العادات
نحن نعيش بالعادات: عادات العمل، وعادات الفكر، ولكل منا عاداته الخاصة؛ الحسنة أم السيئة؛ في المشي والحديث والأكل والتفكير؛ أي إنه يتخذ أسلوبًا أو أساليب في كل ما يعمل، وهذه الأساليب تلصق به طوال عمره.
وقد كان ولنجتون يقول عن العادة: إنها ليست طبيعة ثانية كما هو المثل الجاري؛ إذ هي تزيد على الطبيعة عشر مرات.
وعادات التفكير لا تقل خطورة عن عادات العمل؛ فإن الناس يختلفون تفاؤلًا أو تشاؤمًا بالدنيا وصروفها لعادات فكرية تعودوها، ولا يطيقون التخلص منها. وكلنا يعرف ذلك الشاب الذي يتسم بالتهكم أو المزاح، فيثقل علينا باستصغاره لكل ما نفعل، أو يملؤنا طربًا بنكاته ونوادره، وهناك بالطبع ذلك الآخر الذي تعوَّد الوقار فيكاد يجهل الضحك، ثم هناك آخرون قد تعودوا الانتقاد، أو حتى المنافرة؛ فهم على الدوام في موقف المعارضة والمناقضة، ثم هناك ذلك الذي تعوَّد المخاصمة فلا نعرف كيف نحادثه؛ لأننا نتوقع منه كل وقت لومًا لنا في غير ما نستحق أن نلام عليه.
وجميع هذه الأخلاق عادات ذهنية يتعودها أحدنا في الغالب أيام طفولته، فتثبت ولا تتركه طوال حياته.
ولكن كما تثبت العادة السيئة كذلك تثبت العادة الحسنة؛ ولذلك يحتاج كل منا كي يعيش في اقتصاد ذهني وجسمي، وفي ملاءمة بينه وبين الوسط الاجتماعي أو المادي، أن يتعود العادات الحسنة؛ أي عادات الأكل الصحي، والدراسة الدائمة، والعمل المجدي، والتسلية المُرقِّية، والمعاملة أو المعاشرة الاجتماعية التي تنأى عن الشر.
وميزة العادات — زيادة على أنها تثبت وتلصق بنا — أنها تجعل العسير من الأعمال سهلًا محببًا إلى النفس. وصحيح أن عاداتنا العامة التي تحرِّك غرائزنا وتنشط عقولنا تأتينا عفوًا، بعضها أيام الطفولة، وبعضها بعد ذلك، ولكن ليس معنى هذا أننا نعجز عن تكوين العادات الحسنة؛ أي نكوِّنها بإرادتنا، وعلى وجدان تام بمنفعتها وضرورتها لنا.
والهدف الذي نقصد إليه من تكوين عادة، أن نقتصد في مجهودنا حتى نستطيع أن نؤدي مقدارًا من العمل أكبر مما كنا نؤديه قبل تكوُّن العادة، ونستهلك من قوتنا أقل مما كنا نستهلك.
والرجل الحكيم لا يترك نفسه يعيش عفوًا كأنه مسوق بالظروف والصروف؛ إذ يجب أن يعيش قصدًا بأهدافه، وعلى تقدير لمواهبه وكفاءته، واستغلال لهما بما يجعل حياته مجدية إن لم تكن سعيدة، وهو محتاج — لهذا السبب — إلى أن يتعوَّد العادات الحسنة التي تعاون على رقيه وتطوره.
وأول ما نحتاج إليه في تكوين عادةٍ ما أن نقتنع بفائدتها وضرورتها لنا، وهذا الاقتناع ليس محض الميل والاتجاه؛ إذ يجب أن نعيِّن الفوائد التي تعود علينا كتابةً مع التفصيل الذي ربما يحتاج إلى مراجعة وتفكير وتنقيح؛ أي إننا يجب أن نحس أننا لم نأخذ بهذه العادة إلا بعد حكم قد وصلنا إليه عن وجدان ويقظة، وأننا بنينا هذا الحكم على أسباب قوية قد اقتضاها «تصميم» حياتنا.
فإذا اقتنعنا بفائدة العادة شرعنا فيها، وحَسْبُنا من هذا الشروع أن نَعمَد إلى يومنا؛ أي هذا اليوم، إلى ممارسة العادة، ثم نجدد العزم كل يوم على هذه الممارسة إلى أن يؤدي التكرار إلى ثباتها، ولا بد من المثابرة بحيث لا يفوتنا يوم إلا ونحن في ممارسة لها.
وواضح أننا عندما نختار عادة يجب أن تكون في مستطاعنا حتى لا تتجاوز طاقتنا، ثم يؤدي عجزنا إلى تركها.
مثال ذلك: نفرض أن أحدنا قد بلغ الثلاثين وهو يجد أنه مقصر في الدراسة، وأن زملاءه قد سبقوه فصار لهم مقام، وحققوا كسبًا، ونالوا أماني لم يحصل هو عليها لتقصيره في الدراسة، وأنه ينوي أن يتعود عادة الدراسة.
فأول ما يعمَد إليه أن يعيِّن هذه الدراسة، ويوضح الأسباب التي تدعوه إليها، ويوضحها كتابة مع التفصيل والمراجعة؛ حتى يقتنع بضرورتها، ثم يبدأ اليوم؛ هذا اليوم، في هذه الدراسة، ثم يثابر. والمثابرة هنا تعني أنه لا ينقطع.
وهو محتاج إلى تشجيع، وقد لا يجد هذا التشجيع من إخوانه، وعليه — عندئذ — أن يسجل نجاحه يومًا بعد يوم؛ لأن هذا التسجيل يوضح له الخطوات التي خطاها نحو تحقيق أهدافه؛ فهو يزيده حماسة ونشاطًا وإقبالًا.
وقد ذكرنا الدراسة باعتبارها إحدى العادات التي يجب على الشباب أن يتعودها، ولكن العادات الحسنة كثيرة؛ لأننا محتاجون إلى عادات الرياضة البدنية، والمحادثة بكلمات كريمة، والاعتدال في الطعام مع التأنق الذي يقتضيه التمدن، وأمثال ذلك مما قد تصغر قيمته عندما نتأمله عملًا منفردًا، ولكن تكبر قيمته عندما نتأمله عادة متكررة؛ إذ قد يسهل علينا أن نتحدث إلى أحد الناس في لغة كريمة وكلمات أنيقة إذا قصدنا إلى ذلك وتكلفنا، ولكن لا يسهل أن نفعل ذلك مع جميع الناس على سبيل العادة عفوًا وسماحة. وكثير من النجاح يُعزى أحيانًا إلى مثل هذه العادات.