من أجل افتعال بعض الضحك
أشهد أنني لم أرَ إلا جزءًا من مسرحية مدرسة المشاغبين المشهورة عُرِض بالصدفة في التليفزيون، ولقد أذهلني ما رأيته، ذلك أنني وجدت أن كثيرًا من الفساد الذي أخذ يستشري في مدارسنا الثانوية بالذات — حتى العسكرية منها — وكثيرًا من الألفاظ التي أخذت تنسال على ألسنة الطلبة، وكثيرًا من الاعتداءات التي تحدث للمدرسين، كثيرًا جدًّا من هذا كله كان مصدره هذه المسرحية التي قال لي مقتبسها علي سالم وصاحب فرقتها سمير خفاجة إن الزمام قد أفلت بطول عرض المسرحية من النص، حتى أصبح كل ممثل واجتهاده في إضافة ما شاء له من حركات وكلمات وبذاءات الْتقَطَها شبابُنا الغضُّ بمنتهى الحذق والبراعة، وراحوا هم الآخرون يقلدونهم أو يُضيفون إليها من عندهم، حتى وصل الحال ببعض مدارسنا الثانوية أن الحشيش أصبح يُدخَّن فيها علنًا في بعض الفصول النائية، بل ونشطت فيها تجارة حبوب الهلوسة والانسطال، وأن الفصول في بعض الأحيان تتحوَّل إلى فصول يصبح فيها الفصل المشاغب في مدرسة المشاغبين نعمةً من نِعَم الله. أهكذا تتحول مسرحية في أصلها تعتبر قمة تربوية عالية؟
لم أكن في الحقيقة أتصور أن يكون للمسرح ووسائل الإعلام كلُّ هذا الأثر المدمِّر إذا عرضنا ما يدمر، ولكني بدأت أُومن أننا ما كان يجب أن نسمح بدخول الشباب الصغير هذه المسرحية بالذات وغيرها، ما دام معظم تلك المسرحيات قد تحوَّل إلى ما يشبه الكباريهات وإصلاحيات الأحداث والسجون.
إننا في أكثر بلاد العالم تقدُّمًا و«انحلالًا»، ما زلنا نقرأ «ممنوع» لأقل من ١٦ سنة؛ ذلك لأنهم يدركون أنه وإنْ فسد حتى الجيل الكبير الحاضر، فالكارثة أن يفسد الجيل الجديد القادم، ومن الواجب بل من المحتَّم أن نمنع عن هذا الجيل الذي لم يمتلك بعد كل أدوات عقله وإدراكه وضميره؛ أن نمنع عنه هذه السموم الأخلاقية والتربوية لأن الأثر عليه يكون مُضاعَفًا ورهيبًا، والنتيجة تكون كارثة؛ فساد المستقبل تمامًا؛ فالصحة ليست معدية، إنما المرض هو المعدي، وأن يمرض بيت أو شاب من بيت أو حي أو مدينة بأكملها شيء، أما أن يمرض المجتمع ونُمرِضه نحن بأيدينا فمسألة لا أعرف كيف تمَّت وكيف لا تزال تتمُّ أمام أعيننا وكأننا لا نراها ولا ندرك بلواها.
فَلْيندثر أو فَلْيتحلَّل الجيل الحالي إذا أراد، أمَّا المستقبل فَلْننقذه الآن وبكلِّ ما نملك.