من النساء الشابات في بحثي، يوافقنَ على جملة «عندما تصبح علاقتي جيدة مع … فهذا أهم من أن تكون علاقتي جيدة، مع أسرتي.» في حين أن ٦٠٪ من الشبان يقررون أن علاقة الحب تأتي أولًا. علاوة على ذلك، فإن معظم الناس يفكرون أن المرأة هي التي تنتظر الهاتف، تُغير من جدولها، وتتسكع حول المكتب أو الصالة الرياضية، لكي تلتقيَ بالمحبوب، لكن أظهر استبياني أن الرجال الأمريكيين يُعيدون ترتيبَ أولوياتهم، أكثر مما تفعل المرأة ذلك.
مهارة الوصول الذكورية تلك، بعيدة تمامًا عن الجديد. حتى «دانتي» الشاعر الفلورنسي، في عصر النهضة، صبر فوق جسر على نهر «أرنو» لمدة ساعات، على أمل أن يتحدث مع محبوبته «بياتريس». هذا الولع الذكوري، ربما كان نتيجة حقيقة أن الرجال لديهم تواصل حميمي أقل، مع عائلاتهم الأصلية والأصدقاء، من المرأة. لكن القوى التطورية العميقة، غالبًا ما تكون متضمنة. فالنساء مؤتمنات على البويضة، وهي سلعة قيمة. كما تقضي المرأة وقتًا أطول بكثير في تربية المواليد، وصغار الأطفال، وهي وظيفة حيوية. ولملايين السنين، احتاج الرجال أن يوفروا أنفسهم لشريك محتمل للتزاوج، حتى بالمخاطرة بحياتهم، من أجل إنقاذ هذه الأوعية التكاثرية الثمينة. ولا يزال هناك إرغام للرجال على بذل الكثير من «المجهود الزواجي» كي يفوزوا بلعبة التزاوج.
واقعيًّا، فإن مجهود الرجال في التودد والتزاوج واضح للعيان، في استجابتهم للعديد من الأسئلة في بحثي؛ فعلى سبيل المثال، كان الرجال أكثر قلقًا، من ذكر شيء سيئ في موعدهم الغرامي، وبدَوا أقل ثقة بكلماتهم، وهذا شيء مفهوم.
لكن المرأة في بحثي كانت أيضًا، أكثرَ حفظًا للكروت والخطابات التي يُرسلها المحبوب، ولا تحفظ النساء طريقة وكلمات الخطيب فقط، ولكنهن يحفظن أيضًا لا شعوريًّا، سجلًّا بمجهوده في اللقاء.
(١٠) المخ الأنثوي في الحب
ولملايين السنين، احتاجت المرأة لأن تأخذ القرارات المناسبة بشأن الشريك المحتمل للزواج. وإذا كانت امرأة من أسلافنا، حملت أثناء هذا الحب الرومانسي، فإنها مجبرة على احتضان الجنين لتسعة أشهر، ثم ولادة الطفل. وهو ما كان ولا يزال مكلفًا بالأيض وقضاء للوقت، وغير مريح، ومهمة خطرة جسديًّا. علاوة على ذلك، فعلى المرأة أن ترعى وليدها المسكين، عبر طفولة ومراهقة طويلة.
بينما الرجل يرى العديد مما تملكه المرأة مكرَّسًا للحمل وتنشئة الأطفال، لا ترى المرأة ذلك ظاهرًا في شكل الرجل «قيمة الشراكة». لذا يجب عليها أن تحسب قدرات الشريك على الحماية وما يوفره. هذا الاختلاف الجنسي يوحي بأن المرأة حين ترنو إلى حبيبها، تملك اختيارًا طبيعيًّا، أعطى لها استجابات مخية معينة، تساعدها على استعادة التفاصيل والمشاعر التي تحتاجها لتُقيِّم رَجُلَها.
«الوراثة ما هي إلا بيئة مخزنة.» هكذا كتب الروائي العظيم «لوثر بيربانك»
إن التقلبات أثناء تربية المواليد المسكينة في بيئة سالفة عدوانية، أنشأت بلا شك، آليات أخرى للمرأة، تستعملها لتختار الرفيق.
(١١) مَن تختار المرأة
كما أوجز العلماء مقولة «يبحث الرجال عن الموضوعات الجنسية، وتبحث المرأة عن الموضوعات الناجحة.»
كما أثبتت كلُّ الآداب والأساطير العالمية.
وفي شعر القرن التاسع عشر، ثبت بواسطة امرأة صومالية مجهولة، تدفق الشعر: «قويٌّ أنت كنسيج حديدي، صببت من ذهب نيروبي، النور الأول للفجر، وهج الشمس.»
يعرف الرجال بالبديهة، أنهم يجتذبون امرأة شابة وصحيحة بدنيًّا، ونشيطة، يجب عليهم أن يحاولوا الظهور بلا خوف، وأقوياء كقضبان الحديد، ومتمكنين كشمس متوهجة.
وليس مثيرًا للدهشة، في الوقت المقارب للتبويض الشهري، تصبح المرأة أكثرَ اهتمامًا بالرجال ذوي هذه العلامات الدالة على التيستيستيرون؛ حيث إنهن الآن يستطعن الحمل؛ ولهذا فإنهن يبحثن لا شعوريًّا عن الذكور ذوي الجينات القوية.
بشكل يدعو للتعجب، تنجذب النساء اللاتي على استعداد للحمل، للرجال ذوي الحس الفكاهي، ربما لأن سرعة البديهة، وخفة الدم، تترافق مع حدة الذكاء بشكل عام.
يعتقد البيولوجي «راندي ثورنهيل» أن المرأة تعبر نوعين من التفضيل الأساسي، ففي وقت التبويض، يبحثنَ عن الرجال ذوي الجينات القوية الحسنة، بقايا الشبق الموجود في كل الثدييات، وفي الأوقات الأخرى للدورة الشهرية، يفضلن الرجال ذوي علامات الالتزام.
البيانات الجديدة توحي بأن المرأة التي بدون شريك، تظل تبحث رغم ذلك عن علامات الالتزام وقت التبويض.
وربما تشرح هذه البراجماتية سببَ وقوع المرأة في الحب، بشكل أبطأ مما يفعل الرجل.
(١٢) هيام طارئ
عند ممارسة العلاقة الجنسية، يصبح الأشخاص أكثر مرونة في اختياراتهم الرومانسية، حينما يبحثون عن علاقة عاطفية قصيرة المدى، كما هي الحالة في الإجازات، أو الرغبة في علاقة غرامية مؤقتة، بينما يتابعون اهتماماتهم الأخرى.
بينما تستعمل الأخريات، العلاقات الطارئة، باعتبارها نوعًا من سياسة التأمين، إنهن يرغبن في مخزون من العلاقات، في حالة وجود عيوب في رفاقهن، أو في حالة إصابة الرفيق بالمرض، أو وفاته. ولكن تستخدم العديد من النساء الجنسَ العارض، «كتجربة» شخص محدد لعلاقة طويلة الأمد.
ويعرف الأخصائيون النفسيون هذا الأمر، لأن المرأة أقل حماسة من الرجال، في دخول تجربة الليلة الواحدة، مع شخص متزوج، أو مشغول بعلاقة عاطفية أخرى. ليس فقط لأنه غير متوفر دائمًا، ولكن لأن كلَّ موارده موجهة للأخرى. وطالما غشَّ شريكته الأصلية، فسيكون أكثرَ ميلًا لأن يخونها بالمثل.
لا تتدنى معظم النساء بمعاييرها، لتحظَى بعلاقة عاطفية قصيرة، حيث تبحث النساء عن شريك ذي صحة، ثابت، مرح، عطوف، وكريم.
وعلى عكس النساء، قد ينجذب الرجال للمرأة صاحبة السمعة السيئة فكما ذكرتها «ماي ويست» «بشكل ملائم»: «يفضِّل الرجال المرأة التي لها ماضٍ، لأملهم في أن يعيد التاريخ نفسه.»
إذا فكر الرجال في الالتزام، مع رفيقة على المدى البعيد، فإنهم يصبحون انتقائيِّين، بالنسبة للفضائل الأساسية. وحين يَصِل الأمر للزواج، فإن كلا الجنسين ينجذبون للشركاء، لأسباب لا شعورية من احتياجهم البدائي للإنجاب.
عنصر الغموض، مع التشابه في الخلفيات، والتعليم، والاعتقادات، توجه ذوقنا.
وفرصة توقيت، أو جوار، تلعب أيضًا جزءًا فيمن نختار.
لكن من بين كلِّ هذه القوى، التي توجِّه اختيارك لرفيق حياتك، أعتقد أن الأهم، هو تاريخك الشخصي، الخبرات التي لا تُحصى في الطفولة والمراهقة وما بعدها، التي شكَّلت وتُعيد تشكيل ما تحبُّه وما لا تحبُّه عبر حياتك.
كل هذا يتَّحد لخلق خريطتك النفسية اللاشعورية الواسعة. وهو ما يطلق عليه «خريطة الحب».
(١٣) خرائط الحب
نكبر في بحر من اللحظات، التي نحتت ببطء، اختياراتنا العاطفية. سرعة بديهة أمك وطريقة كلامها، استمتاع والدك بالسياسة وكرة المضرب، كيف يستعمل الناس الصمت في عائلتك؟ التعبير عن الحميمية والغضب، كيفية تعامل مَن حولك مع النقود، كمية الضحك على مائدة العشاء، كيف واجه أخوك الأكبر التحديات، تعليمك الديني وهويتك العقلية، أوقات التسلية مع أصدقاء المدرسة، ماهية الأدب؟ كيف يرى مجتمعك الشرف، العدل، الإخلاص، العرفان، والتفاني، ما الذي أعجب الأساتذة، وما الذي أَسِفوا عليه؟ ما الذي تراه في التليفزيون، والأفلام؟
كل هذه الأشياء، وآلاف من القوى المعقدة، تبني اهتماماتنا الفردية، قيمنا، وإيماننا.
وفي سنوات المراهقة، يؤسس كلٌّ منا قائمة بالاستعدادات، والعادات المميزة للشخص الذي نبحث عنه.
هذه القائمة النفسية الخارجة عن المألوف، هائلة التعقيد، يبحث بعض الناس عن شريك يوافقهم فيما يقولونه، ويفضل الآخرون النقاش المتحمس، يحب البعض المقالب والمزاح، بينما يريد الاخرون التنبؤ بالأمر، أو البهرجة. يحب البعض التسلية، ويأمل آخرون في الإثارة العقلية، يحتاج العديد من الناس لشريك يدعم أهدافهم، ويُزيل مخاوفهم، أو يشاركهم غاياتهم، ويختار البعض شريكًا من أجل أسلوب حياة يأملون في أن يحققوها.
«سورن كيركجارد» الفيلسوف الدانماركي، أحس أن الحب يجب ألا يكون أنانيًّا، وأن يكون ممتلئًا بالإخلاص للمحبوب، لكن البعض لا يكون مرتاحًا لرفيق مغرم، على العكس، يرغبون في شريك يتحداهم، كي يتمتعوا بالنمو العقلي والروحي.
خرائط الحب معقدة وصعبة القراءة، وكمثال جيد، هناك صديقة لي، نشأت مع أب مدمن للخمر، لقد تأقلمَت على اللامتوقع، حول المنزل، لكنها صممَت ألَّا تتزوج أبدًا برجل مثل والدها، والغريب أنها لم تفعل، ولكنها تزوجت فنانًا فوضويًّا، غير متوقع، ولكنه اختيار ملائم لخريطةِ حبِّها اللاشعورية الواسعة.
(١٤) نفسية المحبين
حاول مئات الاختصاصيين النفسيين فهْمَ الديناميات بين الشركاء المغرمين، وقدَّم العديدُ منهم أفكارًا مثيرة للاهتمام، حول أسباب اختيارنا لرفيق دون آخر.
وسوف أراجع القليل من هذه الأفكار.
وهناك عدد قليل من الرجال والنساء، لا يأبهون/لا يهتمون بالحب، وبالتالي لا يبذلون أي جهد، لخطبِ ودِّ شخص ما، أو للاحتفاظ بحبيب ما.
بياتريس وبندكت أبطال شكسبير خير مثال على ذلك، كلاهما وقع في حب الآخر، بعد أن سمعا من الآخرين كم يهيم كلٌّ منهما بالآخر.
إن هناك بلا شك بعض الحقيقة في كل هذه الأفكار، ولكن كلهم تفرعوا من منطق أساسي. فكلٌّ منَّا لديه شخصية فريدة، نشأَت بخبرات طفولتنا، وبنائنا البيولوجي المحدد. وهذا البناء النفسي اللاشعوري العريض، يُرشدنا للوقوع في الحب، مع شخصٍ دون الآخر.
«خرائط الحب» الشخصية، غالبًا ما تبدأ في التشكل، في فترات الطفولة المبكرة، حيث نتوافق مع قوى بيئية، لا تُعدُّ ولا تُحصَى، والتي تؤثر بمشاعرنا وأفكارنا. وكما لاحظ «موريس سينداك» بحكمة: «الطفولة هي تجارة خطيرة ملعونة.» ثم حين نخطو للمدرسة، ونكون أصدقاء جددًا، فنحن ننخرط في أنواع من الافتتان، تلك التي تزيد من قوالب إعجابنا أو نفورنا من الأشياء. ومع نمونا وتطورنا، فإن علاقات حب أطول، تتكون لدينا كمراهقين، ونميل لأن نوسع هذه القائمة، النفسية والشخصية. وكما نمتطي أمواج الحياة، ونختبر كوارث عاطفية قليلة، فإننا نُقَلِّم ونُثري هذه القوالب العقلية.
ولهذا فحين تمضي إلى غرفة بها رفقاء محتملون، فأنت تحمل بين طيات مخك مجموعةً من التمايزات الثقافية، والبيولوجية اللاشعورية، واللاعادية المتناهية في الصغر، والتي يمكنها أن تُشعلَ الرغبة العاطفية.
لكي نجعل الأشياء أكثر تعقيدًا، فإن خطَّابنا أنفسهم متباينون جدًّا، هل تعرف شخصين متماثلين؟ أنا لا أعرف، فتباين شخصيات البشر شيءٌ بارز جدًّا.
البعض موسيقيون نوابغ، الآخرون يستطيعون كتابة شعر مؤثر، أو بناء كوبري، الآخرون يقذفون كرة الجولف بدقة متناهية، البعض يؤدي أدوار مسرحيات شكسبير من الذاكرة، والآخرون يولِّدون الفكاهة للآلاف من فوق خشبة المسرح، البعض يتفلسفون بترابط عن الكون، والآخرون يعظون بشكل مؤثر عن الله والواجبات، البعض يتنبأ بالأنماط الاقتصادية، أو بشكل كاريزمي، يُرسلون الجنود إلى ساحة المعركة.
وهذا هو مجرد بداية، لقد حَبَتْنا الطبيعة كما يبدو بتباين لا نهائي للشخصيات لنختار منها، حتى خلال محيطنا الاجتماعي، والاقتصادي، والعقلي. وهنا نقطة محورية في هذا الفصل، ألا وهو إيماني بأنه عبر تطور نوعنا الإنساني المتميز، تأتي الآليات أو الميكانيزمات الأساسية، التي نختار بها رفيق حياتنا، إنها دائرة المخ للحب الإنساني.
لماذا نحن جميعًا مختلفون عن بعضنا البعض؟ إن تفكيري في هذا الأمر ينبع من فكرة تشارلز داروين المبهرة للاختيار الجنسي.
لقد برر ذلك بأن هؤلاء الذين يستعرضون بالمغازلة الفخمة، يجذبون شركاء للتزاوج، أكثر وأفضل. وهذه الديكة أنجبَت فقسًا غير متناسب، وتنتقل إلى نسلها هذه الزخارف عديمة الفائدة، على ما يبدو. لقد أسمى هذه العملية «الاختيار الجنسي».
وأسلافنا الذين تحدثوا شعرًا، ورسموا بمهارة، ورقصوا بسرعة، أو قدموا خطابات أخلاقية نارية، اعتبرت أكثر جاذبية. هؤلاء الرجال والنساء البارعون، ينجبون أولادًا أكثر. وبالتدريج هذه القدرات الإنسانية، أصبحت محفورة في شفرة جيناتنا. علاوة على ذلك، كي يفرقوا فيما بينهم، فإن أسلافنا تخصصوا، فأبدعوا تنوعًا هائلًا في الشخصيات الإنسانية، نراها اليوم.
أنا أوافق على افتراضية ميللر، خذ اللغة على سبيل المثال، فإن أجدادنا احتاجوا عدة آلاف من الكلمات، وبناء نحويًّا بسيطًا لكي يقولوا، «هنا جاء الأسد» و«أعطني حبات الفستق».
لكن مقاطعنا الشعرية المزهرة، وموسيقانا الرائعة، والعديد من المواهب الإنسانية المعقدة والمركبة تطورت بالأغلب على الأقل جزئيًّا باستعراض الرجال والنساء، لقدراتهم التزاوجية اللانهائية.
ولكن كيف تأتَّى لأسلافنا، من الرجال والنساء، أن يفضِّلوا هذه السمات غير العادية، في خطَّابهم ومعجبيهم؟ لا بد أن بعض آليات المخ لديهم قد تطورت هي الأخرى، لينجذبوا للإيقاع الرائع، والكلمات والسمات البراقة الأخرى، التي استعرضها هؤلاء المنتجون لها.
كما لاحظ «ميللر» هذه المعضلة، ومع تطور السمات في الإنسان «العارض المنتج» فإنه لا بد من بعض الآليات بمخ الذين يختارون، تتساوى وتتماشى معها، كي تساعدهم على التمييز، عبر هذه الإشارات التزاوجية، فيفضلون البعض، ويختارون شريكًا محددًا للتزاوج.
لهذا فقد اقترح أنه عبر تطور قدراتنا العقلية، والجسمانية، الإنسانية الرائعة، أتت «الماكينة الدماغية/العقلية» أو معدات الاختيار الجنسي، كي نميز بينهم ونفضل هذه الحيل للتودد.
من هنا طوَّر أجدادنا تذوقًا للاستعداد اللغوي، وللرسوم الفنية على الرمال، وللخطباء ذوي الكاريزما، أو القوة الأخلاقية، والعديد من المواهب الإنسانية الأخرى الناشئة، كذلك القدرات للتميز، والتذكر، أو الحكم على هذه الإشارات التزاوجية.
لكن لم يوفر ميللر اقتراحات عيانية عن ماذا يحدث فعلًا ليتمكن الذي يختار من اختيار أحد تكتيكات الساعين للزواج، دون الأخرى. وقال إن هذا يُشبه إلى حدٍّ ما «لقاء سبَّب متعة كبيرة» بالمخ، والإندورفين ربما يكون له دور في ذلك.
متى، وأين، ولماذا، بدأ أجدادنا في الاحتياج، لقدرات لغوية مركبة، والمواهب الرائعة الأخرى، التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، لكي يفوزَ بالزوج؟ الشامبنزي لم يحتَج لشعر، أو موسيقى جيتار، كي ينامَ مع حبيب.
ما الذي أشعل زنادَ تطور هذه المواهب الإنسانية الخاصة، التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، ودوائر المخ لكي يكون منجذبًا لأحدٍ دون آخر، الحب الرومانسي؟ كل شيء بدأ، كما كتبها «دريدن»: «حين جف الخشب، ركض الهمجي النبيل.»