الباب الرابع

القتال بين باريس ومينيلاوس

هبَّ رجالُ طروادة ليلاقوا جيش الأغارقة العرمرم، وأخذوا يَفِدون محدثين جلبة وضوضاء صاخبة، لا تقل عن جلبة أصوات أسراب الكراكي الطائرة صوب البحار النائية، قبل مقدم فصل الشتاء والأمطار الفجائيَّة …

كان الإغريقُ يسيرون في صمتٍ وسكون … والأكتافُ متراصةٌ متلاصقة، كالبنيان الشامخ يشدُّ بعضه بعضًا وقلوبهم مملوءةٌ بالشجاعة والجرأة.

وكما تهبط سُحُب الضباب من ذؤابات الجبال العالية، فلا يُمكن لأحد أن يرى ما أمامه إلى أبعد من مرمى حجر، كذلك كان الغبار يتصاعد في أكوامٍ من السحب، من شدة وطأة أقدام المحاربين العديدين، وهم يسيرون بنعالهم السميكة عبر الوادي الفسيح، فتحجب الرؤية وتستر الشمس.

التقى الجيشان بعد لَأْي، ووقفا وجهًا لوجه … ثم خرج من وسط صفوف الطرواديين، باريس الذي يشبه الآلهة، والذي سلب من مينيلاوس زوجته الحسناء الفاتنة، فكان سببًا في اندلاع سعير تلك الحرب الطاحنة.

وكان يتدلَّى من كتفي باريس جلد نمر أرقط، وكان يحمل قوسًا معقوفة وسيفًا صارمًا … وكان معه أيضًا حربتان بطرفين من البرونز، يُلوِّح بها في الهواء متحديًا جميع رؤساء الجيش الإغريقي، لمنازلته واحدًا بعد واحد، في قتال مميت.

وكما يغتبط الأسد الجوعان، عندما يرى ظبيًا كبير القرنين، يقبل نحوه لقمة سائغة، وفريسة طيبة، كذلك كانت بهجة مينيلاوس وغبطته عندما شاهد باريس ذا الشعر الذهبي، والعيون الزرقاء، يخرج مختالًا بين الصفوف …

وفي الحال قفز مينيلاوس من فوق عربته إلى الأرض، وهو مُرتدٍ عُدَّته الحربيَّة.

فلما رأى باريس مضيفه الكريم، والذي جازاه باريس على كرمه وحسن صنيعه جزاء سنمار، أحسَّ كأن خنجرًا قد مزَّق قلبه وأحشاءه …

وكأي رجل يسير في وادٍ جبليٍّ، يرى فجأةً أفعوانًا بشع المنظر ضخم الجثة، فيجفل منه وترتعد فرائصه ذُعرًا وخوفًا، كذلك كان باريس، يرتعد فرائصَ وأعضاءً عندما رأى مينيلاوس، وعاد أدراجه ليختفي وسط جموع رفاقه.

رأى هكتور ما فعله أخوه، فاحتقره أشدَّ احتقار، وقال له: «حقًّا إنك جميل الوجه، ولكن وا خجلاه ووا عاراه منك أيها الجبان الرعديد، إنني أعتقد اعتقادًا راسخًا، أن الأغارقة ذوي الشعور الطويلة، ليتخذون منَّا مجالًا للدعابة واللعب، إذ يرون قائدنا الجميل الوجه، المعتدل القوام، الفارع الطول، قد انفلق صدره عن قلبٍ لا يعرف الجرأة ولا الشجاعة … ما هذا الجبن يا باريس؟ ولمَ هذا الخوف؟ … لقد كنت جسورًا حينما خطفت زوجة ذلك الرجل، وجلبت علينا كل هذا البلاء العظيم … سترى بعينيك أي صنف من الرجال، هذا الذي سلبتَه زوجته الحبيبة … إن قيثارتك، وجدائل شعرك الذهبيَّة، ووجهك الجميل، وجميع المفاتن التي زودتك بها أفروديت، لن تجديك فتيلًا، يوم أن ترقد رقدتك الأخيرة في التراب! لا بُدَّ أننا نحن الطرواديين جبناء، وإلا لكنا رجمناك من قبل، حتى تموت جزاء ما أتيته من شرٍّ مقيمٍ وذنبٍ عظيم …»

عندئذٍ أجاب باريس: «صدقت أيها الشجاع هكتور، ونطقت بالصواب، إنني أستحق كل كلمة تفوهت بها … ولكن مع ذلك فلا تسخرنَّ من هدية أفروديت الذهبيَّة؛ لأن المرء لا يستطيع بمحض إرادته، أن يحظى بالحب والجمال اللذين تهبهما الربَّة لمن ترى وتختار … والآن، أرجو أن تسمح لي بمنازلة مينيلاوس … دع الطرواديين ورجال الإغريق يفترشون الأرض ويكفُّون عن القتال، بينما أنازل أنا مينيلاوس من أجل هيلين … ولتكن هيلين لمن ينتصر منَّا على خصمه … لتكن هي وكل ما تمتلك له … وليقسم الآخرون يمين الصداقة فيما بينهم، فيرحل الأغارقة في سلامٍ واطمئنانٍ إلى بلادهم التي تركوها منذ أمدٍ بعيد، ويعيش الطرواديون آمنين هانئين في طروادة …»

سمع هكتور كلام أخيه باريس، فسُر سرورًا بالغًا؛ لأنه رأى في ذلك الحديث، الحكمة بأجلى معانيها، والعدل والإنصاف واضحين … فأمسك رمحه في يده وتقدم في وسط الجيوش يشق الصفوف، ويأمر رجاله الطرواديين بأن يكفوا عن القتال، ويرتاحوا من عناء الحرب الذي أنهك قواهم ونال من أجسامهم وأعصابهم مدة تربو على التسعة أعوام.

بيد أنه ما إن رأى الأغارقة هكتور يتحدث إلى رجاله، حتى أخذوا يقذفونه بالسهام والأحجار في غير رحمةٍ ولا هوادة … وكان هكتور الشجاع يتلقى سهامهم بدرعه المتينة، ويشير إليهم إشارة السلام … ولكنهم لم يفهموا قصده، وكادوا يجندلونه، لولا أن أجاممنون رآه وأدرك ما يعنيه، فصاح في رجاله الأغارقة ونهرهم بقوله: «كُفُّوا … كُفُّوا … أيها الأغارقة … إن هكتور البطل المغوار، والفارس المقدام، يريد أن يحدثكم فاسمعوا إلى ما سيقوله لكم.»

كفَّ رجال الإغريق عن القتال، كما فعل الطرواديون … فوقف الجيشان في صمت مطبق يصغون إلى ما سيقوله هكتور ذو الخوذة البراقة … ثم وقف هكتور في وسطهم وتلا عليهم كلمات شقيقه باريس.

فلما انتهى هكتور من حديثه، نهض مينيلاوس وخاطب الرجال قائلًا:«أي مواطني طروادة الشجعان، ويا رجال الإغريق الفرسان، لقد تحملتم محنًا كثيرة، ومتاعب جمَّة، ومات منكم آلاف، من أجلي، ومن جراء آثام باريس، ولكني أعتقد الآن أن خاتمة هذه الحرب الطويلة قد اقتربت، وستكتب لكم الراحة والسلام … فلنتقاتل إذن، والموت والحظُّ هما اللذان سيحددان من الذي سيموت منا. فلنقدم الآن ذبيحة إلى زوس، ولندعُ بريام ملك طروادة إلى الحضور لِهَا هُنا حتى يحضر النزال، ويكون شاهدًا على ابنه؛ فإنني أخشى أن يكون في الأمر دسيسة، فلا آمن خبث ولديه باريس وهكتور، أما بريام، الرجل العجوز، فإنه شريفٌ نبيلٌ لن يخون الأمانة ولا يحنث في العهد.»

سرت موجة من الغبطة والفرح بين جموع الإغريق والطرواديين، فنزلوا جميعًا من عرباتهم وخلعوا عنهم أسلحتهم ووضعوها بجانبهم على الأرض، وافترشوا الغبراء ليريحوا أجسامهم.

بينما ذهب الرسل إلى بريام، يدعونه إلى الحضور كطلب مينيلاوس، وذهب آخرون يبحثون عن حُملان وكبش للذبيحة.

بينما كان هؤلاء يؤدون مهمتهم، استدعت الربَّة هيرا، رسولتها الخاصة إيريس Iris، وأرسلتها إلى طروادة في صورة أجمل بنات بريام.

ذهبت إيريس الجميلة إلى الساحة التي كانت تجلس فيها هيلين … وهناك وجدت هيلين، أجمل نساء العالم طُرًّا، تُحرك ذراعيها البضتين بسرعة، إلى الخلف وإلى الأمام، تنسج نسيجًا كبيرًا من الصوف القرمزي المزدوج، وقد زينته بنقوش، عبارة عن صور لمعارك كثيرة بين الأغارقة ورجال طروادة.

fig8
هيلين، وقد اجتاح قلبها النائم ذكريات الماضي السعيد.

سلمت إيريس على هيلين وقالت لها: «سيدتي العزيزة، تعالي إلى هنا، وانظري أمرًا عجبًا … لأن الذين كانوا يتقاتلون هنا منذ لحظة قتالًا مريرًا، يجلسون الآن في صمت وسلام … لقد انتهت المعركة … وها هم يتكئون فوق دروعهم، وها هي رماحهم الطويلة ملقاة على الأرض إلى جوارهم … ولكن مينيلاوس وباريس سيتقاتلان الآن من أجلك، وستصبحين زوجة الظافر المنتصر.»

لما أتمت إيريس الفاتنة حديثها، اجتاحت قلب هيلين النائم، ذكريات الماضي السعيد، والأشواق الزائدة لرؤية وطنها وزوجها مينيلاوس، وأبيها وأمها، وابنتها الصغيرة هيرميوني الحسناء، التي تركتها طفلة وهربت مع باريس الخدَّاع.

انهمرت الدموعُ غزيرة من مآقي هيلين، وانحدرت على خديها الأتلعين كاللؤلؤ اللامع، ولكنها سرعان ما مسحت الدموع، وأخفت وجهها بخمار من الكتاب الرقيق، لا يكاد يستر شيئًا من وجهها الفاتن الجميل، ثم أسرعت إلى الخارج بصحبة أَمَتيها إلى حيث ينتظر الجيشان مشاهدة المعركة الفاصلة التي ستقرر مصير الحرب ومصير الرجال.

وكان يجلس عند الأبواب، بريام وبعض المحاربين الطاعنين في السن.

فلما اقتربت هيلين بردائها الأبيض الجميل تتهادى بجسمها اللدن وطلعتها البهيَّة وأنوثتها الجذَّابة، عجب الرجال المسنون لسحر جمالها، كما قال بعضهم:

لو أنها عرضتْ لِأَشْمَطَ راهبٍ
يَخشى الإلهَ صَرُورةٍ متعبِّدِ
لرنا لبهجتها وحلوِ حديثها
ولَخالَه رشدًا وإن لم يرشد

وقالوا: «لا عجب أن يتكبد الطرواديون والإغريق كل هذه الصعاب، ولا عجب أن يضحوا بأرواحهم، وتسيل دماؤهم غزيرة على أرض هذه البلاد، من أجل غادة حسناء في هذا الجمال الفتَّاك. ومع ذلك فخير لها أن تركب سفن الإغريق وتبحر بعيدًا عنا إلى غير رجعة، من أن تظل هنا لتجلب لنا المتاعب الآن، ولأولادنا فيما بعد.»

عندئذٍ خاطب بريام هيلين قائلًا: «بُنيتي العزيزة، تعالي إلى هنا واجلسي إلى جواري؛ كي تري الرجل الذي كان يومًا ما بعلك، ولتري أقاربك وأصدقاءك … إنني لا أوجه إليك أيَّ لوم من جراء الآلام التي نتكبدها، ولكني ألوم الآلهة الذين اختاروك دون بقية النساء، لتكوني سببًا في سفك كل هذه الدماء.»

طفق بريام بعد ذلك يسأل هيلين، عن أسماء الأبطال المغاوير الذين وقفوا شاهرين رماحهم في صفوف الإغريق، فأجابته هيلين قائلة: «أي والد باريس العزيز، أي والدي المبجل، وسيدي الأجلَّ، ليتني مت قبل أن أغادر وطني، وابنتي الصغيرة، وجميع الذين أحببتهم … ليت مَنِيَّتي وافتني قبل أن أعرف ابنك، ولم أتبعه إلى هذا المكان! فقد كانت معرفتي له طامَّة كبرى على الأغارقة والطرواديين على السواء … وإذ كنتَ تريد معرفة أبطال الأغارقة، فهذا أجاممنون، الملك العظيم، سيد جميع الأغارقة وحاكمهم، إنه الرمَّاح القوي المراس، والفارس الصنديد الذي دوخ الممالك وتغلَّب على أقوى الشجعان … ذاك هو المحارب الإغريقي الذي تسألني عن اسمه … إنه شقيق الرجل الذي كان زوجي … يا له من عار … ويا لها من خيانة عظمى، وجريمة لا تغتفر، لقد تركت بعلي ورجل حياتي … تركت زوجي الشرعي وجئت مع عشيق سبَّب لي ولعائلتي وجميع أهل وطني أفدح المصائب وأعتى الكوارث.»

تحرى بريام أيضًا، عن أوديسيوس، وعن محاربين كثيرين آخرين، من ذوي القامات الربعة الضخمة، والأكتاف العريضة، والعضلات القويَّة، والشجاعات النادرة، والقلوب الجريئة الجسورة … وكانت هيلين تخبره بكل ما تعرف، ودموع الشوق تنحدر من مآقيها على خديها المورَّدين، كأنها قطرات الندى وقت الفجر على الورود الحمراء …

وفجأةً التفتت هيلين إلى الجمع وقالت: «إنني لا أرى شقيقي كاستور Castor مروِّض الجياد، وبوليديوكيس Polydeuces الملاكم الماهر، فلربما لم يعبرا البحر إلى هنا.» لأن هيلين لم تكن تدري أن شقيقيها قد ماتا في وطنها الجميل.

أتى الرجال بالذبيحة وكانت سمينة، فذبحوها وقُدِّمتْ لزوس، وتبادل أجاممنون وبريام العهود …

وبعد أن تمت مراسيم تقديم الذبيحة، وتبادل العهود، أسرع بريام ملك طروادة، فاعتلى عربته ونأى بها قائلًا في نفسه: «فلأعودن أدراجي إلى طروادة ذات الرياح؛ لأنني لا أستطيع احتمال مشاهدة القتال بين مينيلاوس وابني العزيز، ولكن زوس والآلهة وحدهم، هم الذين يعرفون أيهما سيسقط مغلوبًا على أمره.»

حدَّد هكتور وأوديسيوس مكانًا للقتال، ثم أخذ هكتور حصاتين، ووضعهما في خوذة برنزية، وصار يهزُّ الخوذة بما فيها وهو ينظر إلى الخلف … فقفزت حصاة باريس إلى الخارج أولًا، وبذلك كان من حظه أن يقذف رمحه البرنزي أولًا …

عندئذٍ تسلح باريس في كامل عدته الحربيَّة، فارتدى في ساقيه دروعًا جميلةَ الصنع، وثبتها في عقبيه بواسطة مشابك من الفضة الخالصة … ووضع على كتفيه سيفه البرنزي المرصع بالفضة، ودرعه الكبيرة … أما فوق رأسه فقد ارتدى خوذة تعلوها ريشة مقوسة من ذيل جواد، كما أمسك في يده رمحه العتيد مصقولًا مدبَّبًا … وهكذا أيضًا تسلح مينيلاوس.

وقف المقاتلان وجهًا لوجه لحظةً من الزمان، وقلباهما يتقدان غيظًا وكراهية، وحقدًا وغضبًا، وكل منهما قد أطبق يده بشده على رمحه، يريد أن يفترس خصمه، لو أمكنه، بأسنانه وأظفاره …

وما هي إلا بُرهة واحدة حتى قذف باريس رمحه بقوة عظيمة؛ فانطلق نحو مينيلاوس، فأصاب درعه، غير أن الدرع كانت متينة صلبة، لا ينفذ فيها الرمح مهما كانت قوة اندفاعه، فاستعصت على رمح باريس.

ولما رفع مينيلاوس يده ليقذف رمحه، نظر إلى أعلى، وصاح مناديًا زوس قائلًا: «أي زوس العظيم، أي أبا الآلهة والبشر أجمعين، يا من تطَّلِع على أعمال البشر وتعلم أيهم المسيء وأيهم البريء، دعني أنتقم من الشخص الذي أخطأ في حقي هذا الخطأ الفاحش، يسِّر لي سبيل الانتقام كي يرهب كل شخص عقابك، فلا يذنب في حق من أحسن إليه وأكرم وفادته كضيفه المعزز المكرَّم.»

ثم قذف رمحه العتيَّ … فاخترق الدرع اللامعة، كما اخترق الصدريَّة النحاسيَّة البراقة، ومزق عباءة باريس عند فخذه … بيد أن باريس انحرف جانبًا، وهكذا نجا من الموت.

فلما رأى مينيلاوس أن طعنته النجلاء لم تُصِب من عدوه مقتلًا، استل سيفه الفضي المقبض، وهوى به على رأس باريس ليحطم خوذته، ولكن السيف تحطم إلى أربع قطع صغيرة، وسقط من يد مينيلاوس …

عندئذٍ اغتاظ مينيلاوس وكاد الحنق يقطع نياط قلبه، فصاح غاضبًا يخاطب الرب زوس: «أي زوس! … لا شكَّ أنك أقسى الآلهة طرًّا … لقد ذهب رمحي هباء، وتحطم سيفي دون جدوى … ومع ذلك فلا تزال أمامي فرصة للانتقام! …»

قال مينيلاوس هذا، ثم انقضَّ على باريس انقضاض الصاعقة، وأمسك به من ريشة خوذته، وصار يدور به ليدوَّخه، ثم جذبه نحو الجيش الإغريقي …

كاد حزام خوذة باريس، الموشى بالذهب، يخنق باريس ويكتم أنفاسه، وبذا كان له أن يموت أشنع ميتة، لولا أن أفروديت تداركت الأمر عندما بلغ السيل الزُّبَى، وجاوز الحِزام الطُّبْيَيْن، فقطعت الحزام الجلدي بسرعة، فانفلت باريس يهوي على الأرض بينما بقيت الخوذة في يد مينيلاوس.

قذف مينيلاوس بخوذة باريس إلى رفاقه، ثم قفز إلى الوراء وقد استعدَّ برمحٍ جديد، ليطعن به عدوه الطعنةَ القاضية …

لعبت أفروديت دورها في هذا القتال كأحسن ما يكون، فتدخلت ثانية وخطفت باريس إلى أعلى وأخفته في سديمٍ قاتم، ثم حملته بعيدًا إلى بيته.

جُنَّ جنونُ مينيلاوس عندما رأى أن عدوه قد اختفى، كأن الأرض قد ابتلعته، فاندفع بين صفوف الجيش كالوحش الكاسر يبحث عن خصمه ليفترسه ويشرب من دمائه … ولكنه لم يكن مختفيًا لدى أي فرد من الطرواديين … ولو كان مختفيًا لدى أحدهم لسلمه هذا إلى مينيلاوس؛ لأن الطرواديين كانوا يمقتون باريس، أجمل الرجال، مقتًا لا مزيد عليه. كيف لا، وقد جرَّ عليهم البلاء والشقاء …

عندئذٍ نهض أجاممنون وقال: «أيُّها الطرواديون، الآن قد كسب مينيلاوس المعركة، وفرَّ باريس كما ترون … إذن أعطونا هيلين وكل ما تمتلك، وعوضوني عن الآلام التي قاسيناها طوال تلك المدة السابقة.»

طرب الإغريق واغتبطوا، عندما سمعوا أجاممنون يتفوه بتلك الكلمات، فصاحوا من الفرح وهللوا، وعلا صياحهم حتى سمعه آخر من في جيوش الطرواديين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤