في أول أغسطس سنة ١٩١٦ حاول الأتراك استئناف الهجوم على قناة السويس، ونشبتْ معركة
الرمانة
في ٤ منه، وأسفرتْ عن انكسار الأتراك وفرارهم من قطية فبئر العبد إلى العريش، وخسارتهم
٩ آلاف
بين قتيل وأسير وجريح، وكان قائد الجيش البريطاني إذْ ذاك الجنرال أرشيلد مري، وكان الفضل
الأكبر في ردِّ غارة العثمانيين، وتحميلهم هذه الخسارة الكبيرة لفرسان الأستراليين
والنيوزيلنديين.
وفي ٢١ ديسمبر احتلَّ الجيش البريطاني العريش، وفي ٢٧ منه احتلَّ مقضبة، وفي ٩ يناير
سنة
١٩١٧ احتلَّ رفح، وتقهقر الجيش العثماني إلى خط خان يونس والشلال، ولم يَبْقَ له في شبه
جزيرة
سيناء من أثر.
ودخول الترك في الحرب صادرْ
عن غرور فيه أنور غائرْ
فهو في الدولة ناهٍ وآمِرْ
وبها خاطر غير محاذرْ
وتناسى القول «ليس المخاطرْ»
زجَّها في الحرب جورًا وظلمًا
وعليها الشرَّ جرَّ فطمَّا
وإلى الأهلين ثُكْلًا ويُتْمًا
ساق والجيشَ أجاع وأظمى
وبه طوَّح تطويح جائرْ
وهو فيها مثل كلِّ اتحادي
ناعِمِ البال طَرُوب الفؤادِ
لا يبالون بما في البلاد
من دمارٍ آخذٍ في ازديادِ
وشقاءٍ لفمِ الفتك فاغرْ
أقفروا من ساكنيها المرابع
ومنَوْهم بالرزايا الفواجع
غادروهم بين عارٍ وجائع
وأخي داءٍ عياءٍ ونازع
ومسجًّى
١ لا يواريهِ قابرْ
مَن نجا منهم بهُونِ قُعَيْسِ
٣
وقنوط للعزائم ناحرْ
مع هذا كله لم يحيدوا
عن ضلالٍ ما عليه مزيدُ
بل على مصر ارتأوا أن يعيدوا
كرَّةً أخرى عساها تفيدُ
ظفرًا عنه تذاع البشائر
يوم رمَّانة كان خطيرَا
مستطيرًا شرُّهُ قمطريرَا
٥
أُصلِيَ الأتراكُ فيه سعيرَا
وسُقوا مُهْلًا حميمًا حَرُورَا
٦
ولقوا ضربًا يشقُّ المرائرْ
فيهِ يا مصر حُماتُكِ صدُّوا
هجمات الترك عنكِ وردُّوا
كيدهم في نحرهم واستردُّوا
لكِ سينا كلها واستعدُّوا
لتخطِّيها إلى ما يجاورْ
يوم رمانة غازوكِ خاروا
قوَّة فيه فزاغوا وحاروا
وبهم كاد يَحِيق البَوارُ
ولهم لم يَبْقَ إلَّا الفِرارُ
وبه لاذوا فجازوا المخاطرْ
بعدها قطيةَ أخلوا وبئر الـ
ـعبد جازوا والعريش تنقَّلْ
ظِلُّهم من أرضها وتحمَّلْ
وإلى مقضبةَ السير حوَّلْ
وبها حلُّوا حلول المسافرْ
لم يَطُلْ للترك فيها المقامُ
وعليهم ثَمَّ جدَّ الزحامُ
فجأة رِيعوا به والضرامُ
شبَّ من حولهم والحِمامُ
فوقهم أضحى يحوم كطائرْ
جاءهم جيش مري فابتلاهم
بهجوم هدَّ ركن قواهم
حين ولَّوْا مدبِّرين اقتفاهم
ودهاهم مُعمِلًا في قفاهم
تحت داجي النَّقْع
٧ بِيضَ البواترْ
سامَهم هُونًا وذُلًّا وخسرَا
وانكسارًا منه ذاقوا الأمرَّا
غادروا قتلى وجرحى وأسرى
ضعف من نكص منهم وفرَّا
هكذا كان جزاء المقامرْ
بعدما عانوا صروفَ النكالِ
وغدتْ حالتهم شرَّ حالِ
رفح اختاروا محطَّ الرحالِ
وإليها عجلوا في ارتحالِ
يسبق الأول منهم آخِرْ
ولهم في رفح الظافرونا
فاجئوا لا يَرْهَبون المنونا
وعليهم هجموا صائلينا
صولة الأَسْدِ بهم فاتِكينا
فتك بازٍ بالطيور الأصاغرْ
هكذا كان مصير الذينا
حاولوا تدويخ مصر جنونا
وقضَوْا عامين في تِيهِ سِنيا
وبغَوْا ثمَّ انجلَوْا مُكْرَهينا
«وعلى الباغي تدور الدوائرْ»