الفصل الثالث
تعارف جديد – قصة الممثل المتجوِّل – إزعاج غير مستحَب … ولقاء ثقيل الظل.
***
شعر المستر بكويك بشيء من القلق لغياب صديقَيْه على غير المألوف منهما، ولم يكن تصرفهما الغريب خلال الصباح كله مخفِّفًا من مخاوفه، فلا غرو إذا هو قد نهض بسرور غير عادي لاستقبالهما حين عادا يدخلان عليه، وأنشأ بشوق أكثر من المألوف يسألهما عما جرى، ويستفسرهما عن سر غيابهما، وهمَّ المستر سنودجراس للرد على هذه الأسئلة، بأن يدلي ببيان تاريخي عن الظروف التي قصصناها الآن عليك، ولكنه أمسك فجأة؛ إذ لاحظ أن هناك بجانب المستر طبمن ورفيقهم في الحافلة أمس غريبًا آخَر، لا يقل مظهره عنهما غرابة؛ رجلًا تبدو الهموم عليه، ويلوح وجهه الشاحب، وعيناه الغائرتان، أغرب وأعجب مما صنعتهما الطبيعة، بشعره الأسود المعتدل المنحدر في اضطراب، وتلبد نصف الطريق إلى وجهه، وكانت عيناه براقتين نفاذتين إلى حد يكاد يكون غير طبيعي، وعظما خديه ناتئين مرتفعين، وفكَّاه من فرط طولهما وتحولهما، حتى ليظن الرائي أنه يسحب لحم وجهه إلى الداخل لحظة تقليص عضلاته، لو لم يعلن فمه المفتوح نصف فتحة، وتقاطيع سحنته الثابتة الجامدة، أن الأمر طبيعي لا اصطناع فيه، وقد أحاط عنقه بلفاعة خضراء، تدلَّتْ أطرافها الواسعة متراخية فوق صدره، وبادية من لحظة إلى أخرى تحت عرى صداره القديم، وكان الجزء الأعلى من ثوبه سترة طويلة سوداء سابغة، وقد ارتدى من تحتها سراويل فضفاضة، وانتعل حذاء كبيرًا يسارع إلى البلى.
وما لبثت عين المستر ونكل أن استقرت على هذا الرجل الأشعث الأغبر، بينما مد المستر بكوك يده نحوه وهو يقول: «صديق لصديقنا الذي معنا هنا، وقد عرفنا صباح اليوم أن لصديقنا علاقة بالمسرح في هذه المدينة، وإن كان لا يحب أن يُعرَف ذلك عنه، وأن هذا السيد أحد الزملاء في المهنة، وكان يهمُّ بأن يطرفنا بحكاية قصيرة تتصل بها حين دخلتَ …»
وقال الغريب ذو السترة الخضراء، الذي لقيه الجمع في اليوم السابق وهو يتقدم إلى المستر ونكل، ويتحدث بصوت منخفض، كأنه يكاشفه بسر من الأسرار، بل بحكايات وحكايات: «رجل مدهش … يؤدي عملًا شاقًّا … في هذه المهنة … ليس ممثلًا … رجل غريب … عرك مختلف المهن والخطوب … ونحن ندعوه في نادينا جيمي التعس.»
وحيا المستر ونكل والمستر سنودجراس الرجل الملقَّب «بالتعس» في أدب، وطلبا شرابًا من البراندي والماء، وانثنيا يقتديان بالآخرين، فجلسا إلى المنضدة.
وقال المستر بكوك: «والآن يا سيدي هلَّا تكرمتَ علينا بقصِّ ما كنت تهمُّ بأن ترويه لنا؟»
وعندئذٍ أخرج الرجل «التعس» من جيبه لفة قذرة من الأوراق، واستدار نحو المستر سنودجراس، وكان هذا قد أخرج «كناشته»، فقال بصوت أجوف يلائم مظهره كل الملاءمة: «هل أنت الشاعر؟»
فأجاب المستر سنودجراس، مأخوذًا إلى حد ما بهذا السؤال المباغت: «إنني أقوم بشيء يسير في هذا الباب.»
قال: «آه … إن الشِّعْر يصنع بالحياة ما تصنع الأضواء والأنغام بالمسرح، فإن أنت جرَّدتَ أحدهما من بهارجه ومحسناته، وأزلت من الآخَر الأوهام والخدع المحيطة به، فما الذي يبقى حقها فيهما يستحق أن يحيا المرء له أو يعنى به؟»
وأجاب المستر سنودجراس: «هذا حق وصدق يا سيدي.» واستطرد الرجل التعس حديثه قائلًا: «إن الوقوف أمام الأضواء الأمامية على المسرح هو كالجلوس في بلاط عظيم، ومعرض بديع، والإعجاب بالثياب الحريرية التي يرتديها السادات فيه والغيد، أما المجلس من تحتهم، فذلك مكان الشعب الذي صنع ذلك الرواء، وأحدث ذلك البهاء، ولكنه تُرِك مهملًا مجهولًا، لا يعنى أحد به، ولا يأبه إنسان بمعرفته … تُرِك ليغرق أو يعدم، ليهلك جوعًا أو يحيا، كما تشاء الحظوظ وتريد المقادير …»
وهنا قال المستر سنودجراس، وكانت عين الرجل التعس مستقرة عليه، فلم يكن بد من أن يقول شيئًا: «بلا شك.»
وقال السائل الأسباني: «امضِ في حديثك يا جيمي كسوزان السوداء العين … الكل في البادية … لا نقيق … تكلَّمْ بوضوح، وتهللْ، وأبدِ مرحًا.»
وقال المستر بكوك: «هل لك في كأس أخرى قبل أن تبدأ القصص يا سيدي؟»
فما كان من الرجل التعس إلا أن قَبِل هذا العرض، ومزج لنفسه كأسًا من البراندي بالماء، واجترع في رفق نصفها، ونشر الأوراق الملففة بين يديه، وبدأ يقص القصص، بين تلاوة من الأوراق وسرد من غير أوراق.
وكانت القصة التالية هي قصته، كما سُجِّلت في محاضر النادي بعنوان: «قصة الممثل المتجول».
قصة الممثل المتجول
ليس فيما أنا قاصُّه عليكم شيء عجاب، ولا أمر غير مألوف، فإن الحاجة والمرض ليسا غريبين في كثير من شئون الحياة، غرابة تستحق من التنويه أكثر مما تستحقه عادة تقلبات الطبيعة البشرية وتغيراتها المألوفة، وقد جمعت هذه الملاحظات معًا في ورق مكتوب؛ لأني عرفت المرء الذي تتصل به حق المعرفة منذ عدة سنين، وجعلت أتابع شقاءه خطوة خطوة، وهو يهوي، حتى بلغ في النهاية حدًّا متناهيًا من العوز والإدقاع، لا قيام له إلى الأبد منهما.
كان الرجل الذي أتحدث عنه ممثلًا فقيرًا من ممثلي المسرحيات الإيمائية الصامتة، وكان كخلق كثير ممن هم في مركزه وطبقته سكيرًا مدمنًا، وكان في أيامه النضرات قبل أن يوهن منه الإسراف في الملذات، ويحط السقام عليه، يتقاضى مرتبًا حسنًا، لو أنه انتهج سبيل الحرص والحكمة والقصد لظل يتقاضاه بضع سنوات، ولكنها ليست سنوات كثيرة على أية حال؛ لأن أمثاله يموتون في نضارة العمر، أو يفقدون قبل الأوان باستنفاد قواهم الجسدية استنفادًا غير طبيعي، المَلَكَةَ الوحيدة التي يعتمدون عليها في كسب أقواتهم وسداد أرماقهم، وقد أسرف على نفسه، وأمعن في آثامه، حتى أصبح من المحال أن يستعان به في الأعمال التي كان فيها نافعًا فعلًا للمسرح، فقد كان للحانة جاذبية لم يستطع مغالبتها، وكان المرض الذي يسوقه الإهمال، والفقر الذي لا أمل في النجاة منه، نصيبه المحقق كالموت ذاته إذا هو استمر ولم ينتهِ، وثابر ولم يرعوِ، وقد استمر وثابر فعلًا، فكانت النتيجة معروفة، وهي العجز عن الظفر بعمل، وهو يطلب القوت ويحتاج إلى الخبز.
ولا يجهل أحد ممن عرفوا المسرح، وكل ما يتصل به، كثرة الذين يترددون عليه من الفقراء والكدورين، والبادين في الثياب الناحلة الألوان، وما هم بممثلين يعملون فيه بانتظام، ولكنهم يشتركون في المراقص أو المواكب التي تُشاهَد في بعض الروايات أو البهلوانات، والمهرجين ومن إليهم ممن يستعان بهم في إخراج مسرحية «صامتة»، أو قطعة بمناسبة عيد الفصح، ثم يفصلون حين تنقطع الحاجة إليهم، وريثما يستوجب إخراج مشاهد حافلة، وروايات ضخمة، العودة إلى استئجارهم، وإلى هذا الأسلوب من العيش اضطر الرجل إلى الالتجاء، وكان يجلس كل ليلة مجلس الرياسة ببعض دور التمثيل الصغيرة، فيصيب منها بضعة شلنات أخرى في الأسبوع، تيسِّر له إرواء غُلَّته ومعاودة كئوسه، ولكن هذا المورد أيضًا لم يلبث أن انقطع، فقد كثرت تصرفاته الشاذة، إلى حد لم يَعُدْ معه في الإمكان أن يصيب الأجر الزهيد الذي كان ممكنًا أن يصيبه، حتى بلغ فعلًا حدود الجوع، ولم يَعُدْ يظفر بغير قدر تافه من المال أحيانًا يستعيره من زميل قديم، أو يأتيه من الظهور على المسرح في أحقر دور التمثيل، فإذا أصاب شيئًا، أنفقه في الخمر ديدنه القديم.
وفي ذلك العهد أو قرابته حين لم يكن أحد يدري كيف كان يعيش أكثر من عام، كنت قد ظفرت بعمل قصير الأمد في أحد المسارح، في هذه الضفة من النهر، فرأيت ذلك الرجل الذي كان قد غاب عن عيني فترة من الزمن؛ لأني كنت أتجول في الأقاليم، وكان هو يتسكع في أزقة لندن ودروبها الضيقة، وفيما كنتُ أرتدي ثيابي للانصراف من الملعب، وأجتاز المسرح إلى الباب، إذ راح يربت بيده على كتفي، وإنْ أنسَ لا أنسَ ذلك المشهد المنفر الذي أخذ عيني حين استدرت لأرى من الرابت، فقد بدا في ثوب من ثياب التمثيل الصامت، توافرت فيه كل غرائب رداءة «المضحك»، ولبسه «المهذار»، فما أحسب صور الأشباح في «رقصة الموت»، ولا أقبح الأشكال وأشدها ترويعًا مما يخرج من ريشة أقدر الرسامين على الرسم، وأبرعهم في صنعة التصوير، إلا بادية دونها قبحًا، وأقل منها نكرًا، فإن بدنه المتورم، وساقيه الضامرتين اللتين زادهما ثوبه الغريب شناعة على شناعة، وعينيه الزجاجيتين المتناقضتين إلى حد مرعب، وكثافة الطلاء الذي لطخ به وجهه، ورأسه المزدان بأغرب الزينة، الراعش من أثر الفالج، ويديه الطويلتين الضامرتين المدهونتين بالطباشير — كل أولئك جعله يبدو مشوَّه الصورة، متكور الشكل، ليس في وسع الواصف أن يعطيك عنه فكرة كافية، حتى لتعروني إلى الساعة رجفة كلما خطر ببالي، وكان صوته أجوف راعشًا، حين انتحى بي ناحية، وانثنى بعبارات متقطعة يقص عليَّ قصة، ويعدِّد لي صنوفًا من العلل، وألوانًا من الحرمان التي يعانيها، وانتهى إلى النتيجة المعروفة طبعًا، والمتكررة في هذه الحالات، وهي طلب قرض عاجل يسير، فدسست في كفه بضعة شلنات، وما كدت أتولى عنه حتى سمعت ضحكات عالية، كتلك الضحكات التي تلت أول مرة ظهر فيها على المسرح.
وجاءني بعد بضع ليالٍ غلام، فألقى في يدي قصاصة قذرة من الورق، كُتِبت عليها بضع كلمات بالقلم الرصاص، يقول الرجل فيها أنه مريض في حالة خطرة، ويرجوني بعد التمثيل أن أراه في مسكنه، بشارع نسيت اسمه الآن، ولكنه غير بعيد من المسرح، فوعدته أني فاعل بمجرد فراغي من العمل، وانطلقت عقب انسدال الستار لكي أؤدي هذه المهمة المحزنة.
وكان الوقت متأخرًا؛ لأن دوري كان في المسرحية الأخيرة، وكان إيراد الليلة مخصَّصًا لبعض أفراد الفرقة، فطال التمثيل فيها إلى حد غير مألوف، وكان الليل حالكًا مقرورًا، والريح رطبة قاصفة، جعلت المطر يسقط غزيرًا على الشرفات وواجهات الدور، وقد اجتمعت منه برك من الماء في الشوارع الضيقة التي قلما يختلف إليها الناس، وأطفأتْ شدة الرياح المصابيح القليلة المتناثرة في بعض نواحيها، فلم يكن المسير مزعجًا فحسب، بل أشد ما يكون أخطارًا كذلك، ولكني لحسن الحظ اتخذت الطريق السوي، واستطعت بعد جهد قليل أن أهتدي إلى البيت الذي وصف لي، فإذا هو سقيفة فحم تعلوها طبقة واحدة، وجدت في الغرفة الخلفية منها ضالتي المنشودة، واستقبلتني عند السلم زوجته، وهي امرأة مسكينة، فنبَّأتني أنه قد أغفى منذ لحظة، واقتادتني بخطى رفيقة إلى الحجرة، ووضعتْ كرسيًّا لي بجانب فراشه، ورأيت الرجل راقدًا وقد ولَّى وجهه إلى الجدار ولم يُبْدِ اكتراثًا بمحضري؛ فاتسع لي الوقت لأدير عيني في المكان الذي احتواني، فإذا هو على سرير قديم جيء به خلال النهار، وقد أسدلت بقايا ستار مهلهل حول رأس السرير؛ وقاية من الريح، وإنْ كانت الريح وجدت طريقها إلى الحجرة المتعبة من كثرة الثقوب والشقوق في الباب، وجعلت تهب على الستار، وتهزه هزًّا في كل لحظة، ورأيت نارًا خابية من فحم رجوع في موقدة صدئة، مفكَّكة غير مستقرة، ومنضدة قديمة ملطخة ذات ثلاثة أركان، قد صُفَّتْ عليها بعض زجاجات من أدوية، ومرآة مكسورة، وبضعة أشياء أخرى مما يشاهد في البيوت، وطفلًا صغيرًا نائمًا على فراش أُعِدَّ له مؤقتًا، فوق أديم الحجرة، وقد جلست المرأة على كرسي بجانبه، وشهدت هنالك رَفَّيْن من الرفوف، وبضع صحاف وأقداح وأطباق، وحذاء من أحذية المسارح، وسيفين من أسيافها، معلَّقين تحت الرف، وكانت تلك الأشياء هي كل ما حوته الحجرة، إلى جانب أكوام صغيرة من الخرق البالية والرزم، أُلقِيتْ في زواياها بغير عناية ولا اهتمام.
وكذلك اتسع الوقت أمامي لملاحظة هذه الدقائق القليلة، وتأمُّل تنفس المريض ولهثه، ورجفات الحمى التي كانت تهزه، قبل أن ينتبه إلى وجودي، وحاول جاهدًا أن يجد مستقرًّا لرأسه، فلم يستطع، فأخرج يده من تحت غطائه؛ فسقطت فوق كفي، فانتبه فجأة، وراح يحملق البصر بلهفة في وجهي.
وعندئذٍ قالت زوجه: «المستر هطلي يا جون … المستر هطلي الذي بعثت في طلبه الليلة كما تعلم.»
فقال المريض، وهو يمر بكفه على جبينه: «آه … هطلي … هطلي … أين هو؟» وخُيِّلَ إليَّ أنه يحاول أن يجمع شتات أفكاره بضع لحظات، ثم أمسك بمعصمي إمساكة التشبث، وراح يقول: «لا تتركني … لا تتركني … أَلَا تعرفني؟»
قلت موجِّهًا خطابي إلى زوجه الباكية: «أهو هكذا من وقت طويل؟»
قالتْ: «منذ الليلة البارحة … جون … جون … ألا تعرفني؟»
وقال وهو يرجف حين انحنت فوقه: «لا تدعها تقترب مني … أبعدها … لست أطيق قربها مني.»
وانثنى ينظر إليها نظرات موحشة، يبدو خلالها رعب شديد، وخوف مميت، وهَمَسَ في أذني قائلًا: «لقد ضربتها يا جم … ضربتها أمس، وضربتها مرارًا قبل ذلك … لقد أجعتها هي والطفل كذلك، والآن بِتُّ واهنًا يائسًا لا حول لي ولا قوة، وستقتلني جزاء ما فعلت بها … أنا عارف أنها قاتلتي، ولو شهدتها وهي تبكي كما شهدتها أنا، لَعرفت أنت أيضًا … أبعدها عني …»
وأرخى إمساكته بمعصمي، وانقلب على وسادته، منهوكًا مجهدًا …
وكنت أعرف حق المعرفة المراد من ذلك كله، وإذا كان شيء من الشك قد خامرني لحظة، فإن نظرة واحدة إلى وجه المرأة الشاحب، وبدنها الذاوي كانت كافية لشرح حقيقة الأمر، وكشف خافيته.
فقلت للمرأة المسكينة: «يحسن أن تنتبذي من الحجرة مكانًا قصيًّا … فإنك لن تستطيعي له خيرًا، ولعله سيهدأ إذا لم يَرَكِ.»
فتوارت عنه، وعاد الرجل بعد بضع لحظات يفتح عينيه، ويدير بصره فيما حوله، قلقًا موجسًا …
قال في لهفة: «هل ذهبت؟»
قلت: «نعم … نعم … إنها لن تَمَسَّك بأذى.»
قال، وهو يغض من صوته: «سأقول لك شيئًا يا جم … إنها تؤذيني فعلًا … إن في عينيها شيئًا يلقي في قلبي رعبًا يذهب بلُبِّي، فقد قضت الليلة البارحة كلها وعيناها الواسعتان المحملقتان ووجهها الشاحب بقرب عيني ووجهي، كلما تحوَّلْتُ تحوَّلَتْ، وكلما أجفلتُ من نومي وجدتها بجانب فراشي تنظر إليَّ …»
ومضى يدنيني منه، ويقول في همس عميق مروع: «هي حتمًا روح شرير … صه … إنني أعرف أنها كذلك … ولو كانت مخلوقة آدمية لماتت من عهد طويل … فليس في البشر امرأة تتحمل ما تحملتْ.»
وأحسست ألمًا بالغًا في نفسي حين تخيلتُ صنوف القسوة، وألوان العذاب، والآلام والإهمال التي لا بد أن تكون قد اصطلحت على إحداث هذا الأثر المخيف في نفس هذا الرجل ومشاعره، ولم أجد جوابًا أجيب به، ومَن الذي يستطيع أن يجدد الأمل، أو يعرض العزاء، أو يهب السلوى، لهذا المخلوق المنكر الذي يرقد أمامي …؟
وقضيت في مجلسي ذاك أكثر من ساعتين، لبث خلالها يتقلب في مرقده، ويلقي بذراعيه متململًا هاهنا وهاهنا، وينكفئ على هذا الجانب، ثم ينقلب على الآخر، حتى هبط أخيرًا إلى حال من الغيبوبة يطوف فيها العقل المكدود من مشهد إلى مشهد، وينتقل من موضع إلى موضع، دون رقابة عليه من الفكر، وإن ظل مع ذلك عاجزًا عن التخلص من إحساس غامض مما هو فيه من عذاب، وما يشعر به من ألم، ولمَّا تبيَّن لي من هذا الهذيان المنقطع، والتخريف المجرد من كل صلة أو تماسك، أن هذه هي حقيقة حاله، وأدركت أن الحمى على أكبر الظن سوف لا تزداد سوءًا في الحال، تركتُه واعدًا زوجته المسكينة أنني سأكرر زيارتي مساء اليوم التالي، وأنني إذا اقتضى الأمر ماكث مع المريض الليل كله.
وأنجزت موعدي، وبدا لي أن الساعات الأربع والعشرين الماضية أحدثت تغييرًا مروعًا، فقد رأيت العينين — وإن لبثتا غائرتين كثيرًا في محجريهما — ثقيلتين مهمومتين تلتمعان، وترسلان بريقًا مخيفًا، يشفق المرء من التطلع إليه، وكانت الشفتان قد ارتدتا يابستين، محترقتين مشققتين في عدة أجزاء منهما، وشهدتُ البشرة الجافة الصلبة تتأجج من شدة الحرارة المحرقة، وبدا لي أن في وجه الرجل أمارات قلق موحش، لا يكاد يشبه شيء في هذه الأرض، وعلامات هياج نفسي رهيب، يدل دلالة بالغة على مدى فتكات المرض ومبلغ تلفه، وكانت الحمى قد بلغت أشدها.
واتخذتُ المجلس الذي شغلته في الليلة الماضية، ولبثت فيه ساعات، مصغيًا إلى أصواتٍ تزلزلُ قلب أشد المخلوقات الآدمية قسوة وجمودًا … أصوات رجل في سكرات الموت، مشرف على التلف.
وعرفت مما سمعته عن رأي الطبيب أن لا أمل في حياته، وبدا لي أنني جالس بجانب فراش رجل محتضر، وشهدت الأطراف الذاوية التي كانت إلى ساعات قليلة تتشوه وتتنكر لتسلية النظارة في الملهى، قد عادت تتلوى من عذاب الحريق وشدة الحمى … وسمعت ضحكة المهرج المدوية، مختلطة بأنين المحتضر.
وإنه لمن الفاجع للنفس أن يسمع المرء العقل وهو يعود إلى ما كان يألفه من عمل أو حرفة وهو سليم موفور العافية، فترى البدن الراقد حيالك واهيًا ذابلًا لا حراك به، ولكن حين يكون ذلك العمل من نوع يتعارض أشد التعارض مع التفكير الجدي، أو الحرفة الرزينة، نجد الأثر الذي يحدث للمريض قويًّا بالغًا، فلا عجب إذا كان الملهى والألحان هما الغالبين على كل ما عداهما من المشاهد، والموضوعات التي جعل الرجل يتحدث عنها في غشيته، ويرددها في غيبوبته، فقد خُيِّلَ إليه أن الوقت مساء، وأن عليه دورًا يمثله في تلك الليلة، وأنه قد تأخر عن الموعد، ولا بد له من مغادرة البيت في الحال، ولكن لماذا يحتجزونه ويمنعونه من الذهاب … سيخسر الأجر إذا لم يذهب … فَلْيذهب حتمًا … ولا يتخلف … ولكن كلا … إنهم لا يريدون أن يتركوه … وراح يدفن وجهه في يديه المحترقتين، ويئن أنين المتوجع من ضعفه وقسوة معذِّبيه … ثم يسكن لحظة، ويعود فيُطلِق بضعة ألحان رخيصة … كانت هي آخِر ما حفظه … ونهض من فراشه، ونشر ذراعيه الذابلتين، وانثنى يتقلب فوق سريره القذر، وأخذ يمثل … فقد توهم أنه على المسرح، وبعد سكون قصير أنشأ يغمغم بأنغام أغنية صاخبة، وعاد إلى بيته القديم بعد التمثيل … وما أشد الحر في الحجرة … لقد كان مريضًا مدنفًا، ولكنه الآن سليم وسعيد … املأ الكأس … وانزع القدح …! من هذا الذي أبعده من شفتيه … إنه ذلك المضطهد المتعقب عينه، الذي كان من قبلُ يطارده … وعاد يتقلب فوق الوسادة، ويئن أنينًا عاليًا … ثم تلت الأنين فترة غياب ونسيان مطلق، وإذا هو يهذي وينطلق في تيه متشعب من الحجرات الخفيضة السقوف … حتى ليضطر أحيانًا إلى الزحف على يديه وركبتيه ليمضي في طريقه … وكان الطريق ضيقًا ومظلمًا، وكلما دار منحرفًا عنه، حال حائل بينه وبين التقدم في مسيره … ووجد حشرات زواحف مخيفة، ذوات أعين تحملق فيه، وتملأ الهواء من حوله، وتبرق بريقًا بشعًا في وسط الظلام الكثيف الذي يغمر الموضع، كما كانت الجدران والسقف ملأى بالحيات والأفاعي ومختلف الزواحف، والسقف المقبوب يتسع شيئًا فشيئًا، حتى يبلغ حجمًا ضخمًا … وإذا أشباح مرعبة تروح وتغدو من حوله، وقد رأى وجوهًا يعرفها، قد ارتدت قبيحة منكورة تمط شفاهًا له سخريةً، وتلعب حواجبها هزءًا به وتهكمًا، وإذا أصحابها يتقدمون نحوه، فيكوونه بقطع من حديد محمي، ويربطون رأسه بالحبال حتى ينحبس الدم منه، وهو يصارع في سبيل الحياة صراع مجنون هائج.
وفي نهاية إحدى تلك النوبات، وقد وجدتُ مشقة بالغة خلالها في احتجازه في فراشه، رأيته يهبط فيما يشبه النوم، وكان طول المراقبة وكثرة الإجهاد قد تغلبا على قواي، فأغمضت عيني بضع دقائق، ولكني لم ألبث أن شعرت بقبضة قوية خشنة تمسك بكتفي، فاستيقظت في الحال، فإذا أنا أراه قد تحامل في فراشه، واستوى في مرقده، وعرا وجهه تغيُّر مروع، ولكنه أفاق من الغشية؛ إذ تبين لي أنه قد عرفني، ورأيت الطفل الذي كان قد انزعج من وقت طويل، واضطرب من شدة هذيانه، ينهض من فراشه الصغير، ويجري نحو أبيه صارخًا من شدة الخوف، غير أن أمه عاجلته، فتناولته بين ذراعيها؛ مخافة أن يؤذيه وهو في عنفوان جنونه، ولكنها حين أبصرت التحول البادي على قسمات وجهه، وقفت مروعة جامدة بجانب سريره، وتناول كتفي في يد متشنجة راعشة، وباليد الأخرى ضرب صدره، وحاول جاهدًا أن ينطق … ولكنه لم يستطع … فبسط ذراعيه نحوهما، وعاد يحاول مرة أخرى … ولكن حشرجة قامت في حنجرته … وخطف بريق على عينيه … وانبعثت منه أنَّة قصيرة مختنقة … وارتد إلى الوراء … ميتًا.
وكان يسعدنا أشد الإسعاد أن ندوِّن رأي المستر بكوك في هذه القصة التي أسلفناها عليك، ولسنا نشك في أننا كنا نوافيك به، لولا وقوع حادث حال لسوء الحظ بيننا وبين إيراده.»
وكان المستر بكوك قد أعاد إلى المنضدة الكأس التي لبثت خلال العبارات الأخيرة من القصة مرفوعة بيده، وهَمَّ بالكلام — استنادًا إلى ما ورد فعلًا في كناشته، من أنه همَّ فعلًا بأن يفتح فمه ليقول شيئًا — لولا أن دخل غلام الفندق في تلك اللحظة، فقال له: «بعض السادات يا سيدي.»
وقد ذهبت الظنون إلى القول بأن المستر بكوك كان على وشك إلقاء بعض ملاحظات من شأنها أن تنير العالم كله، إن لم يقتصر نورها على المدينة القائمة على ضفاف «التايمز»، لولا هذه المقاطعة، فقد راح يطيل النظر عابسًا في وجه الغلام، ثم أدار عينه في وجوه الجمع عامة، كأنما يطلب منهم خبرًا يتصل بأمر أولئك الزائرين.
وعندئذٍ نهض المستر ونكل من مجلسه، فقال: «آه … بعض صحاب لي، دعهم يتفضلوا بالدخول.» وأردف يقول عقب انصراف الخادم: «إنهم أناس لطاف جدًّا، ضباط من الآلاي السابع والتسعين، عرفتهم مصادفة في هذا الصباح، وسنأنس إليهم كثيرًا.»
فاستعاد المستر بكوك طمأنينته في الحال، وما لبث الغلام أن عاد معلنًا دخول ثلاثة سادات إلى الحجرة.
وتولى المستر ونكل مهمة التعريف فقال: «الملازم تابلتون … المستر بكوك، الدكتور بين … المستر بكوك … المستر سنودجراس، الذي رأيته من قبلُ … صديقي المستر طبمن، الدكتور بين، الدكتور سلامر، المستر بكوك … المستر طبمن، الدكتور سلاﻣ …»
وهنا وقف المستر ونكل فجأة عن الكلام؛ إذ رأى أمارات الانفعال الشديد جلية على وجه كل من المستر طبمن والطبيب.
وقال هذا بلهجة توكيد ظاهر: «لقد التقيت بهذا «السيد» من قبلُ …»
وقال المستر ونكل في دهشة: «أحقًّا؟»
ومضى الدكتور سلامر يقول: «وهذا … الشخص أيضًا، إذا لم أكن مخطئًا …» وراح يلقي نظرة متفحصة على الرجل الغريب ذي الثوب الأخضر، وتابع الكلام قائلًا: «أعتقد أنني وجهت إلى هذا الشخص دعوة ملحة في الليلة الماضية، فرأى من الواجب أن يرفضها …»
وما إن أتم هذا القول، حتى نظر إلى الغريب نظرة متعاظمة مترفعة، وهمس لصديقه الملازم تابلتون.
فقال هذا السيد حين سمع قوله: «لا تقل هذا.»
قال: «بل أقوله … لأنه الواقع.»
وغمغم الآخَر صاحب المقعد المألوف في الثكنات باهتمام شديد: «من واجبك أن تركله بقدمك في الحال.»
وتدخل الملازم قائلًا: اسكتْ من فضلك يا «بين». وتقدَّم صوب المستر بكوك فقال: «هل تسمح يا سيدي أن أسألك: هل ينتمي هذا الشخص إلى جمعكم؟»
وكان المستر بكوك يبدو مبهوتًا إلى حد كبير من هذا المسلك المجافي للأدب.
ولكنه أجاب قائلًا: «كلا يا سيدي … إنه ضيفنا.» وعاد الملازم يسأل: «وهل هو عضو في ناديكم، أو أنا مخطئ؟»
وأجاب المستر بكوك: «كلا … بلا شك.»
وعاد الملازم يسأل: «ألمْ يضع يومًا شارة النادي على ثوبه؟»
فازدادت دهشة المستر بكوك، وقال: «كلا … مطلقًا.»
وعندئذٍ التفت الضابط إلى صديقه الدكتور سلامر، رافعًا كتفيه في هزة لا تكاد تُرَى، كأنما يشك في صدق ذاكرته، وبدا الدكتور سلامر غضوبًا مغيظًا، وإن ظل مبهوتًا حائرًا، ولبث المستر «بين» ينظر نظرة موحشة مفترسة إلى وجه المستر بكوك المشرق الحائر، لا يفهم مما سمع شيئًا.
وانثنى الطبيب فجأة، يوجِّه الكلام إلى المستر طبمن بلهجة جعلته يجفل إجفالة ظاهرة، كأن دبوسًا غُرِز بمكر في مشط قدمه، قائلًا: «لقد كنتَ في المرقص الذي أقيم هنا في الليلة الماضية؟»
وشهق المستر طبمن شهقة خافتة مؤمِّنًا بها على قوله، وهو ينظر طيلة الوقت إلى المستر بكوك.
وعاد الطبيب يقول وهو يشير إلى الغريب، وقد ظل هذا جامدًا لا يتحرك ولا ينبس: «وكان هذا الشخص رفيقك؟»
وأقر المستر طبمن الحقيقة.
وانثنى الطبيب إلى الغريب، فقال: «والآن يا سيدي، إنني أكرر عليك بحضور هؤلاء السادات سؤالي القديم: هل تريد أن تقدِّم إليَّ بطاقتك، فتلقى مني المعاملة الخليقة بسيد مهذب، أو ستضطرني إلى معاقبتك في التو واللحظة؟»
وهنا قال المستر بكوك: «مهلًا أيها السيد، إنني في الواقع لا يمكنني أن أسمح بأن يمضي الأمر على هذا النحو قبل أن أسمع شرحًا … طبمن … اقصص علينا الخبر.»
وعندئذٍ امتثل المستر طبمن للأمر، فشرح الحادث في بضع عبارات، ولم يمسَّ مسألة استعارة الثوب إلا مسة عابرة، وإنما أطال في محاولة تبرير ما جرى بأنه حدث «بعد الغداء»، وانتهى من شرحه بقول يسير يعلن فيه ندامته وأسفه فيما يتعلق بشخصه، وترك للغريب تبرئة نفسه أو الدفاع عن مسلكه كما يشاء.
وهمَّ الغريب أن يفعل لولا أن عاجله الملازم تابلتون، وكان يتبعه بعينيه في فضول شديد، قائلًا في سخرية بالغة واحتقار شديد: «ألَمْ أَرَكَ قبل الآن في دار التمثيل يا سيدي؟»
قال بلا حياء: «بلا شك.»
ومضى الملازم يقول باحتقار، وهو يلتفت إلى الدكتور سلامر: «إنه ممثل متجول … وهو يقوم بأحد الأدوار في المسرحية التي سيخرجها ضباط الآلاي الثاني والخمسين على مسرح روشستر ليلة غد … لا تستطيع إجراء شيء في هذه المسألة … مستحيل.»
وقال «بين» المتعاظم المترفع: «تمامًا.»
وانثنى الملازم تابلتون موجهًا الخطاب إلى المستر بكوك: «آسف لوضعك في هذا الموقف الأليم، اسمح لي أن أقترح عليك الوسيلة المثلى لاجتناب تكرار أمثال هذه الحوادث في المستقبل، وهي أن تكون حريصًا على انتقاء رفقائك.»
وأضاف يقول وهو يخرج مسرعًا من الحجرة: «طاب صباحك يا سيدي.»
وتبعه الدكتور «بين» السريع الغضب فقال: «واسمح لي أنا أيضًا يا سيدي بأن أقول إنني لو كنت في مركز تابلتون أو سلامر لجدعت أنفك يا سيدي، وأنف كل رجل في جماعتك … أي والله، لما ترددت في جدع أنوفكم جميعًا، إنني أُدعَى «بين» يا سيدي … الدكتور «بين» في الآلاي الثالث والأربعين، طاب مساؤك يا سيدي.»
وما كاد يختم هذا القول بالكلمات الثلاث الأخيرة بصوت جهير، حتى تسلل مزهوًّا متعاظمًا في إثر صديقه، وتبعهما على الأثر الدكتور سلامر دون أن يقول شيئًا، وإنما قنع بإلقاء نظرة ساخرة على القوم جميعًا.
وكان الغضب المتزايد، والدهشة المتناهية، قد هاجا في صدر المستر بكوك، وأثارا عاطفة النبل في جوانحه، حتى كاد صداره ينشق عند سماعه ذلك التحدي السافر، فوقف مسمرًا جامدًا في مكانه، ينظر نظرات فارغة، ولكن صوت انغلاق الباب أثابه إلى رشده، فانطلق وسورة الغضب بادية في عينيه، والنار متأججة في ناظريه، ويده على أكرة الباب، وكانت في اللحظة التالية ستمسك بعنق الدكتور «بين» طبيب الآلاي الثالث والأربعين، لولا أن جرى المستر سنودجراس وراءه، فأمسك رئيسه الموقر من ذيل ردائه، وراح يجره جرًّا.
وصاح المستر سنودجراس بصاحبيه قائلًا: «أمسكاه يا ونكل وطبمن، فلا يصح أن يعرض للخطر حياته الغالية في أمر كهذا.»
وقال المستر بكوك: «دعوني أذهب.»
وعاد المستر سنودجراس يصيح بهما قائلًا: «شدِّدا الإمساك به.»
وهكذا تعاون القوم جميعًا على إرغام المستر بكوك على التهالك في مقعد رحيب.
وقال الغريب ذو الثوب الأخضر: «دعوه وخلوا عنه … بكأس من البراندي والماء … يا له من شيخ بديع، ممتليء شجاعة وإقدامًا … اشربْ هذا الكأس … هُمَّ، إنه شراب مفتخر.»
وكان من قبلُ قد ذاق حلاوتها، بعد أن تولى الرجل التعس «شعشعتها»، وتقدم الغريب بالكأس فقرَّبها من شفتي المستر بكوك؛ فلم تلبث بقاياها أن توارت في جوفه.
وساد السكون لحظة، وفعلت كأس البراندي فعلها؛ فعاد وجه المستر بكوك ينطلق واسترد تهلله المألوف.
وقال الرجل «التعس»: «إنهم لا يستحقون منك التفاتًا.»
وأجاب المستر بكوك قائلًا: «أنت على حق يا سيدي … فهم لا يستحقونه، وإني لخجلان من أنني استسلمت لهذا الغضب الذي بدر مني … هلَّا قربت كرسيك من المنضدة ياسيدي؟» فامتثل الرجل التعس في الحال لأمره، وانتظم القوم حلقة حول الخوان، وعاد الوئام يسود القوم، وإن بدا على المستر ونكل شيء من القلق قد ظل مخامرًا صدره، ولعل مرجعه إلى انتزاع ثوبه من الحقيبة، وغيابه عنها إلى حين، وإن لم يكن من المعقول أن نظن أن حادثًا يسيرًا كهذا يمكن أن يثير غضبًا ولو عابرًا في صدر رجل من معاشر «البكويكيين».
وفيما عدا هذا عاد القوم إلى مرحهم، واستردوا صفو مزاجهم، وانتهى المساء بالروح المرحة التي بدأ بها.