الفصل الثالث عشر
وصف معارك روسيا
تقدُّمها وتأخُّرها
في أوائل شهر أغسطس سنة ١٩١٤ ولَّتْ روسيا الغرندوق نيقولا نيقولافتش قيادة جيشها
العامة،
وشرَعَتْ في هجومين أحدهما من الشمال، حيث عبر جيشها حدود بروسيا الشرقية وكسر الألمان
في
معركة جمبنين، وطوَّق مدينة كنجسبرج، ثمَّ كرَّ هندنبرج على الرُّوس في معركة تننبرج،
فحمَّلهم خسارة فادحة وأكرهَهم على التقهقُر إلى نهر نيامن، ثمَّ انتصروا عليه في معركة
أوغستوفو وأرجعوه إلى بروسيا الشرقية.
وهجم الرُّوس من الجنوب على النمسويين، فافتتحوا لمبرج عنوة في ٣ سبتمبر سنة ١٩١٤،
وواصلوا
زحفَهم وعبروا مضايق الكربات، فاستولَوْا على تزرنوفتش وياروسلاف، وطوَّقوا برزميسل في
٢٢سبتمبر، ثمَّ عبروا نهر السان واجتاحوا غليسيا واحتلُّوا معظم بيكوفينا، وافتتحوا برزميسل
في ٢٢ مارس سنة ١٩١٥، وأسروا فيها ١٢٠ ألفًا وغنموا نحو ألف مدفع، فاستنجدتِ النمسا ألمانيا،
فأمَّدتْها بجيش كبير بقيادة الجنرال مكنزن ومعه ألوف من المدافع الضخمة، وكان ذلك في
٢٨
أبريل سنة ١٩١٥، فكرَّ الجيشان على الرُّوس الذين كانتْ ذخائرهم قد نفِدَتْ أو كادتْ،
فاضطُرُّوا أن
يتقهقَروا ويُخلُوا جميع المدن التي افتتحوها، والجيشان يطاردانهم ويُمْعِنان في الفتح
والتدويخ
حتى بلغا بنسك وفلنا في ١٩ سبتمبر ١٩١٥.
وجيش الروس كرَّ على غلسيا
وأرهق مدنها فتحًا وحصرا
طما كالسيل يجرفُ ما يراهُ
يعارضهُ ويوقف منه مجرى
وجاح سهولَها وغزا رُباها
وجاز مياهها نهرًا فنهرا
ودكَّ قلاعها واضطرَّ مَن في
معاقلها إلى التسليم جبرا
وساق فيالق النمسا وفيهم
تحكَّم مُمْعِنًا قتلًا وأسرا
وراضَ شوامخَ الكربات حتى
أطاعتْ واستماحتْ منه عذرا
وأوغلَ في مضايِقها ومنها
على هنغاريا أشفى
١ مُطِرَّا
٢
وبينا النصر بين يدين يجري
مطيعًا والمنى تفترُّ ثغرا
ومنه ساقَةُ الأعداءِ تلقى
مضارب تبتر الأعناق بترا
إذا النمسا بألمانيا استغاثت
ونادتْها الوحى رحماكِ نصرا
أمدِّيني على عجلٍ بِسُدٍّ
يصدُّ السيلَ عن أرضي ويدرا
وإلَّا طمَّني غرقًا وذيل الد
مار عليَّ ثمَّ عليك جرَّا
فلبَّتْها حليفتها وأزْجَتْ
إليها جحفلًا كالغمر مجرا
٣
كفَتْه حاجَهُ من كل شيءٍ
وزادتْ فوقها أشياء أخرى
به ألمانيا النمسا أغاثت
مولِّيةً مكنزن فيه أمرا
فخفَّ إلى غلسيا حيث كانت
تُقَطُّ مزابر
٤ النمسا وتُبرَى
وداجي اليأس باتَ بها محيطًا
وصار هلالُ نصرِ الروس بدرا
ففاجأ جيش إيفانوف يبغي
عن النمسا له ردعًا وزجرا
وإقدامٍ ولم يكُ منه أجرا
٦
ولكن كان أمنع منه درعًا
وأوفرَ عُدَّةً وأشدَّ ظهرا
فسار تُقِلُّه قُطُرُ الحديد الضـ
ـخامُ وخلْفَه النجداتُ تترى
وتدعمه مدافع فائقاتٌ
مدافع خصمه مرمًى وقُطْرا
وهذي كان إيفانوف يشكو
إلهيا كلها عوزًا وفقرا
فأصبح كلَّما ناجى مكنزن
بقنبلةٍ يردُّ عليه عشرا
لذاك اضطُرَّ أن يرتدَّ شرقًا
ويُقفِلَ باب فتح الغرب قسرا
وفي بولندا حاول حمل ضغط الـ
ـعدوِّ فما استطاع عليه صبرا
فأخلاها كما أخلى غلسيا
وعاد عليه ماضي الربح خُسْرا