المعركة تقترب من النهاية!
وضعوا السيدة فوق سرير متحرِّك، ودفعوه بسرعة داخل ممر طويل. كان «أحمد» يراقب المكان جيدًا … وفي نهاية الممر فُتحت غرفة، دخلوا إليها. وفي الداخل كان يبدو أنهم في القسم الطبي، ووسط زحمة المكان اختفى «أحمد»؛ دفع بابًا بجواره، فأصبح في منطقة خالية، مساحة كبيرة ليس فيها شيء، نظر حوله بسرعة وفكر: لا بد أن كل شيء في هذا المكان يتحرك إلكترونيًّا.
بحث بعينَيه في المكان فلم يجد شيئًا، قال في نفسه: لا بد أن هناك غرفة تحكم مركزي لكل أنحاء المبنى، لكن أين هذه الغرفة؟
فكر قليلًا، ثم أخرج جهازًا دقيقًا من جيبه، وضغط زرًّا فيه. قال في نفسه: الآن لا يمكن رصد أي حركة أقوم بها؛ فالأشعة التي تخرج من الجهاز تلغي عمل أي شيء …
وبسرعة أرسل رسالة إلى «إلهام»، قال في الرسالة: «إنه يقف في غرفة ملاصقة لغرفة المستشفى …»
ردَّت «إلهام» بسرعة: إنني أُوجد تحت أقدامك تمامًا.
ابتسم ثم أسرع وضغط زرًّا آخر في الجهاز، ووجَّهه إلى أرض الغرفة. فجأة، ظهرت «إلهام» أمامه؛ فالأشعة التي يُصدرها الجهاز تخترق أيَّ شيء وتكشف ما بداخله. قال في نفسه: إذن «بدأت المعركة»!
وجَّه الجهاز إلى باب مغلق فرأى ما بداخله، كان هناك عددٌ من الرجال يجلسون في مكتب. قال في نفسه: لا بد من الخروج من هنا إلى مكان آخر؛ فأنا لا أريد أن أبدأ الصدام مبكرًا …
فجأة، فُتح الباب وظهر رجل. ما إن رأى «أحمد» حتى سأله: مَن أنت؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: إنني ضيف من الطائرة، ويبدو أنني فقدتُ طريقي إلى القسم الطبي.
سأله الرجل: كيف دخلت؟
ردَّ «أحمد»: لا أدري!
اتسعَت عينَا الرجل في دهشة، وقال: لا تدري …!
سكت لحظة، ثم قال: هيَّا اتبعني!
تحرَّك الرجل في اتجاه غرفة المكتب، لكنه قبل أن يصل إليها، كان «أحمد» قد ضربه ضربة قوية جعلَته يترنَّح. وقبل أن يُفيقَ كانت ضربة أخرى قد أخذَت طريقها إليه. كانت الضربة قوية لدرجة أن الرجل اصطدم بالحائط ثم سقط على الأرض. وكأنَّ سقوطَه كان إنذارًا للمبنى كلِّه. لكن «أحمد» الذي كان حذرًا جدًّا ومدركًا لكل حركة؛ فقد أسرع بإخراج كرات الدخان من جيبه، ثم ألقى اثنتين منها على أرض الغرفة فتصاعد الدخان بسرعة، في نفس اللحظة كان رجال غرفة المكتب يدخلون، غير أنهم لم يروا شيئًا، وكانت هذه فرصة مناسبة؛ فقد تسلَّل «أحمد» سريعًا إلى غرفة المكتب، وتركهم وسط الدخان.
كان «أحمد» لا يزال يُمسك بالجهاز في يده حتى يُوقفَ عملَ أجهزة المراقبة، أسرع بإرسال رسالة إلى الشياطين حتى يتجمعوا عند مكان «إلهام». ورسم خطة الوصول إلى هناك، وأخبرهم أن أجهزة المراقبة قد توقَّفت كلها، وعليهم أن يتحركوا بلا خوفٍ. وبسرعة غادر غرفة المكتب إلى ممر جانبي. كان جهاز الكشف يوضِّح له الطريق؛ ففي منتصف الممر وجد زرًّا في الحائط. ضغط عليه، مرَّت دقيقة ثم فُتح الحائط، وظهر باب مصعد، دخله بسرعة، ثم ضغط زرًّا فيه فنزل المصعد. كان يهبط بسرعة رهيبة حتى تصور «أحمد» أن المصعد سوف يسقط حتى النهاية، لكنه فجأة توقَّف. وعندما فتح الباب أسرع «أحمد» بالخروج، غير أنه لم يكن يتوقع ما رآه.
كان هناك مجموعة من الحراس يقتربون من باب المصعد في نشاط. رفع أحدهم يده في اتجاه «أحمد» وتكلَّم إلى الباقين، غير أن «أحمد» لم يسمع ما قاله، وإن كان قد فَهِم أنه يقول لهم: لا بد أنه هو.
فكر بسرعة: هل يعود إلى المصعد؟ إن هذه يمكن أن تكون فرصتهم؛ لأنه سوف يكون محبوسًا فيه لكن ما حدث جعله يقف مذهولًا، فكأن الأرض قد انشقت وظهر الشياطين، ولم يكن ظهورهم عاديًّا؛ فقد ظهروا فجأة وهم يطيرون في الهواء، ويسدِّدون ضربات عنيفة إلى مجموعة الحراس. كانت هجمة واحدة منظمة جيدًا قضَت على المجموعة كلها … وأصبح الشياطين معًا.
قال «أحمد» بسرعة: إن «إلهام» على بُعد خطوات منَّا الآن، لكن علينا أن ننظم أنفسنا، فيبدو أنهم اكتشفوا عُطلَ أجهزة المراقبة؛ فتحركوا بسرعة، ومن المؤكد أنهم عرفوا أن بعض الغرباء هنا، أو أن هناك هجومًا على مقرِّهم. سكت لحظة ثم أضاف: سوف أتحرك ومعي «فهد» و«مصباح»، وعلى «عثمان» و«قيس» مراقبة الموقف حتى لا نتعرض لموقف صعب.
وبسرعة تحرك «أحمد» و«فهد» و«مصباح»، في نفس الوقت أخذ «قيس» و«عثمان» جانبًا آخر للمراقبة … كان «أحمد» يوجِّه جهاز الكشف إلى النقطة التي توجد فيها «إلهام»، فجأة … أُضيء مصباح صغير في الجهاز، فعرف «أحمد» أن «إلهام» هنا … لم يكن يظهر أيُّ شيء؛ فالجدار ممتدٌّ إلى النهاية. نظر «أحمد» إلى «فهد» الذي أسرع بإخراج جهاز من جيبه، ثم وجَّهه إلى الحائط في نفس النقطة التي حددها جهاز الكشف. لحظة ثم خرج من جهاز «فهد» شعاعٌ من الضوء جعل الجدار ينفتح. وفي لحظة كانت «إلهام» تقفز من خلف الجدار وتقف بين الشياطين، غير أن إشارة سريعة جاءَت من «عثمان» جعلَت الشياطين يلتفتون إليه. كانت هناك مجموعة من المسلَّحين تقترب بسرعة، أعطى «أحمد» إشارة ﻟ «عثمان» حتى يستخدم كُرات الدخان. ولم تمضِ لحظة حتى كان الدخان يغطى المكان الذي يقف فيه «عثمان» و«قيس»، ولا يظهر للرجال أثر.
أسرع «عثمان» و«قيس» وانضمَّا إلى الشياطين، لكن فجأة فُتح السقف وكأنَّ السماء تُمطر رجالًا؛ عدد من الرجال يهبطون الواحد بعد الآخر. وكانت هذه فرصة للقضاء عليهم. كان الشياطين يتلقَّون مَن يهبط إليهم ليقضوا عليه، ولم يكن ذلك يحتاج لجهد كبير.
إلا أن المفاجأة الجديدة كانت من الباب الواسع الذي فُتح فجأة، ومن خلاله اندفع تيار هوائي عنيف، من برودة الثلج وقف الشياطين وكأنهم قد تجمَّدوا. كان التيار يدفعهم بقوة إلى نهاية الممر. ورغم أنهم حاولوا المقاومة إلا أنهم لم يستطيعوا؛ فقد كان التيار قويًّا تمامًا … أسرع «أحمد» ووجَّه جهازَ الكشف إلى الحائط، فكشف عن حجرة متوسطة الحجم. نظر إلى «فهد» الذي استخدم جهازه، فانفتح الجدار، وأسرع الشياطين إليه. وعندما انغلق الجدار أسرع «فهد» يجرِّب في بقية الحوائط للبحث عن فُتحة أخرى، إلا أنه لم يجد.
قال «فهد»: يبدو أننا قد دخلنا سجنًا، أو وقعنا في مصيدة جديدة دون أن ندري!
إلا أن «أحمد» قال: إن الشياطين يستطيعون التصرُّفَ في أي لحظة!
أخذ «أحمد» الجهازَ من «فهد»، ثم مرَّ به بسرعة على أرض الغرفة، فلم ينفتح فيها شيء. وجَّهه إلى السقف، فانفتحَت فيه دائرة تكفي لمرور إنسان. أعاد الجهاز ﻟ «فهد» ثم استعدَّ وقفز قفزة عالية، فأمسك بطرف الفتحة، وقال بسرعة: أحدكم يتعلق بقدمي، وهكذا!
أسرعَت «إلهام» فتعلَّقت بقدمَي «أحمد» الذي رفع نفسه بقوة إلى داخل الغرفة العلوية حتى أصبح داخلها، في نفس اللحظة كانت «إلهام» تأخذ مكانه. فتعلَّق «عثمان» بقدمَيها، وهكذا حتى لم يبقَ سوى «قيس».
فجأة اندفع أحد الرجال من باب الغرفة، وأمسك بقدمَي «قيس»، ثم جذبه بقوة فسقط معه. غير أن «قيس» استعاد نفسَه بسرعة وضرب الرجل ضربة قوية جعلَته يصطدم بالحائط. أسرع «قيس» وقفز قفزة رشيقة فتعلَّق بفُتحة السقف، إلا أن الرجل أسرع هو الآخر، ورمى نفسه فوق قدمَي «قيس»، فسقط به مرة أخرى … في نفس اللحظة دخل رجل آخر وانضم إلى الأول. كان الشياطين يرقبون ما يحدث.
أخرج «أحمد» مسدسه، وثبَّت فيه حقنة مخدرة ثم أطلقها فأصابَت الثاني، الذي سقط مغمًى عليه، بينما كان «قيس» قد اشتبك مع الأول. ولم يكن سهلًا؛ فقد ضربه الرجل ضربة قوية جعلَت «قيس» يتراجع بشدة. إلا أنه كان يفكِّر في نفس اللحظة: كيف يستطيع أن يضرب الرجل الضربة النهائية؟ عندما أسند ظهره إلى الحائط استعدَّ وارتدَّ في عنف وقد طار في الهواء، وفتح ساقَيه … وقف الرجل مأخوذًا، لكنه تصرَّف بسرعة، فأخرج مسدسه ليُطلقَ الرصاص على «قيس» وهو مندفع إليه، إلا أن حقنة مخدرة من «أحمد» كانت أسبقَ منه، فاستقرَّت في يده التي تُمسك المسدس، في نفس اللحظة كان «قيس» قد ضربه ضربة قوية جعلَته يطير في الهواء، ثم يسقط بلا حَراك، وبسرعة كان «قيس» يطير في الهواء مرة أخرى، ويتعلق بطرف فتحة السقف ليقف في رشاقة بين الشياطين.
كان واضحًا الآن أن الشياطين قد بدءوا معركتهم، وأن المقرَّ كلَّه وبكلِّ أجهزته قد أصبح في حالة استعداد للقضاء على الشياطين.
أسرع «أحمد» وأرسل رسالة إلى رقم «صفر»، ثم قال في نهايتها: «… سوف نُرسل لكم إشارة في الوقت المناسب.»
وردَّ رقم «صفر» يقول: كل شيء سوف يكون مستعدًّا.
تحرَّك الشياطين بسرعة، غادروا الغرفة إلى ممرٍّ، كان مقرُّ العصابة يبدو كاللغز بلا حلٍّ؛ يخرجون في ممرٍّ إلى غرفة، ومن غرفة إلى ممر … بلا نهاية … قال «أحمد»: من المؤكَّد الآن أنهم قد قبضوا على مجموعة الطائرة، وهذه مهمة أخرى لنا.
فجأة، ظهر «وايت» يجرى كالسهم، تحفَّز «أحمد»، وقال: لا بد أن أحدًا خلفه.
وصل «وايت» عندهم، فقفز إلى ذراعَي «أحمد» الذي احتضنه في حُبٍّ. جذَب «وايت» ثياب «أحمد» إلى اتجاه … ففَهِم «أحمد» أن مجموعة الطائرة في هذا الاتجاه …
نظر «أحمد» إلى الشياطين، وقال: إن مجموعة الطائرة سوف تكون هي الطُّعم الذي يقودنا إلى المصيدة، لكننا لن نقع فيها، ويجب أن ننطلق في حذر …
سكت لحظة ثم أضاف: سوف نقسِّم أنفسنا إلى مجموعتين: أنا و«إلهام» و«فهد»، والمجموعة الأخرى تضم «عثمان» و«مصباح» و«قيس». وسوف نقوم بعملية التفاف حول هذا الاتجاه، وسوف نكون على اتصالٍ ببعضنا البعض في نفس الوقت، حتى لا تتوه مجموعة عن الأخرى.
سكت مرة أخرى، ثم قال: الآن «هيَّا نبدأ معركتنا الأخيرة»!
اتجهت مجموعة «أحمد» إلى الاتجاه الذي حدَّده «وايت» مع انحراف قليل، في نفس الوقت اتجهت مجموعة «عثمان» إلى اتجاهٍ موازٍ من ناحية أخرى. كان الصمت يُحيط بالمكان في هذه اللحظة، وكان الصمت يبدو ثقيلًا وكأنه يحمل مفاجآتٍ لا يعرفها أحد بالرغم من أن الشياطين يتوقعون ما سوف يحدث تمامًا.
تقدَّمت مجموعة «أحمد» يتقدَّمها «وايت». فكَّر «أحمد» لحظة: إن وجود «وايت» في المقدمة قد يكشف وجودَنا؛ فهو يمكن أن ينبح فجأة فيكشف المكان الذي نحن فيه … لكنه فكَّر مرة أخرى: إن «وايت» قد أثبت أنه زميل ذكي، ولا أظن أنه سوف يخطئ! … لكنه مع ذلك حمل «وايت» بين ذراعَيه خوفًا من حدوث أيِّ مفاجأة.
كانت خطوات المجموعة حذرة؛ فهم لا يدرون من أين يمكن أن تظهر ألاعيب العصابة.