الفصل الثالث
وصف الحرب
سمعتُ مقالَ نفسي فاعتراني
ذهولٌ حرتُ فيه وضقتُ صَدْرا
وبعد تأمُّلي فيما ارْتأَتْه
شهدتُ لها بصحتِه مُقِرَّا
وأيقظتُ القريحةَ من كَراها
فلبَّتْني ولي لم تَعْصِ أمرا
وسالتْ واليراع يمدُّ منها
ويرقم وَحْيَها سطرًا فسطرا
عن الحرب التي دارتْ رحاها
فصار لها سوادُ الناس بُرَّا
تدفَّق سيلُها فطما عليهم
وأصبح غامرًا للأرض غَمرا
وشبَّ ضرامُها فشوى البرايا
كما تشوي الأتاتينُ الأَجُرَّا
ألمَّتْ بالوليد فشاب هولًا
ولامستِ الحديد فذاب صهرا
ولستُ أرى لها وصْفًا سوى ما
زهيرٌ١ قاله وكفاه فخرا
كأنَّ الغيبَ صوَّرها لديه
فأحكم وصْفَها فرَواه شعرا
ولو كبرى حروبِ الأرض عُدَّتْ
لما حُسبتْ لديها غيرَ صُغْرى
١
هو زهير بن أبي سُلْمى، صاحب المعلَّقة المشهورة التي يصِفُ فيها الحرب
أبلغ وصْف بقوله:
وما الحربُ إلَّا ما علمتُم وذقتُمُ
وما هو عنها بالحديث الْمُرَجَّمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً
وتضري إذا أضريتموها فتضرم
فتعرككم عركَ الرَّحى بثِفالِها
وتَلقَحْ كِشافًا ثمَّ تُنتَجْ فتُتْئِمِ