اسمحوا لي أن أسأل
أعتقد أن من حقي كمواطن أن أسأل، فإذا كنت أنا الذي أدفع فمن حقي، بل في المجتمعات الحديثة من واجبي، أن أسأل. والمشكلة أني لست أدري إلى من أوجه السؤال؛ فالناس مثلي الذين لا يتمتعون إلا بالمعلومات العامة عن الاقتصاد أعتقد أنهم أصبحوا في حيرة؛ فزمان كان السؤال يوجَّه إلى وزير المالية أو الخزانة ذلك أن أمور الاقتصاد كلها كانت تُديرها وزارة المالية، وكان وزير المالية هو العقل المفكر والمنفِّذ لكل ما يتعلق بأمور الاقتصاد والنقود في بلادنا. الآن أصبحت هناك وزارات للاقتصاد وللخزانة وللتجارة الخارجية وللتجارة والصناعة حتى لقد أصبح الأمر أمر «مجموعة» اقتصادية لا تعرف — إذا كنت مثلي — إلى مَن بالضبط تُوجِّه سؤالًا بسيطًا كالسؤال الذي أريد توجيهه. والسؤال يتعلق بثلاثة وأربعين جنيهًا وعشرين قرشًا أصبحت أدفعها زيادة في ثمن السجائر التي أدخنها كل عام. فمنذ بضعة شهور زاد سعر علبة السجائر التي أُدخنها فجأة ستة قروش مرة واحدة، ولأني أدخن علبتين في اليوم فقد أصبح عليَّ أن أدفع اثني عشر قرشًا زائدة في اليوم؛ أي ذلك المبلغ الذي ذكرته في العام. هذه الزيادة في أسعار السجائر قررتها وزارة الخزانة أو الاقتصاد أو التجارة لا أعرف ولكن ما أعرفه أنني أدفعها. والسؤال هو: لمن أدفع هذه الزيادة؟ ومَن الجهاز الذي يُحصِّلها؟ وهل هذه النقود تذهب لخزانة الدولة أم هي تذهب إلى جيب تجَّار السجائر المحلية والمستوردة؟ إذ ما دامت شركات السجائر — الأجنبية على الأقل — لم ترفع سعرها الأساسي في زيادة في ثمنها ستذهب: إما مكسبًا زائدًا للشركة المنتجة أو المستوردة أو ستأخذها الحكومة لنفسها. ولأن رفع الأسعار، أو على حد التعبير الجديد، تحريك الأسعار قالت الحكومة في تبريرها له أنه قرار اتُّخذ لمصلحة الاقتصاد القومي، وبما أني حريص تمامًا كأي مواطن صالح على الاقتصاد القومي وعلى تنمية موارد الدولة فأعتقد أن لي الحق أن أسأل على الأقل الجهة التي رفعت الأسعار، عن مصير هذه الزيادة في السعر، وإذا كانت تذهب للخزانة العامة، فكيف تذهب، وكيف تُحصَّل، وهل هناك جهاز يقوم فعلًا بمهمة تحصيل هذه الزيادات التي طرأت على الأسعار وتوريدها لخزينة الدولة، أم أن الزيادة كانت لمصلحة تجار السجائر وغيرها من السلع التي لا تحتكرها الدولة.
إنني أقلب علبة السجائر بين يدي فلا أجد أنها تحمل ختم الجمارك والذي بواسطته وحده يمكن أن تُحصي الحكومة كمية السجائر المبيعة وبالتالي كم الجمارك المستحقة عليها، فكيف تتولى الحكومة هذا الحصر ما دام المستورد يستطيع أن يبيع ما يشاء من كميات ويحاسب الجمارك على ما يشاء؟ كيف تتم عملية الضبط أو الانضباط هذه والدليل الوحيد عليها — علامة الجمرك — غير موجود، بل ولا حتى ذلك الشعار الذي تشترطه كل وزارات الصحة في العالم وتُجبر الشركات على الكتابة على كل علبة: التدخين قد يكون ضارًّا بصحتك.
هذا هو السؤال.
فقد واتاني ليلة الأمس كابوس أن يكون مبلغ الأربعين جنيهًا والزيادة التي أدفعها — وهي بمثابة ضريبة شراء باهظة جدًّا — تذهب ليس إلى خزانة الدولة كما تصوَّرنا جميعًا وإنما إلى جيوب التجار والمستوردين. بل وتأكد لي الكابوس حين قلبت العلبة أمام ناظري ولم أجد دليلًا واحدًا يدل على أنها مرت من جمرك ما أو كانت هدفًا لأي حصر أو إحصاء. وأني، ومعي ملايين المواطنين، ننتظر الجواب.