الفصل الأول

إعادة اكتشاف مصر القديمة

شامبليون والطهطاوي

«يدمر الأجانب الخرائب القديمة، ويأخذون منها الأحجار وبعض المشغولات، ويصدِّرونها إلى بلادهم. فإذا استمر ذلك لن يبقى بمصر شيء من المخلفات القديمة. ومن المعروف أن الأوروبيين يشيدون أبنيةً خاصة بالعاديات، والأحجار المرسومة والمنقوشة وغيرها من تلك الأشياء، يحفظونها بعناية، ويعرضونها على أهالي البلاد وعلى السياح الراغبين في مشاهدتها … ومع أخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار، رأت الحكومة أن الأمر يقتضي منع تصدير العاديات، التي يتم العثور عليها في الخرائب القديمة، إلى خارج البلاد … وتخصيص مكان في العاصمة ليكون مستودعًا لها … وقررنا عرضها للسياح الذين يزورون مصر، منعًا لنهب الخرائب القديمة بالصعيد، مع بذل كل جهد ممكن للحفاظ عليها.»

أمرٌ صادر من محمد علي باشا في ١٥ أغسطس ١٨٣٥م، أورده جاستون فييت في كتابه:
«محمد علي والفنون Mohammed Ali et les Beaux-Arts»
قد يثير عنوان هذا الفصل فضول القارئ الغربي عندما يجدني أضع العبقري الفرنسي الذي حل رموز الكتابة الهيروغليفية في مستوًى واحد مع العالم المصري رفاعة الطهطاوي، الأقل شهرة في الغرب؛ فالقاسم المشترك بين الرجلين أنهما أحدثا انقلابًا في فهم قرائهما لمصر القديمة، عندما طرحا بين أيديهم المعرفة المستخلصة من الهيروغليفية التي طال زمان صمتها. وعلى حين كتب شامبليون بالفرنسية مخاطبًا القارئ الغربي، كتب الطهطاوي بالعربية مخاطبًا المصريين. وهكذا فتح شامبليون أبواب عالم مجهول أمام قرائه، بينما دعا الطهطاوي قراءه أن يمعِنوا النظر فيما وراء تلك الأبواب، وذلك رغم عدم قراءته للهيروغليفية. ويرصد هذا الفصل ما عرفه الغربيون والمسلمون عن مصر القديمة قبل العام ١٨٠٠م، ويبحث في العمل الأثري للحملة الفرنسية، ويقف عند التنافس الإنجليزي-الفرنسي في حقل المصريات، ويسجل دخول الألمان إلى الساحة على يد ريتشارد ليبسيوس، ومحمد علي، ويوسف حككيان، في إطار قصة علم المصريات التي تروى دائمًا من منطلق المركزية الأوروبية. ونظرًا لقرب حككيان من الدوائر الأوروبية بحكم تعليمه وثقافته، أكثر من قربه من الدوائر المصرية، فإن الطهطاوي يعد الشخصية المحورية في التعبير عن المصريين. وقد لعب دورًا أساسيًّا في المحاولة التي لم يقدَّر لها النجاح لإقامة إدارة خاصة بالآثار ومتحف لحفظها في عهد محمد علي عام ١٨٣٥م، ونشر عام ١٨٦٨م كتابًا في تاريخ مصر القديم، سنُلقي عليه نظرة في الفصل الثالث من هذا الكتاب، ويبين الجدول رقم (١-١) المصريين الذين اهتموا بالآثار في النصف الأول من القرن التاسع عشر في مقابلة الأوروبيين أصحاب نفس الاهتمام.
جدول ١-١: العلماء وجامعو الآثار والحكام الأوروبيون والمصريون
العلماء وجامعو الآثار الأوروبيون العلماء المصريون الحكام ومدة حكمهم
دينون ١٧٤٧–١٨٢٥م
الجبرتي ١٧٥٤–١٨٢٢م نابليون ١٧٩٩–١٨١٤م
حسن العطار ١٧٦٦–١٨٣٥م محمد علي ١٨٠٥–١٨٤٨م
يانج ١٧٧٣–١٨٢٩م
دروفيتي ١٧٧٦–١٨٥٢م
جومار ١٧٧٧–١٨٦٢م
بلزوني ١٧٧٨–١٨٢٣م
بوركهارت ١٧٨٤–١٨١٧م
شامبليون ١٧٩٠–١٨٣٢م
ولكنسون ١٧٩٧–١٨٧٥م
روسلِّيني ١٨٠٠–١٨٤٣م
لين ١٨٠١–١٨٧٦م رفاعة الطهطاوي ١٨٠١–١٨٧٣م إبراهيم ١٨٤٨م
لبسيوس ١٨١٠–١٨٨٤م يوسف حككيان ١٨٠٧–١٨٧٥م عباس الأول ١٨٤٨–١٨٥٤م

رؤية الأوروبيين لمصر القديمة قبل شامبليون

كان الضباب يلفُّ رؤية الأوروبيين لمصر القديمة قبل شامبليون، فقد كانت معرفتهم بمصر تعتمد على الروايات اليونانية-الرومانية، والإنجيل، وما يراه الزائر من آثار مهملة. وهناك لوحة على واجهة «المتحف المصري» بالقاهرة تخلِّد ذكرى هيرودوت، وأرانوس، ومانيتو، وهور أبولُّو، وهم من الإغريق والمصريين المتأغرقين الذين كتبوا عن مصر القديمة. وعندما زار هيرودوت مصر عام ٤٥٠ق.م.، كان باستطاعته أن يستعلم من الكهنة الذين كانوا يمارسون الخدمة الدينية بالمعابد، ويعرفون الهيروغليفية، فكتب بقدرٍ من المعرفة عن الأسرة الفارسية السابعة والعشرين وعن الأسرة السابقة لها (٦٤٤–٥٢٥ق.م.)، والأسرة «الإثيوبية» الخامسة والعشرين (٧٤٥–٦٦٤ق.م.)، ولكن معلوماته عن الحقب الأقدم لهذا التاريخ كانت تفتقر إلى الدقة على نحو شبيه بما كتبه هوميروس، فقد كان الفارق الزمني بين هيرودوت وعصر بناة الأهرام ألفَي عام. وقد كتب كل من الكاهن المصري مانيتو، والعالم الإغريقي الموسوعي إراتوس أمين مكتبة الإسكندرية، تاريخها باليونانية بعدما أصبحت مصر تنتمي إلى العالم الهلِّينستي بعدما ضمها الإسكندر إليه. ولم يتبقَّ من تاريخ مانيتو سوى قائمة بملوك مصر،١ ولكن علماء المصريات ما زالوا يستخدمون تحديدها المناسب للأسرات الحاكمة.

وقد انعكس الجانب العلماني من الفكر الأوروبي نفسه في إغفال واجهة «المتحف المصري» لما يشير إلى الأنبياء إبراهيم، ويوسف، وموسى، وعيسى. غير أن هؤلاء الأنبياء الذين ورد ذكرهم بالإنجيل (والقرآن) كانوا يمثلون أكثر ما كان يعرفه الأوروبيون عن مصر القديمة. وقد أدى تحوُّل المصريين إلى المسيحية في القرنين الرابع والخامس للميلاد إلى حدوث قطيعة كاملة مع الديانات الوثنية القديمة، والملوك الآلهة والكتابة الهيروغليفية. وقام المسيحيون بطمس النقوش والصور الدينية القديمة على جدران المعابد الوثنية، وحوَّلوها إلى كنائس. وهكذا انتهت معرفة الهيروغليفية والديموطيقية بنهاية الكهنة القدامى، وماتت معهم.

ولكن التراث الفرعوني ظل على قيد الحياة وإن كساه غطاءً من الوعي. فصورة إيزيس وابنها حورس تحولت إلى صورة مريم تحمل ابنها المسيح، وتمثل بعث أوزيريس إلى قيامة المسيح، وتحول ست عدو أوزيريس إلى التنين الذي قتله ماري جرجس، وأصبح «عنخ» بالهيروغليفية (مفتاح الحياة) أول شكل من أشكال الصليب واستمرت اللغة المصرية القديمة في الحياة تحت اسم اللغة «القبطية» التي كُتبت بحروف يونانية مضافًا إليها سبعة حروف ديموطيقية. واستمر الحديث بالقبطية لعدة قرون بعد الفتح العربي، ولكن ما بقي منها الآن نصوص وأدبيات كنسية.

وخلال العصور الوسطى الأوروبية، جذب الحج والحملات الصليبية والتجارة الأوروبيين إلى مصر. فقد توقف الحجاج بمصر في طريقهم إلى القدس، ليشاهدوا المواقع المصرية التي ارتبطت بيوسف وموسى وعيسى، والقديس مرقص والقديس أنطونيوس، وأدرجت الأهرامات في مشاهد الحج باعتبارها صوامع يوسف التي قام العبرانيون ببنائها. وعلى الصعيد التجاري، قام جون ساندرسون التاجر الإنجليزي بشحن ستمائة رطل من المومياوات إلى بلاده في أواخر الثمانينيات من القرن السادس؛ لأنه كان يعتقد بفائدتها في علاج الجروح والرضوض والكدمات.٢
وأضاف إنسانيو عصر النهضة إلى مبررات السفر إلى مصر عند أهل العصور الوسطى؛ أضافوا الرغبة في التعلم والترويح عن النفس، وكتبوا أقدم كتب الرحلات التي ضمنوها مشاهداتهم في مصر، فأوجدوا بذلك طريقة جديدة للبحث، وصدرت طبعات لأعمال هيرودوت، وسترابو، وديودور الصقلي بعد مرور عقدين من الزمان على طباعة جوتنبرج للإنجيل، وبذلك أصبح من السهل التعرف على الكلاسيكيات وعلى المتطلبات الدينية للحج. وفي ١٦١٠م زار الشاب جورج ساندي الجيزة في جولة طويلة عندما كان في الثانية والعشرين من عمره، وأيد الفكرة الإغريقية الرومانية عن الأهرام باعتبارها قبورًا ملكية، ونفى تمامًا وجود أي علاقة بينها وبين يوسف أو العبرانيين. ولكن المعرفة الكلاسيكية لها حدود، ولم يكن أحد قد عرف بعدُ ما إذا كان الملوك الذين ذكرهم مانيتو في قائمته ملوكًا حقًّا أو محض خيال، وقال ساندي إن محاجر طرة سُمِّيت كذلك لأن تراجان سُجن هناك.٣
لقد شوهت العدسات الكلاسيكية صورة الأهرام، فحتى القرن التاسع عشر كان الكثير من الأوروبيين يعتبرون أن هرم كايوسي سيستيوس بروما (الذي يبلغ انحداره ٧٥ درجة) النموذج المثالي للهرم رغم أن (أهرام الجيزة كان انحدارها ٥٢ درجة). وذكرت مادة «الهرم» في الطبعة الأولى لدائرة المعارف البريطانية (١٧٧١م) أن هرم سيستيوس سابق على أهرام الجيزة. كان ساندي قد رأى الأهرام رؤية العين، ولكن رسمها بزاوية انحدار كبيرة، ولا تزال زاوية انحدار هرم سيستيوس تؤثر على تصور شكل الهرم في خاتم الولايات المتحدة الكبير الذي يظهر على أوراق النقد (الدولار)، وكان البناءون الأحرار من أوائل من قاموا بتصميم ذلك الخاتم.٤
وقام أستاذ الرياضيات بأكسفورد، الفلكي، والمستشرق جون جريفز بتجربة عملية، فجلب معه إلى مصر أدوات لقياس الأهرام وفي كتابه «جغرافيا الأهرام، أو حديث عن أهرام مصر» الصادر في ١٦٤٦م قدَّم تحديدًا أدق لأبعاد الأهرام، مبينًا الممر الداخلي بالهرم الأكبر، مؤكدًا أنها كانت مقابر للملوك.٥ غير أنه أخطأ في حساب زاوية انحدار الهرم. وحتى بعد مرور ١٢٥ عامًا على ذلك، ذكرت دائرة المعارف البريطانية تقديرات ارتفاع الهرم الأكبر التي تراوحت بين سبعمائة وخمسمائة قدم، دون أن توجه انتقادًا إليها.
ومن المثير للدهشة أن يحظى هور أبولُّو — من مؤلفي القرن الخامس الميلادي — بالتخليد على واجهة «المتحف المصري» بالقاهرة، فقد ثبتت قيمة كتابه «هيروغليفيكان»، ولكن طريقة قراءته للرموز الهيروغليفية ضللت العلماء عدة قرون. وفي القرن الخامس عشر أعاد الأفلاطونيون الجدد بفلورنسا اكتشاف هور أبولُّو وقوانين هرمس (Corpus Hermeticum) وأتاحوها للتداول. وكان المؤلف المزعوم لتلك القوانين هو هرمس ترسمجتس — وهو يجمع بين هرمس وتوت المصري — الذي كان يعتقد بأسبقيته على موسى وبتعبيره عن حقائق المسيحية. وفي عام ١٦٠٠م، مات جيوردانو برونو وهو يسعى لتأكيد تفوق المحكمة الهرمسية على المسيحية، ورغم أن إسحاق كازوبون أقام الدليل في ١٦١٤م أن قوانين هرمس كُتبت بعد ظهور المسيحية، فإن الرؤية الأسطورية لمصر القديمة باعتبارها منبع الحكمة الصافية انتقلت إلى الروزيكوربين (وهي جمعية دينية سرية زعمت امتلاك أسرار الطبيعة والدين)، وإلى البنائين الأحرار، وإلى حلقات الصراع في العصر الجديد الآن.٦
أما العلامة اليسوعي أثناسيوس كرشر (١٦٠١–١٦٨٠م)، الذي كان يقرأ العبرية، والسوريانية، والعربية، والقبطية، فقد التزم جانب الغموض الباطني، فكتب كتابًا من ثلاثة آلاف صفحة ليبرهن على ما يزعمه من أن الهيروغليفية كانت سابقة في تعبيرها عن المسيحية. وتحمل صفحة عنوان كتابه «أوديب المصري» (Oedipus Aegyptiacus) رسمًا للمؤلف يصوره يسعى لمعرفة سر أبي الهول المصري الذي بدا في شكله الأنثوي المجنح أقرب ما يكون إلى الطابع الإغريقي لا المصري (انظر الشكل رقم ٨). ورغم ثبوت خطأ ما ذكره أثناسيوس كرشر بالنسبة للهيروغليفية واعتقاده في جنيات البحر، والغرفين (حيوان خرافي نصفه نسر ونصفه أسد)، ومركزية الأرض، فقد كان له فضل إرساء دعائم الدراسات القبطية في أوروبا.٧

إعادة اكتشاف الأوروبيين لآثار الصعيد

قبل قرن ونصف القرن من وصول بونابرت إلى مصر، نشر رحالة فرنسيون سبعة وعشرين كتابًا — على الأقل — عن رحلاتهم في مصر، بزيادة ١٦ كتابًا عما كتبه الإنجليز، بينما كتب الألمان ست كتب، والهولنديون أربعة كتب، والإيطاليون كتابين، والسويسريون كتابين.٨ وكان الأوروبيون يدخلون إلى مصر إما عن طريق موانيها على البحر المتوسط، أو عبر فلسطين بطريق البر، وحتى ستينيات القرن السابع عشر، ندر من غامر منهم بالتنقل جنوب القاهرة. وبعد ذلك قام الرهبان الكاثوليك بالإبحار على صفحة النيل جنوبًا لممارسة مهامهم التبشيرية التي تستهدف تحويل الأقباط إلى الكاثوليكية. وفي الطريق إلى دير الشهداء بإسنا، دلف راهبان كابوتشيان إلى الكرنك عام ١٦٦٨م. وفيما بعد كلف الأب فاسيليب وكلود سيكار من قبل ملك فرنسا بشراء المخطوطات المسيحية (القبطية) القديمة إضافة إلى مهمتهما التبشيرية. وكان سيكار — الذي قام برحلته فيما بين ١٧١٤ و١٧٢٦م — أول رحالة أوروبي حديث يكتب عن خرائب الأقصر في طيبة. وزار أيضًا معبدَي كوم أمبو والفانتين. وحتى الآن ما زال ينظر إلى مصر القديمة في الدوائر المسيحية واليهودية الغربية من خلال منظار الكتاب المقدس (انظر الشكل ٩).
وكانت الرموز العلمانية أكثر وضوحًا عند بنوادي ماييت الذي كان قنصلًا لفرنسا في القاهرة قرب نهاية القرن الثامن عشر، ولم يقم ماييت بزيارة الصعيد، ولكنه شجع الآخرين على زيارته، ولا يعد كتابه الذي حمل عنوان «وصف مصر» من كتب الرحلات العادية، ولكنه كان يضم كمًّا هائلًا من المعلومات٩ عن مصر، وتوضح إحدى لوحات الكتاب «عمود بومبي» والمسلة القائمة بالإسكندرية جنبًا إلى جنب، فثقافته الكلاسيكية جعلته يعبر عن ميله للعمود الروماني أكثر من تأثره بالمسلة الفرعونية.
وقد رسم العمود بعناية كبيرة، ولكنه لم يلتزم الدقة في رسمه للرموز الهيروغليفية المنقوشة على المسلة والتي كان من المتعذر قراءتها. وعلى نقيض مواطنيه بعد ذلك بقرن من الزمان، كان يرى أن أفضل ما تحصل عليه فرنسا هو عمود بومبي وليس المسلة الفرعونية (انظر الشكل ١٠).١٠
وفي عام ١٧٣٧م، جاء إلى مصر رجلان من بروتستانت شمالي أوروبا، هما: ف. ل. نوردون الضابط البحري الموفد من ملك الدنمارك، وريتشارد بوكوك، القس الإنجيلي، وأسهما في اكتشاف الصعيد، دون أن يعرف أحدهما بوجود الآخر، وبعدما عاد كل منهما إلى بلاده كتب عن رحلته، وانضما إلى «الجمعية المصرية» التي أسسها بلندن عام ١٧٤١م جون مونتاجو، إيرل مقاطعة ساندوتش والتي لم يقدَّر لها أن تعمر طويلًا. وقد سارت الجمعية على نهج «جمعية ديلبتاني» (١٧٣٢م) التي ضمت المتحمسين للدراسات الكلاسيكية ممن قاموا بزيارة إيطاليا. وقد عبر بيكوك عن افتتانه بأبي الهول عندما صوره سليم الأنف، وكان نوردون أول مَن رسم أبا الهول على حقيقة أنفه المفقود.١١
وبعد عام ١٧٥٠م، حالت الاضطرابات التي شهدها الصعيد على مدى نصف القرن دون الأوروبيين وزيارة المنطقة، ورغم ذلك جاس اللورد الأسكتلندي جيمس بروس خلال الصعيد في طريقه إلى إثيوبيا، فتوقف عند الكرنك ووادي الملوك، بينما لم يتجاوز كلٌّ من المستشرق كلود سافري، والفيلسوف كونت دي فولني ما وراء القاهرة جنوبًا. وكان تصوير فولني لمصر والشام باعتبارهما ترزحان تحت نير الاستبداد الشرقي، كان عونًا عفويًّا للتخطيط لحملة بونابرت على مصر.١٢
وهكذا بنى علماء الحملة الفرنسية معرفتهم بمصر من تراكم المعلومات التي وردت فيما كتبه الغربيون عن مصر القديمة، ولم يبدءوا من الصفر على نحو ما يتردد غالبًا في بعض الكتابات. فقبل العام ١٧٩٨م، التفت الرحالة الغربيون إلى المعابد الكبرى في الصعيد حتى أسوان. ولم تتم رؤية معبدَي إدفو وأبيدوس عن قرب.١٣

رؤية المسلمين لمصر القديمة قبل الطهطاوي

تعد فكرة الأوروبيين عن مصر القديمة قبل القرن التاسع عشر معلومة بصورة أوضح من فكرة المسلمين عنها؛ فالكتابات العربية التقليدية تبرز العداء الإسلامي لمصر القديمة وتعتبر عبادة الأوثان وتعددية الآلهة نوعًا من «الجاهلية» السابقة على الإسلام. ولما كانت مصر الإسلامية تختلف عن مصر القديمة عقيدة ولغة، فإنها لم تنتج نظيرًا «للشاهنامة» التي احتفى فيها الفردوسي بالتراث الفارسي وأشاد بالساسانيين وملوك الفرس الأسطوريين، وربما كانت الكتابات العربية التقليدية في السحر، التي ارتبطت بمعرفة السحر الفرعوني، وافدة على مصر من العراق في القرن الحادي عشر، وليس لها جذور عميقة بمصر. وليس هناك سوى مصدر عربي واحد سابق على العصر الحديث، أورد ذكر الكرنك، فقد أشار الرحالة ابن بطوطة إلى مسجد الولي الشيخ أبو الحجاج فوق قمة خرائب معبد الأقصر.١٤ وسادت في مصر في القرنين الثالث عشر والرابع عشر أزمة متصلة بسبب الحروب والأوبئة والمجاعات، وأدت تلك الأزمة إلى موجة من التشدد الديني والتعصب ضد الرموز الدينية القديمة، فقام المسلمون بتحطيم تمثال لإيزيس بالفسطاط مدفوعين في ذلك بالحماس الديني. وتم استخدام حجارة تحمل نقوشًا، انتزعت من «المعبد الأخضر» في منف، في بناء تكية للمتصوفة، وتم هدم معبد أخميم، كما قام بعض المتصوفة بالهجوم على تمثال أبي الهول بالجيزة.١٥
واعتمد الطبري (المتوفى في ٩٢٣م) في تاريخه على مصادر يهودية ومسيحية، وفارسية، وعربية سابقة على الإسلام، ولكنه لم يشر إلى مصر القديمة إلا عرَضًا عند ذكره للأنبياء يوسف وموسى وعيسى، وأعطى الجبرتي لفرعون موسى اسمًا عربيًّا. واستهجن طغيانه الوثني. وأسقط الطبري من ذكر حكام مصر الفترة اليونانية-الرومانية.١٦
وعلى كلٍّ، بيَّن أولريش ها أرمان أن الأدب العربي الوسيط تميز بموقف إيجابي غير تقليدي من مصر القديمة. فالمسعودي (توفي ٩٥٦م) أبحر في النيل حتى أسوان باحثًا عن أسرار المسلمين والأقباط في كتابه «مروج الذهب» الذي قدَّم فيه عرضًا لتاريخ اليونان منذ فيليب المقدوني، والتاريخ البيزنطي، والأساطير الخيالية عن الفراعنة، وأبدى المسعودي إعجابه ببراعة الفراعنة في الطب والفلك، واستخدامهم للحجارة والمعدن.١٧
وعبر الكثير من الكتاب المسلمين عن مصر القديمة باعتبارها بلاد السحر والغموض. وقيل إن ملكًا يمنيًّا يدعى شداد بن عاد غزا مصر، وملكًا مصريًّا يدعى سريد بن شلق، وهرمس ترسمجستوس (الذي يرد اسمه في القرآن باسم إدريس وفي الإنجيل باسم إنوك) قد بنى كل منهم الأهرام للحفاظ على «الحكمة» حتى لا يضيعها فيضان النيل. ووصف الرحالة عبد اللطيف البغدادي (المتوفى ١٢٣١ / ١٢٣٢م) الآثار بتفصيل مبهر. وذهب المقريزي (المتوفى ١٤٢٢م) إلى أن الهيروغليفية ما هي إلا ترميز للمعرفة القديمة في الكيمياء، وذكر أن بمصر عشرين من عجائب الدنيا الثلاثين، من بينها الأهرام ومعابد أخميم ودندرة.١٨
وكتب جمال الدين الإدريسي (حوالي ١٢٣٨م) كتابًا عن الأهرام باعتبارها تحذيرًا إلهيًّا للبشرية. وأعطاها مسحة إسلامية بزعمه أن النبي والصحابة كان يسعدهم الاستظلال بها، وذكر أن شيخًا مغربيًّا أعاد حاجًّا من مكة إلى مصر لأنه لم يزر الأهرام قبل قدومه إليها. وخصص الإدريسي فصلًا للتراث الخيالي عن الأهرام، مشيرًا إلى أبعادها، واصفًا الهرم الأكبر من الداخل.١٩

وبذلك سبق الإدريسي جون جريفز الذي كان أول من قدَّم للغرب صورة مماثلة بعد الإدريسي بأربعة قرون.

ولم يكن الغربيون أفضل معرفة بمصر القديمة من المسلمين؛ لأنهم اعتمدوا على ما أورده هيرودوت وديودور الصقلي وسترابو. ولأن كتب التاريخ والمسرحيات والأساطير وكتب الرحلات اليونانية لم تكن ضمن العدد الهائل من الكتب اليونانية التي نقلت إلى العربية. ولكن الميزة التي تمتع بها الغربيون كانت محدودة لأن الكتابات اليونانية-الرومانية القديمة لم تحقق التسلسل الزمني لمصر القديمة ولم تقدم أسلوبًا صحيحًا لقراءة الكتابة الفرعونية القديمة. وفي أواخر القرن الثامن عشر، أقرت دائرة المعارف الفلسفية الفرنسية أن «تاريخ مصر القديم في حالة فوضى، يختلط فيه التطور الزمني بالدين والفلسفة وتغرق جميعًا في الغموض والاضطراب».٢٠

الحملة الفرنسية والمجمع العلمي المصري

وُلد علم المصريات في خضم العنف، والإمبريالية، والصراع الإنجليزي-الفرنسي. فقد جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر لتحقيق مشروع استعماري اقترحه ليبينيز عام ١٦٧٢م، وكان الغرض من الحملة الهجوم على المصالح البريطانية في البحر المتوسط والهند، وعثر الجنود الفرنسيون — صدفة — على حجر رشيد عندما كانوا يحفرون الأرض لإقامة الاستحكامات العسكرية، واستولى الإنجليز على الحجر كغنيمة حرب عام ١٨٠١م، ليصبح ذلك مَعلمًا لبداية صراع أنجلو-فرنسي في حقل المصريات امتد لأكثر من قرن. ولولا الغزو الفرنسي لمصر لما كان هناك «وصف مصر».٢١
وقد ذهب نقاد تاريخ هذه الحقبة إلى أن عام ١٧٩٨م كان مجرد حدث لا يرقى إلى المستوى المفترض منه، فقد مهدت إصلاحات علي بك الكبير الطريق لإصلاحات محمد علي، ولم تكن مصر بعيدة عن السوق العالمية قبل العام ١٧٩٨م، وأن الحملة الفرنسية تركت القليل من الآثار الثقافية.٢٢ كما أنه قد بولغ في تقدير تأثير كتاب «وصف مصر» في أوروبا، وأن أسرار الماسونية، ومزمار موزار السحري، والتصميمات المعمارية لبرانسي تقوم دليلًا على وجود الولع بمصر قبل العام ١٧٩٨م. وقام الأوروبيون الذين كان باستطاعتهم قراءة القبطية بزيارة الكنائس والأديرة الرئيسية بمصر، وحددوا المواقع التي ذكرها المؤلفون القدامى، ووصلوا إلى المعابد الكبرى في الصعيد فيما عدا إدفو وأبيدوس، الآثار الإسلامية وحدها هي التي لم تكن معروفة إلا قليلًا.٢٣
وكان هناك كتاب أسبق يحمل عنوان «وصف مصر» (١٧٣٥م) الذي ذكر أن «النيل معروف للكثير من الناس كنهر السين تمامًا».٢٤
ولكن الحملة الفرنسية كانت نقطة تحول في تأكيد الصراع الجغرافي الأنجلو فرنسي، واستطاعت أن تضعف المماليك بشكل مؤثر، وتمهد الطريق أمام محمد علي، كانت هناك عقبات، ولكن محمد علي استطاع أن يدخل تغييرات أساسية في مجالات الاقتصاد والمالية والجيش والسياسة والثقافة.٢٥

ومثل عهد الحملة الفرنسية وعصر محمد علي فتحًا جديدًا في علم الآثار — فقد مهد العثور على حجر رشيد الطريق لحل رموز الكتابة الهيروغليفية ومولد علم المصريات الحديث، ولعب «وصف مصر» دورًا مهمًّا في تسجيل الفن الفرعوني وكذلك العمارة الفرعونية والطبوغرافيا.

ولما كان نابليون يسعى لتحويل الهزيمة العسكرية في الحملة إلى نصر ثقافي، فقد جعل من «وصف مصر» مشروعًا للدولة عام ١٨٠٢م. وبرهن العمل الكبير الذي بذل في إعداد المشروع على أنه قد يكون وريثًا لدائرة المعارف المعروفة، فقد صحب نابليون معه ١٧٠ عضوًا كونوا لجنة العلماء والفنانين الموفدين إلى مصر، وكان علماؤها الأساسيون ينتمون إلى المجمع العلمي المصري الذي أقيم على نسق مجمع مماثل أقيم حديثًا في فرنسا، وتولى جسبار مونج — رائد الهندسة الوصفية — رئاسة المجمع، وتولى «المواطن بونابرت» منصب نائب الرئيس، وإضافة إلى جان باتست فورييه، كان مونج منتميًا إلى قسم الرياضيات، بينما كان فيفان دينون منتميًا إلى قسم الأدب والفنون الجميلة، وكلود لوي برتوليه إلى قسم الفيزياء.٢٦

وضمنت اللجنة خمسة وأربعين مهندسًا (وفيهم الجغرافيون)، ونحو الاثني عشر من الميكانيكيين وأخصائي المناظير، ومثلهم من الأطباء والصيادلة، وثلاثين من الفلكيين والرياضيين والكيميائيين، وعلماء الحيوان والنبات، والتعدين، كما كان هناك ما يزيد قليلًا على خمسة عشر من رسامي الخرائط والرسامين، والمعماريين والأدباء، وعلماء الآثار والموسيقيين والاقتصاديين. وكان هناك عشرة من المستشرقين يعملون كمترجمين. وفي عام ١٧٩٩م طبعت مجلة «الاستشراق» لتكون المجلة الأولى التي يسهم في تحريرها كل من يدرس أو يرسم الشرق. وتولى ثمانية عشر طباعًا تشغيل مطبعتين كانت إحداهما غنيمة من الفاتيكان، وضمت حروفًا عربية ويونانية ولاتينية. وضم المجمع مكتبة، ومرصدًا، وورشة، ومعملًا كيماويًّا، ومجموعة من المعادن والآثار. تُرى، هل كان فرانسيس بيكون أودينيس ديدروت يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك؟

وكانت الأسئلة الستة التي طرحها بونابرت في افتتاح المجمع محبطة لأحلام الحالمين. فقد سأل عن كيفية استطاعة الجيش صناعة الجعة دون استخدام حشيشة الدينار، وكيف يستطيع تحسين أفران الخبز، وتنقية المياه، وصناعة البارود محليًّا؟ وما إذا كان من الأفضل إقامة طواحين هواء أو ماء؟ وما هي الإصلاحات التي يمكن إدخالها على القانون المحلي والتعليم وتكسب قبولًا شعبيًّا؟٢٧
ولم يحظَ باهتمام الأوروبيين من بين هؤلاء العلماء سوى فيفان دينون (١٧٤٧–١٨٢٥م)، فقد عاد إلى فرنسا مبكرًا بصحبة بونابرت، وكان كتابه «رحلة في صعيد مصر» الذي نشر عام ١٨٠٢م ممهِّدًا الطريق «لوصف مصر»، وسرعان ما ترجم كتابه إلى الإنجليزية والألمانية. كان دينون في الحادية والخمسين عندما انضم إلى الحملة، وكانت له إنجازات في مجال الكتابة والفن، كما خدم في السلك الدبلوماسي في سان بطرسبرج والسويد، ونابولي وقد فقد دينون أملاكه في حوادث الثورة ولكنه نجا من «الرعب» بفضل حماية الرسام دافيد.٢٨
وقد صحب دينون الجنرال ديزيه في حملته على المماليك بالصعيد، ورسم الآثار التي وقعت عليها عيناه طوال الطريق. وكان الجنود يسخرون من «العلماء»، ولكن الجيش الفرنسي أصيب بالذهول عندما رأى طيبة «وكأن احتلال خرائب تلك العاصمة القديمة أعظم أعمالهم، وأنه المتمم لاحتلال مصر». وليس من الغريب أن تناقض رسوم دينون التقليد الكلاسيكي، فقد وصف المعابد المصرية بالنمطية والطابع الحزين، وقال عن معبد دندرة «لم يخترع اليونان أو يفعلوا شيئًا يفوق عظمة هذا المعبد»، متحديًا بذلك مقولة كاترميردي كونسي إن العمارة المصرية أقل شأنًا من العمارة اليونانية.٢٩

وتبع دينون مهندسان شابان هما إدوارد دي فيلييه دي تراج (الذي يذكر دائمًا باسم دي فيلييه)، وجان باتست بروسبير جولوا، تبعاه في الاهتمام بآثار الصعيد، فأحضرا معهما رسومًا ومخططات معمارية للمعابد، كما أُرسلت الحملة فيما بعد بعثتان علميتان إلى الصعيد لدراسة الآثار، وعقد دي فيلييه مقابلة بين عظمة الماضي وتخلف الحاضر، بربرية الشرق والتنوير الأوروبي فقال:

«القرية العربية تضم أكواخًا بائسة، وتتحكم في أعظم آثار العمارة المصرية، ويبدو أنها قائمة هناك لتعبر عن انتصار الجهل والبربرية على قرون النور التي رفعت في مصر الفنون إلى الذروة.

وقد سعدنا عندما فكرنا أننا سنأخذ معنا إلى بلادنا منتجات علوم وصناعة المصريين القدماء، وهو غزو مشروع سنقوم به باسم الفنون.»٣٠

وصف مصر

إن الرجل الذي رعى «وصف مصر» حتى اكتماله هو إدمي فرانسوا جومار (١٧٧٧–١٨٦٢م) الجغرافي الذي ساعد الحملة على رسم خرائط القاهرة والإسكندرية والأقاليم. وقد شمل هذا العمل الموسوعي أربع محافظ ضخمة من النصوص المتعلقة بمصر القديمة، واثنتين (من ثلاثة أجزاء) للدولة الحديثة، واثنتين (في خمسة أجزاء) للتاريخ الطبيعي، وخمس محافظ ضخمة للوحات التي خطت الآثار القديمة، واثنتين للدولة الحديثة، واثنتين (من ثلاثة أجزاء) للتاريخ الطبيعي. ولما كان العصر الإسلامي قد جاء بعد نهاية العصر القديم، فقد صنفه أصحاب «وصف مصر» ضمن «الدولة الحديثة» وفي هذه الحالة لم ينتهِ الخلاف حول التفرقة بين القديم والحديث بصورة تامة، فسوف يقود هذا الخلاف إلى تقسيم التاريخ إلى عصور ثلاثة، جعلت «التاريخ الوسيط» يحتل موقعًا بين القديم والحديث.٣١ وقد عمل على هذه اللوحات التي بلغ عددها ٩٧٤ لوحة نحو ٤٠٠ رسامًا. ولم تظهر باكورة «وصف مصر» مطبوعة بالمطبعة الإمبراطورية التي أدارها جان — جوزيف مارسيل (أحد من خدموا في صفوف الحملة بمصر)، لم تظهر إلا عام ١٨١٠م (رغم أن صفحة الغلاف تحمل عام ١٨٠٩م)، وطبع آخرها عام ١٨٢٨م (ولا يعد من بينها الأطلس المستقل الذي طبع عام ١٨٢٩م) غير أن بانكوك أصدر طبعة ثانية مختصرة (١٨٢٠–١٨٣٠م) كعمل تجاري.
وقد انتقد إدوارد سعيد وغيره المقدمة التي كتبها فورييه لتتصدر الكتاب، ووافق عليها نابليون، أشاد فورييه بالأهمية الاستراتيجية لموقع مصر عند ملتقى قارات ثلاث وبكونها بيت الفنون حتى قبل حرب طروادة، وتلقى العلم فيها هوميروس، وليكورجوس، وسولون، وفيثاغورث، وأفلاطون، وسعى إليها كل من الإسكندر، وبومبي، وقيصر، ومارك أنطونيوس، وأغسطس طلبًا للقوة والمجد. وتبع خطاهم نابليون العظيم، ولكن «هذه البلاد التي نقلت معارفها إلى العديد من الأمم، تعيش الآن بين براثن البربرية».٣٢ ومن ثم كانت بحاجة ماسة إلى الغزو الفرنسي الذي كان عليه استعادة المنافع الحضارية.
وتناولت صورة الغلاف التي أشرنا إليها من قبل (شكل ١) ما يدعم هذه الرسالة.٣٣ فهناك خراطيش بها نجمة ونحلة — قيل في شرحها أنها ترمز إلى الإمبراطور — تحيط بالإطار الذي يعبر عن تتويج نابليون. وحتى نابليون نفسه لم يعترف صراحة أن النجمة والنحلة تعنيان (في الهيروغليفية) «الملك المقدس».٣٤
وقبل نشر «وصف مصر» بعقد من الزمان، عندما كان الجيش الفرنسي وعلماؤه لا يزالون رهن الحصار في مصر، قام الرسام البريطاني الساخر جيمس جليراي بالسخرية من العلماء الفرنسيين عندما صوَّرهم فوق عمود بومبي مذعورين منهكين، وقد أحاط البدو بالعمود من أسفل يُحكمون عليهم الحصار (الشكل ١١) وكتب تحت ذلك الرسم أن خطابًا من الجنرال كليبر وقع في يد الإنجليز ذكر فيه أنه عندما تقدمت قوة عثمانية، وأجبرت الفرنسيين على التقهقر نحو الإسكندرية، حوصر مجموعة من العلماء كانوا قد اعتلوا عمود بومبي لأغراض علمية، حيث أحاط البدو بالعمود وأشعلوا النار في كم هائل من القش جمعوه تحته، وتبين للعلماء في تلك المحنة الفكرة التي كانت وراء تصميم رأس العمود على هذا النحو.
وسار «وصف مصر» على نهج دائرة المعارف الفرنسية في تخطيه للتاريخ الفرعوني وإغفاله الإشارة إلى المجتمع الفرعوني وتطوره السياسي والديني.٣٥ ويستمد العمل قوته فيما اتصل بالتاريخ القديم من استناده إلى التراث الكلاسيكي (اليوناني-الروماني) من حيث استخدامه في محاولة فهم ما شاهده العلماء من آثار. وقد أشار «وصف مصر» إلى مصادر يونانية ولاتينية تم استخدامها وكانت النقوش الهيروغليفية الواردة «بوصف مصر» لا قيمة لها حتى صدور المجلد الأخير عام ١٨٢٨م، فالعلماء لم يلتزموا الدقة في تصوير الرموز الهيروغليفية، كما أن جومار نفسه لم يكن مقتنعًا بعمل شامبليون.

ونحَّى العلماء التطور التاريخي جانبًا، وقاموا بترتيب اللوحات الخاصة بالآثار المصرية القديمة على أساس موقعها الجغرافي من جزيرة فيلة إلى الإسكندرية شمالًا. وتعد لوحات الآثار التي اندثرت بعد الحملة الفرنسية بالغة القيمة اليوم؛ فالكتابات الإسلامية عن الآثار الفرعونية تفتقر إلى القيمة لأنها لا تتضمن توثيقًا مصورًا لتلك الآثار.

الجبرتي والحملة الفرنسية

عبد الرحمن الجبرتي (١٧٥٤–١٨٢٢م)، عالم أزهري، سجلت حولياته التي حملت عنوان «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» — تاريخ مصر منذ أواخر القرن السابع عشر حتى وفاته، ولكن سرده لأخبار الحملة الفرنسية تخطى الجانب الأثري من عملها. ومن المحتمل ألا يكون قد رأى «وصف مصر» الذي كانت أجزاؤه تصدر تباعًا في باريس عندما مات الجبرتي. وقد أورد الجبرتي البيانات التي أصدرها بونابرت بالعربية موجهة إلى المصريين، ولم تأخذه بالفرنسيين الشفقة عندما راح يعدد الأخطاء النحوية الواردة بتلك البيانات، وينتقد ادعاء بونابرت صداقته للإسلام والسلطان، وعداءه للبابا، وإنقاذه المصريين من طغيان المماليك. وافتتح حولياته عن الحملة الفرنسية بالقول: «وهي أول سني الملاحم العظيمة، والحوادث الجسيمة، والوقائع النازلة، والنوازل الهائلة، وتضاعُف الشرور، وترادُف الأمور، وتوالي المحن، واختلال الزمن، وانعكاس المطبوع، وانقلاب الموضوع، وتتابع الأهوال، واختلاف الأحوال، وفساد التدبير، وحصول التدمير، وعموم الخراب، وتواتر الأسباب.»٣٦

وذكر الجبرتي أن الفرنسيين بعيدون عن التدين، ماديون، يمارسون الخلاعة والمجون مع النساء الأوروبيات والمصريات، وأنهم دنسوا الأزهر الشريف. غير أن الجبرتي قدَّر للفرنسيين علمهم أعظم تقدير، وعبَّر عن إعجابه «بالعلماء» الفرنسيين، وقد زار مكتبة المجمع العلمي ومعمله، ووصفه قائلًا:

«أفردوا للمدبرين، والفلكيين، وأهل المعرفة، والعلوم الرياضية كالهندسة، والنقوشات، والرسومات، والمصورين، والكتبة، والحسَّاب، والمنشئين، حارة الناصرية حيث الدرب الجديد … وفيه جملة كبيرة من كتبهم، وعليها خُزان ومباشرون، يحفظونها ويحضرونها للطلبة، ومن يريد المراجعة، فيراجعون فيها مرادهم، فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر بساعتين، ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب على كراسي منصوبة موازية لتختاة عريضة مستطيلة. فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها، فيحضرها له الخازن. فيتصفحون ويراجعون ويكتبون، حتى أسافلهم من العساكر. وإذا حضر إليهم بعض المسلمين ممن يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول إلى أعز أماكنهم، ويتلقَّونه بالبشاشة والضحك، وإظهار السرور بمجيئه إليهم، وخصوصًا إذا رأوا فيه قابلية أو معرفة أو تطلعًا للنظر في المعارف، بذلوا له مودتهم ومحبتهم، ويُحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها التصاوير …

ولقد ذهبت إليهم مرارًا، وأطلعوني على ذلك؛ فمن جملة ما رأيته كتاب كبير يشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم … وكثير من الكتب الإسلامية مترجم بلغتهم … ورأيت بعضهم يحفظ سورًا من القرآن. ولهم تطلع زائد للعلوم، وأكثرها الرياضة ومعرفة اللغة والمنطق، ويدأبون في ذلك الليل والنهار. وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات، وتصاريفها واشتقاقاتها … وعند توت الفلكي وتلامذته في مكانهم المختص بهم الآلات الفلكية الغريبة المتقنة الصنعة … كذلك أفردوا أماكن للمهندسين وصناع الدقائق … وركب له تنانير وكوانين لتقطير المياه والأدهان، واستخراج الأملاح …»٣٧

ولم يذكر الجبرتي شيئًا عن مجموعة الآثار التي جمعها علماء المجمع العلمي ولكنه رأى كتبًا تحتوي على «صور البلدان والسواحل والبحار والأهرام، وبرابي الصعيد، والصور والأشكال والأقلام المرسومة بها …» وهكذا نقل إلينا عالم أزهري مصري صورة إيجابية لمكتبة غربية، ومعامل البحث، ومعرفة الفرنسيين للإسلام والعربية، ومشاهدته للصور التي رسموها للمعابد والنقوش الهيروغليفية.

القناصل جامعي الآثار (سولت ودروفتي) والصراع الأنجلو-فرنسي

يحدد الاستيلاء البريطاني على حجر رشيد بداية ما يزيد على القرن من الصراع الإنجليزي الفرنسي في ميدان المصريات. وعندما جاء وليم هاملتون — سكرتير اللورد إيلجن السفير البريطاني في إستانبول — إلى مصر عام ١٨٠١م ليساعد في إجلاء الحملة عن مصر، أحبط محاولة فرنسية لتهريب حجر رشيد من مصر، واضطر لإقامة نقطة مراقبة على النيل هناك لهذا الغرض. وأورد هاملتون في كتابه عن مصر (١٨٠٩م) ترجمة للنص اليوناني على حجر رشيد. وفيما بعد، ساعد هاملتون اللورد إيلجن في الحيلولة دون حصول الفرنسيين على التمثال الرخامي لبارثينون، واضطر اللورد إيلجن أن يبيعه للمتحف البريطاني خاسرًا بذلك سمعته وماله.٣٨
وتابع القنصل البريطاني العام سولت وخصمه الفرنسي برناردينو دورفتي التسابق في اقتناء الآثار المصرية وخاصة ما ندر منها، وعظمت قيمته. جاء سولت إلى مصر عام ١٨١٥م، ومات بعد اثني عشر عامًا، وقد رحب باقتراح السير جوزيف بانكس — عالم النبات وأمين المتحف البريطاني ورئيس الجمعية الملكية أن يتولى جمع الآثار لحساب المتحف البريطاني. ولم يكن المرتب السنوي الذي يحصل عليه سولت (١٥٠٠ جنيه إسترليني) يكفي لتغطية نفقات القنصلية وتعلقت آماله بما يمكن أن يكسبه من تجارة الآثار، ولكن الضجة التي أثارها شراء المتحف البريطاني للتماثيل الرخامية لوثت الأجواء. فقام سولت أولًا بإهداء المتحف البريطاني تمثالًا لرأس رمسيس الثاني ثم عرض على إدارة المتحف شراء المجموعة التي كانت عنده كلها، ولكن السير بانكس خذله، ويعقب صديقه وصاحب ترجمته على ذلك بقوله: «اتهم سولت المسكين بأنه مجرد تاجر ويهودي، ونسخة أخرى من اللورد إيلجن.»٣٩
وكان من بين رجال سولت العاملين في حقل الآثار جيوفاني كافجليا، وهو قبطان بحري من مالطا، أجرى حفائر بالجيزة، وجيوفاني بلزوني، وهو لاعب سيرك سابق، والشخصية التي كُتبت عنها ست تراجم. وقد أحضر بلزوني رأس رمسيس الثاني على مركب نيلي إلى سولت بالقاهرة، وفتح معبد أبو سمبل، ومقبرة سيتي الأول، وهرم الجيزة. وعندما قطع علاقته مع سولت قام بتنظيم معرض في الصالة المصرية ببيكاديلِّي (لندن) في ١٨٢١م، ونشر كتابًا بديعًا عن نشاطه.٤٠
أما دروفتي فكان توسكانيًّا، خدم في الجيش الفرنسي في إيطاليا وجاء إلى مصر كنائب قنصل عام ١٨٠٢م، ثم ترقى إلى منصب القنصل العام. وعند عودة الملكية فقد وظيفته عام ١٨١٤م، ولكنه استمر مقيمًا بمصر، يجمع الآثار على أمل بيعها فيما بعد إلى متحف اللوفر. ولم يدَّع دروفتي العلم كما فعل غريمه سولت. وقد استعاد منصبه القنصلي عام ١٨٢١م، واستمر في جمع الآثار. ووصل الأمر برجاله ورجال سولت إلى العراك داخل الكرنك، مما دفع القنصلين إلى التوصل إلى اتفاق بتقسيم مناطق مصر الأثرية بينهما، فما يقع غرب النيل من نصيب سولت، وما يقع شرقه من نصيب دروفتي. وقام جان جاك ريفر — أحد العاملين لحساب دروفتي — بإجراء حفائر في الكرنك فيما بين عامَي ١٨١٧م و١٨٢٣م.٤١
وتابع خلفاء سولت ودروفتي الصراع القنصلي الأنجلو-فرنسي لجمع الآثار المصرية. ففي الخمسينيات من القرن التاسع عشر، تولَّى ذلك الأمر جون بيكر، وباتريك كامبل، وتشارلز موراي على الجانب البريطاني، وتولاه على الجانب الفرنسي كل من جان فرانسوا ميمو وريموند ساباتييه، أما أدريا لوي كوشيليه الذي تولَّى القنصلية الفرنسية بمصر فيما بين ميمو وساباتييه فلم يكن له اهتمام بجمع الآثار.٤٢
وكان من بين قناصل الدول الأخرى من اهتم أيضًا بجمع الآثار المصرية مثل: جيسب دي نيزولي القنصل النمساوي في العشرينيات من القرن التاسع عشر، وجيوفاني أنستاسي الذي كان ابنًا لأحد الأمريكيين ممن كانوا يمدون الحملة الفرنسية في مصر بالمؤن، وقد وقع نشاطه في حقل جمع الآثار بين فترة دروفتي — سولت وفترة بارييت، وتولى جمع الآثار أثناء عمله قنصلًا للسويد والنرويج بالقاهرة فيما بين ١٨٢٨ و١٨٥٧م. وعن طريق عملائه في سقارة والأقصر، استطاع أنستاسي أن يكون مجموعة ضخمة من الآثار المصرية انتهى بها المطاف إلى متاحف هولندا ولندن وباريس. كما قام ستيفان زيزينيا — اليوناني المولود بجزيرة خيوس والفرنسي الجنسية — قنصل بلجيكا بالقاهرة، بجمع الآثار المصرية.٤٣
وحالَ التمزق السياسي لإيطاليا دون انتفاعها بجهد الإيطاليين في تجميع الآثار المصرية، وقد مارس الإيطاليون عملهم في هذا المجال تحت أعلام دول أخرى (على طريقة كولومبوس وفيسيوتشي)، فقد عمل كل من بلزوني وكافجليا وألكسندرو ريتشي لحساب الإنجليز، وأصبح دروفتي البيدمونتي المولد فرنسي الجنسية. بل إن «الكورسيكي العظيم» — وهي الصفة التي خلعها أحد مؤرخي النشاط الإيطالي بمصر على بونابرت٤٤ — بدأ حياته إيطاليًّا أكثر من كونه فرنسيًّا. وفي العشرينيات من القرن التاسع عشر، اشترت بروسيا مجموعات الآثار المصرية التي جمعها كل من هنريش فون مونيتولي وجيسب باسالاكا، لتودع في متحف برلين، وكان مونيتولي ضابطًا بروسيًّا إيطالي المولد برتبة جنرال، أما باسالاكا فكان إيطاليًّا من تريسته، وقد تبع مجموعته إلى برلين وأصبح أمين المتحف المصري هناك. ومن بين مواطني الدول الصغرى الذين عملوا لحساب دول أخرى جيوفاني أثاناسي الذي قام بحفائر لحساب سولت في وقت كانت فيه بلاده — اليونان — تابعة للإمبراطورية العثمانية. والمستكشف السويسري يوهان لودفيج بوركهارت (واسمه الإنجليزي جون لويس، وعُرف بين المصريين باسم إبراهيم المهدي) وكان يقوم باستخراج الآثار لحساب الإنجليز.٤٥
ولعل الأبعاد القومية بين المتصارعين الأوروبيين في حقل الآثار المصرية كانت مثار حرج أرستقراطية القرن الثامن عشر التي كانت ترسم الحدود بين البلاد بطريقة أيسر من رسم الحدود بين الطبقات، ولكن عقدين من الحروب الثورية فعلت فعلها في إضفاء الصفة العالمية على العلم والثقافة؛ فقد أخذت فرنسا بالنظام المتري للقياس في عام ١٧٩٣م، وأرجأت بريطانيا عقد معاهدة دولية لجعل هذا النظام عامًّا في مجال العلوم حتى عام ١٨٧٥م.٤٦

هذا المزج بين الوطنية، والمنفعة، والحماس للتنقيب عن الآثار الذي تفاوت من جامع للآثار لآخر، والمتاحف التي انتشرت في المدن الأوروبية، ما لبثت أن أنهت دور الجامعين الوطنيين. فقد رفض اللوفر عرض دروفتي بيع مجموعته للمتحف، وانتهى بها المطاف في بلده الأصلي بيدمونت بدلًا من فرنسا التي حمل جنسيتها. ودفع المتحف البريطاني ألفي جنيه إسترليني لأول دفعة من مجموعة سولت، ولكن اللوفر حصل على بقية مجموعته بضعف الثمن، وانتهى الأمر بلوحة الملوك التي جلبها ميمو من أبيدوس إلى المتحف البريطاني.

الجبرتي والآثاريون الفرنجة

ولم يكن نشاط القناصل جامعي الآثار خافيًا على العلماء المصريين؛ ففي عام ١٨١٧م سجل المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي نشاط الأوروبيين في مجال الآثار كما يلي:

«إن طائفة من الإفرنج الإنكليز قصدوا الاطلاع على الأهرام المشهورة الكائنة ببر الجيزة غربي الفسطاط؛ لأن طبيعتهم ورغبتهم الاطلاع على الأشياء المستغربات، والفحص عن الجزئيات، وخصوصًا الآثار القديمة وعجائب البلدان، والتصاوير والتماثيل التي في المغارات والبرابي بالناحية القبلية وغيرها، ويطوف منهم أشخاص في مطلق الأقاليم بقصد هذا الغرض، ويصرفون لذلك جملًا من المال في نفقاتهم ولوازمهم ومؤجراتهم، حتى إنهم ذهبوا إلى أقصى الصعيد، وأحضروا قطع أحجار عليها نقوش وأقلام وتصاوير ونواويس من رخام أبيض، كان بداخلها موتى بأكفانها وأجسامها باقية بسبب الأطلية والأدهان الحافظة لها من البلا … وأحضروا أيضًا رأس صنم كبير، دفعوا في أجرة السفينة التي أحضروه فيها ستة عشر كيسًا، منها ثلاثمائة وعشرون ألف نصف فضة، وأرسلوها إلى بلادهم لتباع هناك بأضعاف ما صرفوه عليها، وذلك عندهم من جملة المتاجر في الأشياء الغريبة.

ولما سمعت بالصور المذكورة، فذهبت بصحبة ولدنا الشيخ مصطفى باكير المعروف بالساعاتي، وسيدي إبراهيم المهدي الإنكليزي (وهو الاسم الذي عرف به يوهان لودفيج بوركهارت في مصر) إلى بيت قنصل بدرب البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة جهة الأزبكية (وهو بيت سولت). وشاهدت ذلك كما ذكرته، وتعجبنا من صناعتهم وتشابههم، وصقالة أبدانهم الباقية على ممر السنين والقرون التي لا يعلم قدرها إلا علام الغيوب. وأرادوا الاطلاع على أمر الأهرام، وأذن لهم صاحب المملكة (محمد علي باشا)، فذهبوا إليها ونصبوا خيمة، وأحضروا الفعلة والمساحين والغلقان وعبروا إلى داخلها، وأخرجوا منها أتربة كثيرة من ذيل الوطواط وغيره، ونزلوا إلى الزلاقة، ونقلوا منها ترابًا كثيرًا وزبلًا، فانتهوا إلى بيت مربع من الحجر المنحوت غير مسلوك، هذا ما بلغنا عنهم. وحفروا حول الرأس العظيمة بالقرب من الأهرام التي تسميها الناس رأس أبي الهول، فظهر أنه جسم كامل عظيم من حجر واحد ممتد كأنه راقد على بطنه، رافع رأسه، وهي التي يراها الناس، وباقي جسمه مغيب بما انهال عليه من الرمال، وساعداه من مرفقيه ممتدان أمامه، وبينهما شبه صندوق مربع إلى استطالة من سماق أحمر عليه نقوش شبه قلم الطير، في داخله صورة سبع مجسم من حجر مدهون بدهان أحمر، رابض باسط ذراعيه في مقدار الكلب، رفعوه أيضًا إلى بيت القنصل، ورأيته يوم ذاك. وقيس المرتفع من جسم أبي الهول من عند صدره إلى أعلى رأسه فكان اثنين وثلاثين ذراعًا، وهي الربع من باقي جسمه. وأقاموا في هذا العمل نحوًا من أربعة أشهر.»٤٧

وهكذا عبر الجبرتي عن إعجابه بدقة ما صنعه الفراعنة ولاحظ إقبال الأوروبيين على العمل في استخراج الآثار، مستغربًا ذلك دون أن يستهجنه، ولعل هذه الفقرة المدفونة في حوليات الجبرتي مرت أمام أعين قراء تاريخه دون أن تلفت نظرهم.

وقد مات الجبرتي عام ١٨٢٢م، وهو العام الذي شهد الإنجاز الذي حققه شامبليون في حل رموز الهيروغليفية. وسوف تمضي اثنتا عشرة سنة قبل أن يتمكن أزهري آخر هو رفاعة الطهطاوي من نقل ثمار عمل شامبليون إلى المصريين.

التسابق الأنجلو-فرنسي لحل الهيروغليفية (يانج وشامبليون)

تطور علم المصريات ودراسة آثار الشرق الأدنى من خلال الاستعانة بالنصوص في فهم الآثار، مع وجود كتابات مسجلة تلعب دورًا حاسمًا في تفسير الآثار المادية، وهو هنا على نقيض علم الآثار ما قبل التاريخ في الأميركيتين وأوروبا وأفريقيا ما وراء الصحراء. ولذلك كان من أولويات علم الآثار في الشرق الأوسط حل رموز الكتابات الهيروغليفية المصرية، والأكادية، والسومرية، والفارسية القديمة، والحيثية. لأن كل واحدة من تلك الكتابات كانت مفتاحًا لفهم النصوص التي تعد هدفًا أوليًّا للمنقبين عن الآثار. ورغم أن اليونانية واللاتينية لم تكونا في حاجة إلى مفتاح لقراءتها، فقد تطور علم المصريات على نفس الخطوط التي سارت عليها دراسة الآثار اليونانية-الرومانية. أما دراسة علم الأشوريات (تاريخ العراق القديم) والآثار الإنجيلية فقد صاحب تطور علم المصريات أو تأخر عنه قليلًا.٤٨
وتعلقت آمال الإنجليز على توماس يانج (١٧٧٣–١٨٢٩م) لحل رموز الهيروغليفية، وكان يانج طبيبًا ولغويًّا، له مساهمات في المصريات. وقد أدرك يانج أن القبطية لغة مصر القديمة، واستطاع أن يستنتج بعض الرموز الديموطيقية المأخوذة عن الهيروغليفية، وأن الهيروغليفية مزيج من الرموز الأبجدية وغير الأبجدية. وتمكن من حل خرطوش بطليموس والملكة برنكي ووضع قائمة صحيحة جزئيًّا للعلامات الأبجدية ولكنه ظل عاجزًا عن تحقيق تقدم في فك طلاسم الهيروغليفية.٤٩
وقبل جان فرانسوا شامبليون التحدي ممثلًا لفرنسا. وكان أخوه الأكبر جاك جوزيف يتمنى الذهاب إلى مصر مع حملة بونابرت ووجه حماس أخيه الصغير نحو علم المصريات. وفي سن السادسة عشر، قدَّم شامبليون الصغير بحثًا لأكاديمية جرينويل أكد فيه أن القبطية هي لغة مصر القديمة. وتلقى العلم في باريس على يدي سلفستر دي ساسي ولوي لانجليه في كلية فرنسا والمدرسة الخاصة باللغات الشرقية. وفي عام ١٨٢٢م، أعلن توصله إلى حل لرموز الكتابة الهيروغليفية في خطاب وجهه للأكاديمية الفرنسية بعنوان: «خطاب للمسيو داسييه عن الأبجدية الهيروغليفية الصوتية».٥٠

لقد استولى الإنجليز على حجر رشيد، ولكن قراءة النص المنقوش عليه احتاجت إلى جهد رجل فرنسي! وتكشف عناوين الكتابات الإنجليزية التي تصدت لدعم المزاعم الإنجليزية عن ذلك السباق بين البلدين في هذا المجال، مثل ما كتبه يانج بعنوان «تقرير عن بعض الكشوف الحديثة في الأدب الهيروغليفي والآثار المصرية بما في ذلك الأبجدية التي وضعها المؤلف التي عرضها المسيو شامبليون» (نشر عام ١٨٢٣م)، وكذلك كتاب سولت «مقال حول التكوين الصوتي للهيروغليفية عند الدكتور يانج ومسيو شامبليون» (نشر عام ١٨٢٥م)، وما زال رفض شامبليون الاعتراف بأي فضل ليانج مسجلًا على اللوحة الموضوعة عند حجر رشيد بالمتحف البريطاني.

وتجاوز الجدل حول أبجدية شامبليون حدود الدول. ففي ألمانيا اعتبر شامبليون بطلًا في نظر عالم التاريخ الطبيعي ألكسندر فون هامبولد وشقيقه اللغوي فلهلم، بينما رفضه كل من هنريش كالبروت وجستافوس سايفارت. ولم يتأكد أن ما توصل إليه شامبليون بعيد تمامًا عن الشك إلا عندما أقر ذلك ليبسيوس عام ١٨٣٧م، وعندما نشرت أعمال شامبليون بعد وفاة صاحبها: كتاب: «النحو» (١٨٣٦–١٨٤١م)، و«القاموس» (١٨٤١–١٨٤٤م).٥١
وكذلك اختلف العلماء الفرنسيون في الرأي حول إنجاز شامبليون فعلى حين أيده تمامًا سيلفستر دي ساسي، أدت معارضة إدمي فرانسوا جومار إلى عدم انضمام شامبليون إلى «أكاديمية النقوش» حتى العام ١٨٣٠م. وكانت رعاية دوف بلاكا — الملكي والمهاجر السابق — لشامبليون حاسمة في تمكينه من تجاوز انتماء عائلته لليعاقبة، وأن ينتصر على جومار ويحصل على أمانة القسم المصري باللوفر عام ١٨٢٦م، وصرف جومار جهده إلى الوقوف على إخراج المجلدات الأخيرة من «وصف مصر»، والمساعدة في إدارة أمور «الجمعية الجغرافية» والإشراف على البعثة العلمية التي أرسلها محمد علي باشا إلى باريس، وتولى أمانة قسم الخرائط بالمكتبة الوطنية بباريس. ولكن من المؤسف أن رفضه لشامبليون جعله يحرم نفسه من الدخول في زمرة علماء المصريات، فقد صنفته موسوعة من هو عالم الآثار على أنه «مهندس، وجغرافي، ومنقب عن الآثار — ولكنه ليس من علماء المصريات».٥٢

رسامو الآثار البريطانيون والفرنسيون

انضم — في العشرينيات من القرن التاسع عشر — بعض الرسامين الشباب إلى الميدان إلى جانب القناصل جامعي الآثار. وكان البريطانيون في المقدمة دون أن يتلقوا رعاية مادية خاصة أو حكومية. فقام السويسري يوهان يوركهارت باستكشاف بلاد النوبة والشام ومكة لحساب الجمعية الأفريقية بلندن، واعتزم البريطانيون الذين تبعوه في مصر — في العشرينيات — رصد الآثار، والمناظر الطبيعية، والمجتمع المصري الحديث بالفرشاة والقلم.

وقد أصبح جاردنر ويلكنسون (١٧٩٧–١٨٧٥م) بارزًا في ميدان المصريات كما أصبح إدوارد وليم لين (١٨٠١–١٨٧٦م) رائد الاستشراق البريطاني في جيله. وكانت الثروة التي ورثها الرسام روبرت هاي (١٧٩٩–١٨٦٣م) كافية لإعالة فريق كامل من الرسامين، ولكن الدراسات التي أجراها فريق هاي على العمارة المصرية لم تعرف طريقها إلى النشر. وقد قام كل من ويلكنسون وهاي ولين بإهداء بعض الآثار المصرية إلى المتحف البريطاني، ولكن تسجيل الآثار بالرسم كان شغلهم الشاغل.٥٣
وقضى ويلكنسون معظم الفترة التي عاشها في مصر (١٨٢١–١٨٣٣م) في قرية القرنة التي تقع في مواجهة الأقصر على الضفة الغربية للنيل. وهناك شغل برسم مناظر القبور الفرعونية التي نشرها في كتابه «عادات وتقاليد المصريين القدماء». ومن الغريب بمعايير اليوم أن نعرف أن ويلكنسون عاش في مقبرة تكسوها النقوش، وكان يتخذ من أخشاب توابيت المومياوات وقودًا. ولما كانت قراءة الهيروغليفية — عندئذٍ — ما زالت من الصعوبة بمكان، فقد كان جُلُّ اعتماد ويلكنسون على الإنجيل، والدراسات الكلاسيكية (اليونانية-الرومانية)، والمناظر المنقولة من نقوش القبور، وكان ويلكنسون يخشى أن يسرق الألمان أو الفرنسيون فضل المبادرة إذا تقاعس هاي عن نشر نتائج العمل الميداني المكثف الذي قام به البريطانيون في العشرينيات والثلاثينيات.٥٤

لقد تعلَّم لين الرسم، وجاء إلى مصر عام ١٨٢٥م، وأعد كتابه الذي لم تتح له فرصة النشر إلا بعدما يزيد على القرن، والذي حمل عنوان «وصف مصر» مقابلًا جزئيًّا للعمل الفرنسي العظيم. وقد عكس كتابه الشهير «عادات وتقاليد المصريين المحدثين» جانبًا من عمله عن «وصف مصر» الذي يعكس معرفته بالمصريات، ولكنه تخصص بعد ذلك بالاستشراق، فترجم «ألف ليلة وليلة»، ووضع قاموسه العربي برعاية بعض الارستقراط. ولم تكن الجامعات — عندئذٍ — قد احتلت مركز العلم البريطاني الحديث؛ ولذلك اعتمد ويلكنسون ولين ومعاصريهما تشارلز لايل وتشارلز دارون على رعاية بعض الأثرياء أو ثرواتهم الخاصة.

وقد نشر البريطانيون ١١٤ رحلة عن مصر (على الأقل) فيما بين ١٧٩٨ و١٨٥٠م بينما لم يزد ما نشره الفرنسيون عن ٥٤ رحلة (ومنذ عشرينيات القرن التاسع عشر احتل الأمريكيون المركز الثالث بعدما أزاحوا عنه الألمان).٥٥ وأدت التقارير الواردة إلى أوروبا عن النشاط البريطاني في التنقيب عن الآثار المصرية إلى حفز شامبليون على إعداد بعثته الأثرية ١٨٢٨–١٨٢٩م، وساعده في قيادتها تلميذه التوسكاني في إبوليتو روسلِّيني.

ولما كان العلماء يتحرَّقون شوقًا للنصوص، فقد انكبوا على نسخها، ولكن كان من بين أهداف بعثتهم جمع الآثار المصرية لحساب متحف اللوفر. وعندما سمع جوزيف بونومي — ناسخ النقوش الذي كان يعمل مع هاي — أن شامبليون ينوي قطع بعض النقوش من مقبرة سيتي الأول كتب له ما يلي:

«سيدي — علمت أن أناسًا وصلوا إلى القرنة بأمر منك لقطع رسوم معينة من مقبرة وادي الملوك التي فتحها بيلزوني بتمويل من المرحوم سولت القنصل البريطاني، فإذا صح عزمك على ذلك، أرى من واجبي كإنجليزي محب للآثار أن استخدم كل الحجج الممكنة لحثك على عدم ارتكاب مثل هذا العمل القوطي.» فرد عليه شامبليون قائلًا:

«فلتهدأ بالًا — سيدي — لأنك تستطيع يومًا ما أن ترى النقوش الجميلة من مقبرة أوزيري (سيتي الأول) في المتحف الفرنسي. فقد تكون هذه الطريقة الوحيدة للحفاظ عليها من الدمار الواضح، وعندما أقوم بهذا العمل سوف أتصرف بمنطق المحب للآثار، طالما كنت سآخذها للمحافظة عليها، وليس لبيعها.»٥٦
ونتج عن عمل البعثة الفرنسية — التوسكانية مجموعتان من اللوحات العظيمة، مجموعة شامبليون التي نشرت بعد وفاته بعنوان «آثار مصر والنوبة» وتقع في أربع مجلدات (١٨٣٥–١٨٤٧م)، ومجموعة روسلِّيني ونشرت بعنوان «آثار مصر والنوبة» وتقع في تسعة مجلدات بالإضافة إلى ثلاثة مجلدات للأطالس (١٨٣٢–١٨٤٤م).٥٧
وفي الأربعينيات من القرن التاسع عشر، انتقل مركز الصراع الأنجلو-فرنسي في مجال الآثار — القديمة من النيل إلى دجلة، فقد أرست الإنجازات — التي تمت في مجال نسخ النقوش وجمع الآثار وحل رموز الكتابة — أرست قواعد علم «الأشوريات» القديمة. وكان كلوديوس ريس — وكيل شركة الهند الشرقية ببغداد وجامع الآثار مثل سولت — قد اكتشف بابل في أوائل العقد الثاني من القرن، وجمع بعض الألواح المسمارية التي انتهى بها المطاف إلى المتحف البريطاني. وفي الأربعينيات، أدهش بول إميل بوتا — نائب القنصل الفرنسي بالموصل — الإيطالي المولد مثل دروفتي، الفرنسي الجنسية — أدهش العالم بالكشف عن تماثيل لثيران مجنحة ذات رأس بشري وبعض التماثيل الآشورية الأخرى التي عثر عليها في خور سباد، وقام بشحنها إلى اللوفر. وقام أوستن هنري لايارد — خصم بوتا وصديقه الذي أصبح سفيرًا لبريطانيا في إستانبول فيما بعد — قام باكتشاف تماثيل ونقوش مماثلة في نمرود وكيونجك وشحنها بدوره إلى المتحف البريطاني. وأدى اندلاع حرب القرم إلى وضع نهاية لمرحلة الإقبال على اكتشاف آثار الرافدين عام ١٨٥٥م.٥٨

غير أن ما تحقق من نجاح في حل رموز الكتابة المسمارية قرب الفجوة بين تفوق علم المصريات، وعلم الآشوريات الوليد. ففي ١٨٠٢م اكتشف مدرس ألماني يدعى جورج جروتفند دلالة اثني عشر رمزًا في الفارسية القديمة عن طريق مقارنة اسم دارا باسم كسرى، ولكنه عجز عن التوصل إلى حل سليم لرموز الكتابة، تمامًا كما فعل يانج في سعيه لحل رموز الهيروغليفية. وفي العام ١٨٤٦–١٨٤٧م، نشر هنري رولنسون نص وترجمة نقش دارا الأول، وهو نص فارسي قديم كتب بثلاث لغات بالخط المسماري، عثر عليه في بيهستن بفارس، وبعد ذلك التاريخ بنحو عقد من الزمان نجح رولنسون واثنان آخران من العلماء في التوصل إلى حل الرموز الأكادية — لغة بابل وآشور القديمة — عندما استطاع كل منهم — على حدة — أن يترجم النص المسماري.

الظهور الأول للألمان، بعثة ليبسيوس

بينما كان الانتباه الفرنسي والبريطاني موجهًا نحو دجلة، نجحت بعثة ريتشارد ليبسيوس البروسية في الفترة ١٨٤٢–١٨٤٥م في حفائرها بمصر وبلاد النوبة، وفاقت إمكانات البعثة تلك التي كانت للبعثة الفرنسية — التوسكانية التي قادها شامبليون. فقد أنفقت الحكومة البروسية بسخاء على هذه البعثة للقيام بحملة واسعة من نسخ النقوش والتنقيب عن الآثار، وجمعها. وكانت جامعة برلين وغيرها من الجامعات الألمانية قد برزت في الثلاثينيات كمراكز للبحث العلمي، عندما كان ليبسيوس يدرس فقه اللغة بجامعات ليبزج وجوتنجن وبرلين. وانتقل ليبسيوس إلى باريس بعد عام واحد من وفاة شامبليون لمتابعة الدراسة، فأعد نفسه منهجيًّا بدراسة العلوم المساعدة قبل أن ينخرط في دراسة فقه اللغة المصرية القديمة التي كان بروزها حاسمًا عام ١٨٣٧م. ففي كتابه «خطاب إلى السيد الأستاذ روسيلِّيني بخصوص الأبجدية الهيروغليفية» هبط ليبسيوس بما فعله شامبليون إلى مستوى الهراء.

وعندما اعتلى فردريش فيلهلم الرابع (١٨٤٠–١٨٦١م) العرش البروسي، نصحه كل من ألكسندر همبولد، وكرستيان كارل بونسن (الدبلوماسي العالم) بأن يرسل ليبسيوس على الفور إلى مصر على رأس بعثة أثرية. وكان والده الملك فردريش فيلهلم الثالث (١٧٩٧–١٨٤٠م) قد تولَّى رعاية البعثة المتواضعة التي قادها هنريش فون مينوتولي عام ١٨٢٠–١٨٢١م للتنقيب عن الآثار في مصر، وقد زارت تلك البعثة الصعيد وواحة سيوة.٥٩ وقد نجح مينوتولي في جذب الأمير البروسي (ولي العهد) إلى الاهتمام بالمصريات، ولعب الأمير الدور الأساسي في تدبير شراء مجموعة الآثار المصرية الخاصة بباسالاكا، وعينه أمينًا لمتحف برلين. وكانت بعثة ليبسيوس على درجة عالية من التنظيم حتى إنها أخذت معها قسًا لوثريًّا لتوفير الخدمة الدينية للفريق. وقد احتفلت البعثة بعيد ميلاد ملك بروسيا على قمة الهرم الأكبر برفع علم بروسيا وإضرام شعلة (انظر الشكل ١٢).

ورحب محمد علي باشا بالبروسيين، وقدم لهم عونًا تمثل في توفير وسيلة نقل نيلية مجانية لهم، وتقديم ما يلزمهم من العمال المسخرين، وعلى مر الطريق إلى الجنوب، جمع ليبسيوس وسجل بالرسم كل ما قابله من آثار، وعاد إلى بلاده حاملًا معه خمسة عشر ألفًا من القطع الأثرية والأقنعة المصبوبة. واحتل مقعد أستاذية المصريات الذي نشئ خصيصًا من أجله بجامعة برلين، وبأسلوب منهجي رصين نشر كتابه «آثار مصر وإثيوبيا» الذي ضم ١٢ مجلدًا (١٨٤٩–١٨٥٩م).

وقد كان ليبسيوس القوة المحرِّكة وراء إدارة وتوسيع متحف برلين، رغم أن باسالاكا كان الأمين الاسمي للمتحف حتى وفاته عام ١٨٦٥م. وخسر ليبسيوس معركة مع المغامر الفرنسي بريس دافين (١٨٠٧–١٨٧٩م) الذي ما كاد يسمع أن ليبسيوس ينوي نقل لوحة الملوك بالكرنك إلى برلين حتى هرع إلى هناك وعمل طوال الليل على اقتلاع اللوحة من موضعها، وحملها في مركب على النيل، وعندما مر بجوار مركب ليبسيوس المتجه جنوبًا، دعاه إلى مركبه واستضافه دون أن يدري أنه كان يجلس فوق صندوق يحتوي على الكنز الثمين الذي كان يسعى للحصول عليه! وكان بريس رسامًا يشتغل بنسخ النقوش، كما كان معنيًّا بجمع الآثار وقد نشر لوحات عن الفن الفرعوني والفن العربي بالقاهرة.٦٠

سباق المؤسَّسات، المتاحف والجمعيات العلمية الأوروبية

قامت المتاحف والجمعيات العلمية برعاية أعمال التنقيب الأثرية في حقل المصريات — حتى أواخر القرن التاسع عشر — أكثر مما كانت تفعله الجامعات، فقد أعلن شامبليون توصله إلى حل رموز الهيروغليفية إلى «أكاديمية الفنون الجميلة والنقوش» وعمل أمينًا باللوفر، وحصل على كرسي الأستاذية «في كلية فرنسا» قبل عامين من وفاته. وكان الإنجليزي صامويل بيرش من رجال المتاحف، وليس أستاذًا بالجامعة، وكان كونرا دوس ليمانز (١٨٠٩–١٨٩٣م) رائد المصريات في هولندا مديرًا لمتحف ليدن.٦١
وأدى استيلاء بريطانيا على القطع الأثرية التي جمعتها الحملة الفرنسية (وفيها حجر رشيد) إلى تأخر البدء في تكوين مجموعة الآثار المصرية باللوفر. وعندما أصبح دينون مديرًا للمتحف المركزي للفنون بعد عشر سنوات من الثورة الفرنسية، جعل مجموعة المقتنيات الفنية الملكية متاحة للجمهور، ثم ما لبث أن ترقى إلى منصب مدير عام المتاحف الوطنية. وقام بجمع ما صادره نابليون من تحف أعدائه الأوروبيين وفقد دينون منصبه في ١٨١٥م عندما تخلص البوريون من موظفي نابليون، وكان يجب استعادة ما تم نهبه عقب هزيمة ووترلو. ورغم ذلك بدا اللوفر نموذجًا للمتاحف الوطنية يحتذى به في أوروبا كلها، وفي بلاد بعيدة كالولايات المتحدة، والمكسيك، ومصر، وإستانبول (انظر الشكل ١٣).
وأضاع اللوفر فرصة ذهبية عام ١٨٢٤م، عندما حرضه جومار على رفض شراء مجموعة الآثار المصرية الأولى التي عرضها دروفتي، فقد اشترتها بيدمونت (البلد الأصلي لدروفتي)، وكان على شامبليون أن يتبع المجموعة حتى تورين بحثًا عن النصوص اللازمة لبحثه اللغوي. وهناك اقترح إقامة أول متحف للآثار المصرية في العالم.٦٢ وما لبث اللوفر أن عوَّض ما فاته من وقتٍ لاقتناء الآثار المصرية، فحصل على مجموعة سولت، ومجموعة دروفتي الثانية، وعُيِّن شامبليون أمينًا للجناح المصري الجديد عام ١٨٢٦م. وفي العام التالي — بعد أقل من ثلاثة عقود على الحملة الفرنسية — فتح شامبليون الجناح المصري للوفر الذي كان يسمى رسميًّا «متحف شارل العاشر». وتغاضى شامبليون عن العادة الشائعة لترتيب المعروضات وفق المعايير الجمالية، فقام بعرض المقتنيات على أساس زمني وحسب الغرض الذي صنفت من أجله: ديني، أو زمني، أو جنائزي. وساعدت ثمار بعثته إلى مصر على سد بعض الثغرات في المجموعة.

ولم يبدأ المتحف البريطاني بمجموعة ملكية، ولكنه بدأ بمجموعة خاصة، أوصى بها عام ١٧٥٣م الطبيب وعالم التاريخ الطبيعي السير هانز سلون، فقد نصت وصيته على أن تكون مكتبته وتحفه «للنفع العام»، وأن يتاح الاطلاع عليها «لكل الطلاب ومحبي الاطلاع». وقد تم إنشاء أقسام المتحف الخاصة بالآثار القديمة عام ١٨٠٧م، وبدأت بداية غير ثابتة، على نحو ما حدث من صعوبات واجهها إيلجن وسولت في تعاملهما مع المتحف، وقد بدأ صمويل بيرش — الذي خلدته واجهة المتحف المصري بالقاهرة إلى جانب شامبليون وليبسيوس وروسيلِّيني — بدأ رحلة عمله الذي امتد إلى نصف القرن، بالمتحف البريطاني عام ١٨٣٦م.

وفي برلين، لم يعد مونبيجو كافيًا لاستيعاب مجموعة الآثار المصرية بعد عودة ليبسيوس من مصر، وتم افتتاح المتحف الجديد عام ١٨٥٠م بجزيرة المتحف مع استمرار باسالاكا مديرًا للجناح المصري اسمًا بينما كان ليبسيوس صاحب اليد العليا فيه. وصممت صالة العرض على طراز فرعوني جديد مبهر يضفي الكثير على الآثار المعروضة.٦٣
أما عن الجمعيات العلمية، فقد كان السبق لباريس في إنشاء الجمعية الجغرافية عام ١٨٢١م، تلتها برلين عام ١٨٢٨م ولندن عام ١٨٣٠م، ونيويورك في ١٨٥١م، وكان الأخوان شامبليون وراء تأسيس الجمعية الجغرافية بباريس، ولكن جومار جعل منها منتدى له لمدة أربعين عامًا، وغالبًا ما كان يوجه مجلتها نحو الموضوعات المصرية.٦٤

وقد ورثت «الجمعية الجغرافية الملكية «بلندن»، جمعية النهوض يكشف المناطق الداخلية من أفريقيا» (تأسست عام ١٧٨٨م)، وجمعية فلسطين (تأسست عام ١٨٠٤م)، و«نادي الرالي للرحالة» (تأسس ١٨٢٦م)، وقد وجهت الإمبريالية غير الرسمية مسار «الجمعية الجغرافية الملكية»، ثم لعبت «الإمبريالية الجديدة» نفس الدور، وقد فاقت الجمعية منافساتها من جمعيات الدول الأخرى في النهوض بالكشوف الجغرافية والبحث العلمي.

وتأسست «الجمعية الآسيوية» بباريس عام ١٨٢٢م، وتلتها «الجمعية الملكية الآسيوية لبريطانيا العظمى وأيرلندا» التي أنشئت بلندن عام ١٨٢٣م في نفس العقد الحرج الذي تأسست فيه الجمعية. وفي التجربة البريطانية، أثرت المستعمرات في المركز ولم يحدث العكس، فقد أنشأ وليم جونز «الجمعية الآسيوية بالبنغال» عام ١٧٨٤م، وأقيمت نظيرتها في بومباي عام ١٨٠٤م. ولم تظهر الجمعيات الاستشراقية الألمانية والأمريكية قبل الأربعينيات من القرن التاسع عشر. ولذلك كانت الجمعيات الجغرافية والآسيوية التي تأسست في لندن وباريس، والمجمع العلمي المصري الذي ذوى مع الحملة الفرنسية، «والمجمع العلمي الفرنسي»، و«الجمعية الملكية البريطانية» هي النماذج التي حذا حذوها الأوروبيون الذين أسسوا «الجمعية المصرية» بالقاهرة عام ١٨٣٦م.

استلهام النموذج الأوروبي، الجمعية المصرية بالقاهرة

كانت حملة نابليون، والبعثات الأثرية التي قادها شامبليون وليبسيوس ذاتية الدوافع خرجت جميعًا من أوروبا متجهة إلى مصر، جمعت الآثار من مصر، وحملتها معها إلى بلادها لدراستها وعرضها ونشر ما استخلصته منها من معلومات.

وظلت ذكريات المجمع العلمي المصري ماثلة في أذهان الأوروبيين المقيمين بمصر بعد جلاء الفرنسيين عن البلاد؛ ففي عام ١٨٢٨م أقيمت جمعية غامضة بالإسكندرية سُمِّيت «جمعية القراءة الإنجليزية»، وأسس الأوروبيون بالقاهرة «الجمعية المصرية» عام ١٨٣٦م «كملتقى للرحالة بهدف إيجاد رابطة بين أهل العلم والآداب الذين قد يزورون مصر من وقتٍ لآخر».٦٥ وقد سعت الجمعية — التي أطلق عليها أيضًا اسم «الجمعية الشرقية» — إلى تكوين مكتبة للمراجع الخاصة بمصر «لجمع وتسجيل المعلومات» عن مصر وجيرانها، وباستطاعة أي زائر أو زائرة لمصر استخدام المكتبة، «وجميع الرجال من مختلف الجنسيات» لهم حق العضوية مقابل جنيه إنجليزي واحد في السنة،٦٦ وكان استثناء النساء من العضوية يتسق مع ما جرى العمل به — عندئذٍ — في أوروبا.
وكان أنتوني هاريس (١٧٩٠–١٨٦٩م) أول رئيس للجمعية، تاجرًا في الآثار، أثرت مجموعة بردياته المتحف البريطاني. وبلغ عدد أعضاء الجمعية عشرين عضوًا عام ١٨٣٩م عندما حصلت مكتبتها على «الأعمال الكبرى لمدرسة الآثار الجديدة، وجعلتها متاحة للاطلاع في مصر لأول مرة».٦٧ وبعد أربع سنوات، ارتفع عدد الأعضاء إلى ١١٠ عضوًا، كان الثلثان من البريطانيين، يليهم الفرنسيون (وكان من بينهم أنطوان كلوت بك، ولينان دي بلفون وفردنان دي ليسبس)، وكان هناك مجموعة من البريطانيين والألمان والأمريكيين، وكان كلوت بك والطبيبان البريطانيان: هنري أبوت، وألفرد والن، مولعين بجمع الآثار تمامًا مثل هاريس رئيس الجمعية. ومنحت الجمعية العضوية الشرفية لستين شخصية، كان من بينهم بيرش، وفون بونسن، وهاملتون، وجومار، ولين، وليبسيوس، وروسيلِّيني، وويلكنسون. وتولى جومار متابعة تلبية طلبات الجمعية من الكتب في باريس، وقام لين بنفس المهمة في لندن،٦٨ وعندما ضمت الجمعية أعضاء من المصريين في عضويتها، كان الأيسر قبولًا سليمان باشا الفرنساوي الذي تولَّى قيادة الجيش المصري، والأرمينيان حككيان وأنستاسي.
وفي عام ١٨٤٢م دب نزاع بين الأعضاء حول كتاب كلف بإعداده بريس دافين،٦٩ أدى إلى حدوث انشقاق، وتأسيس جمعية منافسة باسم «الجمعية الأدبية المصرية»، وكان الانقسام على أساس شخصي وليس على أساس الانتماء الوطني، فقد قاد الطبيبان البريطانيان والن وأبوت هذا الانشقاق، وكانت أغلبية الأعضاء في الجمعيتين من البريطانيين. وأسهم كل من ويلكنسون وبريس دافين في المجلد الوحيد الذي أصدرته «الجمعية الأدبية» قبل أفول نجمها. وفي الدليل الذي نشره ويلكنسون عام ١٨٦٧م، ذكر مكتبة «الجمعية المصرية» كمكان جدير بزيارة السياح، ولكن الجمعية لم تكن ذات نشاط ملحوظ عندئذٍ، وفي ١٨٧٣–١٨٧٤م قام حككيان ولينان دي بلفون بإهداء ما تبقى من مكتبة «الجمعية المصرية» إلى دار الكتب الخديوية التي أنشئت حديثًا.٧٠

الطهطاوي يكتشف الفراعنة

عند صدور طبعة رابعة من موسوعة «من كان هو في علم المصريات»، يجب أن يدرج الطهطاوي ضمن الشخصيات التي رصدتها الموسوعة. فرغم أنه لم يقم بالتنقيب عن الآثار، ولم يقرأ الهيروغليفية، إلا أنه لعب دورًا مهمًّا في جذب اهتمام مواطنيه المصريين بمصر القديمة على نحو ما فعل الرحالة وجامعو الآثار والمؤلفون الغربيون — الذين ورد ذكرهم في الطبعات الثلاث من الموسوعة — مع أبناء بلادهم.٧١ والطهطاوي شيخ أزهري، ختم تعليمه في باريس، وتولى مناصب رسمية في ميادين الترجمة، والتعليم، والصحافة، وأصبح أشهر مفكر مصري في جيله (انظر الشكل ١٤).

وقد حرصنا أن نقرن الطهطاوي وشامبليون في عنوان هذا الفصل لتأكيد الدور الذي لعبه هذان العالمان في تقديم معلومات جديدة — كل إلى قرائه — مستمدة من النصوص الهيروغليفية، كما أن الحياة العملية للطهطاوي قريبة الشبه بتلك التي كانت للمستشرق البريطاني إدوارد وليم لين؛ فقد وُلد كل منهما عام ١٨٠١م، وفي منتصف العشرينيات، اتجه الأول إلى الغرب، بينما اتجه الآخر إلى الشرق، عبر البحر المتوسط، بحثًا عن المعرفة التي غيرت مسار حياة كل منهما. وعاش كل منهما في العاصمة الكبرى للثقافة التي ينشد دراستها، وتعلم كل منهم لغة الثقافة التي تعنيه، وعاد كل منهما إلى بلاده، لينشر — في منتصف الثلاثينيات — كتابًا رصينًا قدم فيه لمواطنيه عادات وتقاليد أهل الثقافة الأخرى. (عاش الطهطاوي في باريس ولم يعش في لندن بلد لين، وتعلم الفرنسية وليس الإنجليزية).

وركز كل من الكتابين على عاصمة واحدة — باريس، والقاهرة — ويكاد كل منهما يستبعد الأقاليم الأخرى في البلاد التي كتب عنها. وضم كتاب لين عن «المصريين المحدثين» صورًا رُسمت بعناية، ولكن تعليم الطهطاوي الأزهري لم يؤهله لتزويد كتابه بالرسوم المصورة.

وقد أتبع كل من الرجلين كتابه الأول بنشر ترجمات لإطلاع قراءه على ثقافة الآخر، ورغم أن وجودهما بالقاهرة قد تزامن، وأن لين اشترى نسخة من كتاب الطهطاوي «تخليص الإبريز» عند ظهوره، إلا أننا لا نجد دليلًا على أنهما قد تقابلا. وكان كل منهما شديد الاهتمام بمصر القديمة والحديثة، وبعد أن قضيا حياتهما يلعبان دور قناة الاتصال بين الثقافتين، مات الطهطاوي في ١٨٧٣م، ولحق به لين في ١٨٧٦م.

ولا شك أن الطهطاوي ولين اختلفا من حيث الشخصية، والأفكار، والعلاقات على الصعيدين الوطني والعالمي. فخلال حياتهما تحول ميزان القوى بصورة حاسمة ضد مصر لمصلحة الغرب. لقد أبدى لين أسفه للتغيرات التي شهدتها مصر باستلهام الغرب، ولعل ذلك يرجع إلى عدم ارتياحه للتغير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السريع الذي كان يجري في بريطانيا، ورغم أنه اعتمد تمامًا على ما يلقاه من رعاية مادية أرستقراطية، كان لين إنطوائيًّا، عزوفًا عن الارتباط بالنظام البريطاني. وكان الطهطاوي نقيضًا له، يعمل في خدمة الحكام الذين يتطلعون إلى دعم سلطتهم من خلال اقتباس التكنولوجيا ونظم الإدارة الغربية.

وُلد رفاعة الطهطاوي بمدينة طهطا — جنوب أسيوط — في العام ١٨٠١م، الذي شهد جلاء الفرنسيين عن مصر، لأسرة من العلماء، ولكن إقدام محمد علي باشا على إلغاء نظام الالتزام أضر بوالد رفاعة، وقد تلقَّى الصبي تعليمه الديني الأولي ببلده ثم انتقل إلى القاهرة للالتحاق بالأزهر عام ١٨١٧م. وكان أستاذه — عندئذٍ — الشيخ حسن العطار عالمًا واسع الأفق، اتصل بعلماء الحملة الفرنسية، وقدر له أن يصبح — فيما بعد — شيخًا للأزهر. وقد رشح العطار تلميذه الطهطاوي ليعمل إمامًا للبعثة التي ضمت ٤٤ طالبًا أوفدهم محمد علي إلى باريس عام ١٨٢٦م. وكان يقيم بفرنسا — عندئذٍ — عدد من المصريين الذين تعاونوا مع الحملة الفرنسية، وفروا من مصر بصحبة الفرنسيين عند جلائهم عن البلاد في ١٨٠١م. ولكن ظهر الآن نوع آخر من المصريين هم الطلاب الذين أوفدوا إلى فرنسا لدراسة العلوم الحديثة، والعودة إلى مصر لتطبيقها.٧٢ وبرَّر الطهطاوي طلب العلم في بلاد «الكفار» بالحديث النبوي «اطلبوا العلم ولو في الصين».
وفي باريس، تحول «الإمام» ليصبح أكثر طلاب البعثة نجابة وشغفًا للمعرفة. وقام جومار — باعتباره «ناظر» البعثة المصرية — بتقديم رفاعة الطهطاوي إلى سيلفستر دي ساسي — عميد المستشرقين الفرنسيين-٧٣ ولعدد كبير من علماء فرنسا.
وفي عام ١٨٣٠م، كان الطهطاوي شاهد عيان لثورة يوليو التي أدت إلى نفي الملك شارل العاشر، واعتلاء لوي فيليب العرش الفرنسي، وفي العام نفسه عرض الطهطاوي على دي ساسي مسودة كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»،٧٤ الذي وصف فيه رحلته وملاحظاته على الحياة الباريسية، وفي ١٨٣١م عاد إلى مصر ليتولى وظائف في مجالات التدريس والترجمة والصحافة، جعلت منه نجم النهضة العربية في القرن التاسع عشر.

نشرت المطبعة الأميرية ببولاق كتاب «تخليص الإبريز» عام ١٨٣٤م ليكون الأول من ثلاثة كتب ظهرت خلال ذلك العقد من الزمان الذي أخذت فيه مصر والغرب بمعايير بعضهما البعض. فقد ظهر كتاب لين «عادات وتقاليد المصريين المحدثين» عام ١٨٣٦م، ونشر كتاب ويلكنسون «عادات وتقاليد قدماء المصريين» عام ١٨٣٧م. وقد جاء كتابا الطهطاوي ولين متناظرين، وكان من الممكن أن يحمل كتاب الطهطاوي عنوان «عادات وتقاليد الفرنسيين المحدثين». وكان من الطبيعي أن يترافق كتابا لين وويلكنسون في حقيبة كل مسافر غربي إلى مصر؛ وذلك حتى أواخر القرن التاسع عشر. وإذا كان كتاب ويلكنسون قد فقد قيمته، فإن كتاب لين ظل يحمل طابع التراث.

لقد تناولت دراسات أخرى ملاحظات الطهطاوي عن باريس، وما يعنينا هنا هو اهتمامه الواعي بمصر القديمة، ورغم أن أهل الصعيد يفترض فيهم الانتماء إلى مصر القديمة، يصعب إثبات هذا الافتراض، كما أن الطهطاوي لم ينشأ في رحاب الكرنك أو إدفو، وإن كانت بعض الأعمدة المتداعية من معبد قاد الكبير تقع على بعد سبعة أميال إلى الجنوب من بلدته طهطا.

والدليل الأول على اهتمام الطهطاوي بمصر القديمة يعود إلى باريس عام ١٨٢٧م، عندما نشر ترجمة عربية لعمل جوزيف أجوب «قصيدة ملحمية عن مصر». وكانت عائلة أجوب قد ربطت نفسها بالفرنسيين أثناء وجود الحملة بمصر، وفروا معها عند خروجها من البلاد، ومعهم جوزيف الذي كان طفلًا في السادسة من عمره، وقد ترعرع الطفل في مارسيليا ثم انتقل إلى باريس، ودرس اللغات، وقام بتدريس العربية، وتردد على الصالونات الأدبية، وعمل معاونًا لجومار في إعداد «وصف مصر»، كما علم الطهطاوي وتلاميذ البعثة المصرية اللغة الفرنسية أثناء وجودهم في باريس، وكانت قصيدة أجوب الملحمية تعبيرًا عن حنين ولوعة رومانسية على الوطن المفقود «مصر أم الآلهة والأبطال الحكماء» فبين خرائبها «تجتمع أربعون قرنًا».٧٥
وقدم شامبليون — شخصيًّا — تقريرًا لمحمد علي عام ١٨٢٨م عن دراسة رفاعة الطهطاوي في باريس،٧٦ ولكن ربما لم تتح لشامبليون والشيخ فرصة اللقاء. ورغم علاقة الطهطاوي بجومار، يخلو «تخليص الإبريز» من أي إشارة إلى «وصف مصر» الذي كان له بالغ الأثر في الوعي الأوروبي، وإن كان يشير في «تخليص الإبريز» إلى وجود موقع لحفظ الآثار — لعله اللوفر — يضم العجائب التاريخية للقدماء كالمباني والمومياوات والملابس، ومن بينها آثار من مصر مثل دائرة البروج المجلوبة من دندرة، التي وقف منها علماء فرنسا على معرفة المصريين القدماء بالفلك والنجوم.٧٧
ويرد ذكر قدماء المصريين في «تخليص الإبريز» قرب نهاية الكتاب، انتقل فيها من الحديث عن القديم حيث الآثار والذكريات. فقد توقف الطهطاوي في فونتانبلو — في طريقه إلى مصر عام ١٨٣١م — وشاهد المسلة التي أقيمت تذكارًا لعودة البوريون إلى الحكم. ويشرح لقرائه أن الأوروبيين شأنهم شأن المصريين وسائر القدماء يخلدون أنفسهم بإقامة النصب التي تحمل كتابات. وعلى كلٍّ، في تلك الحالة قام ثوار ١٨٣٠م بمحو أسماء الملوك.٧٨
هذا النصب جعله يفكر في الأهرام فيقدم مزيجًا من التخرصات القديمة وما اكتشفه الأوروبيون حديثًا، فيقول إن بعض الفرنج يذكرون أن ملكًا يدعى قوف (خوفو) بنى أهرام الجيزة منذ ثلاثة آلاف عام. ويرجعه آخرون إلى خامس أوخيوب (يقصد Cheops وهو النطق اليوناني لخوفو على أي حال)، ويذكر البعض أن إقامتها استغرقت ٢٣ عامًا وأن الهرم الأكبر احتاج إلى ٣٥٠ ألف عامل لبنائه، وأن طعام العمال تكلف ٢٢ مليونًا من القروش المصرية. وأن فتحة الهرم الثاني والثالث المغلقين يحتوي أحدهما على جثمان زوجة الملك والآخر على جثمان ابنته (وهي معلومات خاطئة نقلها الطهطاوي إلى قرائه).

ويورد الطهطاوي ما أبداه السيوطي (المتوفى ١٥٠٥م) من الاهتمام بالأهرام، رغم أن المسلات الموجودة بالصعيد تبدو أكثر قيمة. ويضيف الطهطاوي أن الفرنج أخذوا مسلة إلى روما، كما نقلت أخرى «في أيامه» إلى باريس، ويعلق على إهداء محمد علي مسلة لفرنسا بقوله إنه ما دامت مصر قد اختارت الأخذ بالحضارة والعلم على نحو ما تفعل الدول الأوروبية، فإنه من الواجب الاحتفاظ بالتحف والأعمال التي تركها الأجداد للمصريين.

ولما كان «تخليص الإبريز» قد طُبع في المطبعة الأميرية ببولاق فقد وُزع مجانًا على طلاب المدارس والموظفين، وطبعت الترجمة التركية للكتاب عام ١٨٣٩م، ولعلها أثرت في الشباب العثماني الذي اتجه إلى المطالبة بالحكم الدستوري. وفي عام ١٨٣٥م، تولَّى الطهطاوي تأسيس ونظارة مدرسة الألسن، وتولى بعد ذلك إدارة قلم الترجمة، وتحرير «الوقائع المصرية».

وقد تضمنت المقدمة التي كتبها شيخ الأزهر حسن العطار لكتاب «تخليص الإبريز» بعض النقد، ولكن لين سمع أن الكتاب وصف بأنه يحكي قصة إفساد فضائل الغرب للمؤلف في بلاد الكفار.٧٩ ولعل الطبعة الثانية من الكتاب (١٨٤٩م) قد سبقت ما تعرَّض له الطهطاوي من إهمال في عهد عباس حلمي الأول الذي كان معاديًا للنفوذ الأوروبي — وخاصة الفرنسي — واستبدل برجال محمد علي بعض رجاله. فأغلق عباس مدرسة الألسن، وقلم الترجمة، والوقائع المصرية، وباع المطبعة الأميرية، ونفى الطهطاوي إلى الخرطوم. وقد خشي الطهطاوي أن تدركه الوفاة هناك، وخاصة أن نحو النصف من زملائه الذين نفوا معه قد ماتوا.٨٠ ولكن ما لبث أن أنقذه تولي سعيد الحكم خلفًا لعباس الذي مات مقتولًا، فعاد إلى مصر مرة أخرى، وأعيد إلى الخدمة.

دبلوماسية محمد علي في مجال الآثار

كانت الآثار — عند محمد علي باشا — مجرد أداة مساومة تُستبدل بها الدبلوماسية والعون التقني الأوروبي. غير أن هناك إشارات إلى مواقف للباشا كانت أقل نفعية منها: فزعه عندما شاهد استخراج مومياء بقرية القرنة، واختياره الهرم كرمز يتوج الصفحة الأولى من جريدته الرسمية (الوقائع المصرية) عام ١٨٢٩م، (انظر الشكل ١٥).٨١ ويشاع أن الأوروبيين وحدهم رأوا في الأهرام رمزًا لمصر في أوائل القرن التاسع عشر، وأن اللوتس الفرعونية الجديدة التي تتوج جامع محمد علي بالقلعة ربما تعكس التأثير الأوروبي وليس الإلهام المحلي المباشر.٨٢ لعل امتداح محمد علي لرسوم شامبليون للآثار كان مجرد تصرف دبلوماسي، غير أن طلب الباشا إلى العلماء الفرنسيين أن يقوموا بترجمة نقوش مسلة الإسكندرية وكتابه تاريخ مختصر للعصر الفرعوني يشير إلى وجود فضول ثقافي حقيقي عند محمد علي.٨٣
وفي العام ١٨٣٠م، قدم شامبليون التماسًا إلى محمد علي لحماية الآثار المعرضة للخطر، مشيرًا إلى اختفاء ثلاثة عشر معبدًا من الوجود خلال الثلاثين عامًا التي انقضت على الحملة الفرنسية. وأنحى شامبليون باللائمة على الفلاحين، وتجار الآثار، وجامعي الآثار. وأكد للباشا أن «كل أوروبا سوف تعْلم بالإجراءات التي قد يتخذها سموه للحفاظ على المعابد والقصور والمقابر وجميع الآثار التي تشهد بمتانة معطيات مصر القديمة، والتي تعد — في الوقت نفسه — أجمل ما تتحلى به مصر الحديثة.»٨٤
وعلى كلٍّ استمر تعرُّض الآثار للدمار، ونبه مينو — القنصل الفرنسي العام — محمد علي باشا إلى أن معبد دندرة تقتلع حجارته لتستخدم في بناء مصنع للنسيج بقنا، وتمنى مينو على الباشا أن يوقع بالفاعلين عقوبة صارمة ليتأكد أن «أحدًا من أولئك المتوحشين» لن يجرؤ على استخدام حجارة المعابد في بناء «مصانع حقيرة».٨٥ وعندما علم محمد علي باستمرار تعرُّض الآثار للدمار مرة أخرى، علَّق الاتهام في رقبة الأوروبيين الذين لا سلطان عليهم.
ففي ١٥ أغسطس ١٨٣٥م، أصدر محمد علي أمرًا وجَّه فيه أصبع الاتهام إلى سوابق تصرفات الأوروبيين في هذا المجال، ليبرر خطر تصدير الآثار، ويأمر بجمعها لتعرض في القاهرة: «ومن المعلوم أن الأوروبيين لديهم مبان لحفظ الآثار، والأحجار المنقوشة، والنقوش، وغيرها من الأشياء الأخرى، التي يتم حفظها بعناية وعرضها على أهل البلاد وزوارها من الأجانب … ومثل هذه الأبنية تجلب الشهرة للبلاد التي تقيمها.»٨٦

ونصَّ الأمر على إرسال الآثار التي يتم جمعها إلى الطهطاوي ناظر مدرسة الألسن بالأزبكية، وأن على الطهطاوي وحككيان اختيار الموقع المقترح لإقامة المتحف في مقابل المدرسة، وأسند تصميم المبنى إلى حككيان، حكم كونه مهندسًا، كما أسندت نظارة المتحف إلى يوسف ضياء أفندي، الذي كان عليه — أيضًا — القيام بدورات تفتيشية سنوية إلى المواقع الأثرية بالصعيد، فقام ضياء أفندي بجولة تفتيشية، وعيَّن ممثلين له بالصعيد لتجميع ما يتم العثور عليه من آثار وإرساله إلى القاهرة، ورغم إشارة أمر محمد علي إلى أن أهل البلاد وزوارها يشاهدون الآثار بالمتحف، اقتصر دخول المتحف على «السياح من زوار البلاد».

ولو قُدِّر لهذه الخطة أن تنفذ، لسارت مصر مع اليونان جنبًا إلى جنب في تحقيق السيطرة والحماية الوطنية للآثار. فقد أسس متحفها الوطني عام ١٨٢٩م، والإدارة المختصة بالآثار فيها في ١٨٣٣م، وصدر أول قانون خاص بالآثار فيها عام ١٨٣٤م، وأسست الجمعية الآثارية اليونانية عام ١٨٣٧م. وفي فرنسا أدى الاستيلاء على التحف والأيقونات الدينية الملكية أيام الثورة إلى إقامة متحف لها بدير الجراند أوجستان في تسعينيات القرن الثامن عشر. وأدت عودة البوريون إلى الحكم في فرنسا إلى إشاعة نوع من الحنين إلى العصور الوسطى. وفي عام ١٨٣٠م قام فرانسوا جيزو — المؤرخ والوزير الدائم للوي فيليب — بتعيين مفتش للآثار التاريخية، وبعد ذلك بأربع سنوات، أسست الحكومة الفرنسية «لجنة الآثار التاريخية». أما في بريطانيا، فقد أدى الاهتمام بحقوق الملكية الفردية إلى تأخير تعيين مفتش مسئول عن الآثار القديمة، حتى تم ذلك عام ١٨٨٢م.٨٧
ويعتبر المصريون — أحيانًا — الأمر الصادر في ١٨٣٥م حجر الأساس لإقامة مصلحة الآثار المصرية والمتحف المصري.٨٨ ولكن المصادر الفرنسية تشير إلى أن الهدف من صدوره هو عرقلة جهود القنصل الفرنسي العام مينو لجمع الآثار المصرية وتصديرها خارج البلاد. وعلى كلٍّ، كان من سوء الطالع أن الأمر الذي أصدره محمد علي لإنشاء ١٨ مصنعًا للملح الصخري (نترات البوتاسيوم أو الصوديوم) أدى إلى تدمير الإيوان التاسع بمعبد الكرنك وتحويله إلى أحجار استخدمت في بناء أحد تلك المصانع.٨٩ وأبدى القنصل الأمريكي جورج جليدون سعادته بهزيمة محمد علي في «المسألة الشرقية» ١٨٤٠-١٨٤١م؛ لأن ذلك يؤدي إلى توقف بناء المصانع مما يقلل من نهب الآثار وتحويلها إلى مواد بناء.٩٠

وشجع نهم الغرب إلى الآثار الأوروبيين — من القناصل إلى أقل الناس شأنًا — على السخرية من حظر تصدير الآثار، فقد قام شامبليون نفسه بقطع لوحة من مقبرة سيتي الأول المكتشفة، كما انتزع مينو لوحة الملوك من معبد أبيدوس، واستطاع بريس دافين أن يرشي رجال الجمارك بالإسكندرية لتصدير لوحة الملوك دون الحاجة إلى مساعدات القنصل.

وكانت المسلات أعظم الآثار شأنًا وأكثرها اجتذابًا، وقد حملها الرومان معهم غنيمة إلى روما والقسطنطينية. وقد اقترح الجنرال ديزيه على نابليون أن يأخذ إحداها معه إلى باريس.٩١ وبعد إجلاء الفرنسيين عن مصر عام ١٨٠١م، تحدث الضباط الإنجليز عن أخذ إحدى مسلات الإسكندرية معهم احتفالًا بالنصر على الفرنسيين. وتغيرت الأذواق عند أوائل القرن الثامن عشر، عندما اقترح بوادي ماييه نقل عمود بومبي — وليس إحدى المسلات — إلى باريس. واقترح دروفتي على محمد علي باشا أن يكسب ود الملك لوي الثامن عشر بإهداء فرنسا إحدى مسلات الإسكندرية. واستطاع شامبليون أن يساومه على المسلة الأحسن حالًا بمعبد الأقصر، وأخيرًا وصلت المسلة إلى باريس لتقف شامخة في ميدان الكونكورد عام ١٨٣٦م. ورفض الإنجليز أن يتحملوا نفقات نقل المسلة التي وعدهم بها محمد علي، ولكن إرازمس ويلسون — الخيّر — تحمل نفقات نقلها وإقامتها على ضفاف التيمس.٩٢
وفي عام ١٨٤١م، نشر القنصل الأمريكي جليدون — عضو الجمعية المصرية — كتابه «التماس إلى آثاريي أوروبا بشأن تخريب آثار مصر»، وتساءل ساخرًا: «لماذا لا نقيم حائطًا من الحجر الجيري في كل موقع أثري، حتى يحفر عليه — كل سائح إنجليزي متجه إلى الهند أو قادم منها — اسمه؟» ولعل السياح الذين يضيقون ذرعًا بالآثار التي زاروها يمضون الوقت في كتابة أسمائهم على النحو الذي كان يفعله الوندال في زخرفة حوائطهم.٩٣
واتهم جليدون مينو باستحواذه على لوحة الملوك الخاصة بمعبد أبيدوس من قبيل المنفعة المادية وليس اهتمامًا بالآثار. ووجه اللوم إلى دروفتي وسولت لصراعهما حول «تمثال جرانيتي لأبي الهول، وليس صراعهما حول الفرعون الذي أمر بنحته، ولكن حول السعر الذي يجلبه عندما يباع في أوروبا»،٩٤ ولكن جليدون أعاد النظر في موقفه هذا، فامتدح شامبليون «لإنقاذه الآثار من جحورها، لتنعم بالأمان في المتاحف الأوروبية». ووصف سولت بأنه «رجل نبيل وعالم»، واستنكر جليدون صدور الأمر الخاص بالآثار عام ١٨٣٥م واعتبره خادعًا، يمثل «عملًا جديدًا من أعمال الإحتكار» الذي يعرقل التجارة الحرة برعاية الحضارة، ويقيم متحفًا بمصر! وطالب بإصدار فرمان عثماني يجعل من القناصل «أمناء على الآثار»، ويأمر المصريين بإطاعة أمرهم فيما يتصل بحماية الآثار.٩٥ ولعب جليدون دورًا مهمًّا في نشر الاهتمام بمصر القديمة في الولايات المتحدة في الأربعينيات من القرن التاسع عشر، ونشر — أيضًا — الفكرة القائلة بأن قدماء المصريين كانوا مبدعين.٩٦

وفي العام ١٨٤٢م، ذكر محمد علي لليبسيوس أن مشروع إقامة المتحف المصري قد فشل، وبرر ذلك بالقول بأن مصر الحديثة ما زالت في «بدايات الحضارة». ولكن تقييم ويلكنسون لذلك الموقف كان فجًا، فقد قال:

«إقامة متحف بمصر فكرة خيالية محضة، فبينما يؤدي حظر تصدير الآثار من مصر إلى الإضرار بالعالم، لا تحقق مصر مغنمًا. فالحفائر تتم دون حاجة إلى معرفة أو جهد، ومن يعملون فيها يخدعون الباشا ولا يهتمون بإقامة المتحف … وبعد وضع الحظر كعقبة في طريق الأوروبيين، لن يقيم الباشا متحفًا.»٩٧

وبعد ذلك ببضع سنوات، تلقَّى لينان دي بليفون أمرًا من الحكومة المصرية عام ١٢٦٥ﻫ/١٨٤٨-١٨٤٩م ليقوم بالتفتيش على مواقع الآثار المصرية، وأن يشحن إلى القاهرة ما يراه عرضة للنهب من جانب السياح والتجار. ولكن جهوده في هذا الصدد لم تكلل بالنجاح.

واستخدم إبراهيم باشا نجل محمد علي، رجلًا تركيًّا للتنقيب عن الآثار بالأقصر، وقام بطرد المنقبين الآخرين. وقلل ويلكنسون من قيمة المجموعة التي نتجت عن هذا العمل، وتجمعت في قصر إبراهيم، فقد احتوت على «خليط من المومياوات المحطمة والتوابيت وبعض اللوحات غير الكاملة، ومجموعة متنوعة من حطام الآثار».

وبعد عصر محمد علي، اهتم عباس الأول بالآثار، فأمر اثنين من المهندسين بالقيام بالتفتيش على المواقع الأثرية بالصعيد، وأمر ناظر ديوان المدارس بإعداد تقرير عن المواقع الأثرية القريبة من القاهرة.٩٨ ويذكر جاستون ماسبيرو أن عباسًا نقل مجموعة الآثار التي كانت بالأزبكية إلى القلعة عام ١٨٥١م،٩٩ ولكن مصدرًا آخر يؤكد أن عباسًا أصدر أمرًا في أكتوبر ١٨٤٩م بنقل مدرسة الألسن إلى الناصرية (السيدة زينب)، ولما كانت الحاجة ماسة إلى مكان أرحب بسبب ضيق المكان هناك، فقد تم نقل مجموعة الآثار إلى مدرسة المهندسخانة ببولاق، وعلى كلٍّ، قام عباس الأول بإهداء المجموعة إلى السلطان عبد العزيز، وأهدى خلفه سعيد ما بقي منها إلى ماكسمليان — أرشيدوق النمسا — عام ١٨٥٥م. وكان اتجاه الوالي العثماني في مصر إلى اعتبار الآثار المصرية هدية مناسبة للسلطان، جديدًا في بابه. وفي إستانبول أيضًا، بدأت الحكومة الاهتمام بالآثار والمتاحف وما تمثله من تراث. ويقبع نصيب ماكسمليان من الآثار بمتحف الآثار التاريخية بفيينا الآن.

الوساطة الأرمينية، يوسف حككيان

تعلَّم يوسف حككيان (١٨٠٧–١٨٧٥م) بأوروبا، شأنه في ذلك شأن رفاعة الطهطاوي، وكان محبًا للآثار، أقبل على تعلُّم اللغات التي تساعد على اتصال مصر بأوروبا. وإذا كان الطهطاوي المصري المسلم استخدم موقعه كموصل بين الثقافة الأوروبية وبلاده في حفز مواطنيه على الاهتمام بمصر القديمة، فقد كان حككيان على نقيضه تمامًا، فقد كان أرمينيًّا كاثوليكيًّا، وُلد بإستانبول، ونأى به تعليمه في بريطانيا بعيدًا عن وطنه الثاني مصر. وعندما طرده عباس الأول من وظيفته، اشتغل بالتنقيب عن الآثار تحت رعاية بريطانية، ومد يد العون للأوروبيين من زوار مصر، وكتب كثيرًا عن مشكلة التوفيق بين ما جاء بالكتاب المقدس والإطار الزمني للعصر الفرعوني، وكانت مشكلة ملحة عند أهل الغرب، وتغلب عنده الميل إلى الثقافة الأوروبية على انتمائه الشرقي، حتى إن أوراقه الخاصة مودعة بالمكتبة الوطنية البريطانية بلندن، وليس القاهرة.

كان حككيان واحدًا من بين مجموعة صغيرة من الأرمن الذين لعبوا دور الوساطة مع الغرب، واحتلوا وظائف كبرى في مصر في القرن التاسع عشر. وكان الأرمن — الذين زاد عددهم عن الألفين عام ١٨٤٠م — ينقسمون إلى قسمين: أحدهما يتبع الكنيسة الجريجورية (الأرثوذكسية)، والآخر يتبع الكنيسة الأرمينية الكاثوليكية وقد جلب محمد علي والد حككيان — الأرمني الكاثوليكي من إستانبول ليعمل لديه مترجمًا في مطلع عهده، ولعب أرميني آخر جاء إلى مصر من إستانبول — أيضًا — هو بوغوص يوسفيان — دورًا مهمًّا في خدمة محمد علي فتولى نظارة «ديوان التجارة والأمور الأفرنكية» وخلفه أرمينيان آخران في منصبه في الأربعينيات. وقد زكى هؤلاء الأرمن عند محمد علي، افتقارهم إلى الجذور الاجتماعية المصرية، وإتقانهم التركية واللغات الأوروبية، واختار بوغوص يوسفيان أربعة من الطلاب الأرمن ليوفدوا إلى باريس ضمن البعثة التعليمية الأولى التي انضم إليها الطهطاوي عام ١٨٢٦م، وكان نوبار باشا — أول رئيس وزراء لمصر فيما بعد — عضوًا بالبعثة التعليمية التي ذهبت إلى فرنسا عام ١٨٤٤م.١٠٠
ظل يوسف حككيان بإستانبول بعدما رحل والده إلى مصر للعمل في خدمة محمد علي، ولم يغادرها إلا بعد موافقة محمد علي على تحمل نفقات تعليمه بإنجلترا. وعندما وصل إلى لندن عام ١٨١٧م كان في العاشرة من عمره حيث تلقَّى نبأ وفاة والده. وأشرف صامويل بريجر — التاجر ونائب القنصل السابق بالإسكندرية — على تعليمه العام الذي استغرق سبع سنوات، تعلَّم خلالها الإنجليزية واليونانية واللاتينية، وعلى تعليمه الهندسي الذي استغرق خمس سنوات. وحتى يقف يوسف حككيان على جوهر التقدم الصناعي والتجارة الحرة، قام بجولات استطلاعية للقنوات والجسور، ومصانع الغزل والنسيج بمانشستر وجلاسجو، وشهد مولد عصر السكك الحديدية.١٠١ وضمن مذكراته اقتراحات لتحديث مصر التي لم يكن قد رآها بعد: «أظن أن بناء بواخر نيلية، وعربات لنقل الركاب على الطريق بين القاهرة والإسكندرية مشروع جيد. ولا بد من إنشاء خطوط حديدية تيسر سبيل تحريك القوات العسكرية ونقل البضائع … وخطوط البرق وما يشابهها من وسائل الاتصال التي تستخدم فيما بين لندن وبورتسموت يجب تركيبها بين القاهرة والإسكندرية. كما يجب استخدام الأنابيب لمد المدن بالمياه، ولا بد من العناية بالسجون …»١٠٢
وعندما أمره محمد علي بالعودة إلى مصر عام ١٨٣٠م، وكان يوسف حككيان قد تفرنج تمامًا حتى إنه نسي اللغة التركية، وأصبح يتحدث من خلال مترجم. وقد أدهشه ما لقيه من استهجان في مصر لاستمراره في ارتداء القفازات والجوارب١٠٣ ولم يستطع حككيان أن يخفي تحيزه لثقافته الإنجليزية، فيقول: «كان الزاد الذي حملته معي إلى مصر، رفاهية اليونان، واضطراب الترك، وصوت المقارع للسادة أكلة الضفادع.»١٠٤
كان حككيان سريع التعلم، وما لبث أن اكتسب قدرًا مما يتسم به رجال البلاط من مرونة، كان محمد علي يسرع الخطا في طريق التصنيع، مما أعطى للمهندسين أولوية عنده. وشغل حككيان بالتفتيش على المصانع، والبحث في جدوى استغلال المناجم، وتصميم المباني وإدارة مدرسة المهندسخانة، وأضاف التركية والعربية والفارسية إلى اللغات التي يعرفها (الإنجليزية — الفرنسية — اليونانية-اللاتينية)، ثم بدأ يتعلم الإيطالية والألمانية والأرمينية. وكان إتقانه للإنجليزية يعطيه وزنًا خاصًّا في حاشية محمد علي التي تتحدث التركية؛١٠٥ لأن بوغوص بك يوسفيان «ناظر ديوان التجارة والأمور الأفرنكية» ومساعده أرتين تشراكيان كانا يعرفان الفرنسية والتركية ويجهلان الإنجليزية،١٠٦ فقام حككيان بترجمة المراسلات الإنجليزية إلى الفرنسية ليتولى بوغوص وأرتين ترجمتها إلى التركية وعرضها على محمد علي.

ولكن دراسته للهندسة لم تعلمه احترام الآثار وتقدير قيمتها، فقبل قدومه إلى مصر كتب في يومياته:

«إذا كانت الأهرام الواقعة بجوار القاهرة تتكون من كتل من الجرانيت والأحجار الأخرى؛ فمن المفيد اقتلاع تلك الأحجار، واستخدامها في بناء الجسور وغيرها من المباني ذات النفع العام، ويكتفى بالإبقاء على هرم واحد أو هرمين في موضعهما إلى الأبد … ولما كانت جوانب الهرم منحدرة، فإن اقتلاع الأحجار الضخمة من القمة إلى القاعدة على التوالي يصبح ممكنًا، وقد يمد خط حديدي تدفع عليه حاويات الحجارة من عند قاعدة الهرم إلى النيل … ويجب أن نأخذ كل ما يقال عن عدم اقتلاع أحجار الهرم بنوع من التراضي. ويمكن الإبقاء على التماثيل والأعمدة والمعابد واللوحات الرخامية …»١٠٧

وفي ١٨٣٦م، عندما اعتزم محمد علي اقتلاع أحجار الهرم لاستخدامها في بناء القناطر الخيرية، فزع مينو (القنصل الفرنسي)، وقدم إليه التماسًا قال فيه:

«لقد حققت شهرة عظيمة لنفسك بفضل ما قمت به من جلائل الأعمال … ولما كان الرأي العام قويًّا في البلاد المتحضرة، فسوف يثور ضد تخريب الآثار. فالأوروبيون ينظرون إلى الأهرام باعتبارها أعظم آثار باقية للجنس البشري القديم، وهي تعد في التراث القديم إحدى عجائب الدنيا السبع … وأمر هذه الآثار يعني جميع شعوب العالم … وهي فوق ذلك كله تعني للفرنسيين الكثير منذ قال بونابرت كلمته الخالدة في المعركة التي حملت اسم الأهرام: تذكروا أن أربعين قرنًا (من التاريخ) تنظر إليكم من فوق قمم الأهرام … ويجب على حكام البلاد أن يحفظوها لتنقل إلى الأجيال القادمة سليمة وخالدة، بعد أن تنتهي حياتهم القصيرة على الأرض.»١٠٨

وبعدما وصل حككيان إلى مصر، تغيرت نظرته إلى الآثار تمامًا تأثرًا بالأوروبيين، وأصبح من أقوى الدعاة للمحافظة على الآثار. وكان من بين مؤسسي «الجمعية المصرية». وخلال تنقله في ربوع البلاد في مهام تتصل بالعمل، قام برسم المعابد واللوحات ونسخ النقوش الهيروغليفية، وما زالت أوراقه الخاصة مصدرًا مهمًّا للمتخصصين في المصريات. وقدم — في يومياته — وصفًا رومانسيًّا لكوم أمبو:

«عندما رسا قاربنا أمام هذه الحوائط الشامخة، لم أملك سوى إطلاق العنان لمشاعري أمام ذلك الصرح الذي يطل علينا باعتبارنا غرباء لا نستحق الاستحواذ على الآثار، فلا يجب أن نهمل الصروح التي أقامها الأقدمون … إن كل ما يهمنا في خرائب الآثار هو قدرتها على إنتاج الملح الصخري.»١٠٩
وفي إدفو، راح حككيان يبدي انزعاجه من «التراب والقذارة المتراكمة بفعل سكانها الحاليين؛ فالمعبد يئن تحت تلك الأكواخ البائسة التي أقاموها فوقه، ولو كان ذلك في بلد أوروبي لنفضت عنه الأتربة وقامت بترميمه …»١١٠
ومع مضيِّ الأربعينيات، تكشف يوميات حككيان عن تصاعد اغترابه التام عن مصر، وتبنِّيه الفكرة الشائعة بين الأوروبيين عن تعصب المسلمين.١١١ ودارت في ذهنه أفكار النموذج الأوروبي لحرية العبادة، وإلغاء الرق، والآثار: «ألا يمكن — لوجه الله — أن ينقل كل معبد إلى إنجلترا أو فرنسا بواسطة ساحر، مع اتخاذ إجراءات صارمة للحفاظ على الآثار في مصر، ولا بد أن تتدخل القوى الثلاث الكبرى لفرض حرية العبادة وتصفية الرق، وحماية الآثار.»١١٢
ومع تزايد شعور حككيان بفقدان الأمان، ازداد اغترابه عن المجتمع المصري. فقد حرص محمد علي على تزكية الخصومات بين الأرمن العاملين معه ليقينه أن مراسلات الأرمنية لا يستطيع قراءتها إلا واحد من قومه.١١٣ وكان زواج حككيان من شقيقة أرتين بك تشراكيان (بانومانيكافا) دعمًا لمركزه في بداية الأمر، ولكن مع تولي عباس الأول السلطة انتابت حككيان الهواجس من نوبار (رئيس الوزراء فيما بعد) قريب بوغوص يوسفيان، لدسه ضده عند الباشا.١١٤ وقد نصح أرتين صهره حككيان بالتزام الحذر. وأشار حككيان في يومياته إلى أنه كان باستطاعة أرتين وأخيه خشرف الارتكان إلى الحماية الفرنسية والعثمانية. ولكن أرتين فر إلى إستانبول عام ١٨٥٠م عندما اتهم بالفساد، تاركًا وراءه حككيان يعاني من الفزع وفقدان الحماية، وقد ذكر في يومياته أن الرجال والنساء كانوا يختفون ببساطة تامة في عهد عباس.١١٥
ولجأ حككيان إلى القنصل العام موراي، وأنتوني هاريس — زميليه في الجمعية المصرية — كما لجأ إلى بريجز الذي أشرف على تعليمه بإنجلترا، طالبًا الحماية البريطانية. وتم وضع ترتيب تم بموجبه تعاقد ليونارد هورنر — ممثل الجمعية الجيولوجية الملكية — مع حككيان ليقوم بالتنقيب عن الآثار في عين شمس لحساب الجمعية، وبذلك اكتسب الحماية البريطانية، وكان للقنصل موراي دالة عند عباس الذي فضل المشروع البريطاني لإقامة سكك حديد الإسكندرية-القاهرة، على المشروع الفرنسي الخاص بشق قناة السويس؛ ولذلك وصل عباس إلى درجة تقديم دعم مادي لحفائر حككيان، فزوده بمهندس وبالعمال المسخرين للعمل مجانًا، وبالأدوات اللازمة للحفر. وحرص حككيان ألا يثير شك حارسه، فقد ذكر أن موظف القصر «لم يخفِ عني أن هناك انطباعًا عامًّا أن الهدف من حفائر عين شمس استخراج كنوز الذهب، وسألني عما أنوي فعله بالكنوز التي قد أعثر عليها فأجيب بأنني سوف أرسلها لخزانة الوالي.»١١٦
بدأ حككيان حفائر عين شمس من يونيو ١٨٥١م،١١٧ كما قام فيما بعد بحفائر في منف — لحساب هورنر — فيما بين ١٨٥٢ و١٨٥٤م. وساعدته معرفته بالجيولوجيا إلى القيام بأول حفائر استخدم فيها علم الطبقات في مصر، وكان ذلك سابقًا لمارييت الذي احتفظ بمجرد قوائم بما تم العثور عليه١١٨ وكان هورنر يعتقد أن التراكم السنوي لطمي النيل فوق الآثار المصرية قد يحسم الخلاف بين دارسي الكتاب المقدس وأولئك الذين ينتقدون بحدَّة التحقيب الزمني لما جاء بالكتاب المقدس. ومن ثم رأى أن مسلة عين شمس الخاصة بسنوسرت الأول (الأسرة الثانية عشر) وتماثيل رمسيس الثاني الضخمة في منف (الأسرة التاسعة عشر) أماكن مناسبة لبداية العمل في هذا الاتجاه. ونشر هورنر نتيجة الحفائر التي أثارت المتخصصين في الكتاب المقدس الذين حددوا بدء الخليقة بحوالي عام ٤٠٠٤ قبل الميلاد، وحدد زمان ما قبل التاريخ بما كشفت عنه حفائر حككيان في منف بالعام ١١٥٠٠ قبل الميلاد.

واعتزل حككيان التنقيب عن الآثار عام ١٨٥٤م، واهتم بتعريف سيل الأوروبيين الذي انهمر على مصر لزيارتها، بتراث هذه البلاد. فكتب الكثير عن الحساب الزمني لمدة فيضان النيل، وعن الكتاب المقدس، ومانيتو، والنظريات الخيالية حول الحكمة الخفية في الآثار. وقد تمت طباعة عمله حول هذا الموضوع بشكل خاص في لندن عام ١٨٦٣م بعنوان «رسالة في تقويم الآثار القديمة».

وقد تأثرت سمعة حككيان كثيرًا لأنه لم يدرج ضمن علماء الآثار الوطنيين، فقد بدأ عثمانيًّا في وقت كانت فيه مصر تتباعد عن إستانبول، وأدت تربيته الإنجليزية إلى اغترابه عن المجتمع المصري، وعن اهتمام المؤرخين الوطنيين، لقد كان يتمتع بالحماية البريطانية دون أن يحمل الجنسية، وكان كاثوليكيًّا بعيدًا عن الكنيسة الأرمينية الجريجورية. وفي عالم المصريات تعد رسومه الأثرية وحفائره التي وظفت علم الطبقات ذات قيمة، ولكن تحوله عن المجال — مثل بيازي سميث — جعل وجوده باهتًا في التخصص الذي كان في مرحلة التكوين. ولا تزال أوراقه الخاصة في المكتبة البريطانية في حاجة إلى دراسة استكشافية.

وفي الوقت الذي بدأ فيه حككيان التنقيب عن الآثار في منتصف القرن، كان الفرنسيون والألمان والإنجليز قد قاموا بعمل جسات أثرية، وعثروا على مجموعات كبيرة من الآثار المصرية، وتعمقت المعرفة بالهيروغليفية، وصحح إطار جدول مانيتو للأسرات الفرعونية. وكان محمد علي يرى في الآثار مجرد أدوات تستخدم في المساومات الدبلوماسية، غير أن الطهطاوي ساعده على اتخاذ الخطوات المترددة «الأولى» لحماية التراث الفرعوني. وتهيأ المسرح لظهور مارييت الذي سيعيد تكوين مصلحة الآثار ويقيم المتحف على أسس متينة، وليقوم الطهطاوي بحملته التي دعت المصريين إلى تبني التراث الفرعوني. وفيما بين ١٨٥٠ و١٨٨٢م نشرت تلك التطورات أشرعتها في مواجهة سحب العاصفة السوداء للإمبريالية الغربية التي تجمعت في الأفق. وفي عام ١٨٤٩م كتب حككيان الذي كان متأثرًا بالإجماع الأوروبي، تحذيرًا جاء فيه:

«إن من المقدر لمصر ألا تبقى هكذا في ظلال الجهل وترزح تحت ثقل البربرية، تلك البلاد التي نقلت إلى أوروبا في العصور القديمة شعلة الحضارة المقدسة. وإن عاجلًا أو آجلًا سنضطر إلى فتح الأبواب أمام ضغوط الحضارة الأوروبية والدول، وإلا فسوف يقومون بفتح تلك الأبواب عنوة.»١١٩
١  Gerald P. Verbrugghe and J. M. Wickersham, Berossos and Manetho, introduced and translated (Ann Arbor, 1996).
٢  John David Wortham, British Egyptology 1549–1906 (Newton Abbot, Devon, 1971), 15-16.
٣  On Sandays, see W. R. Dawson, Who Was Who in Egyptology, 3rd. ed., revised by M. L. Bierbrier (London 1995), 260-61; and George Sandys, A Relation of a Journey Begun An: Dom: 1610 (London 1915; reorint of 2nd. ed. Amesterdam 1973).
٤  Sandys, Relation, 128; Erik Iverson, The Myth of Egypt and Its Hieroglyphs in European Tradition (Copenhagen, 1961), Plate 7, Facing 48, and on 164 n. 82; Ency. Britannica (Edinburgh, 1771), 3: 519; John A. Wilson, Signs and Wonders upon Pharaoh: A History of American Egyptology (Chicago 1964), 37.
٥  Who Was Who in Egyptology, 3: 176.
٦  Garth Fowden, The Egyptian Hermes: A historical Approach to the Late Pagan Mind (Princeton, 1986); Erik Iverson, The Myth of Egypt and Its Hieroglyphs in European Tradition (Copenhagen 1961); Frances Yates, Giordano Bruno and the Hermetic Question, (Chicago 1946).
٧  Joscelyn Godwin, Athanasius Kircher: A Renaissance Man and the Quest for Knowledge (London 1979).
٨  تم حصر عدد الكتب ونسبتها إلى جنسيات أصحابها استنادًا إلى: Martin Kalfatovic, Nile Notes of a Howadji: A Bibliography of Travelers’ Tales from Egypt (Metuchen, N.J., 1992).
٩  فيما يتعلق باستكشاف الصعيد، راجع: Claude Traunecker and Jean-Claude Golvin, Karnak: Résurrection d’un site (Paris 1984), 35–99; Carré, Voyageurs 1: 29–118.
١٠  Benoît de Maillet, Description de l’Egypt… composée sur les mémoires de M. de Maillet, ancien consul de France an Caire, Par l’abbé le Mascrier (Paris, 1735), 147-48.
١١  Who Was Who in Egyptology, 3: 312, 338؛ وفيما يتعلق بأنف أبي الهول، انظر: Alberto Siliotti, The Discovery of Ancient Egypt (Cairo, 1998), 36-37, 42-43.
١٢  Volney, Voyage en Syrie et en Égypte, Pendant les années 1783, 1784 et 1785, 2 vols., 2nd ed., (Paris 1787).
١٣  Carrré, Voyageurs, 1: 67-68.
١٤  Ulrich Haarmann, “Medieval Muslim Perceptions of Pharaonic Egypt”, in Ancient Egyptian Literature: History and Forms, ed. Antonio Loprieno (Leiden, 1996), 605–27; H. A. R. Gibb, trans., Ibn Battuta: Travels in Asia and Africa 1325–1354 (London, 1953), 53.
١٥  لاحظ مايكل كوك إهمال المسلمين لمصر القديمة، ويؤكد ذلك ها أرمان ولكنه يشير إلى إعجاب المسلمين بسحر الفراعنة، انظر: Michael Cook, “Pharaonic History in Medieval Egypt”, Studia Islamica 57 (1983) 67–113; Ulrich Haarmann, “Regional Sentiment in Medieval Islamic Egypt”, Bulletin of SOAS, 43 (1980): 55–66.
١٦  تاريخ الطبري في خمسة أجزاء، وانظر مادة «فرعون» بدائرة المعارف الإسلامية.
١٧  Ahmed M. H. Shboul, Al-Mas‘udi and His World: A Muslim Humanist and His Interest in Non-Muslims (London, 1979): and Tarif Khalidi, Arabic Historical Thought in the Classical Period (Cambridge, 1994), 131–81.
١٨  بالإضافة إلى دراسة ها أرمان سالفة الذكر، راجع مادة «هرم» بدائرة المعارف الإسلامية، ٢: ١٧٣؛ ومادة «المقريزي»، ٦: ١٩٣-١٩٤.
١٩  Ulrich Haarmann, “In Quest of the Spectacular: Noble and Learned Visitors to the Pyramids around 1200 A.D.” in Islamic Studies Presented to J. Adams, ed. Wael Hallaq and Donald P. Little (Leiden 1991), 57–67; Haarmann’s edition of Abu Jafar al-Idrisi, Anwar uluw al-Ajram fi-l-Kashf an Asrar al-Ahram, (Beirut 1990).
٢٠  “Égyptiens (Philosophie des),” Encyclopédie raisonné des sciences, 1966, reprint of (1751–1780 ed. Paris), 5: 434.
٢١  تعتمد الدراسات الأخيرة التي تناولت الحملة الفرنسية على مصادر فرنسية من بينها: Henry Laurens, L’Expédition d’Égypte 1798–1801 (Paris 1989); André Raymond, Égyptiens et Français au Caire 1798–1801 (Cairo 1998).
٢٢  من بين نقاد التحقيب بيتر جران وكين كونو (انظر ما سبق ذكره بالمقدمة).
٢٣  Carré Voyageurs 1: 67–73.
٢٤  De Maillet, Description de l’Égypte, iv.
٢٥  أحدث الدراسات الخاصة بهذا العصر هي دراسة خالد فهمي: All the Pasha’s Men, Mohamed Ali, His Army and the Making of Modern Egypt (Cambridge, England, 1998).
٢٦  Gabriel Guémard, Histoire et bibliographie critique de La Commission des sciences et arts et de l’Institut d’Égypte (Cairo 1936).
٢٧  La Décade égyptienne, vol. 1, (Year 7, 1798), 11-12.
٢٨  عن دينون راجع كتابه: Voyage dans la basse, et l’haute: Égypte, Description de l’Égypte, 2 vols., (Paris, 1802).
٢٩  Jean-Claude Golvin, “L’Expédition de l’Haute-Égypte: À la découverte des ou la révélation de l’architecture pharonique” in Henry Laurens, l’Expédition d’Égypte (Paris, 1989), 333–50.
٣٠  الاقتباس مأخوذ من: Golvin, “L’Expédition”, 344.
٣١  Irene Bierman, “The Time and Space of Medieval Cairo”، أشار إلى غياب فترة العصور الوسطى من وصف مصر. (unpublished paper, 1998) وهناك دراسة مهمة عن تاريخ نشر «وصف مصر» هي: Michael W. Albin, “Napoleon’s Description de l’Égypte: Problems of Corporate Authorship”, Publishing History 8 (1980): 65–85.
وقد أعيدت طباعة اللوحات في ألمانيا طباعة ممتازة في كولون عام ١٩٩٤م.
٣٢  Description, Fourier, “Preface historique”, iii; Edward Said, Orientalism (New York, 1978), 80–87.
٣٣  Description, vol. 1: Antiquités: Planches (Paris 1809), وقد أعيدت طباعتها لغلاف كتابين آخرَين نُشرا في ١٩٨٤م، ١٩٨٧م.
٣٤  Iverson, Myth, 132-33.
٣٥  Claude Traunecker, “L’Égypte antique de la Description”, in Laurens, Expédition, 351–70.
٣٦  الجبرتي، عجائب الآثار، ٣: ١، طبعة دار الكتب المصرية ١٩٩٨م.
٣٧  الجبرتي، عجائب الآثار، ٣: ٥٧-٥٨، نفس الطبعة (وقد آثر المترجم الرجوع إلى النص الأصلي الذي نقل المؤلف ترجمته من تحقيق موريه لعجائب الآثار).
٣٨  فيما يتعلق بهاملتون انظر: Who Was Who 3: 188 وفيما يتصل باللورد إيلجن انظر: William St. Clair, Lord Elgen and the Marbles (London 1967).
٣٩  J. J. Halls, The Life and Correspondence of Henry Salt, 2 vols. (London 1834), 2: 301, see also Who Was Who 3; 370-371.
٤٠  For Caviglia, see Who Was Who 3: 88; For Belzoni, his Narrative of the Operations and Recent Discoveries (London 1820), Who Was Who 3: 40-41; Stanley Mayes, The Great Belzoni (London 1959).
٤١  On Rifaud, see Who Was Who 3: 358; Ronald T. Ridley, Napoleon’s proconsul in Egypt: The Life and Times of Bernardino Drovetti (London 1998).
٤٢  On Barker, Campbell, Murray, Mimaut and Sabatier, see Who Was Who 3: 30-31, 81-82, 302, 289, 369; On Cochelet, see George Gilddon, An Appeal to the Antiquaries of Europe on the Destruction of the Monuments of Egypt (London 1841), 107.
٤٣  Who Was Who 3; 217; 8: 457.
٤٤  Angelo Sammarco, Gli Italiani in Egitto (Alexandria 1937), 144-45.
٤٥  On Ricci, Passalacqua, Athanasi and Burckhardt, see Who Was Who 3, 356, 321, 21, 74.
٤٦  Dhombres, Naissance, 223–33.
٤٧  الجبرتي، عجائب الآثار، ٤: ٤٣٩–٤٤١ طبعة دار الكتب ١٩٩٨م، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن. (وقد فضَّل المترجم ردَّ الاقتباس إلى أصله لأن المؤلف نقله عن ترجمة T. Philipp and M. Perlmann أما ما ورد بين قوسين قى النص فمن عند المؤلف والمترجم).
٤٨  Bruce Trigyer, A History of Archaeological Thought (Cambridge, Mass., 1989), 39-40.
٤٩  Who Was Who 3: 454-55; Alexander Wood and Frank Oldham, Thomas Young. Natural Philosopher, 1773–1829 (Cambridge, 1954); Richard Parkinson, Cracking Codes, The Rosetta Stone and Its Decipher (Berkeley, Calif., 1999), 31–41.
والكتاب الأخير يقدم تقييمًا لجهود كل من يانج وشامبليون.
٥٠  H. Hartleben, Champollion, sein Leben und sein Werk, 2 vols. (Berlin 1906); Jean Lacouture, Champollion: Une Vie de Lumières (Paris, 1988).
٥١  Anne-Frabçoise Ehrhard “Champollion et les Frères Humboldt” L’Égyptologie et les Compollion, ed. Michel Dewachter and Alain Fouchard (Grenoble, 1994), 95–115.
٥٢  Robert Marichal, “Champollion et l’académie”, Bulletin de la Société Fronçaise d’Égyptologie 95, (1983): 12–31; On Jomard, see also Who Was Who 3, 218-19.
٥٣  Jason Thompson, Sir John Gardner Wilkinson and his Circle (Austin, Tex., 1992). On Lane. See: Leila Ahmed, Edward W. Lane (London, 1978); Edward William Lane, Description of Egypt, ed. Jason Thompson (Cairo, 2000): On Hay See, Selwyn Tillet, Egypt Itself: The Career of Robert Hay, Esquire of Linplum and Nunraw, 1799–1861 (London 1984).
٥٤  Thompson, Wilkinson, 184.
٥٥  Compiled From Kalfatovic, Nile Notes.
٥٦  النص مقتبس من: Kent Weeks, The Lost Tomb: The Greatest Discovery in the Valley of Kings since Tutankhamun (Cairo, 1998), 68.
٥٧  On Rosellini, see Who Was Who 3: 262-63.
٥٨  William H. Stiebing Jr., Uncovering the Past: A History of Archaeology (Buffalo, N.Y., 1993), 95–190.
ويقدم هذا الكتاب صورة مختصرة للجهود المبكرة في الكشف عن آثار الرافدين، أما العرض التفصيلى فتجده في: Seton Lloyd, Foundations in the Dust: The Story of Mesopotamian Exploration, 2nd ed. (London, 1980); Brian Fagan, Travelers, Archaeologists and Monuments in Mesopotamia. (Boston 1979).
٥٩  On Minutoli, see Who Was Who 3: 289; On Lepsius see George Ebers, Richard Lepsius: A Biography, trans. Z. D. Underhill (New York, 1887); E. Freier and W. F. Reineke, eds., Karl Richard Lepsius (1810–1884), (Berlin, 1988).
٦٠  Carré, Voyageurs, 1: 301–323.
٦١  On Leemans, see l’Égyptologue Conrade Leemans et sa Correspondance, ed. W. F. Leemans (Leiden 1973) and Who Was Who 3: 242-43.
٦٢  Christiane Ziegler, Le Louvre: Les Antiquités Égyptiennes (Paris 1990), 5-6; Todd Porterfield, The Allure of Empire: Art in the Service of French Imperialism 1798–1836 (Princeton, N.J., 1998), 81–116; McClellan, Inventing the Louvre: Art, Politics and the Origins of the Modern Museum in Eighteenth-Century Paris (Cambridge, 1994).
٦٣  Louis Keimer, “Le Musée égyptologique de Berlin”, Cahiers d’histoire égyptienne, Série 3, Fasc. 1 (November 1950), 27–41; Thomas W. Gaehtgens, “The Museum Island in Berlin,” in The Formation of National Collections of Art and Archaeology, ed. Gwendolyn Wright (Washington, D.C., 1966), 52–77.
٦٤  Donald Malcolm Reid, “The Egyptian Geographical Society”. Poetics Today 14, no. 3 (Fall 1993), 539–72; T. W. Freeman, A History of Modern British Geography (London 1980).
٦٥  Laws and Regulations of Egyptian Society (Alexandria, n.d.), 1; See also Philip Sadgrove, “Travellers’ Rendezvous and Cultural Institutions in Muhammad Ali’s Egypt” in Travellers, ed. Starkey and Starkey, 257–66.
٦٦  Laws and Regulations of the Egyptian Society, 1, 2, 8.
٦٧  حول تاريخ الجمعية انظر: L. Auriant, “Les Origines de l’Institut égyptien, La Société égyptienne (1836–59),” Journal des savants (1926): 217–27.
٦٨  Fifth Report of the Egyptian Society (n.p., ca. 1841), 2.
وهناك قائمة بأسماء الأعضاء على كتاب Linant de Bellefonds, Mémoire sur le Lac Moeris (Alexandria, 1843).
٦٩  British Library, Additional Manuscripts 37, 449, Hekekyan Papers, vol. 2: 45 (4 July 1842), on the split, see Yacoub Artin, “Lettres inédites du Dr. Perron à M. J. Mohl” BIE, ser. 5, 3, Fasc. 2 (1909): 144–46.
٧٠  I. G. Wilkinson, A Handbook for Travellers in Egypt (London, 1847), 113; Artin, “Lettres”, 146.
٧١  حول رفاعة الطهطاوي راجع: Gilbert Delanoue, Moralistes et politiques musulmans dans l’Égypte du XIXe siècle (1798–1882) 2 vols. (Cairo, 1982) 2; Anouar Louca, Voyageurs et écrivains égyptiens en France an XIXe siècle (Paris 1970).
وانظر أيضًا: صالح مجدي، حلية الزمن بتاريخ خادم الوطن: سيرة رفاعة الطهطاوي، تحقيق جمال الدين الشيال (القاهرة ١٩٥٨م): وأحمد بدوي: رفاعة رافع الطهطاوي، ط ٢ القاهرة (١٩٥٩م).
٧٢  Louca, Voyageurs, 25–27.
٧٣  Louca, Voyageurs, 61-62.
٧٤  قام أنور لوقا بترجمة «تخليص الإبريز» إلى الفرنسية (باريس ١٩٨٨م)، وقدم ديلانو في كتابه Moralistes ملاحظات بيلوجرافية عن الطبعات والترجمات المختلفة.
٧٥  Jean-Jacques Luthi, Introduction à la littérature d’expression française en Égypte (1798–1945), (Paris 1974) 103–5, 268; see also Louca, Voyageurs, 26.
٧٦  Anouar Louca, “Rifaa al-Tahtawi (1801–1873) et La Science Occidentale” in D’un Orient l’autre (Paris 1991), 2: 213.
٧٧  رفاعة رافع الطهطاوي، تخليص الإبريز في تلخيص باريز (القاهرة ١٩٩٤م)، ٢٧٠.
٧٨  انظر، الطهطاوي، تلخيص، ٣٧٧–٣٧٩.
٧٩  من خطاب شخصيٍّ من جيسون طومسون إلى المؤلف بتاريخ ٢ نوفمبر ١٩٩٣م.
٨٠  الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية (القاهرة ١٢٦٨ﻫ / ١٨٦٩م)، ٢٦٥ اقتبسه المؤلف من كتاب: Delanoue Moralistes 2: 404.
٨١  إبراهيم عبده، تاريخ الوقائع المصرية (القاهرة ١٩٤٢م)، ٣٥-٣٦، وانظر أيضًا: Mohammed al-Asad, “The Mosque of Muhammad Ali in Cairo”, Muqarnas 9 (1992): 55, n. 24.
٨٢  Asad, “Mosque”, 48.
٨٣  Jean-François Champollion, Lettres écrites d’Égypte et de Nubie, en 1828 et, 1829 (Geneva, 1973, reprint of 1833 Paris ed.), 42, 409, 429–54.
٨٤  Champollion, Lettres, 456-57; Entire Memo 455 &, حول الجهود الأولى التي بذلت في المتحف ومصلحة الآثار، راجع: G. Maspero, Guide du visiteur au Musée du Caire, 4th ed., (Cairo, 1915), ix-x.
٨٥  Gaston Wiet, Mohammed Ali et les Beaux-Arts, (Cairo ca. 1949), 24.
٨٦  انظر نص الأمر في دار الوثائق القومية، فهرس بطاقات الدار، درج رقم (١) آثار، ومحافظ الأبحاث رقم ١١٨ آثار، وقد قام جاك تاجر بنشر ترجمة هذه الوثائق وغيرها مما يتصل بالآثار في: “Ordres supérieurs relatifs à la Conservation des antiquités et la Création d’un musée au Caire”, Cahiers d’histoire Égyptienne, ser. 3, Fasc. 1: 13–25.
٨٧  Hans Huth, “The Evolution of Preservationism in Europe” Journal of the American Society of Architectural Historians (July/Oct. 1941): 5–12; Paul Léon, La vie des monuments Français: Destruction, restauration (Paris, 1951).
٨٨  من خطبة لسوزان مبارك، الأهرام ١٦ ديسمبر ١٩٩٨م؛ وحول وجهة النظر الفرنسية، راجع، Maspero, Guide, ix.
٨٩  Traunecker and Golvin, Karnak, 1336.
٩٠  Wiet, Mohamed Ali, 30; Gliddon, Appeal, 69.
٩١  Carré, Voyageurs I: 57, n. 3.
٩٢  Bernadette Menu, “L’es Frères Champollion,” L’Égyptologie et Les Champollion, ed. Dewachter and Fouchard, 77–94; Jean Vidal, “L’absent de l’obelisque” in Lacouture, Champollion, 473–92; Erasmus Wilson, Cleopatra’s Needle (London 1877).
انظر أيضًا: دار الوثائق القومية، فهرس بطاقات الدار، آثار، درج ١، من محمد علي للكتخدا، معية تركي، دفتر ٤٢، أمر ٦١١، المحرم ١٢٤٧ﻫ.
٩٣  Gliddon, Appeal, 142–44.
٩٤  Gliddon, Appeal, 52; and Gliddon, “Ancient Egypt”.
٩٥  Gliddon, Appeal, 127, 146–48.
٩٦  Robert J. C. Young, Colonial Desire: Hybridity in Theory, Culture and Race (London 1995), 124–29, On Gliddon, see Who Was Who 3, 169.
٩٧  I. G. Wilkinson, Modern Egypt and Thebes, 2 vols, (London 1843).
٩٨  Ehud Toledano, State and Society in Mid-Nineteenth-Century Egypt (Cambridge, 1990), 88–90, 272.
٩٩  Maspero, Guide, x: Dia’ Abou-Ghazi, “The First Egyptian Museum”; Annales du Service des antiquités de l’Égypte [ASAE] 67 (1991): 1–13; John Murray, Handbook for Travellers in Constantinople, Brusa and the Troad (London, 1900), 72.
١٠٠  انظر كتاب: محمد رفعت الإمام، الأرمن في مصر في القرن التاسع عشر، (القاهرة ١٩٩٥م).
١٠١  أوراق حككيان جميعًا مودعة بالمكتبة البريطانية، مجموعة المخطوطات الإضافية، انظر أحمد عبد الرحيم مصطفى.
“The Hekekyan Papers” in Political and Social Chang in Modern Egypt, ed. P. M. Holt (London, 1968), 68–75.
١٠٢  أوراق حككيان، ١: ٥٠ (٢٤ يوليو ١٨٢٩م).
١٠٣  أوراق حككيان، ٣: ٦٥ (يونيو ١٨٤٥م).
١٠٤  أوراق حككيان، ٢٤: ٤٥٨ (١٨٥٨م).
١٠٥  أوراق حككيان، ١٤: ٥٩ (٢ فبراير ١٨٣٧م).
١٠٦  Who Was Who 3: 456–99.
١٠٧  أوراق حككيان، ١: ٨٢-٨٣ (١٩ أغسطس ١٨٢٩م).
١٠٨  Wiet, Mohamed Ali, 31–34.
١٠٩  أوراق حككيان ٢: ٤٨٩ (٢٩ سبتمبر ١٨٤٤م).
١١٠  أرواق حككيان ٢: ٤٨٩ (٣٠ سبتمبر ١٨٤٤م).
١١١  أوراق حككيان ٣: ٣٦ (١٨٤٥م).
١١٢  أوراق حككيان ٢: ٤٨٩ (أول أكتوبر ١٨٤٤م).
١١٣  أوراق حككيان ٣: ٣٥ (١٢ يونيو ١٨٤٥م).
١١٤  أوراق حككيان ٥ (أوائل عام ١٨٥١م).
١١٥  أوراق حككيان ٥: ٤٨–٥٠ (٢٩ أبريل ١٨٥١م).
١١٦  أوراق حككيان ٥: ٦٩ (٥ يونيو ١٨٥١م).
١١٧  أوراق حككيان ٥: ٦١ (أواخر مايو ١٨٥١م).
١١٨  Thompson, Wilkinson, 249, n. 25.
١١٩  النص مقتبس من تقرير عن التعليم عام ١٨٤٩م، ذكره Dykstra, “Joseph Hekekyan”, 165.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥