الفصل الثاني
لم يكُن دينيس تانتر من نوعية الرجال التي تُفزِعك عند اللقاء الأول. في الواقع، عندما أُجلِستُ على طاولته أثناء حفل رأس السنة الجديدة، لم يَلفِت انتباهي في البداية. كان قصيرًا ومكتنزًا، أشبه بملاكم من فئة وزن الريشة. واكتشفتُ فيما بعدُ أنه كان في العشرينيَّات من عمره، وكان لا يزال يتمتع بهيئة جسدية مميَّزة وبشرة منمَّشة تُحتقَن بسهولة. كانت له قبضة قوية وشعرٌ أصهب، هذا كل ما لاحظتُه قبل التقاط حبَّات المكسَّرات ومحاولة تذكُّر كيف انتهى بي الأمر بالجلوس بصحبة غرباء في ليلة مخصَّصة للتجمُّع العائلي. لم أرَ فيه مصدر تهديد أو رهبة ولم يكن كذلك حتى تلك اللحظة، من وجهة نظري على الأقل. لقد التقيتُ رجالًا كثيرين على شاكلته على مَرِّ السنين، وعادةً ما ينبذونَني بعد المصافحة الوجيزة الأولى. يبدو أنني لا أنتمي لتلك الفصيلة، أو شيء من هذا القبيل. فهم يصنِّفونني شخصًا مسالمًا لا ضَير منه، ويمضون إلى حال سبيلهم. كان بإمكاني أن أترك انطباعًا أكبر من ذلك إذا حاولتُ، لكنني لا أستطيع إرغامَ نفسي على الاهتمام بالطقوس الحياتية الصغيرة، لا سيما تلك الطقوس السائدة بين الرجال. وربما كان هذا ما آلمَني.
كانت زوجتي كارول تقوم بواجبها الاجتماعي المعتاد مع الزوجات الأخريات وهن يُثرثِرن معًا عن الدخل المالي والأبناء والتعليم وما إلى ذلك. لقد رأيتُ نساءً جذَّابات بإمكانهن إشعالُ نار الغيرة في نفوس الأخريات؛ أما كارول فتمُرُّ مرور الكرام دون أن تَلفِت الانتباه بصورة أو بأخرى. فهي ترتدي دومًا فساتين على قَدْر من الأناقة، وكانت واحدة من أولئك النساء اللاتي يبدو أنهنَّ يتمتَّعن بالقدرة على توفيق الأقراط مع الأساور إلى حَدٍّ يُضفِي عليها دومًا لمسةً من التأنُّق. فليحفَظنا الرب من النساء الجميلات. إنهن يتمتَّعن بمزايا أكثرَ مما ينبغي.
لقد ضبطتُ — مرَّة، أو مرتَين — طَرْف ابتساماتها أو نظراتها أو غمزاتها السرية، أو بعض الإشارات الأكثر خفيةً التي تصدر إلى شخصٍ غريب تمامًا وكأنها تقول: «على الأقل كلانا يفهم المقصود». وهذا لا يُجدي في تجريد النساء من أسلحتهن فحسب؛ وإنما يؤتي ثِمارَه مع الرجال أيضًا. وعادةً ما أترقَّب حدوثَ المُراد، من خلال اللمسات المُتبسطة والوقوف على مسافة قريبة للغاية لدرجة أنني أراهم يغادرون بسياراتهم بينما أسير في طريقي إلى المنزل. ما من شيءٍ أكثر إحباطًا من إمعان النظر داخل سيارة وهي تمُرُّ بجوارك تحت الأمطار. كانت هناك مشاحناتٌ معتادة. وذات مرة، حين كنتُ لا زال أهتم بالقَدْر الكافي، تعاركتُ مع أحد الرجال على العشب الرطب حتى لاذ بالفرار، تاركًا إياي بأنفٍ مكسور. من المُدهِش أن ترى مدى لزوجة الدماء حين تعلق بيدَيك.
لم أكُن لأختار الزواج من تلقاء نفسي، لم تكُن زيجةً من اختياري. اعتدنا الصُّراخ أحدُنا في وجه الآخَر، ومنعَتْني من دخول المنزل مرتَين. ربما كان حريًّا بي أن أغادر، ولكنني لم أكن أفعل. البعض لا يرحلون وحسب، ولا يسعُني أن أمنحك مبررًا أفضل من هذا. كنتُ أحبُّها آنذاك. وما زلتُ أحبُّها إلى الآن. أعرفُ أنها تخشى ألف شيء وشيء؛ تخشى التقدُّم في العمر، تخشى إنجاب أطفال. أقول لنفسي إنها تأتي بهؤلاء الرجال إلى فراشنا عندما لا تقوى على التحمُّل وتضيق بنفسها ذَرعًا، وهذه النوعية من الأكاذيب تُساعدُك على تجاوز الأمر أكثر مما قد تظُن. أما الآن، فلا أسألها عن الليالي التي تقضيها بالخارج. ولا أسمح لها بالدخول إلى الفراش حتى تغتسل وتتخلَّص من الروائح العالِقة بها، ونسيِّر أمورنا بشكلٍ أو آخَر، عامًا تلو الآخر. أحبُّها وأكرهُها، وإذا كنتَ لا تعرف كيف يكون هذا، فأنا أحسُدك على ذلك حقًّا.
عندما كنتُ في الثانية والعشرين من عمري، ارتَدتُ مع كارول ملهًى في منطقة كامدن. لقد عرفتُها منذ زمن، وأنت تعرف ذلك الشعور قطعًا. كان أخي معنا وكانت تتأبَّط ذراعَه أنثى جميلة تُدعى ريتشيل، وكانت فتاةً ترقص في الملهى الليلي كل يوم سبت. لم تكُن تتقاضى أجرًا على ذلك، لكن كان لديهم منصة مرتفعة هناك، ولم يعترض أحدٌ على رؤيتها تتمايل مثلما كانت تفعل.
كان ذلك الملهى شبه مظلم تمامًا، وأجواؤه مُعبَّأة بالإثارة والموسيقى. وكلما ظنَنتَ أنك قادرٌ على التقاط أنفاسك، تقتحم آلة الضباب الدخاني المشهد وتملأ حلبة الرقص بالدخان الأبيض الخانق. شربنا حتى الثمالة من زجاجات كبيرة من بيرة نيوكاسل، وعندما صدَح اللحن المناسب صعدنا إلى ذلك الجزء المرتفع لننضم إليها. كان هذا الجزء أكبر مما كنتُ أدرك، وكان يُوجد أشخاصٌ يستندون إلى الحائط خلفنا بينما كنا نتراقص ونُهلِّل. كان الجو أشد حرارة مما قد تتخيَّل، فخلعتُ قميصي، ولكنني كنتُ نحيلًا وضئيلًا بالقَدْر الذي لا يجعلني أكترثُ بما يظنُّه أي أحد.
أتذكَّر لقطات من تلك الأمسية وكأنها ومضاتٌ سريعة تسطع وتخبو، إلا إنني أتذكَّر فتاة أخي وهي تتمايل إلى جواري بشعرها بحركة دائرية عنيفة مرارًا وتكرارًا، حتى اصطدم شعرها بصدري وكتفيَّ بقوة كافية حتى إنه لسَعَني. أحببتُ ذلك الشعور.
خرج رجلٌ من وسط العتمة من عند الحائط الخلفي وطلب كارول إلى الرقص. كان قصير القامة ونحيف القوام وأخذ يتمايل قليلًا أثناء وقوفه هناك. استطعتُ أن أميِّز أنه كان ثمِلًا ولذا لم أرَ فيه مصدَر تهديد، مثلما فاتني أن أحسب دينيس تارنتر تهديدًا في تلك الليلة الأولى. ربما كانت تلك مشكلتي. فأنا لا أرى قدوم هؤلاء الأشخاص.
هزَّت كارول رأسها بتلك الطريقة الاعتذارية اللطيفة التي تميِّزها وأشارت إلى زوجها المُحِب، وكأنها تقول: عذرًا أنت تعلم ما يقتضيه الارتباط بزوج. فحدَّق إلى حيث أشارت قبل أن يهزَّ كتفَيه في عدم اكتراث وينصرف. هكذا كان يجب أن ينتهي الموقف.
لم يدُر بخلَدي أي شيءٍ مما كان يحدث إلى أن تلقَّيتُ ضربةً على مؤخرة رأسي. هل سبق لك أن تعرَّضتَ للضرب بقَدْر يسير جدًّا من القوة وآلمَتْك هذه الضربةُ كما لو أنَّ نارًا سفَعَتك؟ ثمَّة نقاطُ ضغط موزَّعة عَبْر أجزاء جسدك كافة، أشبه بنقاط غادرة صغيرة تغتال اعتدادَك بذاتك. كانت الطريقة التي ضربَني بها هذا الثمِل على العكس تمامًا. نظرتُ من حولي في حَيْرة، ظنًّا مني أنَّ أحدهم اصطدم بي أثناء مروره بجواري. كان الوغد الضئيل البنية يقف خلفي مباشرة، وقد التمَعَت عيناه في الأنوار الوامضة. صاحت كارول وسط ضجيج الموسيقى، حيث كان يحاول أن ينطح رأسَه برأسي.
كان مُغيَّبًا تمامًا بفعل الشراب، وبينما كان يبتسم لي ابتسامة عريضة شعرتُ فجأةً بأنني لا أقوى على الاحتمال. دفعتُه بكلتا يديَّ واكزًا صدره ليسقُط عند أقدام عشرات الغرباء. أتذكَّر أنني كنتُ أفكِّر في أنه إذا صعد إلى حلبة الرقص، لاضطُرِرتُ إلى القفز من على المنصة لأختفي وسط الحشد. أنا لا أتعارك مع الناس في الملاهي الليلية. ولا أشعر بالخجل من حقيقة أنني لا أستمتع بفَورة اندفاع الأدرنالين مثلما يستمتع الآخرون حسبما يبدو.
كان قلبي ينبض بسرعة شديدة لدرجة أنني شعرتُ بالدُّوار والغثيان. ارتجَع السائل الحمضي من معدتي إلى فمي وابتلعتُ ريقي بصعوبة، مما جعلَني أجفل. جاءت كارول لتقف عند كتفيَّ ونظر كلانا بازدراءٍ إليه. حتى تلك اللحظة كان يبدو مأمون الجانب وهو مستلقٍ ممددًا على الأرضية وابتسامتُه العريضة لم تتزعزع مطلقًا. ورغم أنه حاول الاعتداء عليَّ بالفعل، لم أحسبه يمثِّل خطرًا حتى في هذه اللحظة.
استطاع أخي أن يُفوِّت كل هذه الإثارة بذهابه إلى بار المشروبات. وبحلول الوقت الذي عاد فيه، كنتُ قد تحرَّكتُ أنا وكارول بهدوء إلى أحد جانبَي المنصة الصغيرة، متخذَين حائطًا صُلبًا ساترًا لظهرَينا. صحيحٌ أنني قلتُ إنني لم أحسب ذلك الرجل الضئيل البنية تهديدًا، ولكنني لا أريد أن أرقص مُوليًا ظهري إيَّاه أيضًا. لم يعرف أخي شيئًا عن الأمر بالطبع. مرَّر المشروبات وواصَل الرقص والصُّراخ وسط الحشد. يا إلهي، كنا حينها شبابًا. لقد خلع قميصَه كذلك، وكان أكثر فخرًا ببنيته الأكثر نحافةً مني.
رأيتُ المُعتدي عليَّ يخرج من وسط الظلام. كان أخي يرقص حيثما كنتُ أرقص وكان يرتدي الملابسَ نفسَها تقريبًا. حطَّم الرجل زجاجةً على مؤخرة جُمجُمتِه واندفَع كلاهما من فوق المنصة إلى حلبة الرقص، ليتفرَّق الحشد أثناء سقوطهما.
تجمَّدتُ في مكاني دقيقة، ولا أفخر بذلك طبعًا. بدا وكأن الموسيقى توقَّفَت، ولكنها بالطبع لم تتوقَّف. صَرخَت كارول، ثم تحرَّكتُ أنا، لأقفز وأُمسِك بجسدَين زلِقَين، الْتَحَم أحدُهما بالآخَر. تفاجأ أخي تمامًا، ولكن بينما كنتُ أقفز عليهما بكل ثقلي، كان يُزمجِر ويُقاتِل كالمجنون. استطعتُ أن أرى بياض عيونهما وهما يكشران عن أنيابهما. كان كلاهما يُحكِم قبضتَه على تلابيب الآخَر بقوة بالغة. لم أستطع تحرير قبضة أخي. وانزلقَت يداي على جلده وارتعبتُ حين أدركتُ أن ثمَّة كمية «مهولة» من الدماء تتدفَّق من مكانٍ ما. تناثرَت قطع الزجاج المكسور في كل مكان ولطَّخَت البيرة والدماء يديَّ. نزلتُ مرَّة أخرى، وفي تلك اللحظة ضخَّت آلة الضباب الدخاني سحابة كثيفة من الدخان. وعبَّأ الضباب الكثيف حلبة الرقص وفقدنا جميعًا القدرة على الرؤية.
جاهدتُ لآخذ نفَسًا، وانتابني الفزع من أن أتلقَّى لكمةً أو أُصاب بجرح بينما كنتُ عاجزًا عن الرؤية. كنتُ ما زلت ممسكًا بجلد زلِق، وفي مكانٍ ما أسفلَ مني واصَلَا التناحُر فيما بينهما في حالة من الهياج، ليُحدِث كلٌّ منهما أكبر قَدْر ممكن من الألَم والضرر للآخر.
أخيرًا سمعتُ الحُرَّاس قادمين، وكانت هناك أيادٍ تشير وأشخاص يصيحون في كل مكان. شعرتُ بأذرع قوية تسحبُني بعيدًا. الرب أعلم أين ذهبَت كارول في تلك اللحظة. لم ألُمها لفرارها من الموقف. بل ألقيتُ اللوم على السكِّير الشرِّير الضئيل البِنية الذي طردَه الحُرَّاس إلى الخارج من بوابة خلفية للملهى.
رفع الحراس أخي ليقف على قدمَيه وقد بدا وكأنه شخص همجي متوحِّش. كان في حالة من الذهول وصدره العاري ملطَّخ بآثار الدماء. أخذَه الحُرَّاس إلى حمَّامهم الخاص في مكانٍ ما بالجزء الخلفي من الملهى الليلي، وذهبتُ معه لأزيل الدنَس عن يديَّ. من المذهل حقًّا أن ترى إلى أي مدًى قد تلتصق الدماءُ بأصابعك. فحتى كمية صغيرة منها يُمكِن أن تتغلغل إلى أبعدَ مما تتخيل.
كنَّا بمفردنا في ذلك الحمَّام الذي يتردَّد صدى الصوت بداخله وهو ما جعلَني أشعر كأنَّني ممثِّل يقف خلف الكواليس. استمرَّت الموسيقى تصدح بأنغامها وسط كل هذه الأحداث، وكانت الإيقاعات المُدوِّية بالخارج لا تزال تصل إلى أسماعنا، على الرغم من أنها آتية من بعيد. حسنًا، لم أكُن متورِّطًا بأي حال، ولكنني كنتُ خائفًا ومُلطَّخًا بالدماء. شعرتُ وكأنني نجوتُ لتوِّي من معركة. وبعيدًا عن الزحام والخطر، ارتفعَت روحي المعنوية بالسرعة الكافية، رغم أنَّني رأيتُ أثَر الجُرح الغائر في رقبته بسبب الزجاجة. كانت الدماء تتدفَّق ببطء، ليتخلَّف عنها أثر داكن وحاد لن يتوقف عن النَّزف.
نظر إلى الجرح في المرآة ورأيتُ إلى أي مدًى صار وجهُه شاحبًا.
قلتُ له: «يجب أن نصحبك إلى المستشفى، من أجل خياطة الجرح.» كان لا يزال مذهولًا ولم أكُن أريده أن يتساءل عن السبب الذي جعل معتوهًا يعتدي عليه بلا أي سبب. كنتُ أعرف أنني المقصودُ حتمًا وشعرتُ بقَدْر من الارتياح والذنب كان كافيًا لأشعر بالدُّوار.
عندما التفَت إليَّ، أدركتُ أنه يستشيط غضبًا. ناولتُه بِكُرة من المناديل ليكتم الجرح النازف من رقبته.
قال وهو يربِّت برفقٍ على الجُرح بينما كان يحدِّق في انعكاس صورته في المرآة: «كان بوسعه أن يقتلَني. أين ذهب؟»
أجبتُه قائلًا: «لقد غادر منذ مدة طويلة الآن. طردَه الحُراس إلى الخارج.» هزَّ كتفَيه في لا مبالاة، وارتدى قميصَه فوق لفة المناديل الورقية. أخذ يسبُّ ويلعَن عندما رأى سِروالَه قد تمزَّق وأن هناك المزيدَ من الدماء تُلطِّخ ملابسه.
قال: «إنه مَدين لي.»
وتبعتُه إلى الخارج.
•••
كان من المُفترَض أن يكون ذلك الرجل، أيًّا كان اسمُه، قد عاد إلى المنزل. وما كان ينبغي له أن يقف عند محطَّة للحافلات على بُعد خمسين ياردةً فقط من الملهى الليلي. كان هذا خطأَه الثاني في تلك الليلة، وأحيانًا قد يتسبَّب خطأٌ واحد فقط في مقتلك. فعندما رأى أخي يسير في اتجاهه، كان حَريًّا به أن يركض، كان عليه أن يفعل ذلك حقًّا. ولكنه بدلًا من ذلك، ابتسم الابتسامة العريضة الصافية نفسها، كما لو أنه لا يُلقي بالًا لشيء في هذه الدنيا.
سدَّد أخي إليه ضربة قوية كفيلة بطرحه أرضًا، وجُرحَت مفاصلُ يده بأسنان الرجل. ثم ركلَه وهو مُستلقٍ على الأرض مرتَين قبل أن ينهارَ أكثر. كان حَريًّا بي أن أُوقِفَه عند هذا الحد آنذاك. سُحقًا، كان عليَّ أن أمنعَه من مغادرة الملهى الليلي وأُصِر على اصطحابه إلى المستشفى. لكني لم أفعل. كنتُ راغبًا في الانتقام منه ولو قليلًا أنا أيضًا. كان من الممكن أن أُقتَل في تلك الأمسية. لستُ فخورًا بذلك، ولكن كان هناك دَينٌ يجب سدادُه.
كانت ركلة أخرى في الرأس كفيلةً بالإجهاز عليه، لولا تلقِّيه ضربتَين مكتومتَين أخريَين بَقِي بفضلهما طريحَ الأرض. لم أتمكَّن من رؤية وجه الرجل، ولم تكُن لديَّ رغبة في ذلك. كنتُ أحاول كبح جِماح أخي ببطء، ولكن في النهاية، وبعد فوات الأوان، رأيتُه. شعرتُ بالراحة من جَرَّاء هذا. أنا لستُ كأخي في شيء، حتى وإن كنتُ في قمة غضبي وغيظي. لستُ مثلَه في شيء. كان سُيوسِع ذلك الرجل ركلًا حتى الموت. وربما فعَلَها وأجهَزَ عليه بالفعل.
تركناه ممدَّدًا على الرصيف واصطحبتُ أخي إلى المستشفى ليخيط جُرحه وتُغازله إحدى الممرِّضات. قرأتُ صحف اليوم التالي بحثًا عن خبر مقتل أحدهم في منطقة كامدن، بالقرب من ملهى أندروورلد. ولكن لم يكُن هناك أيُّ أخبار.
•••
عندما التقَينا بدينيس، كانت كارول لا تزال تجتذب الرجال إليها عند شعورها بالتعطُّش إلى ذلك، إلا إنها قد تعلَّمَت بضعة أشياء تُبقيهم على مقربة منها. وعلى مدار سنوات، لم أكُن مضطرًّا إلى التعامل مع أحد متطفِّليها هؤلاء، أولئك الذكور الغريبي الأطوار الذين يتظاهرون بأنهم زملاءُ مهتمُّون أو أصدقاءُ في حين أنهم ينتظرونها لمشاركتها الفراش. كان يكفي عادةً حديثٌ هادئ على انفراد، لمجرد إعلامهم بأنني أعلَم كل شيء. ولم أكُن بحاجة إلى مساعدة حتى الْتَقينا بدينيس تانتر. وحتى في ذلك الوقت ربما كان كافيًا أن أغض الطرف عن بضع أمسيات تقضيها كارول في الفنادق حتى تُشبِع رغبتها المُلِحَّة.
تظن أن المرة الأولى ستقضي عليك، ولكنه لا يحدث. والليلة هي أسوأ ليلة في حياتك، ولكن عندما يغلبك النوم تتوقَّف مخيِّلتُك عن العمل. وتستيقظ في اليوم التالي وتجدها تُعِد الإفطار ويعود كل شيء على خير ما يُرام مرَّة أخرى. كان بإمكاني أن أتعايشَ مع ذلك الوضع، كنتُ «أعلم» أن بإمكاني ذلك. كانت المشكلة أن دينيس تانتر أراد الاستئثار بكارول لنفسه.