الباب السادس
فصل
سأل القائد العام عن المولد النبوي: لماذا لا يحتفل به العلماء؟
حاول أن يترسم خطى الإسكندر المقدوني بالإفادة من النوازع الدينية لدى المصريين. أعد — قبل نزول الحملة إلى الأرض المصرية — منشورًا باللغة العربية، أمَّن فيه المصريين على دينهم. وعمل على النفاذ إلى المشاعر الدينية، ومحاولة استمالتها، أعلن أنه — وجيشه — يحترمون الإسلام والمسلمين، وكرم الفقهاء والعلماء، واستضافهم، وحضر مجالسهم، وغيرها من المظاهر التي تسعى إلى استمالة مشاعر المصريين الدينية. أوصى رواته — صار له رواة ينتشرون في الأسواق والمقاهي والخلوات — أن يتحدثوا عن ظهور النبي للسلطان الكبير — يقصدون بونابرت — وقوله له: اجهر بإيمانك في انتظار هذه العلامة، وسأخضع آسيا كلها لسلطانك. التمس السلطان الكبير من الرسول — في الرواية — مهلة سنة يُعِد فيها جيشه، فمنحها له النبي. تعهد بونابرت بأن يبني جامعًا أكبر من الأزهر، وأن يحرض ضباطه وجنوده على اعتناق الإسلام. وقال رواته إنه يخلو إلى تلاوة القرآن معظم الليل، يطهر به نفسه، ويمسح عنها أدران ما سبق.
قال نابليون لكبار قواده: لقد حقق الإسكندر بعبوره الصحراء في زحف لم يستغرق غير أسبوعين من الإسكندرية إلى معبد آمون بسيوة، واستقبال الكهنة له بوصفه ابن جوبيتر؛ من حيث تثبيت دعائم فتحه للبلاد، أكثر مما كان يحققه لو بنى عشرين حصنًا، وعزز جيشه بمائة ألف من المقاتلين المقدونيين. وقال نابليون: ليس الذي يعجبني في الإسكندر الأكبر حملاته الحربية، بل أساليبه السياسية. كان محقًّا حين أمر بقتل بارمينون الذي عارض — بحماقته — تخلى الإسكندر عن التقاليد الإغريقية. وكان منتهى حسن السياسة منه أن يذهب لزيارة معبد آمون، فهو بهذا فتح مصر. ولو أنني مكثت في الشرق فسأقيم على الأرجح دولة تفوق دولة الإسكندر بذهابي إلى مكة للحج. فتح مصر معناه إقامة مملكة شرقية عظيمة، يسكنها أربعون أو خمسون ألف بيت من الأوروبيين، يدخلون إليها صنائعهم وشرائعهم وإداراتهم. يصبح من الميسور القضاء على سلطة الإنكليز في الهند. قال: لكي ندمر إنجلترا، فلا بد أن نستولي على مصر.
أشار عليه الكيماوي برتوله باصطحاب جماعة من العلماء: أنت تريد مملكة أوروبية، فانقل إليها تقدم الأوروبيين.
أحضر معه اثنين من علماء الفلك، وأربعة من علماء الهندسة، وعالمًا في الجيولوجيا، وعالمًا في الكيمياء، وثلاثة من علماء الطبيعة، وستة من المهندسين المدنيين. نزع — في طولون — زيه المدني، وارتدى زي القائد العام.
بدت الرحلة طويلة من طولون إلى الإسكندرية. شغلها مع أركان حربه من الضباط، ومع العلماء، في أحاديث متشابكة وممتدة، في السياسة والاقتصاد والحكم والدين والخطط الحربية والكيمياء والفيزياء. سأل عن الأرض: هل هي الكوكب الوحيد الذي تسكنه الكائنات؟ وكم عمر الأرض؟ وهل يُعَد حلم يوسف في التوراة تأكيدًا لتفسير الأحلام؟ وما الحدود التي ينبغي أن توضع بين حق الملكية، وممارسات السرقة والاغتصاب؟
اتجه إلى العلماء بأسئلة عن البلد الذي تتجه إليه الحملة: هل توجد طريقة لتنقية مياه النيل من الأوساخ؟ هل من الأفضل إقامة طواحين ماء في مصر؟ ما هي المواد المحلية التي تصلح لتصنيع البارود؟ ما وسائل تحسين النظام القضائي والتعليمي؟ هل يمكن زراعة العنب؟ ما إمكانية حفر آبار في الصحراء؟ هل يمكن تزويد قلعة الجبل بالمياه؟ ما مدى إمكانية الإفادة من كومات القمامة المحيطة بالقاهرة؟ ما إمكانية بناء مرصد، ومقياس على النيل أكثر ملاءمة من مقياس الروضة؟
ربما علت الحناجر بالأغنيات العاطفية، والحماسية، والمعبرة عن الحنين.
اعتذر الشيخ البكري بتوقف الأحوال، وتعطل الأمور، وعدم المصروف. طرقع إصبعيه بما يعني افتقاد المال. لم يُشِر إلى رفض أهل البلد أن يقيموا احتفالاتهم في وجود الفرنسيين.
قال القائد العام: لا بد من ذلك.
وضع في يد الشيخ ثلاثمائة ريال فرنسي، لتغطية احتياجات المولد من المصابيح والمشاعل والفوانيس، وقال: لا بد من الاحتفال بهذه المناسبة!
أمر القائد العام بتعاليق وأحبال وقناديل. اجتمع الفرنسيون يوم المولد. لعبوا الميادين، وضربوا الطبول والدبادب، وضربوا الطبلخانة الكبيرة أمام بيت البكري. تواصل ضربها طول النهار والليل بالبركة تحت البيت. ثم عملوا حرَّاقة نفوط مختلفة وصواريخ، تصعد في الجو.
طاف الخدم بأكواب القهوة وماء الورد والشربات والزنجبيل.
وثق خليل البكري مصيره بالفرنسيين منذ اجتمعوا يوم المولد. ارتدى الفروة بتأييدهم، وتقلد نقابة الأشراف في حضور أعضاء الديوان. نودي في المدينة بأن كل من كان له دعوى على شريف، فليرفعها إلى النقيب. ظل على حبه لملامسة الأشياء الجميلة، والجواري، والغلمان، والطعام، والأغنيات، والموسيقى، وإنشاد الشعر، ورائحة البخور، وبريق الرخام، والأثاث الفاخر، والزهور، والحدائق المنسقة، وبكل ما يدخل المتعة إلى النفس. حرص — في أثناء زيارات القائد العام إلى بيته — أن يُحدث في نفسه انطباعًا جديدًا. يقدم الأبهة، والمأكولات الفاخرة والأطباق المزينة بالأحجار الكريمة والنقوش المحفورة والنقوش البارزة، والأكواب الذهبية والفضية، وستائر الجدران والشرفات المطرزة بالذهب والأرجوان، والموسيقى، والغناء ورقصات الدراويش وأولاد عبد السلام. خصص لبونابرت أريكة في صدر القاعة الكبيرة، واستقبله — مرة — وهو يرتدي عباءة مزدانة بالأحجار الكريمة.
تقدم علماء الأزهر وشيوخ الصوفية والمريدون والمسلحون بالشوم إلى قصر القائد العام. يملئُون — في نجمة الفجر — ساحة ميدان الأزبكية. يؤدي الجند التحية، بأمر من القائد العام. يستقبلهم الخدم بالتوقير والتجلة. يقدمون الشربات والقهوة. يدخل القائد العام، فيتوسط مجلس العلماء. يسأل، ويجيب، ويبذل الود. ربما سأل عن معنى عبارة، أو آية، في القرآن الكريم. يظهر تقديره للإسلام وللرسول الكريم. أهمل بونابرت قول ديبوي — يدرك نفوره من المصريين، وأنهم لا أكثر من مخبولين: نحن بهذا الاحتفال نخدع المصريين بتعلقنا المزعوم بديانتهم التي لا يؤمن بها سيدي الجنرال ولا أحد من ضباطه أو جنوده.
قال القائد العام: هذا الشعب تسيطر عليه الأفكار الدينية منذ أقدم عصوره.
وجرى بسيفه على الأرض في دوائر: لما جعل الإسكندر كاهنة معبد آمون تستقبله بوصفه ابن جوبيتر … كان يعي عقلية المصريين.
استمال المشايخ البكري والشرقاوي والمهدي والصاوي والسادات. ضمهم إلى الديوان، فيقودون الناس إلى ما يريده. أعلن أن سلوك المشايخ جاء على خير ما كان ينبغي. تطلع إلى استمالة بقية العلماء.
ظل القائد العام في وقفته على باب الردهة الواسعة، حتى انصرف آخر العلماء. يتوقع أنهم ينصرفون إلى الجوامع والمساجد والزوايا وأماكن التجمعات، وأنهم جاءوا ليبقوا. العكس ما كان يحدث. تهمس التحذيرات والأوامر بأن تظل النفوس صاحية، حتى يحين أجل من فرضوا أنفسهم على المصريين. ينصحون بما ينبغي فعله. تمتد الهمسات إلى أحياء القاهرة، فتزيد النار اشتعالًا.
خالف البكري — للمرة الأولى — أفعال العلماء. أذِن للفرنسيين فأضاءوا منزله بالأنوار الساطعة، مثلما أضاءوا بيت القائد العام وبيت الجنرال ديبوي. تقدم مواكب الصوفية، تحمل البيارق والأعلام. تنشد المدائح والابتهالات والأدعية. توسط حلقة الذكر إلى صلاة العشاء. تقدم — بعد الصلاة — إلى الجودرية، ضباط الفرنسيين وحملة المشاعل وفرقة الموسيقى. أحرق النفط، وأطلقت الصواريخ، وأطلقت المدافع طلقاتها أمام البيت. ودعا قائد الفرنسيين إلى طعام العشاء. حيا القائد نقيب الأشراف، وأهداه عباءة من الفراء. شجعه على قبولها حضور أعضاء الديوان والمشايخ المصرية من الثغور والبلاد والوجاقات ونصارى القبط والشوام ومدبرو الديوان من الفرنسيين. حتى العلماء الذين ضمهم ساري عسكر في الديوان الخصوصي وكبار رجال الحرف وأعيان التجار في الديوان العمومي. حركتهم المسايرة، فلا تطأ أقدام الجند — ثانية — ساحة الأزهر.
ارتفعت البيارق — ذات اللونين الأحمر والأخضر — فوق السواري في ميدان الأزبكية، وأقيمت السرادقات في أرجاء الميدان، وسارت مواكب الصوفية ومنشدي المدائح النبوية والأدعية والابتهالات، وحلقات الذكر، وحملة المشاعل والبيارق، وعازفي الآلات، ونافخي الأبواق، وركب ضاربو الطبول الجمال، واعتلى بقية العازفين ظهور الحمير. تقدمت الموكب فرق الموسيقى التركية والفرنسية. جرى التوسع في الأضواء. أضيئت البيوت والجوامع والشوارع والأسواق، وواجهات البيوت والمحال. تأخذ المصابيح المعلقة هيئة أشجار صنوبر ضخمة، أو شكل أهرامات متتالية. ازدانت القوارب الشراعية بالأعلام، وانطلقت الشهب والألعاب النارية والصواريخ والمفرقعات. حتى الباعة زينوا عرباتهم بالأوراق الملونة، احتفل الناس في الطرقات. نُثر الآلاف من قطع المديني، تنافس على التقاطها الفقراء من أهل القاهرة، وألقى التاجر أحمد بسطاويسي للناس صرة مليئة بالذهب، نذرًا لشفاء أصغر أبنائه من مرض تهدده بالموت. مُدت الأسمطة الزاخرة بأشهى أنواع المأكولات، وأنواع الحلوى، وتعالت أصوات الآلات الموسيقية، وتكلمت أحاديث المقاهي والخلوات عن خضوع القائد العام لعملية الختان، واستبدال العمامة بالقبعة، وإعلان اتباعه دين الإسلام، وتلاوة سور — أو آيات — من القرآن كل يوم.
مع ذلك، فإنه لم يحضر الاحتفال سوى عدد قليل من المتسكعين بقلوب منكسرة، ونفوس ضعيفة، واعتكف أغلب الناس في بيوتهم، في نوع من الاحتجاج والرفض. احتفلوا داخل البيوت، والإحسان بالصدقات، وتلاوة القرآن في الجوامع والمساجد والزوايا، حتى مطلع الفجر.
عاد الشيخ الشرقاوي إلى بيته يعاني الحيرة لارتداء نابليون العمامة والجبة والقفطان، تردد — من قبل — على بيوت كبار المشايخ، جلس القرفصاء، تناول الطعام بيديه، مثل المشايخ تمامًا.
فصل
مد المعلم شيحة قدمه، تتحسس البلغة أسفل الكنبة. قال وهو ينقر الأرض بعصاه في توتر واضح: مختار يغطس ويقب ولا يخبرني أين ذهب.
ووشى تساؤله رنة غضب: هل أصبح يملك من الأسرار ما يخفيه عني؟!
سكت المعلم شيحة. أصاخ سمعه لما يدور في الخارج وهو يشير بالصمت. تنهد، وأسند رأسه إلى الكنبة.
التقط من العلبة الصفيح الصغيرة بطرف إصبعه. قرَّب الإصبعين من فتحتي أنفه. شم بقوة، وعطس: دوريات الفرنسيين كثيرة هذه الأيام.
قالت الأم: صرنا نتحسر على أيام المماليك.
وتنهدت: ما نعانيه على أيدي الفرنسيين أشد ظلمًا وقسوة!
قال المعلم شيحة: لا أسوأ من الفرنسيين إلا المماليك.
تؤذيه سيرة المماليك، يحملهم كل ما يعانيه المصريون. عانى — مثلما عانى أبناء القاهرة — من معارك المماليك. يتطاير الرصاص، ويتعالى قصف المدافع، وترتطم الشوم والعصي، وتنقب البيوت، ويحصل القتل والحرق والنهب على أبناء البلد من المصريين. يمتد الضرب إلى الحارات والعطوف والدروب والأزقة.
شغلوا بفرض الإتاوات والضرائب، وبالعز، والأبهة، والقصور الهائلة، والعبيد، والخصيان، واقتناء الجواري، والجياد، والذهب، والجواهر، والثياب الفخمة، والسيوف المذهبة لا تخرج من أغمدتها إلا لتطيح برقاب أبناء البلد. يركضون بجيادهم في الطرقات، يصدمون الرجل والمرأة، ويدوسون على الصبي. لا يعبئُون بالتحذيرات ولا الصرخات، ويواصلون شق الزحام بسنابك خيلهم.
زادت الأعوام التي أمضاها مراد وإبراهيم في حكم مصر على العشرين عامًا. عانى فيها المصريون صراعاتهما واقتتالهما. أثمرت عداواتهما عداوة المصريين لهما، عداوة ترفض، وتسخط، وتأمل في تغير الحال. اضطربت الأمور، وتعددت وسائل العداء. أهمل المعلم شيحة معاركه مع فتوات الأحياء. قادهم إلى عراك المماليك. تدافعوا لإنهاء دولة الأمراء.
دخل في خناقة مع العدائين المسلحين بالشوم في اندفاعهم لإخلاء الطريق أمام المملوك التركي. آلمت الضربة كتفه، فاختطفها، وأعادها إلى جسد الرجل ضربة في صدره. أطاح بمهارة جعلت زعامته لفتوات القاهرة موضع اطمئنان. بكل الشوم والهراوات التي تدافعت لأذيته. أقبل على صيحاته من الشوارع الجانبية والعطوف والأزقة، عشرات الرجال يحملون العصي والجريد والهراوات. لكز المملوك جواده، ففر بحياته. تبعه من لم تلحقه ضربات الرجال!
حين نهب مماليك حسين بك الشفت بيوتًا في الحسينية، شارك أهل القاهرة احتجاجهم وهياجهم على أمراء المماليك. اتجهوا إلى الجامع الأزهر، يتبعهم أعداد كبيرة من العامة والجعيدية، بأيديهم نبابيت ومساوق. أغلقوا أبواب الجوامع، وطالبوا بضرورة إقرار العدل، والشرع، ورفع الظلم والجور، وإبطال الحوادث والمكوسات المبتدعة. صعد منهم طائفة أعلى المنارات، يصيحون، ويدقون الطبول.
قال الشيخ الدردير لمن لجئوا إليه في الأزهر: في غد نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة، وأركب معكم، وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا، ونموت شهداء، أو ينصرنا الله عليهم.
والتمعت عيناه بالغضب: قدم المماليك إلى بلادنا خدمًا … ثم تحولوا — بضعف الحكام — إلى سلطة أقوى من سلطة الحكم.
أدرك المماليك خطورة الأمر، وأن الإمساك بطرف الخيط لا بد أن يؤدي إلى نهايته، نهاية ليست مأمونة بحال. تعهدوا بإحضار كل ما أخذه أعوان حسين بك الشفت من منهوبات. كان واحدًا من الناس الذين تجمعوا حول الأمراء الثلاثة: حسين بك الشفت، ومراد بك، وإبراهيم بك.
قال الشفت لإبراهيم أمام الجميع: أنت تنهب، ومراد بك ينهب … وأنا أنهب كذلك!
تعددت مرات صعوده إلى مآذن الأزهر للدعاء على الأمراء، ودفع المصريين للتمرد عليهم. لو أن أمراء المماليك عنوا بالتحري عن قوات الفرنسيين، ببصاصيهم الذين ينكدون على الناس أيامهم؟ من أين تأتي؟ وإلى أين تتجه؟ وما عددها؟ وماذا تحمل من سلاح؟ وهل يمكن تعويقها؟ لو أن ذلك حدث، ربما تغير الحال، وما صارت القاهرة ثمرة ناضجة سقطت — بسهولة — في يد الفرنسيين.
لم تداخله شفقة لرؤية أسرى المماليك، بعد أن أطلق بونابرت سراحهم. دخل الكثير منهم إلى الجامع الأزهر، وعليهم أسمال رثة. أكلوا من صدقات الفقراء المجاورين، وتكففوا المارة. روح التثبيط امتدت منهم إلى أهل مصر، منذ بدأ المماليك — عقب نزول الفرنسيين إلى الإسكندرية — في نقل حريمهم وأولادهم وثرواتهم في بيوت الأتباع والخدم خارج القاهرة. تملكته فورة من الانفعال وهو يصرخ في المماليك الفارين: يا ظالمين. أنتم سبب هذه الداهية!
تنبه الفرنسيون إلى السراديب والأنفاق التي شقها المصريون تحت الدور والشوارع والميادين. حفر الرجال سراديب تربط قلعة الجبل بالشوارع والأزقة التي تطل عليها، وبين الميادين والشوارع والخلاء في داخل القاهرة. يتخفى فيها المسلحون. يصعدون في الموضع المحدد، في الوقت المحدد. يباغتون جنود الفرنسيين بالغدارات والشوم والسكاكين. لحظات، ويختفون، كأنما تحيا تحت الأرض مدينة أخرى، لا شأن لها بالغزو الذي يحتل القاهرة.
حفر الرجال سردابًا من البيت المطل على النيل. ينتهي على بعد أمتار في عمق النهر. يقيدون الجندي الفرنسي المقتول، مع أثقال. يظل في موضعه تحت الماء حتى يتهرأ، أو يأكله السمك.
أبلغ الأرصاد بونابرت بشخص المخطط، والمدبر، لكل ما يجري من عمليات ضد الفرنسيين.
قال القائد العام للجنرال مينو: يبدو أن المصريين يحسنون لغة العثمانيين وحدها.
وشاعت في صوته نبرة غضب: عليك أن تقطع كل يوم خمس أو ست رءوس في شوارع القاهرة.
فصل
لاحظ تحديقها المتأمل من خصاص المشربية المطلة على الجودرية. أطل من فوق كتفها. راعه المستند إلى البناية المقابلة في الظلمة الشفيفة. لم يميز ملامحه، وإن فطن إلى معنى الوقفة. شهق للعينين الخضراوين والشعر الأشقر.
– لكنك ابنة شيخ.
واجهته بعينين متحديتَين: لم تَعُد الأمور كما كانت.
وأومأت بلهجة متواطئة: الفرنسيون الآن منا، ولم تَعُد الصداقة جريمة.
ألزمها القعود في حجرتها، لا تتركها — ثلاث ساعات — حتى لقضاء الحاجة. لا ترى أحدًا، ولا يراها أحد. ركبها جني أو شيطان. لا نجاة لها إلا في شم البخور الذي أجادت زمردة إعداده، وضوَّعت به مساحة الحجرة.
كأنه أطلق شرارة تصرفاتها التالية. لم تَعُد تكتفي بالوقفة وراء خصاص المشربية. تهز كتفيها، وتنزل إلى الطريق. رأت الفرنسيين في الطرقات، يصحبهم نساؤهم، حاسرات الوجوه، يرتدين الفساتين والمناديل الملونة، ويركبن الخيل — وبخها أبوها على ركوبها! — والحمير، ويضحكن على السجية، ويداعبن المكارية. تفضل ساعة قدوم الليل. تساعدها الظلمة والثوب الذي يخفي الوجه والجسد، تترك البيت من الباب المطل على الشارع الخلفي. يسبقها الطواشي، وتتبعها الخادمة..
سئمت التنقل بين السرير في حجرة النوم، والتمدد على السرير مقابل المرآة التي توسطت الجدار، وامتدت من الأرض إلى قرب المنتصف، والاتكاء على الوسادة في القاعة المطلة على الفناء. تلبي الجواري والخادمات ما تطلبه. لا تعرف عما يدور في العالم الخارجي إلا ما يتناهى إلى سمعها من مناقشات زوار أبيها. جعل أبوها في بيت الأزبكية أنواع الولائم والعزائم والضيافات والسماعات والآلات وجمعيات الحظ والفرجة. تترامى إليها أصداء ذلك كله — من خلال روايات الأغَوات والخدم والعبيد — في حجرتها العلوية المطلة على الحديقة الخلفية، يترامى الأفق من ورائها في الأرض الفضاء.
القائد العام يحبها، وهي تحب القائد العام. القائد العام رجل، وهي فتاة، أنثى. التقطت أذناها — وهي تدخل الحمام — حديثًا عن الخصومة بين أبيها وأغا الإنكشارية على غلام من المماليك. له حسن — في الهمسات الضاحكة — يفوق ما لدى النساء. لجأ أبوها إلى المسئول الفرنسي بوسليج. قضى له أن يحتفظ بالغلام لقاء تنازله للأغا عن عقار قيم.
ما الصح؟ وما الخطأ؟
لاحظت الأم كثرة خروجها للحمام، أو لزيارة صديقة لها. خمنت أنها تخرج لسبب لا تصارحها به، وتخفيه. توقعت — من يوم أبلغتها زينب بمفاجأة الرجل بالقرب من جامع بيبرس الخياط — أن يقدم الزعر على أذى ابنتها، يقتلونها، أو يخطفونها لابتزاز أبيها، أو حتى يؤذونها بالضرب.
فصل
أذهله اقتحام زينب مجلس زواره. عدد كبير من أولاد الكتاتيب والفقهاء والعميان والمؤذنين وأرباب الوظائف والمستحقين من أوقاف عبد الرحمن كتخدا والمرضى بالمارستان المنصوري. الأحاديث تشرق وتغرب، وإن لم تجاوز ما ألفته المجالس. علت الشكوى — فجأة — من توقف تسليم الرواتب والجرايات من الخبز، لتوقف إيرادات الأوقاف.
قال شاب يهز عمامته بيده: نحن نلجأ إلى أهل الشرع للتوسط عند الفرنسيين كي يزيلوا ما نزل بنا من إجحاف.
قال رجل تشي نظرته الثابتة بغياب بصره: قُطعت رواتبنا وخبزنا لأن الأوقاف تعطل إيرادها، واستولى على إيرادها الغير.
قال البكري: أعدكم بأن أتحدث عن مشكلتكم في اجتماع الديوان.
وأشار ناحية الباب: عودوا الآن إلى بيوتكم!
قال الشاب: نحن نعتب على بعض أعضاء الديوان أن أولاد البلد خدم عند الفرنسيين؟
غاظها وهي تنظر — من خلال الباب الموارب — إلى الرجال المجتمعين في القاعة، تعلو أصواتهم بالأسئلة والأجوبة والمناقشات والشكوى. تمنت لو أنها نصحتهم أن يثوبوا إلى رشدهم، ويحكموا العقل، ويرعوا مصلحة الناس.
تركت تغريد في جلستها على الأرض، أمامها بضائع تنتظر انتقائها: حلي وأساور وأحجار نفيسة وماسات وعقود لؤلؤ وتيجان وصناديق صغيرة مطعمة بالصدف والعاج، ومفارش، وروائح عنبر ولبان وجاوي ومر وبخور وعود وصندل.
سحبت عقدًا من الفيروز. لفته حول عنقها. تأملته في المرآة الهائلة أوسط الحجرة. نزعت البرقع والملاءة، وأخلت قدميها من القبقاب، وتربعت. تُوائِم لون حبات العقد مع بشرتها السمراء، وشعرها الأسود الطويل، وأنفها الصغير، وشفتيها الرقيقتين.
تنهدت، وأعادت العقد إلى موضعه.
أنست لها زينب. قالت لها وهي تغادر البيت ذات عصر: لماذا لا تقيمين هنا؟
غالبت ارتباكها: أنا أزوركم دائمًا!
– أقصد أن تقيمي في الجودرية.
– وبيتي؟
– هنا بيتك.
– وزوجي … وأبي … وأمي؟
– تستطيعون التزاور.
أردفت: ماذا يعمل زوجك؟
– نجار.
– وأبوك؟
– أقعدته الشيخوخة.
– سأعطيك ما ينفق على أسرتك.
– مختار يرفض.
– من مختار؟
– زوجي.
– سأكلم أبي ليلحقه بالعمل في بيت الأزبكية.
اكتفت — دلالة الشكر — بإيماءة خفيفة من رأسها.
اتجهت زينب إلى الرجال بملامح غاضبة: الفرنسيون لا يمارسون السخرة … إنهم يعطون لكل واحد زيادة عن أجرته.
وأزاحت خصلة شعر متهدلة على جبهتها: لا تنسوا أن المماليك كانوا يصادرون الناس ويأخذون أغلب ما يحتاجون إليه دون ثمن.
تدخل خليل البكري بالقول مهونًا: العدو الذي لا نستطيع رده، علينا أن نكسب صداقته!
قال الشاب: هل أكسب صداقة عدوي؟!
– هذه هي الطريقة الوحيدة لاتقاء أذاه.
هل تؤدي تصرفات زينب إلى أن يفقد استعادته لمشيخة البكرية، بعد أن فقدها — قبل مجيء الفرنسيين — لما فيه من الرعونة، وارتكابه أمورًا غير لائقة.
هذا هو الاتهام الذي دفع المشيخة ثمنًا له.
هل يتكرر الفقد؟!
فصل
أعاد النظر ليستوثق من المرأة الواقفة. لم يجد فيها ذلك الشيء الذي اجتذبه إليها، حين رآها للمرة الأولى.
كانت ترتدي ثوبًا مفتوح الصدر والظهر، كما ترتدي الفرنسيات. رصعته باللؤلؤ والذهب. أسدلت شعرها الأسود الطويل، على كتفيها، ورسمت شفتيها بعناية.
النقاب الذي غطت به وجهها، لا تبين منه إلا العينان، هو الذي اجتذبه إليها، هو الذي فتنه.
العينان!
لو أنهما كانتا بلا نقاب، ربما لم تتحرك مشاعره، فيطلب لقاءها.
قال: لماذا استبدلت بملابسك هذه الملابس؟
قالت زينب وهي تمسح ثوبها: هذه ملابس باريسية.
أردفت لخيبة الأمل في ملامحه: خياطتي هي ست السلطان الكبير.
– من؟
– ست السلطان الكبير.
ثم وهي تتفادى اتجاه عينيه: الآنسة بولين نوريس.
اغتصب ضحكة: مسكينة! إنها منافستك عندي.
لمح المرأة وابنتها قبل أن تدفعه إلى حيث يجلس في الحجرة الملاصقة. لم يكن الفضول — وحده — هو الدافع لأن يحاول التعرف على من في ضيافتها. في بيتها المطل على شارع بين القصرين. اصطنع السؤال عما لم يتحدد في ذهنه. مجرد أن يوارب الباب. يردفه بنطق اسمها. تركزت نظرته في الفتاة الصغيرة. رفعت النقاب إلى ما فوق جبينها، تتابع الحديث بين بولين والمرأة الجالسة إلى جوارها. أسدلت المرأة العباءة السوداء والنقاب. بدت كخيمة صغيرة. خمن أنها أم الفتاة. انطبعت الصورة في ذهنه: الشعر الفاحم، العينان الصافيتان، المكحولتان، الأنف الصغير، الشفتان الرقيقتان كورقتَي وردة.
اتجه إليها بنظرة غاضبة: هل كلمتك عما يلائمني؟
وعلا صوته: لماذا تتشبهين بالفرنسيات؟
زمت شفتيها المرتجفتين، تغالب البكاء: أردت أن أرضيك.
وهو يشير إلى الباب: ما يرضيني أن تعودي إلى بيتك.
أضاف إلى تغيُّر مشاعره، وما يطلبه، رؤيته لبولين فوريه وهو يشهد — مع أركان حربه — احتفال تطيير البالون. قبل العصر، تجمَّع الناس، والكثير من الفرنسيين، وغيرهم من أبناء الجاليات الأجنبية، يتطلعون لرؤية تلك العجيبة. عبارة عن قماش على هيئة «الأوبة» على عمود قائم، ملون أبيض وأحمر وأزرق. عمودها مركب على مثل دائرة الفريسال، وفي وسطه فتيل. السكرجة مصلوبة بأسلاك حديد منها إلى الدائرة، ومشدودة ببكر وحبال. أطراف الحبال في أيدي رجال يقفون على أسطح البيوت القريبة. بعد العصر بساعة، أوقدوا الفتيلة. صعد دخانها إلى القماش، وملأه. انتفخ. صار مثل الكرة التي ارتفعت، بينما الحبال تجذبها. ثم قطعت الحبال، فصعدت إلى الجو مع الهواء. طارت لحظات، ثم سقطت على الأرض. انكسف طبع الفرنسيين لسقوطها. لم يتبين صحة ما قالوه من أنها على هيئة مركب يجلس فيها من يقصدون السفر إلى البلاد البعيدة. ظهر أنها مثل الطيارات التي يعملها الفراشون في المواسم والأفراح.
ما حدث لم يشغله عن إعادة التحديق في الشعر الذهبي الناعم، ينسدل على كتفيها كعباءة، والعينين الزرقاوين تحت الأهداب السود الطويلة. في مساء اليوم نفسه، زار بونابرت مطعم «التيفولي» بالأزبكية. رآها هناك. ظل يرنو إليها بنظرة ثابتة، دون أن تشغله ردود الأفعال المحتملة.
عرَف — من سؤاله عن أحوالها — أنها الابنة غير الشرعية لأب مجهول وطاهية اسمها «بليل». يناديها أصدقاؤها «بيليلوت». تعمل بائعة للقبعات. سماها «كليوباترة». زوجها الملازم فوريه من ضباط الحملة. لم يأذن لخاصة أصدقائه — ممن أدركوا السر — أن يناقشوا قراره بإعادة المواطن فوريه الملازم بفرقة الفرسان الثانية والعشرين إلى باريس.
قال هنري برتران: أنت لم تحاول حتى أن تبعث معه رسائل ذات قيمة.
قال نابليون: أنا القائد الأعلى، ومن حقي أن أصدر أوامري، وعلى ضباطي تنفيذ الأوامر.
وهو صغير، أنكرت عليه أمه تعجله. ادعت أنه لم ينتظر حتى تصل إلى فراشها، فولدته فوق سجادة. أهمل حتى عودة الملازم فوريه المفاجئ إلى القاهرة، دون أن يستكمل مأموريته في باريس. وقعت سفينة البريد «شاسير» في أسر السفينة البريطانية «ليون». اكتفى القبطان الإنجليزي بقسم الملازم فوريه ألا يقاتل ضد البريطانيين تحت أي ظرف.
فصل
هل حولته خيانة جوزفين إلى سلطان شرقي، يجد اللذة في مضاجعة النساء وإيذائهن؟ هل أصبح السلطان الكبير بالفعل؟
يدين لها بتجاوز أسوار الخجل، والقسوة التي كانت تقابله بها أمه. امتدحت صفاته العسكرية. أومأت بالمعنى فغابت المعاناة لما صارحها بحبه. تزوجا. كانت تكبره بسبعة أعوام. لم يتردد في أن يضيف إلى عمره سنة ونصف السنة، ولا أن يخصم من عمرها أربعة أعوام، وأن تتولى حضانة ابنيها أيوجين وأورتنس من زوجها الجنرال دي هارنيه. أعدمته الثورة الفرنسية في العام تسعة وأربعين وسبعمائة وألف.
من بين ثلاثمائة زوجة استطعن التسلل إلى الناقلات، والقدوم إلى مصر مع أزواجهن، وجد في السيدة فوريه ما يلبي احتياجات ذكورته. زوجها ملازم صغير السن والمكانة، لا أهمية له، لم يملك إلا الندم على أنه ساعدها على المجيء إلى الإسكندرية.
سكت عن عرض بيليلوت أن يطلق جوزفين، وتطلب الطلاق من زوجها، ويتزوجان، ربما تنجب له الطفل الذي عجزت جوزفين عن إنجابه. جوزفين هي المرأة الوحيدة التي أحبها في حياته. حتى مدام فوريه علاقته بها أقرب إلى النزوة العابرة. اطمأن إلى التعبير الذي قاله بأن الحب ضار بالمجتمع وبسعادة الفرد، لكن التوق إلى لحظات الانتشاء يمور في داخله، فلا يقوى على احتماله. كأن ملامحه الظاهرة غطاء لقِدر يغلي. ليس لديَّ وقت أضيعه. كلمات أعاد ترديدها لنفسه، وتوهم أنه صدقها، لكن الرغبات المشتعلة تصاعدت، وعلا — في داخله — قرع الطبول. لم يَعُد الحب — كما قال هو ذات يوم — شغل العاطل، وراحة المحارب، ومهلكة الحاكم.
فصل
منذ أقام الصلات مع الفرنسيين وهو يحاذر في سيره، وفي ركوبه وتحركاته ولقاءاته. حتى الزيارات التي يقوم بها إلى مشيخة البكرية، تباعدت، ثم دعا أتباعه إلى التردد على بيته، يعرفهم بالسحنة والاسم، فلن يتسلل من يخشى أذاه.
يمضي إلى بيت الجودرية راكبًا، أو سائرًا على قدميه. يخترق الشوارع الضيقة، والمتقاطعة، والمتشابكة. يسلم يده بآلية لمن يريدون تقبيلها. يلمح وجوهًا لم يسبق له رؤيتها، ولا تعرَّف إليها. يغيب الود عن نظراتها، ويلوح الشر، وترهقه بالمطاردة. تطارده أشباح تملأ الشوارع والدروب. تقف على الأبواب وداخل البيوت المهجورة والخرائب، تطل من الأسطح والنوافذ، ومن وراء المشربيات. ينتفض لعطسة، أو نحنحة، أو وقع أقدام من خلفه. يواصل السير دون أن يتلفت، وإن توقع — والخوف يقتله — من يتبعه. يتوقع — في لحظةٍ ما — ضربة مفاجئة، أو نداءً باسمه، أو ما لا يدريه، أو يحدد قسماته. تترامى إليه في غرفة نومه المغلقة داخل البيت ترددات الأنفاس، شهيقها وزفيرها. يصحو — منتفضًا — على بنادق صوبت بين عينيه. يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
هل كان يتصور أن زينب في بيت أمها، وهي — في غفلة منه — تنزل إلى الطريق الخالية من أهل البلاد؟
كتم ضيقه لهمسة المعلم مروان عكاشة أنه رأى زينب مع ضابط فرنسي في الأزبكية، معهما نساء يرتدين الفستانات والمناديل الحرير الملونة، ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة. لم يتصور أن زينب تُقدِم على ذلك الفعل. ربما كانت امرأة تشبهها.
زينب؟
تنزل إلى الطريق. لا تتكلم عن وجهتها، ولا أين كانت حين تعود. تكتفي — عند السؤال — بالغمغمة التي تعني السخط، ثم تمضي إلى حجرتها، أو إلى بيته في أول الجودرية. أحبت الآفاق المنطلقة، ومصادقة الضباط الفرنسيين. تهمل وقوع بيت أبيها في قلب الأزبكية، حيث تمضي أوقات غيابها عن الجودرية. لا تعبأ حتى إن رآها أحد من إخوتها، أو أزواج أخواتها، أو الأقارب والمعارف.
خرج عن نفسه حين غابت عن الجودرية يومًا وليلة. قالت وهي تنظر في ثقوب المشربية إلى من لم يتبينه في الجودرية: شاهدت احتفالات الفرنسيين بعيد قيام الجمهورية في بلادهم.
– ما شأنك بأعياد الفرنسيين؟
– إنهم يحتفلون بأعيادنا.
استطردت في نبرة تلميز: وأنت تشاركهم الاحتفالات.
ورفت على شفتيها ابتسامة غامضة: لن نخاصم من جاءوا ليبقوا!
أفنى العمر في تحصيل الدنيا، وتنظيم العز، وشراء المماليك والجواري والخصيان والعبيد، واقتناء كل ما يضيف إلى وجاهة حياته … هل تضيع هذه الحمقاء كل ما جنى؟
قال وهو يربت رأسه: هذه العمامة الخضراء لها ثمنها … وثمنها هو أن يحترمها من يضعها فوق رأسه!
ثم هو يرمقها بنظرة استياء: الانتساب إلى الأشراف قيمة في ذاته فلا تُضيعي كل شيء!