ماذا نفعل بياميت؟
أنا ضد أن نضرب بمِعول واحد في أنقاض «ياميت» لإحيائها. فلنتركها كما تركها الإسرائيليون، ذكرى لمعنى أن يحتل أجنبي أرضنا؛ إذ هو لا يحتلها كما يتصور بعض الحمقى ليعمرها، وإنما هو يحتلها ليخربها. إن الاحتلال كشمشون الجبار، إما أن يكون المعبد له وحده، لا يشاركه فيه أحد، وإما أن يهدمه، لا عليه وإنما على أصدقائه وأعدائه فقط.
وقد هدمت القوات الإسرائيلية ياميت على سيناء فما دامت قد أصبحت بالجلاء عنها مصرية، فلتنهدم على مصريتها.
فلنترك الأنقاض، تمثالًا حيًّا لطاقة العدوان حين لا تجد لها متنفَّسًا سوى المباني تخربها، والأشجار تقتلعها، والخضرة تحرقها.
كثيرًا ما سمعنا عن إسرائيل القطعة من أوروبا التي غُرست في شرقنا العربي المتخلف، إسرائيل الحضارة والديمقراطية والاشتراكية، إسرائيل التي طالما عايرونا بديمقراطيتها وطالما حدَّثونا عن روعة فرقها السيمفونية وعظمة علومها ومستشفياتها ورقي إنسانها.
إني لأعجب لشعب بهذا الرقي أن يملك هذا الكم من الطاقات المخرِّبة والعدوانية.
إني أعتقد أن هذه الطاقة العدوانية كانت موجَّهة ضد فكرة السلام نفسها. وكأن النفوس حين تهجع، والإنسان حين يرتد إلى طبيعته السمحة يصبح عدوًّا من أعداء هؤلاء المهووسين بالعنف ومنطق القوة. ولهم الحق.
فالسلام عدو العدوان والذين يحتوون داخل صدورهم على كل تلك الطاقة العدوانية يكرهون بالضرورة فكرة السلام نفسها لأن السلام هو الكفيل «بقتل» تلك الطاقة. هو الكفيل بإعادتهم بشرًا سويًّا.
وهكذا بينما نحن فرحون حقيقة بالسلام لأنه امتداد لطبيعتنا السمحة فهناك الكثيرون على الجانب الآخر ضيقون به.
وأطلال ياميت خير شاهد.
فلنتركها لتذكرنا دائمًا بأيام الحقد الأسود، ولتجعلنا نحذر أن تستيقظ هذه الطاقة المدمرة من جديد.
أو على الأقل فلنبنِ نحن نصفها لندلل على نوايانا.
ولنُبقِ النصف الآخر كما أبقت اليابان جزءًا من هيروشيما المدمَّرة نُصبًا تذكاريًّا لطاقة العدوان الذرية.
فكم كنتُ أودُّ لو تصرفت القوات الإسرائيلية تصرفًا حضاريًّا ووازنت بعقل لا غلَّ فيه بين المرارة الناتجة عن الجلاء أو الإجلاء، وبين المعنى اللاإنساني الذي تتركه مذبحة الأشجار والنباتات والبيوت.
ولكن، هل الأشجار والبيوت أغلى من المعابد والمساجد؟