التخلص من العادة السيئة
العادة كالنار إما خادمة حسنة وإما سيدة مؤذية، وكثيرًا ما تتسلط علينا عادات تملُكنا وتستبد بنا؛ فنؤديها خاضعين ونحن على مضض من إلحاحها، وعلى وجدان بما تبدده من قوانا وحيويتنا.
وكثير من عاداتنا السيئة يعود إلى إهمال أبوينا في تربيتنا حين عودونا التدلل وكراهة الاستقلال، أو الخوف والإحجام، أو حتى كراهة بعض الأطعمة؛ فإني أعرف رجلًا بلغ الستين ولم يذق الجبن في حياته، وكراهته لهذا البروتين الثمين ترجع إلى أيام طفولته حين أهمل أبواه تعويده تناول هذا الغذاء، وقد خسر كثيرًا في صحته وماله بهذا الحرمان، كما أن هناك ناسًا قد بلغوا الأربعين أو الخمسين إذا رأيناهم يأكلون اشمأززنا من الأسلوب الذي يتبعونه في تناول الطعام ومضغه.
واتجاهاتنا وميولنا هي عادات كامنة توجهنا نحو الجد أو المزاح، ونحو التشاؤم أو التفاؤل، ونحو الإقدام أو الإحجام، وهي عادات نفسية لا تختلف عن عاداتنا الجسمية في غسل الوجه أو السير في الشارع أو التحية لصديق، وهي، أي هذه العادات النفسية، تعيِّن سلوكنا وتصرفنا.
وبالطبع هناك عادات خطرة؛ كالتدخين أو الشراب أو حتى المخدرات والشهوات الشاذة، ونحن لا نعالج هنا هذه العادات؛ إذ هي تحتاج إلى تحليل نفسي كي نصل إلى الأزمات والتوترات التي أحدثت الالتجاء إلى هذه العادات فرارًا من الواقع المؤلم.
وقد يكون التدخين أخفها فلا يحتاج إلى تحليل؛ لأن الأغلب أن الشاب يقع في هذه العادة لرغبة ساذجة في تأكيد رجولته، ولكن إدمان التدخين يدل على توتر نفسي يحتاج إلى التحليل.
وفي إبطال العادة — كما في تكوينها — نحتاج قبل كل شيء إلى الاقتناع، وهذا الاقتناع يحتاج إلى توضيح العناصر، كما لو كنا ندافع عن متهم ونوضح عناصر البراءة؛ وذلك كي ينبني الاقتناع على أسباب وجيهة، فإذا تم لنا ذلك فلنشرع في التنفيذ، ونقنع منه بيوم واحد.
فالمدخن الذي ينوي إبطال التدخين يحتاج إلى إيضاح الأسباب كتابةً لهذا الإبطال، ثم عليه أن يقرر العزم على الامتناع يومًا واحدًا لا أكثر، فإذا تم له هذا اليوم، فعليه أن يقرر هذا اليوم، وعليه أن يسجل هذا الانتصار، كتابةً أيضًا، ثم يجدد العزم على يوم آخر، وكلما مضى يوم ضعفت العادة وتراخت قبضتها على خناقنا.
ويجب على المدخن أيضًا أن يستعين بالوسط؛ أي يغير الشارع الذي تعود أن يشتري منه، أو لا يأخذ مئونته إذا كان على قصد الابتعاد عنه أو نحو ذلك، ثم يجب المثابرة فلا يخرِم يومًا يعود فيه إلى عادته؛ لأن هذا اليوم وحده يفسد جميع أيام الحرمان السابقة أو يلغيها.
وإذا وجد الشاب أنه مع ذلك عاجز عن إبطال العادة السيئة، فعليه بالتحليل النفسي حتى يصل إلى الأصول الثابتة في كامنته «عقله الكامن»، فيكشفها وينفضها في الهواء، وعندئذ يسهل الإبطال.
ولكن العادة تحدث في النفس شهوة، وإبطالها كظم قد لا يطاق، وكثيرًا ما رأينا آثار هذا الكظم في مدمن الخمر حين يتأخر عن ميعاد شرابه؛ فإنه يقلق في مكانه، وقد يرتعش أو يعرق أو يغضب؛ وهذا لأنه كظم الشهوة للشراب ساعة أو أقل أو أكثر فقط، فكيف بالإبطال التام؟
يجب على المدمن أن يأخذ بعادة أخرى قريبة أو مناسبة للعادة السابقة التي أبطلها؛ حتى تجد شهوته المكظومة المنفس والمخرج؛ كالقهوة بدل التدخين، أو الألعاب الرياضية بدلًا من القمار، أو الطعام قبل ميعاد الشراب؛ حتى تمتلئ المعدة فلا يساغ الشراب. وإذا لم تنجع هذه الوسائل للإقلاع عن عادة سيئة؛ فيجب — كما قلنا — الالتجاء إلى التحليل النفسي، وإذا لم يكن هذا متيسرًا فلا بأس من الاعتماد على ما يسمى: «الانعكاس المعدول»؛ أي إيجاد مركب نفسي سيئ، كأن نحقن شرِّيب الخمر بحقنة مقيئة قبل الشراب، ثم نأذن له بكل ما يهوى من شراب؛ كمًّا وكيفًا، حتى إذا جرع كأسين أو ثلاثة ألفى نفسه في غثيان وقيء، فإذا صحا صار لا يشتهي الخمر إلا وفي نفسه هذا الجزع من الغثيان، فيكره الخمر.
وهذا هو ما تفعله الأم مع طفلها الرضيع حين تحتاج إلى فطامه؛ فإنها تطلي الحلمة بسائل مر فيكره الطفل الرضاع؛ لأنه يقرن المرارة إلى الحلمة.
ولكن المرارة للحلمة والغثيان وقت الشراب كلاهما عمل سلبي؛ أي إنه يكف ويزجر، والحاجة تدعو هنا إلى عمل إيجابي يغري ويجذب، وهو عند الأم تقديم طعام سائغ للطفل، وكذلك يجب أن نقدم شيئًا للسكير له قيمة نفسية ترفيهية تقوم مقام الخمر، ولكل إنسان ظروفه التي تعيِّن العلاج؛ فقد يُعالَج أحدهم بالرفقة المنعشة مع أحد الأصدقاء، وقد يعالج آخر باهتمامات لذيذة تملك نشاطه وتوجهه.
وحياتنا كلها سلسلة من العادات الجسمية والذهنية والنفسية، فإذا قصدنا إلى أن نجعل حياتنا فنًّا جميلًا؛ فإننا نحتاج إلى تعوُّد العادات التي تؤدي إلى الاقتصاد في مجهوداتنا، كما نحتاج إلى عادات التأنق: نتألق في لباسنا وطعامنا وتصرفنا؛ حتى نجعل الكيف يأخذ مكان الكم، فنطلب الكمال فوق الضرورة، ونقصد إلى الجمال في كل ما نتوخى من وسائل أو غايات.