في ٦ مارس سنة ١٩١٧ هاجم البريطانيون الأتراك في جنوب فلسطين، فأكرهوهم على التقهقر
من خط
خان يونس والشلال إلى خط غزة وتل الشريعة، وفي ٢٦ و٢٧ منه دارت معركة شديدة في ضواحي
غزة لم
يظفر فيها الجيش المهاجم بطائل، وفي ١٧ و١٨ و١٩ إبريل نشبت معركة أخرى حول غزة أسفرتْ
عن
تقدُّم البريطانيين واستيلائهم على تل شمشون وهضاب جبل المنطار الجنوبية.
وفي أوائل شهر يونيو تعيَّن الجنرال السر أدمند أللنبي
١ قائد الجيش البريطاني الأول في فرنسا خلفًا للجنرال أرشيلدمري قائد الجيوش
البريطانية في مصر وفلسطين.
وفي ٣١ أكتوبر سنة ١٩١٧ أصدر الجنرال أللنبي أمره للجيش البريطاني بالهجوم على ميسرة
الأتراك بعدما أوْهمهم أنه هاجم على ميمنتهم، فاستَوْلى على بئر سبع، ثمَّ عطف على غزة
ففتحها عنوة
في ٧ نوفمبر، وشرع يطارد الأتراك المنهزمين شمالًا، ويأسر رجالهم ويغنم أسلحتهم ومعدَّاتهم.
وفي ١٠ منه بلغتْ طلائع البريطانيين أشدود، وفي ١٣ منه استَوْلَوْا على تقاطع سكة حديد
بئر سبع
وسكة يافا والقدس، وفي ١٥ منه احتلُّوا الرملة واللد، وبلغ مجموع الذين أسروهم تسعة آلاف،
وفي ١٧ منه احتلَّ فرسانهم يافا، وفي ٩ سبتمبر سلمتِ القدس، وظُهْر يوم ١١ منه دخلها
الجنرال
أللنبي رسميًّا ومعه قواد الفصائل الفرنسوية والإيطالية والملحقون العسكريون الفرنسوي
والإيطالي والأميركي، وجميعهم مُشاة على الأقدام.
وبلغ مجموع الذين أسرهم البريطانيون ١٢٠٣٦، بينهم ٥٦٢ ضابطًا، ومجموع ما غنموه ٩٩
مدفعًا
كبيرًا، و١١٠ مدافع سريعة، و٧٠٠٠ بندقية و
مليون خرطوشة، و٥٨ ألف قنبلة، وغير ذلك من
الذخائر والمعدَّات.
قمِ انظر تجِدْ شاربَ الليل طرّْ
٢
فأدرك مما ابتغاه الوطرْ
وبزَّ أخاه النهر المتوعَ
٣
وكالليث صالَ عليه وكرّْ
وبالطول باهي وتاهَ على النـ
ـهار الذي بات يشكو القِصَرْ
وهذا يدلُّك أنَّ الخريفَ
على الصيف شدَّ الهجوم ففرّْ
أجل حلَّ ضيفُ الخريف الثقيل
فلم يَبْقَ للصيف إلَّا السفرْ
وكالصيف عصرُ الشباب الذي
يغيب إذا ما المشيب حضر
أجل جاء فصل الخريف وما
عليه يدلُّك مثل الشجرْ
ألستَ ترى شمل أوراقِها
تشتتَ والعِقد منها انتثر
وحفَّتْ بها وحشةٌ لم تدعْ
لأنس خمائلها مِن أثرْ
وحدَّتْ على الصيف فاقدةً
له فقدَ سارٍ ضياءَ القَمَرْ
رأتْ في وجوهِ الطيورِ انقباضًا
به كلُّ حيٍّ سواها شعر
نذيرً بضنكِ الشتاء الذي
لنيرانه في الخريف شرَر
طليعتُه ظلمةٌ إنْ دجَتْ
فللنور من أثرٍ لا تذر
يمدُّ يديه بها مدلجٌ
تلمُّسَ أعمى شديد الحذرْ
ورعدٌ يزمجرُ من حوله
وبرقٌ يلي خاطفًا للبصر
وودقٌ يسحُّ بأغزر ما
يُقال له في الشتاء مطر
وللزمهرير المنيخ على الـ
أضالع وخزٌ كوخز الإبرْ
ومِن ذا وذاك وذلك في
فلسطينَ شعبٌ يُقاسي الأمرّْ
يهدِّده خطر الموت جوعًا
وما من رغيفٍ يذود الخطرْ
وشكواه من دائِه حيثُ لا
دواءَ تفتِّتُ قلب الحجر
ويُرهِقه ظلم قومٍ غدَوْا
به مثلًا سائرًا في البشر
فلو جاء فصل الشتاء ولم
يمدُّ إليه يديه القدر
لأردتْه هذي الرزايا وما
على أن يجوز مداها قدر
•••
وقبل الشتاء هلالُ الرجاء
لهم مِن خلال القنوط ظهر
تألَّق في القفر يجلو الدجى
كما يفعل الفجرُ عند السَّحرْ
أضاء بنورٍ بديعِ السَّنى
لألبابهم حينَ لاحَ سحر
تصدَّى الظلام لإخمادهِ
فأعياهُ ما رامه فانتحر
أغارَ عليه الخميس الذي
له من مفاوزَ سينا دحر
جلا التركُ عنها وجيش «مَري»
تدفَّق في إثرهم وانهمر
فأغرقهم سيلُه ولهم
بطوفان فتكٍ وبطشٍ غمر
وفي بئر سبعٍ وغزةَ ألقَوْا
عصا فرِّهم واستخاروا المقرّْ
ولمُّوا هنالك شعث الرجال الـ
أُلى مَلكُ الموت عنهم عبر
وزادوا عليهم كتائبَ هبَّتْ
من الشام مسرعةً بالسفر
وشادوا المتاريس من خلفها الـ
ـخنادقُ موصولةً بالحُفر
وفيها أقاموا وهم مستعدُّو
نَ أن يدفعوا الخطر المنتظر
•••
ولكنَّ هذا التحوُّط لم
يكن كافيًا لقضاء الوطر
وهذي المعدَّات لم تُجْدِهم
فتيلًا ولا جبرَتْ ما انكسر
ولم يستطيعوا تَوَقِّيَ ضربٍ
عليهم كالصاعقات انحدر
رماهم «أللنبي» به فأصاب الـ
ـمحزَّ وعزَّ بنيل الظفر
من الغرب ناجزهم موهمًا
لهم أن غزَّة مرمى المكرّْ
فخفُّوا بغزَّة يحمونها
وعن شرق غزَّة غضُّوا النظر
وكرَّ «أللنبي» على بئر سبع
ومن حولها منطق
٥ الحصر زرّْ
ومن قبل أن يُنجِدوها رأَوْه
عليها لوا الانتصار نشر
وعن ساعدِ الجد والسعي في
مطاردة الهاربين حسر
وخفَّ شمالًا وغربًا لكي
يبلغ غزَّة صدقَ الخبر
وطوَّقها بالأسود ومِن
جميع الجهات عليها زأر
من البرِّ شرقًا طما وجنوبًا
ببحرٍ بموج الكماة هدَر
وغربًا من البحر كرَّت جوارٍ
رواسٍ كأنَّ بها البحرَ برّْ
وحاكتْ على غزَّة النارُ منها
ومن ذلك الجيش نارَ سقر
ومقذوفها حول غزَّة دكَّ الـ
ـجبال وقلب الصخور فطر
شكا الترك من ضربها أيَّ حرٍّ
ومن طعنات الجيوش أحرّْ
ولما رأَوْا أنهم بعد هذا
بغزَّة ليس لهم من مقر
إلى الريح سيقانَهم أطلقوا
وراموا سلامتهم بالمفر
ومنه لسكانها فيضُ أمنٍ
شمالًا وشرقًا وغربًا صدر
وفيه يده سيفَ بطشٍ وفتكٍ
على الخانة الغادرين شهر
إلى أن أتى القدس فاحتلَّها
ومن قبلها تخمَ يافا عبر
وباتتْ فلسطين آمنةً
عدوًّا طغى وبغى وفجر
وعاد إليها الذين نفاهم
«جمالٌ» وواصلها مَن هجر
وفارق فيها الوجى قلبُ مَن
على جرع مرِّ العذاب صبر
وعنها تقلَّص ظلُّ الذين اسـ
ـتبدُّوا قرونًا بها واندثر
وهذا أخفُّ عقابٍ لِمَن
عتا وعصا الله فيما أمر
ولم يذَّكِر نعمة الله بل
تعمَّد إنكارها وكفر
ويا وَيْلَ مَن لم يُراعِ عهود الـ
أمانة بل خانَها وغدر