ليلة في مخبأ العصابة!
سدَّت الانهياراتُ الثلجية فُتحةَ المخبأ تمامًا، وأصبح بداخله رجالُ العصابة، والشياطين «أحمد»، و«فهد»، و«قيس»، و«عثمان»، و«مصباح»، ومعهم الكلب «سنوي».
كان الشياطين قد خرجوا في مغامرة «مصيدة الثلج» لإنقاذ «إلهام» التي خطفَتها العصابة بعد أن ظنَّت أنها تعمل مساعِدة للعالِم «بوارو» الذي اكتشف اختراعًا مذهلًا سمَّاه «سر الحياة».
لقد غادر الشياطين المقرَّ السري في طريقهم إلى إيطاليا، وهم يعرفون أن مقرَّ العصابة في منطقة مجهولة في جبال «الألب».
وفي إيطاليا قال لهم عميل رقم «صفر»: إنهم سيحتاجون لطائرة صغيرة حتى يستطيعوا الوصول إلى المنطقة التي يوجد فيها مقرُّ العصابة.
وساقَت لهم الأقدارُ حلًّا جيدًا؛ فقد أُعلن في نشرة أخبار التليفزيون الإيطالي … وفي الصحف عن اختفاء طائرة صغيرة خاصة، كان يستقلُّها أحد الأثرياء الإيطاليين … وتضم معه زوجته، وكلبه، ورأى الشياطين أنها فرصة …
فخرجوا للبحث عن الطائرة المفقودة بعد أن حددوا أين يمكن أن تهبط بسبب سقوط الثلج.
وهكذا بدأ الشياطين يلاقون المصاعب، لكنهم يعثرون على كلب صغير أبيض، يسميه «أحمد» باسم «سنوي». لقد لعب «سنوي» دورًا عظيمًا في صراع الشياطين مع بعض رجال العصابة. وهم في النهاية يستطيعون التغلب على الكمين الثاني الذي وضعَته لهم العصابة في جبال «الألب».
ويهبط عليهم الليل، بينما السماء تُمطر ثلجًا، ثم تبدأ الانهيارات الثلجية، وتسقط كُتَل الثلج الضخمة، ولكنهم يستطيعون القبض على أحد أفراد العصابة، الذي سيُرشدهم إلى مخبأٍ تستخدمه العصابة في مثل هذه الحالات. وعندما وصلوا إليه كانت الانهيارات قد ازدادَت بشكل أدَّى إلى سدِّ فتحة المخبأ عليهم وأصبحوا مسجونين داخله. في نفس الوقت لا يعرفون مصيرَ ركاب الطائرة بعد أن وصلَتهم إشارة، استطاع «قيس» أن يلتقطها من ركاب الطائرة، أيضًا هناك «إلهام» التي أرسلت إليهم رسالة شفرية لتُعطيَهم بعض المعلومات.
كان المخبأ غريبًا، فلا علاقة له بهذه المنطقة التي تُغطِّيها الثلوج … كان دافئًا تمامًا، مبطَّنًا بنوع من العازل يجعل من الصعب أن تَصِل إليه البرودة. عرف الشياطين بسرعة محتويات المخبأ الذي يتكوَّن من قسمين: حُجرة، وحمام صغير. في نفس الوقت كانت هناك بعض المحفوظات من الأطعمة المعلَّبة. تحدَّث «عثمان» بلغة الشياطين؛ فقد كان رجلُ العصابة ينظر لهم في تساؤل دون أن ينطق بكلمة.
قال «عثمان»: ينبغي أن تتحدَّث للآخر عن ظروف مجيئنا، حتى لا يحدثَ خطأ ما.
ردَّ «أحمد»: هذا ما فكرت فيه.
ثم نظر إلى الرجل الأول، وقال: إننا نشكر لك دعوتنا إلى هنا، وإلَّا فقد كان من الممكن أن ننتهيَ تحت كُتَل الثلج!
ردَّ الرجل في هدوء: إنه واجب إنساني.
سأله «أحمد»: هل سنظل هنا حتى تذوب الثلوج ويُفتح المدخل؟!
ردَّ الرجل: لا حلَّ أمامنا سوى ذلك!
هزَّ «أحمد» رأسه، ولم ينطق. لكنه نظر في ساعته، ثم تحدَّث إلى الشياطين بلغتِهم: ما زلنا في أول الليل، ولا أظن أننا نستطيع الخروج الآن؛ فنحن لا نعرف شيئًا عن المنطقة … مع أن الظلام حالكٌ تمامًا.
ردَّ «قيس»: ينبغي أن نبقى هنا حتى النهار، ترى ماذا سيحدث؟!
قال «عثمان»: لا أظن أننا يمكن أن نظلَّ مستيقظين حتى الصباح، علينا أن نقسِّم أنفسنا لنوبات حراسة؛ فقد تعبنا اليوم كثيرًا.
قال «فهد»: هذا صحيح، وأقترح أن نبدأ الحراسة أنا و«أحمد»؛ فنحن نستطيع أن نقوم بالواجب إذا حدث شيء.
نظر «أحمد» إلى الرجلين، وقال: أَلن تنامَا؟!
ردَّ أحد الرجلين: لا يزال الليل طويلًا، لكننا سوف ننام في النهاية.
سكت لحظة، ثم أضاف متسائلًا: هل نستطيع أن ننام في أمان؟!
ابتسم «أحمد» قائلًا: كيف تسألني مثل هذا السؤال ونحن ضيوف عندكما؟!
هزَّ الرجل رأسَه دون أن ينطق، غير أن «أحمد» استمر: كنت أودُّ أن أستأذنكما في بعض الطعام لصديقي «سنوي».
بهدوء قام الرجل إلى بعض المعلَّبات يفتحها، إلا أن «أحمد» قال: أُفضِّل أن أراها أولًا.
ثم مدَّ يده، وأخذ علبتَين، قرأ ما عليهما، ثم بدأ يفتحهما، وضع أول علبة أمام «سنوي»، نظر إليه لحظة، ثم تشمَّم الطعام وبدأ يأكل. كان «أحمد» يراقبه في اعتزاز؛ فهو يعرف أن الكلب جائع تمامًا. وعندما انتهى من العلبة الأولى قدَّم له الثانية، إلا أن «سنوي» لم يقربها، ويبدو أنه قد شبع.
نظر «أحمد» إلى الشياطين. كان «فهد» هو المستيقظ الوحيد. أما «قيس» و«مصباح» و«عثمان» فقد ناموا سريعًا. كان «أحمد» يفكر: هل يمكن أن يفكر الرجلان في مهاجمته هو و«فهد»، أم أنهما سيكونان صادقَين، ولا يفعلان شيئًا؟!
ومع تساؤله سمع أحدهما يقول للآخر: وأين بقية الرفاق يا «جان»؟
ردَّ «جان»: لقد واصلوا طريقهم إلى فوق يا «جلوب». وتأمَّل زميله لحظة، ثم قال: إنني أرى آثار معركة على وجهك!
ردَّ «جان»: لقد انزلقتُ. كانت الثلوج كثيفة اليوم، خصوصًا في المنطقة الغربية.
هزَّ «جلوب» رأسه، وبدَا عليه عدم الاقتناع، ثم قال بعد قليل: وهؤلاء إلى أين؟!
ردَّ «جان»: إنهم من هواة الصيد.
ابتسم «جلوب»، وقال فيما يُشبه السخرية: صيد … في هذا الطقس الغريب!
ردَّ «أحمد» بسرعة حتى يُوقِف الاستجواب: لم نكن نظن أن الطقس سوف يتغير بهذه السرعة.
صمت لحظة، ثم قال: هل يُضايقك أن السيد «جان» قد دعانا للمبيت عندكما؟!
ردَّ «جلوب»: بالطبع لا؛ فنحن نفعل ذلك كثيرًا، لكن رحلات الصيد لا تكون في فصل الشتاء؛ فالمعروف أن الشتاء هنا مخيف، ويمكن أن يؤديَ إلى كارثة في النهاية!
ابتسم «أحمد»، وقال: يبدو أننا لم ندرس طبيعة المكان والمناخ جيدًا، وإلا ما كنَّا قد قمنا بهذه الرحلة، غير أن التجربة شيء طيب على كل حال.
لم يعلِّق «جلوب»، وإن كان قد نظر إلى «جان» الذي بدأ يتثاءَب لعدة مرات متتالية تدعو فعلًا إلى النوم، خصوصًا وأن «أحمد» قد رأى «فهد» يتثاءب، وكأن عدوى التثاؤب قد أصابَته.
رأى «فهد» ابتسامةَ «أحمد»، فعلَّق قائلًا: إنها فقط عدوى التثاؤب، لكني مستيقظ تمامًا!
نظر «جان» إلى «جلوب»، وقال: أراك غدًا!
ثم جذب بطانية وغطَّى بها نفسه، حتى وجهه، فبدَا وكأنه ملفوفٌ تمامًا، فقال «جلوب»: تستطيعان النوم، دون أن يخشى أحدكما شيئًا؛ فليس من التصور أن يهاجمَ أحدُنا الآخر ونحن في هذا السجن الجليدي!
ابتسم «أحمد»، وقال: هذا صحيح، وعندما أشعر بالنوم فسوف أنام فورًا.
ثم أضاف بعد لحظة: تمامًا كما فعل أصدقائي.
جذب «جلوب» غطاءً هو الآخر، ثم اختفى تحته. نظر «أحمد» إلى «فهد» الذي قال بلغةِ الشياطين: لا أظن أننا يمكن أن نأمنَ لكلامه، خاصة وأنه يشكُّ في أن زميله «جان» قد دخل معركة ما، وأن بقية رفاقه لم يعودوا.
ردَّ «أحمد»: هذا صحيح، غير أنني أُفكِّر في تجربة سوف تكشف لنا الموقفَ كلَّه!
قال «فهد»: ماذا تعني؟!
ردَّ «أحمد»: ينبغي أن ندَّعيَ النوم، على أن نكون مستيقظين في نفس الوقت، وأن نكون حذرين ومستعدين!
تساءَل «فهد»: هل تظن أنها تجربة مفيدة؟
أجاب «أحمد»: أعتقد ذلك!
وفي لحظة سريعة كان «أحمد» يجذب غطاءً هو الآخر، وفعل مثله «فهد». أما «سنوي» فقد أسند رأسه على يدَيه وكأنه نائم، وإن كانت عيناه قد ظلَّتَا مفتوحتَين.
ساد الصمتُ المكان، لكن «أحمد» كان ينتظر حدوثَ شيء؛ فقد كان يتوقع أن يقوم «جان» و«جلوب» بمهاجمتهما فجأة … مرَّ الوقت ولم يحدث أيُّ شيء. كان «فهد» قد استسلم للنوم فعلًا؛ فقد كان المكان دافئًا، وإجهاد اليوم يدفع للنوم.
فكر «أحمد»: هل يستطيع «سنوي» أن يكون الحارسَ الأمين؟ وهل يكفي وجوده؟
برغم أن «أحمد» كان مطمئنًّا لوجود «سنوي»، خصوصًا بعد المعارك التي خاضها مع العصابة، وحقَّق فيها نتائجَ مذهلة، إلا أنه مع ذلك لم يستطع النوم. نظر إلى ساعته الإلكترونية، وضغط زرًّا فيها فأضاءَت. عرَف أنه لا تزال هناك نصفُ ساعة قبل أن تبدأ نوبةُ حراسة «قيس» و«مصباح». ظل يركِّز سمْعَه حتى يمكن أن يتصرف مع أول حركة يسمعها، لكن لم يحدث شيء.
انتهَت النصف ساعة، فتحرك «مصباح»، ثم جلس ونظر حوله، فلم يجد أحدًا مستيقظًا. فكَّر: إذا كان «أحمد» قد نام، فإن هذا يعني أنه اطمأنَّ إلى أنه لن يحدث شيء. استيقظ «قيس» أيضًا، فوجد «مصباح» جالسًا. سأله: هل بدأَت نوبة حراستنا منذ مدة؟
أجاب «مصباح»: كان المفروض أن تبدأ الآن، لكني عندما استيقظتُ لم أجد أحدًا مستيقظًا من حراسة النوبة السابقة؛ فقد وجدتُ «أحمد» و«فهد» نائمَين، وحتى «سنوي» يبدو أنه نامَ هو الآخر!
سأل «قيس»: هل يعني هذا أن اتفاقًا ما قد تم مع الرجلين؟!
ردَّ «مصباح»: يبدو هذا!
مرَّت لحظة قبل أن يقول «مصباح»: هل يعني هذا أن نُكمل نومنا؟
قال «قيس»: أظن ذلك!
وفي لحظة، كان «قيس» و«مصباح» قد جذب كلٌّ منهما غطاءَه، ثم نام. مرَّت دقائق. فجأة، كان «جان» و«جلوب» يقفزان من مكانَيهما في اتجاه «أحمد»، إلا أنه كان مستيقظًا ومستعدًّا، وقبل أن يصلَا إليه كان قد تدحرج في اتجاه «قيس»، فسقط الاثنان على الأرض، في نفس اللحظة التي استيقظ فيها «قيس»، ونبح فيها «سنوي» وكأنه يدعو بقية الشياطين للمعركة، كان «أحمد» قد سدَّد ضربة قوية ﻟ «جلوب»؛ فسقط قبل أن يقف، وكان «سنوي» قد قفز في رشاقة، وكأنه صاروخ في صدر «جان» الذي أخرج مسدَّسه بسرعة ليُصيبَ الكلب، إلا أن «عثمان» الذي كان قد استيقظ سدَّد ضربة سريعة إلى يد «جان»، فأسقط المسدس. وفي دقائق كان الشياطين قد سيطروا على الموقف، وأوثقوا الرجُلَين. لقد كانت معركة سريعة توقَّعها «أحمد»، وأخطأ أصحاب نوبة الحراسة الثانية «قيس» و«مصباح»، وإن كان «أحمد» قد قال: رُبَّ ضارة نافعة.
وبسرعة بدأ الشياطين يُعِدون خطَّتَهم التي سوف تبدأ في الصباح.