كيف نسوس عواطفنا
العواطف قوات موطرية أو انفجارية، وهي في حال الأولى تكسبنا الطاقة التي ننبعث بها إلى النشاط الذهني أو الجسمي، ولولا هذه القوة الموطرية لما تحركنا إلى الطموح أو الدراسة أو الكسب، وهي لذلك جهاز نافع أيام الصحة، ولكنها تستحيل إلى قوة انفجارية معربدة أيام المرض؛ نتطوح بها إلى الجنون أو الشذوذ أو الإجرام.
والعواطف في مجموعها اجتماعية؛ أي إننا نكسبها من المجتمع وليس من الطبيعة. وصحيح أن هناك عواطف نرثها وراثة طبيعية؛ كالعاطفة الجنسية أو عاطفة الجوع إلى الطعام، ولكن حتى هذه العاطفة «الطبيعية» تتخذ لونًا اجتماعيًّا.
والمجتمع الذي نعيش فيه، بما له من طرق في كسب العيش وأساليب الإنتاج، يعين العواطف الشخصية لكل شخص منا؛ فإذا كنا نعيش في نظام اقتصادي يقوم على المباراة، فإن صفات الأنانية والغيرة والرغبة في التفوق والاقتناء والطموح تصير عواطف شخصية تحفزنا إلى العمل والكسب، وأحيانًا تستحيل هذه الصفات إلى عواطف سيئة؛ كالحسد والتسلط والخوف.
وتحدث لنا عواطف أخرى إذا كنا نعيش في مجتمع تعاوني ليس فيه سيد ومسود، وغني وفقير، وكانز ومحروم، كما هي الحال في المجتمعات الاشتراكية.
ولأننا نعيش في مجتمع قائم على المباراة، فإن جميع الرذائل التي تستتبعها المباراة تتخذ شكلًا عاطفيًّا في نفوسنا؛ ولذلك نشقى كثيرًا بالأنانية والحسد والرغبة في التفوق والاقتناء والطموح، ذلك أن الوسط الاقتصادي محدود الفرص؛ فقد يجد غيري فرصة لا أجدها أنا، فأبتئس لتخلفي، وأغار من تقدمه، وأحسده على ذلك. وكل هذه العواطف تؤذيني، أو هي تبعثني على الإفراط في الجهد حتى أموت قبل الأوان؛ بزيادة الضغط للشرايين، أو بعجز القلب، أو بالاختلال في التمثيل السكري، أو قد أبقى مريضًا بهذه الأمراض وغيرها وأشقى بها، وهذا إلى هموم لا تنقطع تغشى نفسي بالغم والكآبة، وقد تحملني على الانتحار.
ولذلك نحتاج، كي نعيش الحياة الفنية في هناء، أن نسوس عواطفنا حتى تبقى موطرية تدفعنا إلى السير مُتَّئِدين، ولا تكون انفجارية تثور بنا وتبددنا. وأول ذلك أن نعرف بوجدان يقظ وتعقل متزن أننا نعيش في مجتمع قائم على المباراة، وأنه يحملنا على اتجاهات مؤذية، فيجب أن نجعل القناعة الاقتصادية مصباح الهداية الذي نستضيء به؛ فلا نتطوح في مطامع لا نقوى على تحقيقها، فنكون لها عبيدًا نجري ونهرول طوال حياتنا كأننا مسخرون في جمع المال واقتناء العقار.
وليس هنا مقام التحليل لعواطفنا المختلفة حتى نثبت للقارئ أنها كلها تعود إلى مجتمعنا؛ فإن غيرة المرأة من حماتها أو العكس، وكذلك مناكدة الرئيس لمرءوسيه، ثم الاهتمام المريض للمستقبل، والتضحية بالحاضر للمستقبل، ثم الخوف من الفقر، والخوف على الأولاد من الأخطار. كل هذه العواطف تعود إلى نظام نفسي ينهض على أساس المجتمع الاقتصادي الذي نعيش فيه.
وقصارى ما نستطيع أن نبسطه في هذا الفصل هو نصائح موجزة نبغي بها علاج المجتمع الاقتنائي الذي نعيش فيه؛ أي علاج الفرد مما تجلبه عليه العواطف التي غرَسها فيه المجتمع. أما العلاج الحاسم فهو تغيير المجتمع من المباراة إلى التعاون، ومن الاقتناء الفردي إلى الاقتناء العام.
من شأن العواطف أنها لا تؤذينا إذا كانت الكارثة كبيرة فادحة، ولكنها مع فداحتها مفردة؛ أي وقعت مرة واحدة ثم انتهت، فنحن نتحمل الإفلاس التام، أو موت الابن أو الأم، أو كارثة الغرق أو الحريق أو الطلاق، ولكننا لا نتحمل الزوجة التي تناكدنا كل صباح على الطعام أو القهوة، ولا تتحمل الزوجة معاكسة حماتها، ولا يتحمل الطالب توبيخ أبويه كل يوم لفشله في الامتحان؛ أي إذا تكررت المناكدة أو المعاكسة كل يوم، ولو كانت لأسباب تافهة، أدت إلى الانهيار العصبي الخطير؛ لأن العبرة بالتكرار.
لهذا السبب يجب ألا تعيش الزوجة مع حماتها أبدًا، وإذا كانت هناك ظروف تضطرهما إلى الاشتراك في العيش، فليكن هذا على وجدان منهما؛ أي يجب على كل منهما أن تعرف أنها في حالة شاذة، وأن تحتاط من الوقوع في المناكدة أو المعاكسة.
يجب على الأب، إذا فشل ابنه أو بنته في الامتحان، ألا يعمد إلى تقريعه كل يوم؛ لأن هذا التقريع قد يؤدي إلى انهيار عصبي خطير؛ وخاصة إذا كان بين ١٧–٢٥.
الاهتمامات الكثيرة المتنوعة تخفف من ضغط العاطفة وتحول دون اجترارها.
إذا ثقلت العاطفة فإن النشاط الجسمي يخفف من ثقلها؛ حتى المشي والجري يخففان من ثقلها.
من الواجب أن ننبه الرؤساء في المصانع والمكاتب إلى أن يكفوا عن معاكسة مرءوسيهم؛ حتى لا يكون أحدهم كالحماة التي تبعث بزوجة ابنها إلى المارستان؛ لأنها لا تفتأ توبخها وتبخسها.
يجب أن نقلل من مظاهر الحزن؛ مثل احتفال الأربعين للمتوفَّى، أو التفجع في الجرائد على المتوفين؛ لأن هذه المظاهر تحيي الحزن القديم عند الغير.
وهذا أحسن ما نستطيع أن نقول في مجتمع المباراة الذي نعيش فيه، وهو مجتمع سيئ في أساسه.