في ٢٧ أغسطس سنة ١٩١٧ شهرتْ رومانيا الحرب على النمسا، واجتازتْ جيوشُها مضايق الكربات،
وأوغلتْ في ترنسلفانيا إلى مدى ٥٠ ميلًا، وحينئذٍ استغاثتِ النمسا بألمانيا جريًا على
عادتها،
فأمدَّتْها بجيشٍ كبيرٍ جعلتْه مع الجيش النمسوي المدافِع تحت قيادة الجنرال فلكنهين،
وولَّتِ
الجنرال مكنزن قيادة جيش آخَر كبير مؤلَّف من فِرَق بلغارية وعثمانية وألمانية، فأطبق
الجيشان على رومانيا؛ الأول من الشَّمال والآخَر من الجنوب. وكان الهجوم الروسي السابق
ذكره قد
توقَّف، فلم تظفر رومانيا بالمساعدة التي كانتْ تتوقَّعها من روسيا، فاضطُرَّت جيوشها
أن تتقهقر
عن بلادها كلِّها تقريبًا، ووقع جانبٌ كبيرٌ من جنودها أسرى في أيدي الهاجمين.
سنتان طالَ مداهما والحرب ما
فتئتْ تزيد تسَّعُرًا وتضرُّمَا
ونطاقها يمتدُّ في الدنيا على
سكانها بدجى الشقاء مُخيِّمَا
ما انفكَّ مُحْضِئُها يخاف خمودها
فيزيد مارجها وَقِيدًا كلما
أغرى بها الأتراك قبلًا ثمَّ مِن
سَنةٍ بها البلغار زجَّ وأقحما
وعلى ارتكاب أشد ما يَتصوَّر الـ
إنسان من شرِّ الفظائع أقدما
للأمَّهات وللقرائن مُثْكِلًا
ومُرَمِّلًا وصغارهن مُيَتِّمَا
وأقلُّ ما يَجْنيه قتْلُ الأبريا
وأحلُّ شيءٍ عنده سفكُ الدِّما
كم داسَ عهدًا واستهان كبيرةً!
واجتاس قدسًا واستباح محرَّمَا!
وأتى جرائم اجفلتْ مِن هولها الد
نيا وضجَّتْ من فظائعها السَّما
ونما إلى رومانيا من وصْفها
ما هاجَ ساكن غيظها فتحدَّما
وتحقَّقتْ أنَّ السلام تعمَّدَ الـ
ـجرمان نقضَ أساسهِ فتهدَّما
ورأتْ عليها فرضَ دفع بلائه
عنها كما عن غيرها متحتِّمَا
وألحظ أظفرها بأحسن فرصةٍ
سنحتْ لها لتنال منها المغنما
وتضم تحت لوائها من شعبها
قومًا يجرِّعهم عداها العلقما
وهجوم بَرْسيلوف شدَّد عزمها
لتشقَّ منطقة الحيادِ وتهجُما
وإلى ترنسلفانيا طمحتْ بها الـ
ـآمالُ والدهر العبوسُ تبسَّمَا
وبقربِ إشرافٍ عليها علَّلتْ
نفسًا ولاسترجاعها فتحتْ فما
ووقوفها في جانب الحلفاءِ لم
تلبثْ أنِ اتَّخذتْه حُكْمًا مُبْرَمَا
والحرب شبَّتْها على النمسا وللـ
غرض الذي قصدتْه راشتْ أسهُمَا
وعلى ترنسلفانيا ما أبطأتْ
أنْ جرَّدتْ للزَّحْف جيشًا خِضْرِمَا
١
غشَّى مضايقَها وجاز حزونها
متوغِّلًا في فتْحها متقدِّمَا
وأمامه الجيش المدافِع لا يَرَى
غير الفرار إلى السلامة سُلَّمَا
واسترسَل الرومان في التدويخ والنـ
ـمسا تُهيبُ بجيشها أن يُحجِما
وإلى مدى خمسين ميلًا ما اكتفَوْا
بالزحف بل صاح الجميع: إلى الأما
٢
وارتاعتِ النمسا ارتياعًا إذْ رأتْ
هول المصاب أمامَها متجسِّمَا
فشكتْ إلى الألمان قائلةً لهم:
هيُّوا انظروا جرحي وهاتوا المرهما
ولغوثها جمعوا الصفوف وعبَّئوا
جيشًا لصدِّ الهاجمين عرمرمَا
منها ومنهم ألَّفوه وجرَّد الـ
أتراكُ والبلغار جيشًا منهمَا
وهجومُ بَرْسيلوف أوْقَف رافعًا
عن عاتق النمسا العناءَ الأعظما
فتمكَّنتْ من نقْلِ معظم جيشها
درءًا لعادية الهجوم على الحمى
وبه وبالمدد الذي نالتْه من
حلفائها حدُّ الهجوم تَثَلَّمَا
واضطُرَّت الرومانَ أن يخلوا لها
ما اعتمَّ فيه نصرهم وتختَّما
فتراجعوا عنه وأُكره جيشهم
بدل الهجوم على الدفاع وأُرغِما
ولهم من النمسا تصدَّى هاجمًا
جيش لفلكنهين قائدهِ انتمى
ومن الجنوب أتى مكنزن قائدًا
جيشًا فأنجد في الهجوم وأتْهما
وعليهم الجيشان حالًا أطبقا
وخُطى مكنزن في الهجوم ترسَّما
٣
عَبرَ المضايق ذاك منقضًّا وذا الد
انوب شقَّ وجازهُ متقدِّمَا
سدَّا على الرومان بابَ الغوث من
حلفائهم في الغرب سدًّا محكمَا
لم يستَطِعْه قطُّ إلَّا روسيا
وهي التي وعدتْ به لكنما
ويُقال لو كانتْ بما وعدتْ وفتْ
صدُّوا الهجوم ولم يُصِبْهم منه ما
ويُقال بل رومانيا أولى بأن
يُقضَى عليها بالملام ويُحكَما
أمَّا أنا فأعُدُّه سرًّا ومَن
لي أن يبوح به إليَّ فأَعْلَما