البحث … عن الزعيم!
كانت الخريطة التي ظهرَت على الشاشة لأمريكا اللاتينية، أو بمعنًى أصحَّ الجنوبية. وهي تبدو كمثلثٍ مائلٍ رأسُه إلى أسفل وقاعدتُه إلى أعلى … وقد غَرِق في مياه المحيط … ففي الشرق والشمال يوجد المحيط الأطلسي، وفي الغرب والجنوب يوجد المحيط الهادي، يقطعُها خطُّ الاستواء في الشمال، ويمرُّ بدول: «أكوادور»، «كولومبيا»، «البرازيل». أخذَت أجزاءٌ من الخريطة تختفي حتى بقيَت «كولومبيا» فقط. وامتدَّت حتى ملأَت الخريطة. وفي أسفل الخريطة ظهرَت بعضُ البيانات؛ عدد السكان ٣٢ مليون نسمة … النشاط زراعي؛ حيث يزرع البن والأرز والقطن والسكر والموز والذرة. وصناعي حيث توجد صناعات الغزل والنسيج والحديد والإسمنت والكيماويات. التعدين حيث يوجد البترول والغاز والرخام والمطاط. وهناك الرعيُ أيضًا … ونظام الحكم فيها جمهوري. كان الشياطين يتابعون البيانات التي تظهر على الخريطة؛ الواحد بعد الآخر. فجأةً، خرج من مياه المحيط الهادي سهمٌ أحمر، اتجه إلى مدينة «بوجوتا» فعرف الشياطين أنها العاصمة، ثم سهم أسود، اتجه إلى مدينة «ميدلين» ورُسِم مربعٌ حولها.
قال «أحمد»: هذه هي مدينة المخدرات. ظهر الاهتمام على وجوه الشياطين. مدينة المخدرات، اسم غريب!
أضاف «أحمد»: إنها ثاني مدن «كولومبيا» بعد العاصمة «بوجوتا»، ويبلغ عددُ سكانها ثلاثةَ ملايين نسمة.
فجأةً، تردَّد صوتُ أقدام رقم «صفر»، كان يقترب من المكان وعندما توقَّف، جاء صوتُه يقول: حتى تعرفوا وحشيةَ هذه العصابات، فسوف أذكر لكم بعضَ الأرقام عن ضحاياها!
سكت لحظة ثم أضاف: لقد اغتالَت مافيا المخدرات ١٠٨ سياسيِّين و١٥٧ قاضيًا و١٧ صحفيًّا و١٥٣٦ رجل شرطة و٣٤٩١ ضابطًا لمكافحة المخدرات.
كان الشياطين يتابعون الأرقام التي يتلوها عليهم رقم «صفر»، وقد بدَت الدهشةُ على وجوههم.
– فأضاف: إن مدينة «ميدلين» — وهي مدينة المخدرات — يسكنها ٢٠ ألف مليونير، يُغرقون العالم بما قيمته ٣ مليارات دولار من المخدرات سنويًّا، بالرغم من أنها مدينة صغيرة بالنسبة لمدن كبرى مثل القاهرة أو «طوكيو» أو «واشنطون»، وغيرها.
صمت لحظة، ثم قال: في إحدى الحملات التي قامَت بها الحكومة «الكولومبية» على تجار المخدرات، استولَت على ٨٠ طائرة هليكوبتر، غير الطائرات النفاثة. واستولَت على ١٤١ قصرًا من قصور زعماء المافيا و٣٠ يختًا، وهذه فقط مجردُ عينة.
مرَّت لحظة قبل أن يقول رقم «صفر»: لقد عَمَدتُ إلى ذِكْر هذه الأرقام كلها لتعرفوا خطورة القضية التي نحن أمامها!
ثم أضاف: والآن، جاء دورُ مغامرتكم الجديدة!
ركَّز الشياطين اهتمامهم؛ فهذه هي اللحظة التي ينتظرونها، خصوصًا وهم أمام قضية شديدة الخطورة، وهي ليست قضيةَ مافيا المخدرات، فهذه السموم نفسها قد وصلَت إلى المنطقة العربية، وكأنها نوعٌ من الوباء. جاء صوت رقم «صفر» يقول: لقد كانت لكم مغامرة في منطقة المثلث الذهبي في جنوب شرق آسيا، وكانت تدور حول نفس القضية؛ كانت مغامرتُكم ناجحةً تمامًا، وحققتم فيها نتائج رائعة.
سكت قليلًا، وسمع الشياطين صوتَ الأوراق التي يقلِّبها، في نفس اللحظة كان الشياطين قد امتلئوا حماسًا، حتى إنهم كانوا يتمنَّون الرحيلَ الآن، من أجل الاشتراك في هذه الحرب الشرسة. مرَّت دقائق قبل أن يأتيَ صوتُ الزعيم قائلًا: إن مغامرتكم تقوم على البحث عن زعيم مافيا المخدرات، واسمه «بوجوتي»، إن «بوجوتي» هذا هو الرأسُ المدبِّر لتجارة المخدرات في «كولومبيا»، وهو يعتبر أيضًا واحدًا من أكبر تجار المخدرات في العالم. لقد اختفى «بوجوتي» عندما أعلنت الحكومة «الكولومبية» الحربَ على تجار المخدرات. والغريب أن «بوجوتي» لا يزيد عمرُه على الخامسة والثلاثين من العمر، ومع ذلك حقَّق ثروة هائلة من الاتجار في هذه السموم.
توقَّف قليلًا، ثم أضاف: وسوف تجدون ملفًّا كاملًا عن «بوجوتي»، يُرشدكم في التعرف عليه، وينبغي أن تعرفوا أن «بوجوتي» يمكن أن يظهر في أيِّ مكان من العالم. وحتى الآن، فإن التقارير تقول إنه لم يخرج من «كولومبيا» بعدُ؛ ولهذا ينبغي أن تكون حركتكم سريعة قبل أن يغادر «كولومبيا». في نفس الوقت سوف نكون على اتصال دائم؛ فربما تظهر تفاصيل جديدة.
سكت الزعيم مرة أخرى. وكان الشياطين يتمنَّون الانصراف فورًا؛ لكنه لم يكن قد أَذِن لهم بعدُ، قال بعد لحظة: سوف تكون مجموعة المغامرة: «أحمد»، «خالد»، «فهد»، «مصباح» «بو عمير»، أما بقية الشياطين فينبغي أن يكونوا على استعداد، فربما يظهر «بوجوتي» في مكان آخر، ويصبح من الضروري أن تتحرك مجموعة أخرى.
صمت لحظة ثم سأل: هل لديكم أسئلة؟ مرَّت دقيقة. ولم يوجِّه أحد من الشياطين سؤالًا للزعيم، فقال: أتمنى لكم مغامرة موفقة، وإلى اللقاء! ثم أخذ صوتُ أقدامه يبتعد حتى اختفى. في نفس الوقت كانت مجموعة المغامرة قد غادرَت مقاعدها في الطريق إلى حيث البداية.
أخذ «أحمد» طريقَه إلى قسم المعلومات، وهناك وجد ملفًّا كاملًا عن «كولومبيا»، وعن «بوجوتي» حملَه بسرعة، وأخذ طريقَه إلى غرفته. جهَّز حقيبتَه السحرية سريعًا، ثم ضغط عددًا من الأزرار في جهاز التليفون الخاص به فانفتحَت الخطوط على مجموعة المغامرة.
قال مسرعًا: سوف نلتقي في مكان انتظار السيارات بعد ربع ساعة.
ثم ضغط الأزرار مرة أخرى؛ فانقطعَت الاتصالات. فكَّر «أحمد» قليلًا ثم قال لنفسه: هل يحتاج الموقف إلى أجهزة خاصة؟ إننا سوف ندخل في مَعْقل المخدرات، وهذا يحتاج إلى حصانة خاصة؛ فنحن لا ندري ماذا يمكن أن نأكل، أو نشرب، أو حتى نتنفس. أية زهرة في حديقة يمكن أن تحمل السمَّ، وأية قطعة شوكولاتة، أو حتى طابع بريد؛ فإنهم يضعون في وجهه الصمغَ، نوعًا من المخدِّر له تأثيرٌ إذا أخطأ الإنسان وبلَّله بلسانه.
انتظر قليلًا، ثم بدأ يُضيف أدويةً خاصة إلى حقيبته، ثم أخذ طريقَه مباشرةً إلى الخارج. وفي منطقة السيارات، كان كلُّ شيء في انتظاره، الشياطين والسيارة التي سوف ينطلقون بها. كان «خالد» يجلس إلى عجلة القيادة، وفي الخلف جلس «فهد» و«بو عمير» و«مصباح». أخذ «أحمد» مكانه في المقعد الأمامي، وما كاد يُغلق الباب حتى انطلقَت السيارة في طريقها إلى آخر مغامرة يمكن أن يقوم بها الشياطين. تجاوزَت السيارةُ البوابةَ الرئيسية للمقرِّ السري، ثم انطلقَت إلى الخلاء الرحب. لم يُضِع «أحمد» وقتًا … فقال: نحن في حاجة إلى كلِّ المعلومات المطلوبة قبل أن نَصِل إلى هناك؛ ولأنه ليس لدينا وقتٌ؛ فإنني سأقرأ لكم من واقع التقرير المعلومات التي تُفيدنا عن «كولومبيا»؛ لأن حركتنا سوف تتَّسع لتشمل ساحتَها كلَّها.
ثم فتح التقرير، وقال: حركتُنا سوف تتَّسع على مساحة مليون و١٧٩ ألفًا و٣١٧ كيلومترًا مربعًا.
ثم نظر إلى الشياطين وقال: إنها مساحة — كما ترون — شاسعة تمامًا، لكن أظن أن معرفتنا بطبيعة الأرض هناك يمكن أن تُعطيَنا عدةَ احتمالات عن تحديد المكان الذي ربما لجأ إليه «بوجوتي».
صمتَ لحظة، ثم عاد إلي التقرير، يقرأ: الدولة الوحيدة التي لها سواحل على المحيطَين الأطلنطي والهادي تتكوَّن من سلاسل جبلية ومرتفعات في الغرب، وأراضٍ سهلية من الشرق، وفي الشرق أيضًا غابات كثيفة تكون جزءًا من حوض الأمازون في الجنوب وسهول «يانوس» بحوض «الأونوكو» شمالًا. وخُصِّص الجانب الأكبر من السهول لتربية الماشية وفي الغرب تنقسم جبال «الأنديز» إلى ثلاث سلاسل؛ إذ يخترقها وادي نهر «كوكا» و«ماجدلينا»؛ حيث تتركز الثروة والسكان وتقوم العاصمة والمدن الكبرى.
كان الشياطين يسمعون بتركيز شديد، في الوقت الذي كانت فيه السيارة تنطلق كالصاروخ.
صمت «أحمد» قليلًا، ثم قال: أتصور أن «بوجوتي» لن يكون في العاصمة، ولا في إحدى المدن الكبرى.
ردَّ «فهد»: إنني أوافقك، وأظنُّ أنه سوف يلجأ إلى الجبال.
أضاف «بو عمير»: أتصور أنه قد يلجأ إلى حيث الكثافة السكانية، حيث يتعذر الوصول إليه.
غير إن «خالد» قال: أعتقدُ أن ذلك يخضع لشخصية «بوجوتي» نفسها، إن معرفة شخصيته سوف تُعطينا مفتاحَ شخصيته وطريقة تفكيره.
هزَّ «أحمد» رأسه، وابتسم قائلًا: كلامٌ صحيح، معك حقٌّ، هذه حقيقة، والتقرير يضمُّ دراسةً كاملة عن شخصية «بوجوتي»، غير أني أفضِّل أن نعرف أولًا إلى أين نحن ذاهبون، ثم نَصِل إلى طبيعة العدو.
لم يعلِّق أحدٌ من الشياطين، فواصل «أحمد» قراءتَه في التقرير، كانت عيناه تجريان على الكلمات، وكأنه يبحث عمَّا يهمُّهم، ثم قال: إن التقرير يشمل تاريخَ «كولومبيا» وتطوُّرَها، وكانت تُسمِّي نفسَها «كولومبيا العظمى»، وكانت تضمُّ «فنزويلا» و«أكوادور». لكن أجزاء كثيرة استقلَّت عنها حتى وصلَت إلى مساحتها الحالية.
فجأةً، أظلمَت السماء، وضغط «خالد» فرامل السيارة فصرخ صوتها … ولم يعرف أحد ماذا حدث!