شكرًا يا دكتور ولكن …
اطَّلعت باهتمام بالغ على كلمتك التي نشرتها جريدة الأهرام بعددها الصادر في ٢٢ / ٢ / ١٩٨٠م تحت عنوان «اسمحوا لي أن أسأل» والتي تساءلتم فيها بشأن الزيادة في أسعار السجائر الأجنبية عن كيفية تحصيلها ولمن تُدفع وإلى أين تذهب، وضمانات تحصيلها، وعدم تسربها إلى جيوب التجار، وعن وجود كثير من علب السجائر الأجنبية بدون علامة الجمرك الدالة على سداد الرسوم الجمركية عليها.
وقد اطَّلعت كذلك على كلمتك التي نشرتها جريدة الأهرام بعددها الصادر في ٢٩ / ٢ / ١٩٨٠م تحت عنوان «السؤال إجباري» والذي تُبدي فيها دهشتك لعدم الرد على النقاط السابق الإشارة إليها.
وأودُّ في البداية أن أؤكد لك أنني أبادر دائمًا بالرد على كل ما يُنشر في الصحف وليس فقط ما يتعلق بعلاوة الغلاء أو عدم صرف معاش على حدِّ ما جاء في مقالك.
وإنني إذ أعترف أن ردِّي على مقالك الأول قد تأخر أسبوعًا كاملًا إلا أن ذلك كان لأسباب خارجة عن إرادتي حيث كنت بالإسكندرية في بداية الأسبوع الماضي للمشاركة في أعمال المؤتمر الضريبي الذي نظَّمته جامعة الإسكندرية كما كنت يوم الثلاثاء في اجتماع اللجنة الوزارية للخطة والإنتاج، ويوم الخميس في اجتماع الحزب الوطني الديمقراطي.
- أولًا: لقد صدرت القرارات المتعلقة بفرض رسم إنتاج على السجائر المحلية بواقع ٣٠ مليمًا للعلبة ٢٠ سيجارة وزيادة رسم الاستهلاك المقرر على السجائر المستوردة بواقع ٦٠ مليمًا على أن تسري هذه الزيادة اعتبارًا من ١٥ / ١٢ / ١٩٧٩م.
- ثانيًا: تقوم مصلحة الضرائب على الإنتاج والأعمال التابعة لوزارة المالية بتحصيل الرسم المفروض على السجاير المحلية من المنبع لدى شركات القطاع العام المنتجة، ولا يوجد أي تهرب في هذا المجال.
- ثالثًا: تقوم مصلحة الجمارك بلصق طابع البندرول الدال على سداد رسم الاستهلاك على السجائر الأجنبية عند دخولها في مختلف مواني الجمهورية.
- رابعًا: إن حصيلة هذه الزيادة تذهب إلى الخزانة العامة للدولة باعتبارها أحد الموارد السيادية لها.
- خامسًا: إن نسبة المستهلك من السجاير الأجنبية مقارنة بالمستهلك من السجائر المحلية لا تتعدى ٥٪.
- سادسًا: إن ما يظهر بالسوق المحلية من سجائر أجنبية لا تحمل
طابع البندرول الدال على سداد الرسوم الجمركية هو
نتيجة بيع بعض القادمين من الخارج للسجائر الواردة
معهم مستغلين في ذلك الإعفاء الذي يتمتعون به، كما أن
بعض الهيئات المتمتعة بالإعفاء الجمركي بنص القانون
تبيع أيضًا ما لديها من سجائر أجنبية في الأسواق،
وإزاء ذلك فقد اتخذت وزارة المالية من الإجراءات
والتدابير ما يحكم قبضة الجمارك على كلِّ ما يتسرب إلى
السوق من بضائع دون سداد الرسوم الجمركية عليها، وعلى
سبيل المثال:
- (أ) قانون ترشيد الإعفاءات الجمركية التي تتخذ الوزارة إجراءات استصداره الآن.
- (ب) قانون بتحريم التهرب الجمركي الذي أعدَّته الوزارة ووافق عليه مجلس الشعب وسيصدر خلال الأيام القليلة القادمة، وهو يعطي لأول مرة الحق لرجال الجمارك في تتبع البضائع الأجنبية المهربة بقصد الإتجار خارج المناطق والدوائر الجمركية.
هذا ولا يفوتني أن أنوِّه عما اتُّخذ بشأن المخزون من السجائر الأجنبية لدى التجار فور صدور قرار فرض الزيادة سالفة الذكر. فلقد أصدرت توجيهات — صباح يوم الجمعة ١٤ / ١٢ / ١٩٧٩م بالتنسيق مع زميلي السيد وزير التموين والتجارة الداخلية إلى مصلحة الضرائب على الإنتاج والأعمال، وهي المعنية بتحصيل هذه الرسوم، وإدارة مباحث التموين وإدارة مكافحة التهرب الضريبي للتنسيق واتخاذ كافة الإجراءات التحصيل هذه الزيادة على السجائر الأجنبية الموجودة والمخزنة بالسوق المحلية في ١٥ / ١٢ / ١٩٧٩م حتى لا تثري فئة قليلة من التجار نتيجة صدور قرار بهذه الزيادة، وقد تم تشكيل حملات مشتركة انتقلت على أثرها كافة قيادات مصلحة الضرائب على الإنتاج والأعمال إلى مختلف محافظات الجمهورية حيث بدأت عملها اعتبارًا من الساعة السابعة صباح السبت ١٥ / ١٢ / ١٩٧٩م واستمرت هذه الحملة لمدة ثلاثة أيام مما أسفر عن تحصيل ٢٦٥ و٣٠٢ جنيه كرسوم استهلاك على السجائر الأجنبية المستوردة من الخارج، ولقد أعلنت الصحف اليومية النتائج التي توصلت إليها هذه الحملة في حينه على جماهير المواطنين لما لذلك من أثر يرتبط أساسًا بمكافحة الحكومة لمحاولات الإثراء غير المشروع على حساب الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين.
وفي النهاية نود أن نطمئنكم بأن الوزارة لا تدخر جهدًا في مكافحة التهرب بكافة صوره وأشكاله مستخدمة في ذلك كافة الطرق والتدابير القانونية وصولًا إلى القضاء على هذه الظاهرة، وتحقيقًا للعدالة الاجتماعية.
وفقنا الله جميعًا إلى ما فيه الخير للوطن والمواطنين.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
أسعدني أن أتلقى هذا الرد من الدكتور علي لطفي وزير المالية فور صدور مفكرة العدد الماضي، وإني إذ أبادر بشكر الدكتور علي لطفي لأسجل هنا أنه فعلًا كان عند حسن ظني وقد سما؛ فهكذا يبدو لنا من خلال أحاديثه شجاعًا ومحل ثقة. بل إني لأقول بصراحة إنه لولا رأيي هذا فيه، ولو كان الرد من غيره لما اطمأن قلبي، ذلك أن المعروف على المستوى الشعبي أن نسبة من الزيادة الأخيرة في أسعار السجائر، وفي حالة المستورد قرشان على وجه التحديد عن كل علبة تذهب إلى التاجر والمستورد، ولكن ما دام علي لطفي بالذات قد ذكر أن الزيادة كلها تذهب إلى الخزانة العامة فيكون الموضوع فعلًا قد انتهى.
أما الذي لم ينتهِ ولا يمكن أن ينتهي فهو الرقم الغريب الذي أورده السيد وزير المالية في الفقرة الخامسة من هذا الرد والتي تقول إن نسبة المستهلك من السجائر الأجنبية مقارنة بالمستهلك من السجائر المحلية لا تتعدى ٥٪. ذلك الرقم أؤكد أن السيد وزير المالية نفسه لا يمكن أن يُسلِّم به، فما يعرفه أي تاجر أو متعامل في السوق أن السجائر الأجنبية لا تقل عن ٨٠ أو ٧٥٪ من كم السجائر المتداولة والموجودة في السوق. وإذا كانت النسبة المسدد عنها الجمارك تشكل ٥٪ فقط فمعنى هذا أن ٧٠ أو ٧٥ بالمائة من السجائر الأجنبية المطروحة في السوق والمتداولة لا تسدد عنها الرسوم الجمركية.
وواضح تمامًا أن نسبة كبيرة كهذه لا يمكن أن يبررها أن هناك بعض السفارات يبيع موظفوها حصتهم من السجائر المعفاة من الجمارك أو أنها نتيجة بيع بعض القادمين من الخارج لما معهم من سجائر.
واضح تمامًا أن هناك مصدرًا هائلًا يملأ السوق بسجائر أجنبية غير مسدد عنها رسومها الجمركية، هذا المصدر الهائل لا يمكن إلا أن يكون مصدرًا يملك إمكانيات وطاقات وكميات أبدًا لا تتوفر إلا لجهة واحدة، هي المستورد أيًّا كان اسمه ومهما علا شأنه.
ولذلك فالمطلوب ليس فقط الإمساك ببعض البائعين المساكين ضحايا المعلمين الكبار، ولكن المطلوب ليس من وزارة المالية هذه المرة ومفتشيها، مع احترامي الكامل لجهودهم، المطلوب من وزارة الداخلية من أجهزة المباحث تلك التي تنصب الكمائن المغوارة لضبط موظف يتقاضى رشوة خمسين أو مائة جنيه أن تتبع هذه الخيوط الواضحة تمامًا لكل ذي عينين، ومن البائع الصغير إلى التاجر الأكبر إلى رءوس الأفاعي أولئك الذين لا يدفعون فقط ضرائبهم ويتهربون منها بشتى الحيل، ولكن أولئك الذين يشاركون الدولة نفسها في فرضها للضرائب ويدفعون للسوق بكميات هائلة من السجائر دون البندرول أو تسديد الزيادة المهولة لخزينة الدولة.
إني لا أُلقي التهم جزافًا ولست جهاز ضبط أو اتهام، ولكني مواطن يرى ويسمع ولديه الحد الأدنى من القدرة على الاستنتاج، وإني لأهيب بالدكتور علي لطفي، ذلك الذي أتوسَّم فيه الجرأة في الحق والشجاعة حيث ينكص الجبناء، أن يذهب بنفسه كأي مواطن إلى محل لبيع السجائر، أي محل في أي مكان من مصر، وبنظرة منه يرى بنفسه كمَّ السجائر الأجنبية وكمَّ السجائر المحلية، إذ معنى الرقم الذي ذكره في البند الخامس أن المحل لا بد يحتوي على خمس وتسعين علبة سجائر محلية مقابل خمس علب سجائر مستوردة أنا ضامن مائة في المائة هذه المرة أنه لن يجد الأمر هكذا أبدًا، وأنه ربما يجد العكس تمامًا، وبأبسط سؤال ممكن أن يعرف من البائع من أين جاءته مئات العلب التي يحفل بها محله، وبأبسط سؤال إلى الجهة التي اشترى منها البائع، ممكن أن يصل إلى الأكبر فالأكبر فالمصدر الأساسي الذي يهرب السجائر إلى السوق ويتهرب من الجمرك، والمسألة ليست في حاجة إلى نصب كمائن أو دس أجهزة تسجيل.
إنها مئات الملايين من الجنيهات لا تضيع على خزانة الدولة فقط، ولكنها تُستقطع من قوت الشعب وعرقه لتذهب إلى جيوب عامرة بالنقود وربما عامرة بالنفوذ أيضًا؛ ولهذا فهي للآن لم تُضبَط، بل إن الأمر لم يكن بحاجة إلى قانون جديد لتجريم التهرب الجمركي، فما أكثر القوانين التي يحفل بها قانون العقوبات لدينا. يخيل إليَّ في أحيان أننا أكثر بلاد العالم في عدد القوانين وربما نحن لأجل هذا أقل بلاد العالم احترامًا للقانون. لم يكن الأمر بحاجة إلى قانون جديد يطبق على مئات المهربين الصغار نحن في حاجة أولًا إلى ضبط المهربين الكبار وتكفي حتى العقوبات الموجودة بالقانون الحالي، المشكلة هي في الضبط؛ فالمضبوطون دائمًا في كل تهريب سواء أكان تهريب مخدرات أم بضائع هم «الكادحون» من المهربين بينما الكبار لم أسمع عن أيٍّ منهم قد ضُبط.
في النهاية لا يسعني إلا إزجاء تحيتي وتقديري لجهود الدكتور علي لطفي، وبقيت في جعبتي تحية أزجيها للسيد اللواء نبوي إسماعيل حين يضبط بعض مهربي الملايين وهم أيضًا «بلابيص» كما قال عن بعض الصحفيين في مجلس الشعب.
وأعتقد أن الدكتور علي لطفي سيضم حينئذٍ صوته إلى صوتي في إزجاء شكرنا وتحيتنا وتقديرنا للسيد وزير الداخلية.