خاتمة القصة
(١) وَداعُ الْجَزِيرَةِ
رَأَى «بُرُسْبِيرُو» أَنَّ جَمِيعَ أَمانِيَّهُ قَدْ تَحَقَّقَتْ، فَتَأَهَّبَ (اسْتَعَدَّ) لِلسَّفَرِ مَعَ رُفَقائِهِ، وَأَصْلَحَ «آرْيِلُ» سَفِينَةَ الْمَلِكِ وَأَيْقَظَ مَلَّاحِيها مِنْ نَوْمِهِمُ الْعَمِيقِ.
وَدَعاهُمْ «بُرُسْبِيرُو» إِلَى كَهْفِهِ فَقَضَوْا فِيهِ لَيْلَةَ أُنْسٍ وَسُرُورٍ.
وَلَمَّا لاحَ الصَّباحُ، خَلَّفَ (تَرَكَ) «بُرُسْبِيرُو» كُتُبَ سِحْرِهِ فِي الْجَزِيرَةِ، وَحَطَّمَ عَصاهُ السِّحْرِيَّةَ (كَسَّرَها)، وَأَطْلَقَ سَراحَ الْجِنِّ الَّذِينَ كانُوا فِي أَسْرِهِ (أَعادَ الْحُرِّيَّةَ إِلَى الْمَسْجُونِيَن مِنْهُمْ)، وَعَفا عَنْ «كَلِيبانَ» وَتَرَكَ لَهُ جَزِيرَتَهُ.
(٢) أُغْنِيَّةُ «آرْيِلَ»
ثُمَّ دَعا «آرْيِلَ» وَمَنَحَهُ حُرِّيَّتَهُ الَّتِي وَعَدَهُ بِها، بَعْدَ أَنْ شَكَرَ لَهُ إِخْلاصَهُ وَوَفاءَهُ. فَفَرِحَ «آرْيِلُ» وَشَكَرَ لِسَيِّدِهِ أَحْسَنَ الشُّكْرِ، وَدَعا لَهُ بِالتَّوْفِيقِ. وَلَمْ يُطِقْ أَنْ يَكْتُمَ فَرَحَهُ وَسُرُورَهُ؛ فانْطَلَقَ يُغَنِّي بِصَوْتِهِ السَّاحِرِ:
•••
•••
•••
(٣) فِي مَدِينَةِ «مِيلانَ»
وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَقْلَعَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ، وَكانَتِ الرِّيحُ مُعْتَدِلَةً وَالْجَوُّ صافِيًا. وَكانَ «آرْيِلُ» يُغَنِّيهِمْ وَيُساعِدُهُمْ، حَتَّى وَصَلُوا إِلَى «ناپُولِي» سالِمِينَ.
وَقَضَوْا حَياتَهُمْ — بَعْدَ ذلِكَ — فِي «مِيلانَ» هانِئِينَ وَاسْتَراحَ بالُهُمْ، وَسادَ الْوِفاقُ أَهْلَ «بُرُسْبِيرُو» وَذَوِيهِ. وَلَمْ يَعُدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُفَكِّرُ فِي أَذِيَّةِ صاحِبِهِ، أَوْ تَنْغِيصِ عَيْشِهِ وَالْكَيْدِ لَهُ.
وَتَمَّ فِي «مِيلانَ» عُرْسُ «مِيرَنْدا». وَلَمْ يَنْسَ «أَنْطُنْيُو» وَ«أَلُنْزُو» كَرَمَ «بُرُسْبِيرُو» وَصَفْحَهُ الْجَمِيلَ، وَعَفْوَهُ عَنْ ذُنُوبِهِما، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِانْتِقامِ مِنْهُما.
أَمَّا «بُرُسْبِيرُو» فَقَضَى شَيْخُوخَتَهُ وادِعًا مَسْرُورًا بِتَحْقِيقِ آمالِهِ، وَنَجاحِ مَساعِيهِ.
(٤) ثَمَرَةُ الصَّفْحِ
فَما رَأْيُكَ — أَيُّها الْقارِئُ الْعَزِيزُ — فِي مَسْلَكِ «بُرُسْبِيرُو» النَّبِيلِ؟ وَكَيْفَ وَجَدْتَ ثَمَرَةَ الصَّفْحِ وَالتَّسَمُّحِ وَمُقابَلَةِ الْإِساءَةِ بِالْإِحْسانِ؟ وَأَيُّهُما كانَ أَجْدَى وَأَكْرَمَ، وَأَنْفَعَ وَأَشْرَفَ: الْعَفْوُ أَمْ الِانْتِقامُ؟
تُرَى لَوِ اسْتَسْلَمَ «بُرُسْبِيرُو» لِغَضَبِهِ، وَعَزَمَ عَلَى الِانْتِقامِ مِنْ أَعْدائِهِ، وَالتَّنْكِيلِ بِهِمْ، أَكانَ يَصِلُ إِلَى هذِهِ النَّتائِجِ الْباهِرَةِ، وَيَظْفَرُ بِتِلْكَ الثِّمارِ الطَّيِّبَةِ؟
وَلَكِنَّهُ كَسَبَ قُلُوبَ أَعْدائِهِ، بَعْدَ أَنْ صَفَحَ عَنْهُمْ، وَتَجاوَزَ عَنْ إِساءَتِهِمْ وَغَدْرِهِمْ؛ فَكانَ لَهُ فَوْزُ الْمُحْسِنِ الْكَرِيمِ، وَقَضَى حَياتَهُ فِي مَحَبَّةٍ وَسَلامٍ.