في ٢١ فبراير سنة ١٩١٦ هجم وليُّ عهد ألمانيا بجيشٍ كبيرٍ على فردون من الشرق والشمال،
قاصدًا أن يخترق حصونها ويشقَّ طريقًا إلى باريس، ويمحو عار التقصير الذي لحق به في معركة
المارن الأولى، فقذف برجاله على حصونها الأمامية غير مبالٍ بالنار الآكِلة التي كانت
تتناول
صفوفهم وتلتَهِم ألوفَهم، وقد حاز بعض انتصارات أوليَّة اشتراها بأغلى الأثمان، واحتلَّ
عدة
قُرًى وحصون وخنادق وتلال في شرق فردون وشمالها، وحُماتُها البواسل ثابتون على نضاله
لا
يتخلَّوْن له عن شبرٍ من الأرض إلَّا بدماء العشرات والمئات من رجاله، وظلَّتِ الحال
على هذا
المنوال إلى ٢٤ أكتوبر حين انقلبوا من الدفاع إلى الهجوم، وأرْغَموا العدوَّ المهاجِم
على إخلاء
عدة قُرًى وحصون، وترك نحو ٥ آلاف أسير، ثم جدَّدوا الكرَّ عليه في ١٥ ديسمبر، فاخترقوا
خطوطَه، واستولَوْا على كثيرٍ من الخنادق والقرى والحصون، وأسَرُوا منه نحو ١٢ ألف، وغنموا
نحو
١٢٠ مدفعًا، وأرجعوا خطَّهم إلى حيث كان الخط الألماني يوم ٢٨ فبراير، وتقدَّموا في بعض
الأماكن نحو الخط الألماني الأول كما كان يوم ٢٠ فبراير، وقد وضَعَ خطةَ هذا الهجوم الجنرال
نيفيل الذي تعيَّن إذ ذاك قائدًا عامًّا، وأدار حركته الجنرال بتاين وقاد الجنود فيه
الجنرال تنجير.
إيهِ فردون إننا مُنصتونا
حدِّثينا عمَّا جرى حدِّثينا
طبَّق الأرضَ ذكرُ مجدكِ حتى
ردَّدَتْه أملاك علِّيينا
٢
ذكر مجدٍ في الخافقين صداهُ
رنَّ والدنيا تستعيدُ الرنينا
نشرتْه الصَّبا فأنشأ في النا
س ارتياحًا وصبوةً وحنينَا
ذكرُ مجدٍ من طيِّه يعيق النشـ
ـر فيُزْري بالمسك من دارينا
ذكرُ مجدٍ ما دار في الفم إلا
كبَّر السامعون والذاكرونا
كبَّروا كلُّهم جهارًا وصاحوا
هكذا المجد ينبغي أن يكونا
فتَّش الباحثون في المجد تاريخ
المعالي يستنطقون القرونا
فرأَوْا فيه أنَّ مجدكِ هذا
لم يُدوِّنْ له الرُّواة قَرِينَا
وصْفُه يُعجِز البليغ ويُلْقِي الرَّ
وْع في قلب أبرعِ الكاتبينا
نتملَّى جمالَه ما بقينا
وتذكِّرنا يومكِ الميمونا
ذلك اليوم سوف يُحفَظ عيدًا
لخلاص الدنيا من الظالمينا
فيه أبطالُك الحُماة الصناديـ
ـد انبَرَوْا للدفاع مستبسلينا
لم يخصُّوا دفاعهم بكِ بل هم
دافعوا عن حرية العالمينا
٣
وقفوا للغُزاة وقفة آسا
دٍ أمام العرين تحمي العرينا
•••
في وجوهِ الألمان من بدءِ هذي الـ
ـحرب فردونُ قمتِ سدًّا متينَا
بكِ شلتْ في وقعة المرن يسرا
هم فلم تَقْوَ أن تمدَّ اليمينا
حُلْتِ دون امتدادِها وعليها
رُغت ضربًا حتى قطعتِ الوتينا
٤
وابن غليومَ بالتحرَّك أغرا
ها ومنها لم يَلْقَ إلا سكونَا
هكذا كان ذلك اليوم والألـ
ـمانُ ولَّوْا في المرن منهزمينا
كُسِروا كسرةً تردَّى وليُّ الـ
ـعهد فيها خزيًا وعارًا وهونَا
كنتِ مِدعاة ما تعنَّاهُ يوم الـ
ـمرن إذْ هِجتِ في حشاه الشجونا
وعليكِ استشاط والغلُّ فيهِ
ظلَّ من ذاك الحين يغلي دفينا
ولإدراك ثأره منك أنضى
عزمهُ حالفًا عليه يمينَا
ومضى في استعداده مستجيشًا
من ألوف المجرِّبين مئينَا
وقضى فيه نحو عشرين شهرًا
مستثيرًا عليكِ حربًا زَبُونَا
لم يفرِّط فيما رآه كفيلًا
أن يكون انتصاره مضمونَا
وإذ استَوْفى ما أراد وألفى
كلَّ شيءٍ بأمره مرهونَا
أصدر الأمر بالهجوم فرُجَّتْ
حولك الأرض مِن خُطَى الهاجمينا
وعليكِ الجيوش كالسيل طمُّوا
فيلقًا تلو فيلقٍ زاحفينا
ومن الشرق والشمال تصدَّوْا
لكِ مستقتلين يقتحمونا
وتنزَّوا على قلاع ضواحيك
انقضاض القضاء ينقضُّونا
ما حمَتْك الحصون بل حامياتٌ
ناضلتْ عنك وهي تحمي الحصونا
ما وقاكِ الحديد والصخر والبا
رود بل كان جندُكِ الواقينا
هم تبارَوْا في الذَّوْد عنك مشاةً
يسبقون الركبان والطائرينا
وتجارَوْا إليه يستسهلون الصـ
ـعب فيه بل يزدرون المنونا
وتواصَوْا أن يثبتوا ويصدُّوا
عن صَيَاصِيك كرَّة الهاجمينا
وتفانَوْا فيه وهم غيرَ موتٍ
في سبيل الدفاع لا يبتغونا
باذلين الحياة طوعًا لكي يبـ
ـقى حِماك العزيزُ حرًّا مَصونَا
وتجافَوْا عن راحةٍ ورفاهٍ
بهما كانوا قبلُ مستمتعينا
وأعدُّوا عزمًا يفلُّ شبا الغا
زين بل يفري أضلعَ الدارعينا
ولعينيكِ واصلوا السُّهد حتى
منعوا النوم أن يزور العيونا
ولعيني فردون سلُّوا سيوفًا
ما أرادتْ غير الصدور جفونَا
وتلقَّوْا عنك الحديد بضربٍ
ساحقٍ منه قلبه أو يلينا
لم يرُعْهُم أنَّ العداة عليهم
هجموا كالبناء مرصوصينا
مزَّقوا شملَهم وعنكِ على الأعـ
ـقاب ردُّوا جموعهم ناكصينا
زعموا أن وصل فردون سهل
فرأَوْا دونه رُبًى وحُزُونَا
ما استفادوا من بذلهم نصف مليو
ن ولَوْ زادوا فوقَهم مليونَا
هم شبُّوا عليك نارًا وإذْ أنـ
ـقذت منها كانتْ لهم أتُّونا
وابتغَوْا نهلةَ انتصار فباءوا
يجرعون الزَّقُّوم والغِسْلِينا
ورأَوْا أنهم بقايا فردريكٍ
وحاموكِ رهط نابليونا