في ١٨ سبتمبر سنة ١٩١٨ هجم جيش الجنرال أللنبي — المؤلَّف من هنود وإنكليز وسكوتلنديين
وفرنسويين — على الأتراك في شمال فلسطين الغربي، فاستَوْلى على خط دفاعهم الأول والثاني،
واحتلَّ عدة قرًى، وفي العشرين منه زحف الهاجمون شرقًا، وتقدَّموا شمالًا، فبلغوا العفولة
فنابلس فالسَّامِرة فمسعودية، واحتلَّتْ فرسانُهم بيسان وجنين، وأسَروا في ثلاثة أيام
أكثر من
ثمانية عشر ألفًا، وفي ٢٢ منه كانوا قد تمكَّنوا من تمزيق شمل الجيشين العثمانيين السابع
والثامن، وأسَروا أكثر من ٢٥ ألفًا وغنِموا ٢٦٠ مدفعًا، وفي ٢٣ منه احتلُّوا حيفا وعكا
والناصرة، واستَوْلى النيوزيلنديون على السلط.
وكان الجيش العربي المرابِط في العقبة قد زحف بقيادة الأمير فيصل على ميمنة البريطانيين،
فاحتلَّ معان، وفي ٢٥ منه احتلَّ البريطانيون الصويلح، والعرب جردون، والأستراليون طبرية
وسمخ
والسمرا، والنيوزيلنديون والأستراليون عمَّان، وفي ٢٨ منه عبر الأستراليون جسر بنات يعقوب،
وبلغوا القنيطرة بعد الظهر، واحتلَّ الجيش العربي درعا حيث اتَّصل بالجيش البريطاني وأسر
١٥٠٠، وأصبح مجموع الأسرى خمسين ألفًا والمدافع ٣٢٥.
وفي صباح أول أكتوبر سلَّمتْ دمشق وأسَرَ الحلفاء فيها وفي ضواحيها أكثر من ثمانية
آلاف، وفي ٤
منه احتلُّوا مدينة صور، وفي ٦ منه مدينة صيداء ورياق وزحلة، وفي ٧ منه دخلتِ الفرقة
الفرنسوية البحرية مدينة بيروت، ووصل إليها الجنود الزاحفون من صيداء، وفي ١٣ منه احتلُّوا
طرابلس، وفي ١٥ منه حمص، وفي ٢٠ منه حماة، وفي ٢٦ حلب الشهباء.
وهكذا تمَّ فتح سوريا كلها في نحو ستة أسابيع، وبلغتِ المسافة التي قطعها فرسان الحلفاء
في
هذه المدة القصيرة أكثر من أربعمائة ميل، والأسرى الذين أسروهم نحو تسعين ألفًا.
وكان للجيشين العربيين بقيادة الأميرين فيصل وزيد شأنٌ يُذكر في هذا الفتح؛ فإنهما
واصَلا
الغارات على سكة الحديد الحجازية، وقطعا مواصلاتها غير مرة بنسْف جسورها وتدمير محطَّاتها
واقتلاع قضبانها، وفتكا بحامياتها، واستهدفا لكثيرٍ من المخاطر الشديدة، وفي الهجوم الأخير
زحفا من درعا ومعان، وانضمَّا إلى جيوش الحلفاء، كما تقدَّم الكلام وشاركاها في فتح بقية
المدن الشمالية الشرقية.
كرِّروا البشرى مرَّةً بعد مرَّةْ
بين كل الورى بأفصح نبرةْ
كرِّروها على المسامع كي ما
يتوقَّى ببَرْدِها القلبُ حرَّهْ
وأذيعوا في الخافقين صداها
يذرعُ البرَّ ثمَّ يجتازُ بحرَهْ
وانثروا زهرها على الروض حتى
يتحلَّى به وينظَم زهرهْ
وانفحوا الوردَ طيبها واجعلوهُ
ينتشي
١ نفحَه وينشقُ عطرهْ
وأفيضوا ضياءها وانشروه
وأرُونا في كل أفقٍ بدرَهْ
•••
تلك بشرى بالنفس تُشرَى وتسوى
لذَّتي باستماعها ألف بدرَهْ
يقرأُ المرءُ آيَها فيُلاشِي
متنُها كربَه ويشرَحُ صدرَهْ
إنها في جِيدِ البشائر عِقْدٌ
بل أراها في العقد أنفَسَ دُرَّةْ
إنها للنفوس طِيبٌ وللآ
ذان شِنفٌ وللنواظر قُرَّةْ
وجبينُ الآمال أصبح منها
زاهرًا مشرقًا بأيمن غُرَّةْ
يتملَّى السوريُّ منها سرورًا
إن يُكتِّمْه فهْي تُفشِي سِرَّهْ
ليس يقوى على بيان ابتهاجٍ
عمَّ منها ولو قضى فيه عمرَهْ
•••
تلك بشرى الإنقاذ من ظلمِ قومٍ
جرَّعوا الشرق من أذاهم أمرَّهْ
حكَّموا فيه كلَّ عبدٍ زنيمٍ
كان يُمضي بالسادة الغُرِّ أمرَهْ
ويسوم العزيزَ ذلًّا ويُمْنِي الـ
ـحُرَّ بالضَّيْم وهو يُصْلِيه جَمْرَهْ
تلك بشرى إطلاقِه بعدما ظل
قرونًا يَبْكي ويشكو أسْرَهْ
كل يومٍ على بنيه الأُلى جو
رًا وظلمًا غيلوا له ألفُ حسرةْ
كم شهيد شنقًا قضى وفقيدٍ
مات سجنًا أو ذاق في النفيِ خُسْرَهْ
٢
وغنيٍّ فيه قضى الخسف
٣ لا يلـ
ـقى لدفع الطوَى
٤ من الخبز كسرةْ
•••
جاءه الغوث من لدُنهُ تعالى
مُبدِلًا بالرخاء واليسر عسرهْ
وبجيش التحرير جيش «أللنبي»
خصَّ تأييده وآتاه نصرهْ
من فلسطين يوم كرَّ اعترى الألـ
ـمان ذعرٌ وأكبر التركُ كرَّهْ
بمغاويرَ كلهم يخطفُ البرْ
قَ سناهُ ويسبق المرءَ فكرهْ
٥
والغَشوم المهتاض
٦ إذْ هزَّموه
قوَّضوا عشَّه وهدُّوا وَكْرَهْ
أسروا منه نحو تسعين ألفًا
وأذاقوه صاب أشأمِ كسرةْ
•••
سنحتْ ثَمَّ فرصةٌ لبني العُر
بِ فسدُّوا في الحربِ أية ثغرةْ
قادهم ذلك الأمير ابن أسمى
والدٍ بل سليل أشرف أسرةْ
«فيصلٍ» وكفاه صيتًا وشهرةْ
هبَّ لَمَّا الأتراكُ جهلًا أباه
أغضبوه واستنفدوا منه صبرَهْ
ومن الحُمق أن ترومَ اقتحام الـ
ـغارِ جهرًا ولا تُبارِي هِزَبْرَهْ
وشمالًا مما جنوب معانٍ
سارَ شرقَ الأردُنِّ يَحْمِي عبرَهْ
زاحفًا عن يمين جيش «أللنبي»
وهْو يقفو في الفتح والضمِّ إثرَهْ
•••
وكلا الجحفلين أوغلَ يَفْرِي
سهلَ ذاك القَفرِ السحيق ووَعْرَهْ
والعدوُّ المذعور يهربُ منهم
جاعلًا عذرهُ عن الفرِّ ذُعرهْ
وبشهرٍ ونصف شهرٍ رأينا
هم أتمُّوا كسر العدوِّ وقهرهْ
والقرى والضياعُ والمدن والسُّكـ
ـان طرًّا وقاهم الله غدرَه
وبمنِّ الباري وفضل «أللنبي»
لُسنُهم في اعترافها مستمرَّةْ
ذلك القائدُ الذي سوف يُحْيِي
شرقُنا ذكرَه ويُعلِي قَدْرَهْ
وفلسطين مع شقيقتها الشا
م عليه تثني وتُعلِن شُكْرَهْ
وإلى الأحلاف الأماجد تطوي
مدحها والنسيم يسرقُ نشرهْ
أنقذوها من ظالمٍ هي كانت
أَمَةً عنده فصارتْ حُرَّةْ
ظالمٍ شرُّه بها كاد يُودِي
فكفاها محرورُها منه شرَّهْ
خلَّصوها منه وردُّوا إليه
كيدَه فانثنى مُصِيبًا نحرَهْ
وأعادتْ وساكنوها مرارًا
ما تغنَّتْ به الملائك مرَّةْ
«في الأعالي لله حمدٌ وفي الأر
ضِ سلامٌ وفي الأنام مسرَّةْ»