الشياطين … وقضية العصر!
عندما استيقظ «أحمد» هذا الصباح، كان لا يزال يشعر بالرغبة في البقاء في فراشه بعضَ الوقت، خاصةً وأن هذا اليوم إجازة؛ فأمس فقط قد انتهَت التدريبات، وكانت عنيفةً تمامًا، حتى إن الشياطين جميعًا قد ذهب كلٌّ منهم إلى فراشه مبكرًا. كانوا يشعرون بالحاجة إلى الراحة.
ابتسم «أحمد» وهو ينظر إلى سقف الغرفة عندما تذكَّر كلماتِ «زبيدة»، وهي تقول: إننا قد أصبحنا شياطين فعلًا بعد هذه التمرينات الشاقة!
وقد علَّقَت «إلهام» قائلةً: أتمنَّى أن نقوم بمغامرة في جبال «الهيملايا»؛ فإنني أشعر بعد تدريبات اليوم أنني أستطيع حمْلَ الجبال نفسها!
قال «أحمد» لنفسه: كم أنا سعيد بصُحبةِ الشياطين؛ إنهم أصدقاء عظماء فعلًا!
فجأةً، رنَّ جرسُ التليفون. ضغط زرًّا في الجهاز، فجاء صوتُ «إلهام» وهي تقول ضاحكةً: ما رأيك في مغامرة فوق جبال «الهيملايا»؟
ابتسم «أحمد»، وقال: لقد كنتُ أتذكَّر كلماتِك هذه فعلًا!
قالت «إلهام»: إنني ما زلتُ متعبةً جدًّا! ابتسم مرة أخرى، وهو يتساءل: أظن أنكِ نمتِ جيدًا؟
ردَّت «إلهام»: نعم، لكني ما زلتُ أشعرُ بالتعب؛ لقد كانت التدريباتُ عنيفةً جدًّا، حتى إنني لا أذكرُ أننا قُمْنا بمثلها من قبل!
قال «أحمد»: أستطيع أن أنصحَكِ بعضَ النصائح حتى تتخلصي من متاعبك. إن حمام السباحة اليوم يبدو هامًّا لنا جميعًا، ونستطيع أن نُقيمَ مسابقةً لتنشيط أجسادنا!
هتفَت «إلهام» بسرعة: مسابقة مرة أخرى، تكفي مسابقاتُ الأمس!
صمتَت لحظة، ثم أضافَت: مع ذلك، إنني جاهزة للمسابقات!
ابتسم «أحمد»، وقال: إذن، موعدُنا بعد ساعة عند الحمام!
اختفى صوتُ «إلهام»، فضغط «أحمد» عددًا من الأزرار في الجهاز، ثم قال: صباح الخير أيها الأصدقاء، أظنكم غادرتم فراشكم منذ قليل!
جاء صوتُ «عثمان»: إنني ما زلت في الفراش، ولا أجد رغبةً لديَّ في مغادرته!
جاء صوتُ «قيس» يضحك قائلًا: كلُّنا هذا الرجل. إن جسمي كأنه ليس جسمي.
قال «أحمد»: إن أمامنا تحدٍّ ينبغي ألَّا نتراجع عنه!
قالت «زبيدة» بسرعة: المغامرة الجديدة.
ضحك «أحمد»، وقال: إن «إلهام» تتحدَّى المجموعةَ كلَّها في مسابقة سباحة!
ردَّت «زبيدة»: إذن، فلتدخل المسابقة وحدها!
ردَّ «أحمد»: وهل يتراجع الشياطين؟
قال «خالد»: لا أظن، متى نبدأ السباق؟!
ردَّ «أحمد»: بعد ساعة.
وعندما انقضَت الساعة، كان الشياطين جميعًا عند حمام السباحة.
قال «أحمد»: فلنبدأ المسابقة!
ضحكت «إلهام»، وقالت: أظنك تضحك، فلا أحدَ بين الشياطين على استعدادٍ لها! ملأت الدهشةُ وجوهَ الشياطين. فقالت «إلهام»: لقد كنتُ أمزح، إنني نشطة بما يكفي!
ثم فجأة قالت: ومع ذلك، وحتى لا تغضبوا …
ولم تُكمل كلامها، وألقَت بنفسها في مياه الحمام بملابس التدريب. انفجر الشياطين في الضحك، وقال «عثمان»: هكذا «إلهام»، إنها لا تستطيع إلا أن تضحك.
أخذَت «إلهام» تؤدي بعضَ الحركات التوقيعية في المياه، كانت ماهرةً تمامًا، حتى إن «ريما» قالت: إنها تذكِّرني بدورة «سيول» الرياضة؛ فقد كان الرقص التوقيعي فيها مبهرًا للغاية!
نادَت «إلهام»: ما رأيكم، هل وفيت بوعدي؟
ابتسم «أحمد» وقال: هذا يكفي.
قالت «إلهام»: والمسابقة!
ردَّ «قيس»: إنني أُعلن انسحابي!
ثم ضحك، وتوالَت الردود … قالت «زبيدة»: وأنا أيضًا.
عرفَت «إلهام» أنهم يردُّون عليها بنفس الرد الذي ردَّته عليهم … فابتسمَت قائلة: لا باس، إنني مستمتعة تمامًا، وأظن أنكم سوف تفتقدون متعةَ السباحة في هذا الصباح المنعش!
كانت تبدو وحيدةً في حمام السباحة المتَّسع … فقال «بو عمير»: إنني أقترح مباراةً في كرة الماء، ما رأيكم؟
وقبل أن يردَّ أحدهم، كان صوتُ جرس الاستعداد يتردَّد، حتى إنهم نظروا في اتجاه الصوت باهتمام. فجأةً، قال «مصباح»: هيَّا، إن هناك مباراةً أخرى في انتظارنا!
وبسرعةٍ كانت «إلهام» تقفز من الماء خارجةً وهي تقول: سوف ألحقُ بكم حالًا!
قال «أحمد»: على مهلك؛ فلا يزال أمامنا بعضُ الوقت حتى يتمَّ اللقاء برقم «صفر»!
أسرعَت «إلهام» في خطوات نشطة، بينما كان الشياطين يأخذون طريقَهم إلى قاعة الاجتماعات الصغرى؛ حيث أخذ كلٌّ منهم مكانَه. كانت إضاءةُ القاعة هادئة، وكانت الخريطة الإلكترونية لا تزال مطفأةً. لم تمضِ دقائق، حتى كانت «إلهام» تدخل القاعةَ جريًا لتأخذ مكانها. نظر إليها الشياطين والبسمة على شفاههم، فقالت: لا بأس، واحدة بواحدة!
فجأةً، جاء صوتُ رقم «صفر» يقول: إنني في الطريق إليكم؛ فالقضية شديدةُ الأهمية، وأنتم تعرفون خطورتَها؛ فقد شُغلت الصحافة والرأي العام طوال الفترة الماضية، وكأنَّ لها ضحايا ولا يزال أن هناك عملية سوف تقومون بإفسادها، فلا تزال عصابات المافيا تحاول!
سكت رقم «صفر»، فتلاقَت أعينُ الشياطين. كانوا يفكِّرون في هذه القضية التي تحدَّث عنها رقم «صفر» دون أن يحدِّدَ نوعيَّتَها. نظرت «زبيدة» إلى «أحمد» وابتسمَت. فابتسم «أحمد»، وقال: دون أن تفكروا كثيرًا، لقد ناقشنا معًا هذه القضية، خصوصًا عندما تخلَّصَت إحدى عصابات المافيا من المرشَّح للرئاسة في إحدى دول أمريكا اللاتينية. ثم عندما استقالَت وزيرة العدل.
هتفَت «إلهام»: نعم، إنهم عصابات مافيا المخدرات، لقد اهتمت الصحافة العالمية بهذه القضية الهامة التي تؤثر على اقتصاديات الدول!
أضاف «بو عمير»: إنني ما زلت أذكرُ مرشحَ الرئاسة الذي قتلوه، وأظن أن اسمه «جالان». كانت خطوات رقم «صفر» قد بدأَت تقترب، فأخذ الشياطين ينظرون إلى الخريطة الإلكترونية، فمنها دائمًا تبدأ المغامرات. توقَّفَت أقدام رقم «صفر»، ثم قال بعد أن رحَّب بهم: أعرف أنكم فهمتم ماذا أقصد بتلك القضية الخطيرة، ومع ذلك فسوف أقدِّم لكم بعضَ البيانات.
سكتَ لحظة، ثم بدأ يقرأ في تقرير أمامه. لقد كان صوت الأوراق يَصِل إلى الشياطين واضحًا.
قال رقم «صفر»: لقد أعلنت جمهورية «كولومبيا» الحربَ على تجار المخدرات … وقد جاء هذا الإعلان عندما رفع مرشحُ الرئاسة في «كولومبيا» صوتَه ضدهم … ففي أسبوع واحد، تخلَّصَت عصابات المافيا منه، ومن مدير البوليس، وأحد قضاة المحكمة العليا هناك.
مرة أخرى، صمت رقم «صفر»، وأخذ يقلِّب الأوراق، ثم قال: أنتم تعرفون أن وزيرة العدل هناك قدَّمت استقالتَها خوفًا من اغتيالها، بعد أن وصلَتها رسائلُ التهديد. ولم تكن هذه أول مرة … ففي عام ١٩٨٤م اغتيل وزير العدل الكولومبي. أما الوزير الذي تلاه، فقد جرَت أكثرُ من محاولة لاغتياله عام ١٩٨٧م.
فجأة، أُضيئَت لمبة حمراء، جعلَت رقم «صفر» يتوقَّف عن القراءة، ليقول: سوف أعود إليكم حالًا!
أخذَت خطواتُه تبتعد، في نفس الوقت الذي كانت فيه الخريطة الإلكترونية، قد بدأَت تظهر عليها خريطة كبيرة.