رسالة دامسْطيوس في السياسة
توطئة
(١) رسالة دامسطيوس وزير اليان وهو يوليانوس الملك في السياسة (نقل ابن زرعة من اللغة السريانيَّة) (٩٧)
فأقول إن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان أكمل الحيوان، وأتمَّهُ وجعل فيه قوًى ثلاثًا: القوة الغاذية ويسميها قوم الشهوانية، ويسميها آخرون النباتية، والقوة الحيوانية، والقوة الناطقة المميِّزة؛ لأنَّ الإنسان يشارك بالقوة الغاذية النبات إذ كان في النبات قوةٌ جاذبة يجذب بها غذاءه بعروقه من الأرض، وقوة ماسكة يمسك بها الغذاء ويمنعه من أن يجري منه ويسيل، وقوة مغيِّرة تغيره وتشتبهُ به، وقوَّة دافعة تدفع عنه ما فضل عن غذائه. ويشارك البهائم في القوة الحيوانية أعني في الحركة الإرادية والغضب والحس والتنفُّس، فإنَّ هذه المعاني مشتركة للإنسان ولسائر الحيوان، وإن كانت كلها ليست موجودة في كل حيٍّ. وهو له القوة الناطقة التي بها يكون الفكر والفهم وتمييز الأشياء والتماس الفضائل والتقى، فينفصل سائر ما في العالم من (٩٨) الحيوان.
ولأن الله تبارك وتعالى خلق حس اللمس في الإنسان قويًّا، جعلهُ به يَفْضل على سائر الحيوان، وجعل الحلد (الجلد) منهُ الذي به يحس ملتقاهُ من خارج رقيقًا لطيفًا معرًّى من الشعر المتكاثف، ومن الصوف والريش ومن الوَبر والقشور والأصداف التي توجد في الحيوان، فلعدم هذه الأشياء يحتاج الإنسان مع الغذاء إلى اللباس ولهذه الأشياء بأعيانها التي لها احتياج إلى اللباس والغذاء، وبسبب الصيانة أيضًا والتحصين احتاج إلى المساكن، فالإنسان مضطر إلى الغذاء لما يستفرغ من بدنه ومضطر إلى اللباس؛ لأنَّ بدنهُ معرًّى من جُنَّةٍ توقِّيهِ ومن كل ما يدفع المضار الواردة عليه، فهو يحتاج إلى المنزل ليصونهُ من الحرِّ والبرد ويحوطهُ من الآفات. ويحتاج إلى العلاج ليغير الكيفيَّات التي به ولما ينالهُ من تفرُّق الاتِّصال.
وكذلك احتاج إلى الصنائع والعلوم التي بها يعلم هذه الأشياء، ولأن الإنسان الواحد ليس يمكنه أن يعمل الأشياء (١٠٠) كلَّها احتاج بعض الناس إلى بعض، ولحاجة بعضهم إلى بعض اجتمع الكثير منهم في موضوع واحد، وعاون بعضهم بعضًا في المعاملات والأخذ والعطاء، واتَّخذوا المدن لينال بعضهم من بعض المنافع من قرب؛ لأن الله جلَّ وعزَّ خلق الإنسان بالطبع يميل إلى الاجتماع والأُنس، إذ ليس يكتفي الواحد من الناس بنفسه في الأشياء كلها. ولمَّا اجتمع الناس في المدن وتعاملوا وكانت مذاهبهم في التناصُف والتظالم مختلفة، وضع الله جل وعز سُنَنًا وفرائض يرجعون إليها ويقفون عندها ونصب لهم حكامًا يحفظون السنن، ويأخذونهم باستعمالها لتنتظم أمورهم ويجتمع شملهم، ويزول عنهم التظالم والبعد عما يُبدِّد شملهم ويفسد أحوالهم.
•••
ولما كان الشر يدخل على الإنسان؛ إمَّا في نفسه وإما في أهل مدينته وإما من أهل مدينة أخرى، جعل الله جل وعز له ما ينحفظ به من وقوع الشر، وما ينفعه ويداويه إذا وقع في شر. فلمَّا كان الإنسان محتاجًا إلى الغذاء للسبب الذي قدَّمنا ذكره، وإلى التناسل خلق الله عزَّ وجلَّ فيه شهوة هذين، وقرن بهما لذَّةً قوية عجيبة ليضطرَّه إلى استعمالها. وخلق فيه القوَّة المميزة ليُفدد (ليفرز) بها ما يحتاج إليه من هذين، فيستعملهُ (١٠١) ولا يتبع شهوته في طلب اللذَّات فيخرج عن حد الإنسانية ويصير في عداد البهائم.
وخلق فيه قوَّة ثالثة وهي قوة الغضب؛ لتستعين بها القوة المميِّزة على ضبط الشهوة وقهرها. فبينٌ أن (في) الإنسان شيئًا هو بمنزلة الرئيس، وهذه القوَّة المميِّزة التي تضع الأمور مواضعها، وبها وحدها يستحق الإنسان أن يسمَّى عاقلًا مميزًا، وصار يفضل سائر ما في العالم من الحيوان. وفيه أيضًا شيء ما من صبط (ضبط) وهو القوَّة الغضبيَّة والشهوانيَّة، فإن الإنسان إذا كان على الحال المحمودة، فإنه يضبط نفسه بعقله عن اتباع لذَّاته، ويمتنع من أن يغضب إلَّا في وقت يوجب الغضب، ولا يستعمل منهُ إلَّا بمقدار ما تدعو الحاجة.
فالشر يدخل على الإنسان من نفسه إذا قهرت القوَّةُ الشهوانية منه القوة المميزة، ولم تقدر المميزة على ضبطها، ومن صار إلى هذه الحال لم يكن بينه وبين البهائم فرق وكان إنسانًا بالاسم فقط لا بالحقيقة، ووجب تجنُّبُهُ والحذر منه أو تقويمه وإصلاحه، ويتهيأ للإنسان أن ينحفظ من وقوعه في الشر متى تأمَّل نفسه فضلَ تأمل، وعلم أنه مركب من شيئين: من نفس ناطقة عاقلة مميزة مُؤْثرة للخير، مُحبَّة للفضائل، مائلة إلى التقى والنسك، مشتهية للنظر في العلوم (١٠٢) واستنباط الصنائع، ومن بدنٍ أرضيٍّ متحلل فاسد شديد التغير والاستحالة، مطالب بالانهماك في الشهوات والتلذُّذ للأسباب التي وصفنا. وعلم أنَّ البدن آلة للنفس، وإنَّه إنما هو إنسان من جهة النفس لا من جهة البدن، فمال إلى أشرف جزأيْهِ وغلبهُ على أبخسهما وجعله المدبِّر له والآمر والناهي عليه، كما خلقه الله عز وجل ولم يطلق لبدنه من اللذَّات التي يطالب بها إلَّا ما يحتاج إليه لقوامه فقط، فإنه متى فكَّر في هذه الأشياء وعرف فضلها منعه ذلك من الوقوع فيما يؤثمه ويجعله شريرًا. فإمَّا طريق إصلاح الإنسان لنفسه ومداراتها واستنقاذها ممَّا وقعت فيه من الشرور، فيكون بمفارقة الأفعال الرديئة ومجانبتها والتوبة، واستعمال ضد الحال التي كان عليها.
فأمَّا الشرور التي تدخل على بعض أهل المدينة من بعض، فتُحفظ بالتمسُّك بالشرائع والسنن التي وُضعت لهم وترك محالفه (مخالفة) شيء منها وإصلاحها ومداواتها، وتكون بالتأديب والعقوبة التي توجبها الشرائع على من خالفها وتعدَّاها.
وأمَّا الشرور التي تنال أهل المدينة من أهل مدينة غيرها، فإنَّ التحفُّظ منها بالتحصين بالأسوار والخنادق والحرَّاس، ودفعُها إذا وقعت (١٠٣) يكون بالمحاربة والقتال. فقد تبين فضل الملوك وأن الناس يضطرون إلى تدبير وسياسة وأمر ونهي، وأن المتوليين (المتولِّين) لذلك منهم ينبغي أن يكونوا أفضلهم. فإنَّ من نهى عن شيء وأمر بشيء، فالواجب لن يظهر استعمال ذلك في نفسه أوَّلًا ثمَّ في غيره.
ويبين أيضًا مع ذلك أنه لا يكمل لسياسة أهل مدينته إلَّا من كمل لسياسة أهل بيته ولسياسة نفسهِ، وإن كان المستحق للانفراد بالرئاسة والسياسة ينبغي أن يكون أفضل أهل زمانه، وأن يكون لمن يرأسه ويسوسه بمنزلة الوالد الشفيق، متفقدًا لما صَغُر وكَبُر من (١٠٤) أمور رعيَّتهِ غير متشاغل بشيء عن ما حصَّنها وجمع شملها وتب (ورتَّب؟) العدل والإنصاف فيها، ودفع الضرر عنها بكل ما يجد إليه السبيل. ولم نَرَ يكمل لذلك إلا من اجتمعت فيه الفضائل، وإنما تجتمع الفضائل في من كان مطبوعًا على قبلوها، فإنه ليس كل طبع مؤاتيًا لقبول الفضائل ولا كل نفس بصيرة بالجميل. وذلك أنَّ الناس على ثلاث طبقات؛ فمنهم من يتنبَّه على فعل الجميل، وإتيان الحق من تلقاء نفسه وهذا أفضلهم، ومنهم من لا يتنبَّه على ذلك من تلقاء نفسه إلَّا إذا نُبِّه عليه سمِعهُ وأسرع إلى قبوله. ومنهم من لا يتنبَّه عليه ولا يقبله متى سمعه من غيره وهذا شر الناس. ومن كان كذلك فلا يجب أن يقلَّد تدبيرًا ولا سياسة، ولا يكون إلا في عداد من يُقمع ويكف شره عن غيره بالتخويف والترهيب وتغليظ العقوبة.
ومن سعادة أهل الزمان أن رأسهم ومتقلد سياستهم وتدبير أمورهم الملك الجليل الذي قد اجتمعت فيه الخصال الموجبة للمُلك، من مؤاتاة الطبع لقبول الفضائل واستعمالها في مواضعها وإظهارها في نفسه أولًا، ثم في سائر أهل مملكته شريفها ودنيئها، عالمها وجاهلها، غنيها وفقيرها، بعيدها (١٠٥) وقريبها، كل واحد منهم على حسب ما توجبهُ طبقتهُ حتَّى قد خضعت له الأمم، وانقادت له الممالك، وبَخع له الأعداء، وذلَّت له السادة ورضي برئاسته الملوك. فقد سكنت الحروب وائتلفت القلوب، وانطفت بسطوته وإفراط هيبته نار الشرور وكسد الجهل، وقامت سُوق العلم واتَّضحت السبل، وانبسطت التجارات وكثر الخصب ورخصت الأسعار وانتشر العدل واستقامت الأمور، وزال الخوف واتَّفقت الآراء وبطل الاختلاف. فليس يوجد محارب ولا معتدٍ ولا متخطٍّ طورَهُ، كلٌّ قد لزم طبقته ووقف في ظلِّه، وعرف مقداره. فالرئيس يأمر وينهي والمرءوس يسمع ويُطيع، وإنما التام (التأَمَ) ذلك كله بتيقُّظ الملك واستفراغه وَسْعه، واستعمال همَّته في اسساب (استتباب) سياسته، وتدبير رعيَّته، ومراعاته أسبابها فهو بذلك منصف لها من نفسه ومُنْتَصِف لبعضها من بعض ودافع الشرور عنها.
وإذ قد انتهيتُ إلى هذا من القول، فأنا ممتثل ما أمر به الملك من وصف ما ينبغي أن يكون في الملِك من الخصال التي يستحق بها أن يكون ملكًا (١٠٦) ويزول عنهُ بها اسم التغلُّب والقهر. فقد تبين بما وصفنا آنفًا أنَّ الناس إنما احتاجوا إلى رئيس ومدبِّر وملك ليدفع عنهم الأذى الواقع على بعضهم من بعض؛ حتى يقصد كل واحد منهم الصناعة التي انتحلها لمصلحة نفسه ومصلحة غيره، ممَّن يحتاج إليها فلا يعوقه عنها عائق؛ فيتم بذلك تعامرهم وترازُقهم وتعاضدهم وترافدهم وتعاونهم على مصلحة عيشتهم واستقامة أمورهم، ويصيرون كالأعضاء الكثيرة المختلفة التي تخدم بعضها بعضًا لتمام بدنٍ واحد صحيح سليم. فواجبٌ من ذلك أن يكون المتقلَّد لسياستهم معرَّى من الشره قاهرًا للذَّاته لا يطلق لنفسه منها إلَّا ما كان به قوام بدنه، فإنَّ من قهرته لذاته فهو عبدٌ لها ومن كان عبدًا فليس له بالحقيقة مُلك.
وأن يكون غير محبٍّ لجمع المال إلَّا من الوجوه التي تعود بالنفع على الرعيَّة. ويكون حاذقًا بجمعه من وجوهه وإنفاقه في وجوهه، غير مفرطٍ ولا مقتر ولا متجاوز حدود ما هذه سبيله، غير باسط ليده إلى شيء من مال العامَّة. وأما مالُه فينبغي أن يكون مبذولًا يتقدَّم سائر الناس السماحة (بالسماحة) والسخاء، ويمنع نفسه أولًا ثم (١٠٧) رعيَّتهُ من استعمال الآلات والأواني المتَّخذة من الجواهر التي جُعِلت قيمة الأشياء أعني الفضة والذهب اللذين يتعامل بهما الناس، ويقومان لمن يكونان عنده مقام كل ما يحتاج إليه؛ لأن ذلك يؤدي إلى غلاء الأشياء وعَوَزها.
وأن يكون خبيرًا بأخلاق الناس كثير التفتيش عن مذاهبهم؛ ليختار كلَّ واحد لما يصلح له، ويجعل الشجاع النَّجد محاربًا والثقة الأمين خازنًا وحافظًا، والعَلَمَ السديد قاضيًا حاكمًا، والمحنَّكَ المجرَّب الصحيح الرأي مستشارًا، ولا ينبغي أن يستخدم في مطعمه ومشربه وملبسه وبالجملة فيما يقرب منه إلا أحد ثلاثة؛ إمَّا من تربَّى معه وألفه، وإمَّا من ربَّاه الملك على أخلاقه، وإمَّا من ربَّى الملك في حجره، فإنما هؤلاء يخدمونه بمحبة، ولذلك يجب أن يكون إحسانه وأفضاله وتفقده لأمورهم أكثر منهُ لجميع الناس، ولا يتكل في مراعاة أسبابهم على غيره.
فأما حاجبهُ فينبغي أن يكون فهمًا يعرف مقاديرَ من يصل إلى الملك؛ ليكون معاملته إيَّاهم بحسب ذلك، ولا يكون شَرِهًا نطفًا ولا كسلان بطيء الحركة، وأن يكون بين الشرس في الأخلاق ولينها (١٠٨) مقتدرًا على التعب والنصب، حسن الحدس والتخمين معرًّى من الهزل قليل الضحك.
وأما الجند والمحاربون وبالجملة من يحمل السلاح، فلا يستعمل منهم من قد اعتاد الترفُّه والراحة والتنعُّم بالمطعم والمشرب والسماع ولين الملبس، فإن هذه السيرة تعرِّيهم من جميع ما يُحتاج إليه منهم من الشجاعة وشدَّة البدن والإقدام على الموت، والصبر على الشقاء في البعوث من البرد والجوع والحر والعطش، وما لا يكاد ينفكُّ منه المسافر، ويمنع الجند من انتحال الصنائع، ويؤخذون دائمًا بالرياضة كلَّ فريق منهم بما يصلح من السلاح، ويتفقَّد أحوالهم بالعرض في كل شهر مرَّة، ويقام لهم جميع ما يحتاجون إليه لئلَّا يشغلهم الطلب عمَّا يحتاجون منهم، ويمنعون عن أن يُسئُوا آدابهم في الطلب فيكون في ذلك عضًّا (غضٌّ) على المملكة إذ كان أعظم قوامها فيهم.
ويميِّز منهم الشيخ الفاني ومَن نالته آفة فأضعفت قواه، إلَّا أن يكون يصلح للمشورة والرأي والتدبير في الحروب.
وما يحتاج إليه الملك حاجة ماسَّة علم أخبار الممالك التي تُتاخِمه حتَّى لا يذهب عنه منها شيء، وأن يشحن تعوره (ثغوره) بالرجال، ويجعل في وجه كل أمة من الأمم التي تزاحمه من الرجال من يفي بمحاربتهم. فإن الأمم (١٠٩) تتفاضل في الشجاعة والجبن، فمن قصد بلدةَ أمَّةٍ من الأمم استعدَّ لهُ معها ما يدفع به مثلَها وبادرَها بذلك قبل أن يتوسَّط بلده، ويجهد ألَّا يخرج له خبر إلى أعدائه، وأن يكون تدبيرهُ مستورًا عنهم، ويتحذر ممَّن يأتيه من خدم أعدائه مستأمنًا، فإنه لا يؤمن أن يكون دسيسًا يصرف عنه أصحابه أو يتعرَّف أخباره وينهيها إلى أعدائه أو يغتاله بضرب من الاغتيال.
ومما ينبغي أن تكون به عنايتهُ ليس بدون عنايته بمهمَّاته أمر الصنائع؛ ليجري أمرها على سداد الصناعات ثلاثة أصناف؛ علميَّة وعمليَّة ومركَّبة؛ فالعملية مثل الفلسفة والخطاب والنحو والبلاغة. والعملية مثل النجارة والصفارة وما أشبههما. والمركَّبة من العلم والعمل مثل الطب والموسيقى، فينبغي أن يختار لتعلُّم الصنائع العلميَّة، بل لا يطلق تعلُّمها إلَّا لمن كان ذكيًّا فطنًا، سريع الحفظ والتمييز لما يقرؤه عارفًا بمقدار العلم قائلًا بفضله، محبًّا لأهله سليمًا من الآراء المفسدة للعقول.
ويختار لعمل الصنائع العملية قومًا أشدَّاء أقوياء أصحَّاء الأبدان، ويكون حظُّهم من ذلك بحسب ما تحتاج إليهم صنائعهم (١١٠) ويختار للصنف الثالث من اجتمع فيه الخلَّتان ويُرَئس على أهل كل صناعة أبصرهم بها وأشدَّهم تقدمًا فيها، ويتقدَّم إليه في الأخذ على أيديهم ويفقدهم (ويتفقَّدهم)، ولا يستعمل الملك منهم إلَّا أحذقهم؛ ليرغب الباقون في التزيد في الصناعة؛ لينالوا بها الحظ، فإنَّ أكثر ما يتعاطى الصنائع للحظوظ، فمتى نيلت الحظوظ باليسير من الصناعة لم ترغب الناس في الازدياد فيها، ومتى تمادى ذلك بطلت الصناعة أو ضعفت فإنَّ قلَّ من يستعمل الصناعة لنفسها وتفقُّد مثل هذه الأشياء تعمر به المملكة. فأما عمارات الأرضين وابتناء المدن والمعابر وشق الأنهار واستخراج المياه، وعقد الجسور وإصلاح السبل وتنظيفها من الدعار، فيجب أن يصرف الملك إليهِ أكثر عنايتِهِ.