مجلس الشورى
في تلك الليلة، نام الآلهة كما نام البشر، ملء جفونهم، واستغرقوا في سباتٍ عميقٍ … بيد أن زوس وحده لم يغمض له جفن، ولم يقترب الكرى من عينيه، فبات وحده مسهدًا يُفكر في الوسيلة التي يستطيع بها أن يمجد أشيل … وأخيرًا استقرَّ على رأي … وهو أن يُرسل حلمًا خداعًا إلى أجاممنون، يكون فيه التنكيل به وبجيوشه، وهو يظن أنه الخير كل الخير.
وفي الحال استدعى زوس حلمًا؛ لأن الآلهة اعتادوا أن يبعثوا برسائلهم إلى البشر عن طريق الأحلام … فلما مثل الحلم بين يديه ملبيًا نداءه، قال له زوس: «اذهب الآن أيُّها الحلمُ الشريرُ إلى حيث ينام أجاممنون في خيمته بالقرب من سفنه السريعة، وقل له كلمة سألقنك إيَّاها … قل له، أن يأمر رجاله سريعًا بحمل السلاح والهجوم على طروادة؛ لأنه الآن سيستولي على تلك المدينة الحصينة، التي امتنعت عليه منذ حضر برجاله.»
لبَّى الحلم أوامر سيده، فأسرع إلى خيمة أجاممنون متخذًا صورة محارب عجوز كان قد بذل جهده لإصلاح ذات البيت بين أجاممنون وأشيل دون جدوى … هبط الحلم إلى جوار المقاتل النائم وتحدث إليه قائلًا: «أتنام يا أجاممنون؟ أهذا وقت النوم أم وقت العمل؟ إنه لأمر لا يليق أبدًا بسيد مثل هذا الجيش اللجب أن ينام هكذا طول الليل، لقد جئتك من لدن زوس، أبي الآلهة والأبطال أجمعين، إن زوس يُرسل إليك هذه الرسالة: مرَّ محاربيك يا أجاممنون، أن يحملوا السلاح فورًا، ويقوموا بهجوم مفاجئ؛ لأنك الآن ستستولي على مدينة طروادة المحصنة.»
ما إن أتم الحلم حديثه إلى أجاممنون، وأفضى إليه بالرسالة التي كلَّفه بها زوس، حتى طار سريعًا يشقُّ طريقه كقطعة من الغمام صاعدًا وسط الهواء حتى وصل إلى جبل أوليمبوس …
استيقظ أجاممنون من نوعه مرتاعًا ملتاعًا، وصوت الحلم الجميل لا يزال يطنُّ في أذنيه طنينًا حلوًا، طنينًا كله آمال؛ لأنه تأكد أن الظفَر رائده، والنصر حليفه. كيف لا وقد أرسل إليه زوس نفسه حلمًا، يخبره بنتيجة تلك الحرب التي ظلَّ أوارها مشتعلًا تسعةَ أعوامٍ دون خاتمةٍ حاسمة …
غادر أجاممنون فراشه مسرعًا، وتدثر بعباءته الجميلة، ولفَّ حولَه معطفه الكبير، وثبَّت في قدميه صندله، ثم وضع فوق كتفه سيفه الفضي ذا الغمد المزخرف بالعسجد المرصع بالدرر، يتدلى من حمائل قرمزية اللون، وحمل في يده صولجان بيته رمزًا لسيادته وعظمته. ثم انحدر نحو الشاطئ إلى حيث ترسو سفن الإغريق، وطلب من رؤساء جيوشه أن يجتمعوا على عجل، دون أن يتخلف منهم أحد، ويعقدوا مجلس الشورى في الحال … ثم روى على مسامع الرؤساء ما حدث بينه وبين الحلم الذي أرسله له زوس إبان نومهم، وما دار بينهما من حديث …
وأخبرهم أن رسالة زوس إليه كانت: «احمل السلاح، احمل السلاح؛ لأن النصرَ لك.»
عندئذٍ نهض المحارب العجوز الذي اتخذ الحلم صورته وقال: «أيُّها الرفاق والأصدقاء، لو أن شخصًا آخر هو الذي روى لنا هذا الحلم لحكمنا بأنه يهذي وأن حلمه زائف لا محالة، ولكن الحلم جاء لسيد بلادنا الأكبر، وحاكمنا الأجلِّ … إذن لا شكَّ في صِدقه ولا ريب في صِحته. فلنأمر رجالنا إذن أن يعدُّوا عدتهم، ويحملوا أسلحتهم؛ استعدادًا للهجوم الخاطف على الأعداء.»
وافق جميعُ الرؤساء على مشورته، وحذوا حذوه في توجيه النداء إلى رجالهم، وسرعان ما لبَّى الأغارقةُ نداءَ سادتهم … وكما يندفع النحل من خلاياه في الصخور الجوفاء متجهًا إلى الحقول حيث أزهار الربيع اليانعة، كذلك اندفع المحاربون الإغريق من سفنهم وأكواخهم القريبة من البحر … وكان صوت صراخهم وهم يتدفقون، يدوي في الفضاء عاليًا، فتهتزُّ الأرضُ لصداه … ولقد حاول تسعةُ رسلٍ أن يُهدئوا من روعهم ويبثوا الهدوء بين صفوفهم، ولكنهم استغرقوا وقتًا طويلًا حتى استطاعوا أن يحققوا بغيتهم، ويفرضوا حالة الصمت والسكون اللازمة، كي يسمعوا صوت أجاممنون سيدهم الأكبر …
عندئذٍ تكلَّم أجاممنون إلى جموع شعبه ومحاربيه قائلًا: «أيُّها الرفاق، لقد أساء زوس معاملتنا إذ وعدنا قبل أن نبحر ونجيء إلى هذا المكان أن النصر سيكون نصيبنا … ولكن ها قد مضت تسعُ سنواتٍ فسدت إبانها أخشابُ سفننا، وتآكلت حبالها … إن زوجاتنا وأولادنا لا يزالون قابعين في دورنا ينتظرون عودتنا … ومع ذلك فما نحن بأكثر اقترابًا إلى النصر، من اليوم الذي وصلنا فيه إلى هنا … فهيَّا إذن … ولنهرب جميعًا في السفن إلى وطننا العزيز، لأنه يبدو لي أن طروادة لن تكون من نصيبنا أبدًا.»
ما إن تكلم أجاممنون هكذا حتى أثارت كلماته هذه قلوب جميع الذين لم يسمعوا من قبل، القرار السري العظيم، الذي اتَّخذه مجلسُ الشورى.
وكما ترتفع وتنخفض أمواج البحر صاخبة عندما تعصف بها الرياح العاتية من الشرق والجنوب، كذلك كانت جحافل الإغريق تتدفق كاللجج المزمجرة … وكما تهب الرياح الغربيَّة على حقول القمح فتميل جميعُ سنابله أمامها وتنحني، كذلك قد بلغ التأثيرُ بالمحاربين أشدَّه وغايته …
كان المقاتلون الإغريق يُهرعون مسرعين إلى سفنهم، وصياحهم لا يكف يعلو إلى عنان السماء … وكان مُثار النقع يتصاعد من أحذيتهم فينتشر في الجوِّ كأنه رتل من السحب الكثيفة المتراكمة، تحجب الضوء عن الأرض حتى ليخيل إلى الرائي أن الليل قد أرخى سدولَه، وبعث بجحافل الظلام في كل مكان.
سرعان ما أعدَّ الرجالُ سفنهم وجهزوها أحسن تجهيز استعدادًا للرحيل، وكان البِشر يملأ قلوبهم والغبطة تهزُّ أفئدتهم عندما يتصورون أنهم عما قريبٍ سيعودون إلى وطنهم العزيز عبر البحر المالح اللامع، وأنهم بعد مدةٍ قصيرة سيتمتعون برؤية زوجاتهم وأولادهم وذويهم.
ليت الإغريق عادوا إلى وطنهم كما أخبرهم أجاممنون … ولكن الحظَّ لم يرغب لهم في ذلك … إذ قابلت الربَّة هيرا أثينا وخاطبتها قائلة: «أحقًّا أننا سنسمح للإغريق أن يتقهقروا هكذا ويعودوا إلى وطنهم؟ إنه لعارٌ علينا أي عار أن نترك هيلين في طروادة ترتمي بين أحضان ذلك الشاب الغر باريس، بينما ينجو هذا الأخير من العقاب …
هيَّا أسرعي إذن … عجِّلي … وبكلماتك الرقيقة المشجعة، التي لها تأثير السحر في القلوب، أوقفي الرجال من الفرار في سفنهم إلى وطنهم.»
هبطت أثينا ذات العيون البراقة من ذؤابات جبل أوليمبوس إلى حيث كانت سفن الإغريق على استعداد للإبحار إلى الوطن، وكان أوديسيوس الكثير الحيل، الراسخ القلب واقفًا إلى جوار سفينته تأهبًا إلى ركوبها عائدًا إلى بلاده.
وكمن يتلو أفكار الآخرين، ويعلم مكنون صدورهم وما ينوون عمله، هكذا تكلمت الربَّة الحسناء إلى أوديسيوس، وقد كانت له دائمًا نعم المرشد والمعين.
«أحقًّا يا أوديسيوس العظيم، أنكم ستقذفون بأنفسكم إلى سفنكم، وتولون الأدبار إلى دياركم وأوطانكم؟»
قالت الربَّة هذا ثم أردفت: «هل سيترك أوديسيوس الشجاع، والبطل المغوار، هيلين التي مات من أجلها كثير من الأغارقة، وسالت دماءٌ زكيَّةٌ خضبت هذه الأراضي … فيتيه بذلك رجالُ طروادة فخرًا؟ أسرع إذن يا أوديسيوس، ولا تكبد الإغريق مشقة سحب السفن إلى عرض البحر …»
ما إن سمع أوديسيوس صوت الربَّة أثينا، حتى ألقى بوشاحه بعيدًا، وأخذ يعدو لمقابلة أجاممنون … فتسلم منه صولجان الرئاسة، وحمله في يده، وأنشأ يجري وهو يشقُّ طريقه وسط حشد السفن المتأهبة للسفر.
كلما التقى أوديسيوس برئيس من الرؤساء، كان يقول له بألفاظٍ رقيقةٍ وعباراتٍ أخاذة: «أيُّها السيدُ الكريمُ، لا يليق بك أن تكون جبانًا … فلتبقَ في هذه البلاد مع رجالك لتقاتل حتى نكسب الموقعة الفاصلة كما وعدنا زوس، إنك لا تعرف ما يصبو إليه أجاممنون … إنه يريد أن يبلوكم ليتأكد من صدق عزيمتكم … هيَّا اكبح جماحَ رجالك وامنعهم من الفرار؛ لئلا تُثير غضب سيدك أجاممنون.»
أما إذا التقى أوديسيوس برجل من العامة يُهرع إلى سفينته فإنه كان يضربه بالصولجان ويقول له: «قِفْ يا سيد، واصغ إلى كلمات من يفوقونك إدراكًا … فما أنت بمقاتل، ولكنك جبانٌ رِعْدِيدٌ … لم يعطنا زوس العظيم إلا ملكًا وحدًا … فاستمع إذن إلى مشيئة أجاممنون فإن مشيئته من مشيئة زوس!»
هكذا ساس أوديسيوس جميع الأغارقة، وأثناهم عن فكرة الفرار إلى الوطن، وعاد بهم ثانيةً من السفن إلى حيث كان يجلس أجاممنون.
وكانت جلبة عودتهم لا تقل عن صخب الأمواج العاتية، عندما تصطدم بالشاطئ، ثم تبعث أصداءها إلى الأفق البعيد، فيُسمع صوتها في جميع الأرجاء، وتتجاوبه أجواز الفضاء …
لم يلزم ثيريستيس صمته، بل وقف ليصب جام غضبه وتعنيفه في آذان أجاممنون فقال: «ماذا ينقصك الآن يا أجاممنون؟ … لا ريبَ أن خيامك وفساطيطك زاخرة بالمغانم والأسلاب التي كنا نحضرها إليك كلما استولينا على مدينة … فأي مزيد تطلب؟ …
أيها الحمقى الأرقاء! أيها النسوة الضعاف، ما أنتم برجال أيها الإغريق، وإلا لرجعتم الآن فورًا إلى دياركم ومسقط رءوسكم، تاركين هذا الرجل هنا وحده في أرض طروادة؛ ليشبع نهمه بالأسلاب التي من أجلها لم يحارب قط … لقد ألحق الإهانة بأشيل الشجاع، ذلك البطل المغوار والفارس المُعْلَم، الذي يبذه قوة وجرأة، ويفضله مروءة وحسن إدراك.»
ما كاد ثيريستيس ينتهي من كلامه حتى هبَّ أوديسيوس واقفًا، وصاح فيه بعبوس قائلًا: «هدئ روعك أيها المواطن! هأنذا أقولها لك كلمة صريحة، وحذارِ أن أسمعك تهذي مرةً أخرى كما هذيت الآن … وإلا جردتك بنفسي من وشاحك وعباءتك، وأخرجتك من وسط الحشد المجتمع ههنا، وضربتك ضربًا يذوق الموت من ذاق طعمه، فترجع باكيًا إلى سفينتك، وعندئذٍ لا تلومن إلا نفسك، ولقد أعذر من أنذر، أسمعت؟
هكذا تكلم أوديسيوس، ثم رفع صولجانه، وهوى به على ظهر ثيريستيس وأكتافه … فانحنى الأخير وانهمرت الدموع غزيرة من عينيه، وتدفق الدمُ من ظهره … فجلس ثيريستيس وقد عقدت الدهشة لسانه، وأطار الألم لبَّه وصوابه، فمسح بيده دمعةً كبيرةً كانت قد انحدرت على خده.»
أثار هذا المنظر ضحكَ الآخرين وسخريتهم، وإن كانوا قد أسفوا لما حدث … ثم قالوا: «ما أكثر أعمال أوديسيوس الطيبة وما أجلَّها، غير أنه ما أتى عملًا طيبًا يستحق الثناء عليه كهذا الذي فعله الآن عندما أخرس لسان هذا الغر الثرثار.»
بعدئذٍ تكلم أديسيوس والصولجان ما زال في يده فقال: «حقًّا إنها لأمنية الأغارقة، أن يجعلوك يا أجاممنون العظيم، أبغض جميع الملوك … فها هم أولاء يبكون كالأطفال الصغار والنسوة الثكَالى، يبتغون العودة إلى بلادهم … لقد مكثنا في هذا البلد تسع سنوات، ولا عجب أننا نتوق للعودة إلى الوطن … ولكنه العار كل العار، أن ننتظر طيلة هذه المدة، ثم نعود بخُفَّيْ حُنَين … تشجعوا أيها الرِّفاق، واصبروا قليلًا، فما من شكٍّ في أن طروادة ستكون من نصيبنا، فإنكم إن صبرتم على الأمر قليلًا، استمتعتم بالأرفه الألذ طويلًا. هل نسيتم يوم أن أقلعنا من وطننا ونحن في طريقنا إلى طروادة، وحدث ذلك الفأل العظيم الذي شاهدناه بعيون رءوسنا؟ فبينما كنا نقدم الذبائح للآلهة تحت إحدى أشجار الدلب الباسقة، حيث كانت المياه تتدفق صافية كالبلور، وإذا بثعبان ضخم، لون ظهره أحمر قانٍ، ومنظره مرعبٌ مخيفٌ، إذا به يتسلل من أسفل المذبح منطلقًا صوب الشجرة … وكان في أعلى أغصان تلك الشجرة عش عصفور دوري، به ثمانية أفراخ زغب الحواصل، تحتضنها أمها تحت جناحيها المنبسطين … فانقضَّ عليها وأخذ يلتهمها فرخًا بعد فرخ، وهي تزقزق ولا تستطيع الصراخ، بينما كانت أمها المسكينة تحوم حول صغارها، ترفرف بجناحيها دون جدوى، فلم يأبه لها الثعبان بل استمر يزدرد الأفراخ حتى أتى عليها كلها، وأخيرًا انقضَّ على الأم فابتلعها هي أيضًا، بعد أن التفَّ حولها وضغط بعضلاته القويَّة على جسمها الضعيف فحطَّم عظامها … أمام بصركم، أتذكرون ذلك؟
بعد ذلك حدث العجب العجاب، فإن الربَّ الذي أرسل هذه العصفورة، أثبت لنا بما لا يقبل الجدل، أنها مرسلة من لدنه، فقد مسخ الثعبان في الحال صخرًا، فتحجر في مكانه لا يحرك ساكنًا.
بعدئذٍ أخبرنا كالخاس، منجِّمنا الأمين، ما انطوت عليه هذه المعجزة وذلك الفأل من معانٍ بالغةٍ فقال: إن الأفراخ التسعة التي التهمها الثعبانُ، بعدد السنوات التسع، ستقاتلون في بلاد طروادة تسع سنين، ولكن المدينة لن تسقط في أيديكم إلا في السنة العاشرة … إذن فلنبق هنا حتى نستوليَ على هذه المدينة العظيمة التي كابدنا في الحصول عليها تسع سنوات، قابلنا فيها أشد المحن هولًا، وأعظم البلاء فظاعة.»
فلما كفَّ أوديسيوس عن الكلام، هتف له الجميع، وصاحوا مقرِّظين حديثه بصوت مرتفع، حتى رددت السفن في المياه صدى ذلك الهتاف المُدَوِّي والتقريظ الطيب.
بعد أن هدأت جموعُ الأغارقة من هتافاتهم، نهض أجاممنون وخاطبهم بقوله: «انصرفوا كلكم الآن، واملئوا بطونكم بالطعام الشهي لكي تحاربوا بقوةٍ وعزيمة، وليشحذ كل منكم رُمحه ويفحص درعه، ويتأكد من أن الجياد قد أكلت جيدًا، والعربات قد أُعدت وجُهِّزت أحسن تجهيز، وإني أقسم لا أجد رجلًا فر من القتال أو اقترب من هذه السفن إلا ضربت عنقه، وجعلته بعد ذلك طعامًا للكلاب والطيور والكواسر.»
فلما انتهى أجاممنون من كلامه، كان صياح الإغريق كهدير الأمواج الشامخة وهي ترتطم بسلسلةٍ من الصخور، بينما تهب الرياح قويَّة مزمجرة.
تفرق الأغارقة هنا وهناك، يشعلون النيران، ويعدون طعام المساء، ويقدمون الذبائح للآلهة، طالبين النجاة من الموت في المعركة التالية، التي ستكون المعركة الفاصلة في تلك الحرب الضروس.
أما أجاممنون فقد قدَّم ذبيحته للربِّ زوس، وراح يصلي له قائلًا: «أي زوس العظيم، أي رب السحب الممطرة، والبروق الخاطفة، لا تدع الشمس تغيب، ولا الظلام يُخيم على المسكونة قبل أن أدمر قصور طروادة الشامخة، وأضرم النيران في حوائطها …»
هكذا صلى أجاممنون، بنفس مطمئنة إلى النصر، بيد أن الربَّ زوس، لم يصغ إلى صلاته تلك … وبعد ذلك حشد الإغريق جموعهم للقتال، وكانت أثينا ذات العيون البراقة، تسير وسط الصفوف تبث الشجاعة في قلب كل محارب، وتضاعف أملهم في النصر، فيزدادون قوةً وجرأة، ومضاء عزيمة في القتال.
كانت الأسلحة البُرُنْزيَّة تلمع في أشعة الشمس الذهبيَّة وهم يسيرون قُدُمًا إلى الأمام، فتُرى من مسافات بعيدة، كما ترى ألسنة النيران الحمراء وهي تتراقص في الهواء عندما تضطرم في غابة فسيحة الأرجاء مترامية الأطراف.
وكما يحتشد الذباب في فصل الربيع، حول دلاء الرعاة المملوءة باللبن، كذلك كانت جحافل الأغارقة محتشدة للقتال في عداد الحصى وأوراق الأشجار والأزهار، التي كانوا يطئونها بأقدامهم، في ذلك السهل المزهر بجانب شاطئ نهر سكاماندر.