الحياة الكاذبة
ولذلك ينبغي على الإنسان لكي ينال الحياة الحقيقية أن يُنكِر حياة الجسد الكاذبة على الأرض ويعيش بالروح.
فحوى الفصل السادس
لا فرق عند حياة الروح بين الأهل والأجانب الغرباء.
قال يسوع: إن أمه وإخوته ليس لهم عنده أهمية تُذكر، وإنما هو يهتمُّ بإخوته الذين يُتمِّمون مشيئة الآب العام لجميع البشر؛ لأنه لا تتوقف غبطة وسعادة الإنسان على الأهل والأقارب، بل على حياته الروحية، ثم قال أيضًا: طوبى لأولئك الذين يضبطون كلمة الآب في نفوسهم؛ لأنه لا يوجد مسكن للإنسان العائش بالروح، ويسوع قال عن نفسه أن ليس له مكان يسند إليه رأسه؛ لأن إرادة الله يمكن إتمامها في كل مكان وزمان، ثم إن الإنسان الذي سلَّم نفسه ومحضها لخدمة الله فلا ينبغي عليه أن يخشى الموت الجسدي؛ لأن حياة الروح لا تتوقف على موت الجسد ومن يؤمن بحياة الروح فلا يخشى شيئًا ولا يجب أن تحول بينه وبين الروح جميع اهتمامات هذا العالم وملذَّاته، ثم إن يسوع قال لذلك الذي طلب إليه أن يأذن له أولًا أن يدفن أباه ثم يتبعه لاستماع تعليمه: «إن الموتى فقط يهتمون بدفن الموتى؛ لأن الأحياء يهتمون دائمًا أبدًا بإتمام مشيئة الآب.»
ثم إنه لا يجب أن يحول أيضًا الاهتمام بالأهل والأقارب بين الإنسان والروح، والذي يزعم أنه ماذا ينجم له عن خدمة الروح هو كالحرَّاث الذي يضع يده على المِحراث وينظر إلى الوراء.
ثم قال يسوع: إن من يسعى للحصول على الحياة الحقيقية المتوقفة على إتمام مشيئة الله ينبغي عليه ألا يهتم بهذه الحياة الدنيا، ويُدبِّر شئون معيشته كما يريد، بل يطلب منه أن يُنكر جميع ملذَّات الحياة وشهواتها، ويكون مُستعدًّا في كل آونة لاحتمال العذاب والإهانة والاضطهاد.
إن ذلك الذي يهتم بحياة الجسد وشهواته يخسر الحياة الحقيقية الخالدة.
إن أعظم أمر يُهلك حياة الروح هو حب المجد الباطل والسعي وراء تحصيل الثروة، والناس ينسون أنهم مهما جمعوا من المال والعقار مُعرَّضون للموت في كل ساعة؛ لأن الموت ملازم للإنسان كظله، فإن المرض وقتل الناس والمصائب المتعددة التي تُصادف الإنسان تستطيع في كل ثانية إيقاف حركة الحياة، فالموت الجسدي هو من شروط الحياة الإنسانية الفانية.
ينبغي على الإنسان أن يضع نُصْب عينيه: أنه ضيف على هذه الأرض، لا بدَّ له يومًا من الأيام أن يرحل عنها، ومن الجهل والحماقة أن نتناسى هذا الأمر ونُعرض عنه، نحن أوتينا عقل نستطيع بواسطته أن ندرك ما يحدث على الأرض ويجري في السماء، ولكننا نتجاهل أننا نموت، ولو تذكرنا ذلك لما تهورنا في الملذات وكرَّسنا حياتنا لخدمة الجسد، ينبغي على كل إنسان أن يتروَّى ويتبصَّر دائمًا أبدًا في المصير الذي يُفضي إليه، فيظهر له جليًّا أن اتِّكاله على الجسد لا يُجديه نفعًا، وإنما ينال الغبطة والراحة إذا اتَّكل على مشيئة الله وسار بموجبها في هذه الحياة الدنيا، إن الله قد وهب الناس الحياة الحقيقية وهم يعرفونها ويسمعون صوتها، ولكن اهتمامات هذا العالم تحولهم عنها وتحرمهم إياها، فالحياة الحقيقية تشبه الوليمة التي أولمها الغني ودعا إليها أشخاصًا معدودين، كما أن صوت الروح الآب يدعو إليه جميع الناس، ولكن بعض المدعوِّين لم يحضروا لاشتغالهم بتجارتهم، وبعضهم لاهتمامهم بأملاكهم، وبعضهم بأهله وزوجته، ولم يُجِب الدعوة غير الفقراء والمساكين الذين لا تشغلهم مشاغل الجسد، فحضروا الوليمة وفازوا بالسعادة، وهكذا فإن جميع الناس منغمسون بالشهوات والاهتمام، فحرموا نفوسهم من الحياة الحقيقية؛ فالذي لا يطرح الاهتمام بالجسد جانبًا ذلك لا ينال الحياة الصالحة؛ لأنه لا يستطيع أن يخدم جسده والآب في آن واحد.
إن الحياة الجسدية هي وديعة مودعة عندنا، والثروة المالية التي نحصل عليها ينبغي أن نستعملها لننال الثروة الحقيقية.
إذا توظَّف رجل وكيلًا لأحد الأغنياء ينبغي عليه أن يفتكر دائمًا بأن الغني يحاسبه على أعماله، ويحتمل أن يطرده في كل ساعة من وظيفته فيصبح لا يملك شيئًا، ويفعل ذلك الوكيل عين العقل إذا كان أثناء وجوده وكيلًا للغنى مُتصرِّفًا بثروته، يصنع الخير لجميع الناس، حتى إذا أصبح يومًا ما من غير وظيفة يعطفون عليه ويُطعمونه خبزًا، وعلى هذا المثال ينبغي على الناس أن يسيروا في حياتهم الدنيوية، وليعلموا أن الجسد هو كثروة الغني يتصرَّفون به إلى أجل مسمًى، فإذا أحسنوا الاستعمال ينالون الثروة الحقيقية.
فإذا نحن لم نعطِ ثروتنا الكاذبة فإننا نخسر الحقيقية، فلا يجوز خدمة الحياة الكاذبة والروح معًا، فإما أن نخدم المال أو نخدم الله؛ لأن الثروة هي شرٌّ في عينَي الله، والغني يرتكب خطيئة لا تُغتفر؛ لأنه يعيش بالرفاه والرخاء ويأكل المأكولات الفاخرة، والمساكين على بابه يتضوَّرون جوعًا وبطونهم خاوية خالية، ومن الحقائق المقررة: أن من لا يصنع الإحسان للناس فلا يتمِّم إرادة الله.
وجاء مرة إلى يسوع رجل فريسيٌّ غنيٌّ، وأخذ يمدح ذاته بقوله: إنه يتمِّم جميع وصايا الناموس، فقال له يسوع: إنه توجد وصية أخرى تأمر بأن تحب جميع الناس مثل نفسك، فقال الفريسيُّ: إنه كذلك، فقال له يسوع: لا أُصدِّق ذلك؛ لأنك لو كنت تحب الناس لما كنت غنيًّا صاحب أملاك واسعة، بل كنت تُوزِّع مقتنياتك على الفقراء، وتُعطيهم من أموالك.
ثم قال يسوع لتلاميذه: يتبادر لذهن الناس أن العِيشة غير مُستطاعة بدون المال، ولكني أقول لكم: إن حياة الإنسان الحقيقية هي أن يعطي كل ما يملك للآخرين.
وحدث أن رجلًا اسمه زكَّا سمع تعليم المسيح وصدَّقه، ثم دعاه إلى بيته، وقال له: إني أعطي نصف أملاكي للفقراء، وأردُّ أربعة أضعاف لكل من سلبتُ منه شيئًا، فقال يسوع: هو ذا إنسان يسعى إلى تتميم إرادة الآب.
لا يستطيع أحد أن يقيس فعل الخير بمقياس، ولا يصح أن نقول: فلان أعطى كثيرًا وفلان أعطى قليلًا، فالأرملة التي دفعت قرشًا واحدًا أعطت أكثر من الغني الذي دفع الألوف.
متَّى، ١٢: ٤٦: وجاءت إلى يسوع أمه وإخوته ولم يستطيعوا أن يروه لكثرة الجموع.
لوقا، ٨: ٢٠: فتقدَّم إليه رجل، وقال له: إن أمك وإخوتك واقفون خارجًا يريدون أن يروك.
٢١: فقال له: إن أمي وإخوتي هم الذين يعرفون إرادة الله ويتمِّمونها.
١١: ٢٧: فرفعت امرأة صوتها وقالت: طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما.
٢٨: فقال يسوع: إنما الطوبى للذين يفهمون كلمة الله ويحتفظون بها.
٩: ٥٧: فقال واحد ليسوع: أتبَعُكَ إلى حيث تمضي.
٥٨: فقال له يسوع: أنْ ليس لي بيت أسكنه ولا مكان مُعيَّن لي، وإنما الوحوش فقط لها أوجرة وأوكار، وأما الإنسان فكل مكان هو بيت له إذا كان عائشًا بالروح.
مرقص، ٦: ٤٥: وركب ذات مرة يسوع السفينة مع تلاميذه ليعبروا بها إلى الجهة المقابلة.
٤٦: فهبت ريحٌ شديدةٌ في البُحيرة كادت تُغرِق السفينة.
٤٧: أما هو فكان نائمًا عند مؤخر السفينة؛ فأيقظه تلاميذه، وقالوا له: يا معلم أليس ترى أننا نكاد نغرق؟
ولما هدأت الريح قال لهم: لماذا اضطربتم وخفتم؟ أليس عندكم إيمان بحياة الروح؟
لوقا، ٩: ٥٩: فقال يسوع لرجل: اتبعني، فأجابه الرجل: لي أبٌ شيخٌ فأْذَن لي أن أدفنه أولًا ثم أتبعك.
٦٠: فقال له يسوع: دع الموتى يدفنون الموتى، وأما أنت إذا أردت أن تكون حيًّا فتمِّم إرادة الله ونادِ بها.
٦١: ورجل آخر قال ليسوع: إني أريد أن أكون تلميذًا لك وأُتمم إرادة الآب كما تأمر، ولكن ائذن لي أولًا أن أُدبِّر شئون عائلتي.
٦٢: فقال له يسوع: إذا كان الحرَّاث ينظر إلى الوراء؛ فلا يستطيع أن يحرث.
لوقا، ١٠: ٣٨: فدخل يسوع قرية، فقبلته بها امرأة اسمها مرثا، ودعته مع تلاميذه إلى بيتها.
٣٩: وكانت لها أخت اسمها مريم، وكانت جالسة عند قدمي يسوع تسمع كلامه.
٤٠: أما مارثا فكانت مرتبكة بأمر الطعام، فوقفت، وقالت ليسوع: أما يعنيك أن أختي قد تركتني وحدي أخدم؟ فقُل لها أن تساعدني.
٤١: فقال لها يسوع: مرثا مرثا! إنك مهتمة ومضطربة بأمور كثيرة، وإنما الحاجة إلى واحد.
٤٢: فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لا يُنزَع منها، فإن الحياة لا تحتاج إلا لطعام الروح.
لوقا، ٩: ٢٣: ثم قال يسوع للجميع: من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه، ويستعد في كل ساعة لاحتمال العذاب ومصائب الجسد.
٢٤: لأن من يهتم بحياة الجسد فذلك يُهلك الحياة الحقيقية، ومن يُهلك حياة الجسد بإتمامه إرادة الله؛ فذلك يخلص الحياة الحقيقية.
٢٥: لأنه ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها.
لوقا، ١٢: ١٥: وقال يسوع: احذروا المال؛ فإنه ليست حياة أحد بكثرة أمواله.
١٦: رجل غني أغلَّت له أرضه كثيرًا.
١٧ و١٨: فقال في نفسه: أهدم أهرائي وأبني أعظم منها، وأُخزِّن فيها جميع أرزاقي وخيراتي.
١٩: وأقول لنفسي: يا نفس، إن لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة؛ فاستريحي، وكلي، واشربي، وتمتَّعي.
٢٠: فقال له الله: يا جاهل! في هذه الليلة تُطلَب نفسُك منكَ، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟
٢١: هكذا يكون لكل من يُعدُّ للجسد ولا يعيش بما لله.
لوقا، ١٣: ٢: فقال لهم يسوع: تقولون: إن بيلاطس قتل الجليليِّين، فهل تظنون أنهم كانوا أكثر إثمًا من الآخرين حتى نُكِبوا بمثل ذلك؟
٣: كلا، كلا، بل إننا كلنا كذلك، ونهلك جميعًا إذا لم نجد خلاصًا من الموت.
٤: وأولئك الثمانية عشر رجلًا الذين هبط عليهم البرج وقتلهم؛ هل كانوا أشد رداءة من جميع سكان أورشليم؟!
٥: كلا، فإذا نحن لم ننجُ من الموت؛ فإننا سنهلك مثلهم، إنما غدًا وليس اليوم.
٦: وإذا لم نهلك مثلهم؛ فإنه ينبغي علينا أن نفتكر بنفوسنا بما هو آتٍ: كان لرجل تينة مغروسة في كَرْمه، فجاء يطلب فيها ثمرًا فلم يجد.
٧: فقال للكرَّام: ها إن لي ثلاث سنين آتي وأطلب ثمرًا في هذه التينة فلا أجد، فأقطعها، فلماذا تعطل الأرض؟
٨: فأجابه الكرَّام وقال: دعها هذه السنة أيضًا حتى أعزق حولها، وألقي دمالًا؛ فإن أثمرت وإلا نقطعها فيما بعد.
وهكذا ما دُمنا عائشين بالجسد ولا نعطي ثمر حياة الروح؛ فنكون كالتينة غير المثمرة، وأُبقِي علينا برحمة من له الرحمة، فإذا لم نعطِ ثمرًا فإننا سنهلك، كذلك الغني الذي أراد أن يهدم الأهراء ويبني غيرها أو كالجليليِّين الثمانين الذين هبط عليهم البرج، وكل الذين لا يعطون ثمرًا يهلكون ويموتون موتًا أبديًّا.
لوقا، ١٢: ٥٤: وفَهْم هذه الأمور لا يطلب فلسفة زائدة، فإننا نستطيع أن نميز؛ ماذا يجري في بيوتنا وفي جميع العالم أيضًا؛ لأننا إذا رأينا الهواء يهب من جهة الغرب نعلم أن المطر يأتي.
٥٥: وإذا هبت ريح الجنوب تعلمون أنه سيكون حرًّا.
٥٦: فإذا كنا نستطيع أن نميز حالة الطقس ولا نستطيع أن نُدرك ما هو أهم منه ونضعه نُصْب أعيننا، وذلك بأنه محتوم علينا جميعًا بأننا سنموت، وأن خلاصنا الوحيد هي حياة الروح وإتمام مشيئة الله.
لوقا، ١٤: ٢٥: وتبع يسوع جمعٌ غفيرٌ؛ فخاطبهم قائلًا.
٢٦: من يريد أن يكون لي تلميذًا عليه ألا يهتم بأبيه وأمه وامرأته وبنيه وإخوته وأخواته وأملاكه ونفسه أيضًا، ويكون مُستعدًّا لكل أمر.
٢٧: وإنما ذلك الذي يعمل ما أعمله ويسير حسب تعليمي يخلص من الموت.
٢٨: لأن كل من يريد أن يعمل عملًا يفتكر قبل الشروع به: هل تنجم له عنه فائدة فيعمله، وإلا فيتركه.
فإنه من منكم يريد أن يبني بيتًا ولا يجلس أولًا، ويحسب النفقة؟ وهل عنده ما يكمله به؟
٢٩: لئلا يبتدئ بالبناء ثم يعجز عن اتمامه؛ فيبتدي جميع الناظرين يسخرون منه.
٣٠: وهكذا فإن الذي يمحض نفسه لمعيشة الجسد يجب عليه أن يحسب: هل في استطاعته إتمام ما يشغله إلى النهاية.
٣١: أم أي مَلِك يخرج ليحارب ملِكًا آخر ولا يجلس أولًا ويشاور نفسه: هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف من يأتي عليه بعشرين ألفًا؟
٣٢: وإلا فيرسل سفارة وهو بعيد، ويلتمس ما هو من أمر الصلح، فكذلك كل إنسان يجب عليه قبل أن يُكرِّس نفسه لخدمة الجسد أن يفتكر: هل يستطيع أن يحارب الموت ويستظهر عليه، وإلا خير له أن يتخوف من قبل ويرجع إلى الحقيقة؟
لوقا، ١٤: ٣٣: فكذلك كل واحد منكم إذا لم يرفض جميع أمواله وأملاكه؛ فلا يستطيع أن يكون لي تلميذًا.
١٥: فلما سمع ذلك أحد المُتَّكئين قال: حسنًا تقول، ولكن كيف توجد حياة الروح؟ وكيف نستطيع أن نعطي كل شيء ولا وجود لهذه الحياة؟
١٦: فقال له يسوع: إن ما تقوله غير صحيح؛ لأن كل واحد يعرف حياة الروح، أنتم جميعًا تعلمون أن إتمام مشيئة الله يعطي الحياة، أنتم تعلمون ذلك، ولكن لا تفعلون بما تعلمون، ليس لأنكم مرتابون بذلك، كلا، بل لأنكم تبتعدون عن الحياة الحقيقية بالاهتمامات الدنيوية الكاذبة، وإليكم ماذا تعلمون: أولم رجل وليمة ودعا إليها مدعوين كثيرين؛ لكنهم امتنعوا عن الحضور.
١٨: فقال الأول: إني اشتريت أرضًا، ولا بد لي أن أخرج وأنظرها، فأسألك أن تعذرني.
١٩: وقال آخر: اشتريتُ خمسة أزواج بقر وأنا ماضٍ لأجربها.
وقال ثالث: قد تزوجت امرأة؛ فلا أستطيع أن أجئ.
٢١: فرجع العبيد وأخبروا سيدهم بأن المدعوين لا يريدون الحضور، فقال لهم: امضوا وادعوا الفقراء والمساكين، فلبَّى هؤلاء الدعوة وحضروا جميعًا.
٢٣: فقال السيد لعبيده: امضوا وادعوا أيضًا آخرين حتى يمتلئ بيتي، فإني أقول لكم: إنه لا يذوق أحد من أولئك المدعويين عشائي.
الكل يعلمون أن إتمام مشيئة الآب تهب الحياة، ولكنهم لا يُتممونها؛ لأن الاهتمام بالمال يحول بينهم وبينها.
لوقا، ١٦: ١: كان رجل غني له وكيل، فعلم الوكيل أن سيده عازم على طرده، وأنه يصبح بعد ذلك بلا مأوًى وتحلُّ به الفاقة.
٣: فافتكر في نفسه الوكيل، وقال: أصنع هكذا، أوزِّع على الفلاحين قسمًا من أموال سيدي، حتى إذا ما طردني يذكرون ما صنعته لهم فلا يتركونني.
٥: وفعل الوكيل كما افتكر، فدعا الفلاحين المديونين لسيده وغيَّر الصكوك المكتوبة عليهم.
٦: فمن كان مديونًا بمائة كتب له خمسين، والمديون بستين كتب له عشرين وهلمَّ جرًّا.
٨: فعلم بذلك السيد، وقال: إنه تصرَّف بالحكمة، ولولا ذلك لما كان أحد يقبله، نعم، إنه ألحق بي خسارة، ولكنه حوَّر الحساب بعقل، ونحن نعلم جميعًا بحسب عيشة الجسد الحساب الحقيقي الذي سنؤديه، ولا نلتفت في الوقت ذاته إلى حياة الروح.
لوقا، ١٣: لا يستطيع الإنسان أن يخدم في آن واحد سيِّدين: الله والمال، أو إرادته وإرادة الآب، فيجب أن يُكرِّس نفسه لخدمة واحد منهما.
١٤: فسمع الفريسيُّون عبدة الأموال هذا الكلام، وكانوا يسخرون به.
١٥: فقال لهم: أنتم تُزكُّون أنفسكم بأن ثروتكم تجلب لكم احترام الناس، وأنتم بالحقيقة مكرمون، ولكن الله لا ينظر إلى الخارج؛ بل إلى القلوب، والرفيع عند الناس هو رجس أمام الله.
١٦: والآن أصبح ملكوت الله على الأرض، وما أعظم الذين يدخلونه، ولكن الأغنياء لا يدخلون، بل أولئك الذين لا يملكون شيئًا، وهذه سُنة الله لا تتبدَّل ولا تتغيَّر، وكان ذلك أيضًا حسب ناموسكم وناموس موسى والأنبياء.
١٧: واسمعوا من هم الأغنياء والفقراء.
١٩: كان رجل غني يلبس البَزَّ والأرجوان ويتنعَّم كل يوم تنعُّمًا فاخرًا.
٢٠: وكان مسكين اسمه لعازر مطروحًا عند بابه مصابًا بالقروح.
٢١: وكان يشتهي أن يشبع من الفتات الذي يسقط من مائدة الغني ولم يعطِه أحد، وكانت الكلاب لا تشبع من ذلك الفتات، بل كانت تأتي وتلحس قروح ذلك المسكين لتملأ بطونها.
٢٢: فمات الاثنان لعازر والغني.
٢٣: فأبصر الغني، وهو في جهنم من بعيد، إبراهيم ولعازر المسكين جالس معه.
٢٤: فنادى الغني قائلًا: يا أبتِ إبراهيم ارحمني، وأرسل لعازر ليغمس في الماء طرف أصبعه ويبرد لساني؛ لأني مُعذَّب في هذا اللهيب.
٢٥: فقال إبراهيم: اذكر أنك نلت خيراتك في حياتك ولعازر كذلك بلاياه، والآن فهو يفرح ويتعزَّى وأنت تتعذب.
٢٦: ومع هذا كله فبيننا وبينكم هوة عظيمة قد أثبتت لا يستطيع أحد اجتيازها فنحن أحياء وأنتم موتى.
٢٧: فقال الغني: أسألك يا أبتِ إبراهيم أن ترسله إلى بيت أبي.
٢٨: فإن لي خمسة إخوة حتى يشهد لهم ويُفهمهم الأضرار التي يجرها المال حتى لا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا.
٢٩: فأجابه إبراهيم: إنهم يعلمون ما هو مضرٌّ لهم ويجلب عليهم الهلاك، وقد كلمهم بذلك موسى والأنبياء.
٣٠: فقال الغني: بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يصدقونه ويتوبون.
٣١: فقال إبراهيم: إن لم يسمعوا من موسى والأنبياء؛ فإنهم ولا إن قام واحد من الأموات يصدقونه.
مرقص، ١٠: ١٧: وجاء إلى يسوع رجل فريسيٌّ غني، وقال له: أيها المُعلم الصالح، ماذا أعمل لأنال الحياة الأبدية؟
١٨: فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحًا؟ فإن الآب وحده فقط صالح، وإذا أردت أن تنال الحياة فأتم الوصايا.
١٩: فقال الرجل: إن الوصايا كثيرة، فأيها أُتمم؟ فقال له يسوع: لا تقتل، لا تشهد بالزور، لا تسرق، لا تكذب، أكرم أباك، وسِر حسب وصاياه، وحبَّ قريبك كنفسك.
٢٠: فقال الرجل: هذه كلها حفظتها منذ صباي، وإنما أسألك أن ترشدني إلى وصايا جديدة.
٢١: فنظر إليه يسوع، ولم ينظر إلى ملابسه الفاخرة، ثم ابتسم وقال له: واحدة تنقصك، اذهب وبِع كل مالك وأعطهِ للمساكين، وإذ ذاك تُتمم مشيئة الآب.
٢٢: فاكتأب الرجل من هذا الكلام ومضى حزينًا؛ لأنه كان ذا مالٍ كثيرٍ.
٢٣: فقال يسوع لتلاميذه: انظروا كيف أنه لا يستطيع الأغنياء أن يُتمموا إرادة الله.
٢٤: فانذهل التلاميذ لما سمعوا كلامه، فكرر يسوع ذلك وقال: نعم يا أولادي، لا يستطيع ذو الأموال الكثيرة أن يدخل ملكوت الله.
٢٥: إنه لأسهل أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة من أن يُتمم غني مشيئة الآب.
٢٦: فازدادوا دهشًا قائلين فيما بينهم: من يستطيع إذن أن يخلُص؟
٢٧: فنظر إليهم يسوع، وقال: نعم، أمَّا عند الناس فلا يُستطاع، وأمَّا عند الله فليس كذلك؛ لأن كل شيء عند الله مُستطاع.
لوقا، ١٩: ١: واجتاز مرة يسوع بمدينة أريحا.
٢: وكان في هذه المدينة رجل غني اسمه زكَّا كان رئيسًا على العشَّارين.
٣: وقد سمع بتعليم المسيح وآمن به، ولما علم أنه في أريحا طلب أن يراه؛ فلم يستطع من الجمع؛ لأنه كان قصير القامة.
٤: فتقدَّم مسرعًا وصعد إلى جميزة لينظره؛ لأنه كان مزمعًا أن يجتاز بها.
٥: فلما انتهى يسوع إلى الموضع رفع طرفه فرآه، فقال له: يا زكَّا أسرع أنزل، فاليوم ينبغي لي أن أمكث في بيتك.
٦: فأسرع ونزل وقبله فرحًا.
فلما رأى الجميع ذلك تذمَّروا قائلين: إنه حلَّ عند رجل عشَّار مخادع.
٨: فوقف زكَّا، وقال ليسوع: أُعطي المساكين نصف أموالي، وإن كنت قد غبنتُ أحدًا في شيء أرده له أربعة أضعاف.
٩: فقال له يسوع: قد خلصت اليوم؛ لأنك قد كنت ميتًا فأصبحت حيًّا، وكنت ضالًّا فوجدت؛ لأنك فعلت كإبراهيم الذي عندما عزم على ذبح ابنه أظهر إيمانه.
١٠: لأنه بذلك تنحصر حياة الإنسان أن يخلص ما قد هلك في نفسه، ولا يستطيع أحد أن يقيس الذبيحة بمقياس.
مرقص، ١٢: ٤١: وجلس يسوع قُبالة الخزانة، ونظر كيف يُلقي الجميع أموالهم في الخزانة في سبيل الله، فألقى كثير من الأغنياء شيئًا كثيرًا.
٤٢: وجاءت أرملة فقيرة ووضعت فلسين.
٤٣: فدعا تلاميذه، وقال لهم: الحق أقول لكم، إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من كل الذين ألقوا في الخزانة.
٤٤: لأن الجميع ألقوا مما فضل عندهم، وأما هذه فمن عوزها ألقت كل مالها، كل معيشتها.
متَّى، ٢٦: ٦: ودخل يسوع بيت سمعان الأبرص.
٧: فدخلت البيت امرأة معها قارورة طِيب يساوي ثلاثمائة دينار، وقال يسوع لتلاميذه: إن ساعة موته قد دنت، فلما سمعت ذلك المرأة رثت لحاله، وأرادت أن تُظهر محبتها له فأفاضت الطيب على رأسه.
٨: فلما رأى التلاميذ ذلك جعلوا يقولون فيما بينهم: إنها لم تفعل حسنًا، ويهوذا الذي أسلم فيما بعد يسوع قال: لِمَ هذا الإتلاف العظيم؟
٩: فقد كان يمكن أن يُباع هذا الطيب بثلاثمائة دينار توزَّع على المساكين، وأخذ التلاميذ يؤنبون المرأة حتى جعلوها تضطرب، ولم تعرف هل فعلت حسنًا أو رديئًا.
١٠: فقال لهم يسوع: لماذا تُعنِّفون المرأة؟ فإنها قد صنعت بي صنيعًا حسنًا، وعبثًا تذكرون الآن المساكين.
١١: إذا أردتم أن تصنعوا خيرًا للمساكين فاصنعوا؛ لأنهم عندكم في كل حين، ولماذا تذكرونهم الآن؟ فإنكم إذا كنتم تُشفقون عليهم فامضوا إليهم وتصدَّقوا عليهم، أما هي فأشفقت علي وصنعت بي خيرًا؛ لأنها قدَّمت لي كل ما تملك، ولماذا تقولون: إنها صنعت قبيحًا بإفاضتها الطِّيب على رأسي؟ إنها إنما فعلت ذلك لتُعدَّ جسدي للدفن.
١٢: وهي بالحقيقة قد أتمت إرادة الآب؛ لأنها نسيت نفسها، وأشفقت على آخر، نسيت اهتمامات الجسد وتصدَّقت بكل ما تملك.
متَّى، ٢١: ٢٨: إذا كان ابن عندما يأمره أبوه يقول له: أسمع وأطيع، ولكنه لا يفعل ما يطلب منه أبوه.
٢٩: وإذا كان ابنه الثاني يقول له: لا أريد أن أسمع وأُطيع، ولكنه يذهب بعد ذلك ويتمم إرادة أبيه، فالثاني هو أفضل من الأول، وهكذا يجري بين الناس؛ لأنه لا يدخل ملكوت الله من يقول: أنا طائع لله وأتمم وصاياه، بل الذي يفعل ما يأمر به الله.