الفصل السابع عشر
غزوة روسيا لإرْمِينِيَة
في أوائل سنة ١٩١٦ استأنفتْ روسيا غاراتها على تركيا في إرْمِينِيَة بقيادة الجنرال ينودتش، وأمْعنتْ جيوشُها في الفتح والتدويخ، والجيش العثماني يتقهقر أمامَهم بنظامٍ وبغير نظام، حتى استولَوْا عنوة على أرضروم في ١٥ فبراير، وافتتحوا طرابزون في ١٨ أبريل، وأرزنجان في ٢٦ يوليو، واحتلُّوا وان وموش وبتليس وغيرها، وحملوا الجيش العثماني خسارةً كبيرةً من القتلى والأسرى والجرحى.
تبجَّح الاتِّحاديُّون وافتخروا
بأنهم غلبوا في كوتَ وانتصروا
بثُّوا البشائر ما بين العشائر والـ
أنباء بالبرق في ألمانيا نشروا
قالوا لهم إنهم جاحوا١ العدوَّ وقد
نالوا به ظفرًا ما بعدَه ظفرُ
وأنهم جندلوا عشرين ألف فتًى
قتلى وعشرين ألفًا غيرها أسروا
وأنهم قذفوا الباقين منه إلى
لُجِّ البحار ولم يُبْقُوا ولم يَذَروا
وأنَّهم طهَّروا أرضَ العراق فما
باقٍ لعين الأُلى عاثوا بها أثرُ
بمثلِ هذي الأكاذيب افتَرَوْا ولَكَمْ
من قبلُ حِيكَ على منوالها خبرُ!
فأسرُ تنزند في كوت الإمارة لم
يكن ليُجْدِيَهم نفعًا لو افتكروا
نسوا به أو تناسَوْا ما أصابهم
من نحو تسعينَ يومًا ليتهم ذكروا
والربح في كوت لن يلقَوْا به عوضًا
لبعض ما في ربى إرمينيا خسروا
هناك كرَّتْ جيوش الروس تُوسِعهم
ضربًا تطاير منه فوقَهم شررُ
في معمعان الشتا في أول السنة الـ
ـجديدة افتُجئوا وانتابهم ذعرُ
كان الهجوم عليهم بالحقيقة من
أشدِّ ما عرفوا من قبلُ واختبروا
إنَّ الطبيعة كانتْ في مظاهرَها
نصيرةَ الرُّوس حتى أنهم ظهروا
تبعَّقت هي بالسيل الغزير وهم
تدفَّقوا بالكماة الصيد وانهمروا
وبرقها بهر الأبصار وامضهُ
والروس إذ ألهبوا بارودهم بهروا
ورعدها طبَّق الآفاقَ قاصفُه
والروس كالأسد رجُّوا الأرض إذْ زأَروا
وقُرُّها٢ هرأ الترك الألى سلِموا
من قاذفات سعيرًا بردها سقرُ
وانصبَّ مع ثلجها لَمَّا هَمَى برَدٌ
عليهمُ كرصاص الروس منحدرُ
كلاهما عارضٌ طامٍ فكان إذا
لم يُرْدِهم مطرٌ أودى بهم مطرُ
لم يُجْدِ مِن شائك الأسلاك ما غرزوا
حول الحصون فلم يدفع به خطرُ
لأنها برُكام الثلج قد غُمِرتْ
وشوكُها بات لا يُخشَى له ضررُ
والروس ساروا إلى تلك الحصون على
كِسْف٣ الثلوج وبالأسلاك ما شعروا
وكالبُزاة تنزَّوْا حولها وسعى
حُماتها أن يصدُّهم فما قدروا
يا طالما حَذِروا هذا الهجوم وإذْ
جرى على غِرَّةٍ لم ينفع الحذرُ
ضاعتْ أرضروم منهم وهي واسطة الـ
عقد الذي الروس في إرمينيا نثروا
وعندَما حفظُها أعياهم اعتزموا
على الفرار بما كانوا بها ادَّخروا
ولم يكن ذاك في إمكانهم وعلى
إنقاذ أنفسهم إن أمكن اقتصروا
ففرَّ مَن فرَّ منهم والأُلى عجزوا
عنه ولم يُصمِهم سهمُ الردى أُسِروا
وربما استسهلَ الأتراك نَكْبتهم
لو كان في أرضروم الخطب ينحصرُ
لكنَّه قد تعدَّى أرضروم إلى
طرابزون التي عن صونها قصروا
وحاولوا حفظ بتليسٍ ووَانَ فما
فازوا وكرُّوا بأرزنجان فانكسروا
لكنهم حسبوا استرداد كوت من الـ
ـغُزاة أعظم نصرٍ ساقَه القدرُ
ربحٌ يَسيرٌ حقيرٌ عظَّموه وما
من قبله خسروا في جنبهِ احتقروا
أنساهم فقدَهم إرمينيا وبهِ
تبجَّح الاتِّحاديون وافتخروا
١
أهلكوا واستأصلوا.
٢
بردها.
٣
قِطعُ.